أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي (ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ )

(ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً)٢١-الإسراء


الحق تبارك وتعالى أعطانا قضايا إيمانية نظرية، ويريد مِنّا أنْ ننظر في الطبيعة والكون، وسوف نجد فيه صِدْق ما قال.
يقول تعالى: { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ .. } [الإسراء: 21].


والمتأمل يجد أن الله تعالى جعل التفضيل هنا عامّاً، فلم يُبيّن مَن المفضَّل ومَنِ المفضّل عليه، فلم يقُلْ: فضلت الأغنياء على الفقراء، أو: فضلت الأصحاء على المرضى.
إذن: فما دام في القضية عموم في التفضيل، فكلُّ بعض مُفضَّل في جهة، ومُفضّل عليه في جهة أخرى، لكن الناس ينظرون إلى جهة واحدة في التفضيل، فيفضلون هذا لأنه غني، وهذا لأنه صاحب منصب .. الخ.
وهذه نظرة خاطئة فيجب أن ننظر للإنسان من كُلِّ زوايا الحياة وجوانبها؛ لأن الحق سبحانه لا يريدنا نماذج مكررة، ونُسَخاً مُعَادة، بل يُريدنا أُنَاساً متكاملين في حركة الحياة، ولو أن الواحد مِنّا أصبح مَجْمعاً للمواهب ما احتاج فينا أحدٌ لأحد، ولتقطعت بيننا العَلاقات.
فمن رحمة الله أن جعلك مُفضَّلاً في خَصْلة، وجعل غيرك مُفضَّلاً في خصال كثيرة، فأنت محتاج لغيرك فيما فُضِّل فيه، وهم محتاجون إليك فيما فُضِّلْتَ فيه، ومن هنا يحدث التكامل في المجتمع، وتسلَمْ للناس حركة الحياة.


ونستطيع أن نخرج من هذه النظرة بقضية فلسفية تقول: إن مجموع مواهب كل إنسان تساوي مجموع مواهب كل إنسان، فإنْ زِدْتَ عني في المال فربما أزيد عنك في الصحة، وهكذا تكون المحصّلة النهائية متساوية عند جميع الناس في مواهب الدنيا، ويكون التفاضل الحقيقي بينهم بالتقوى والعمل الصالح، كما قال تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13].
لذلك يجب على المسلم أن يلتزمَ أدب الإسلام في حِفْظ مكانة الآخرين، فمهما كنت مُفضَّلاً فلا تحتقر غيرك، واعلم أن لهم أيضاً ما يفضلون به، وسوف يأتي اليوم الذي تحتاج إليهم فيه.


وقد ضربنا لذلك مثلاً بالعظيم الوجيه الذي قد تضطره الظروف وتُحوِجه لسباك أو عامل بسيط ليؤدي له عملاً لا يستطيع هو القيام به، فالعامل البسيط في هذا الموقف مُفضّل على هذا العظيم الوجيه. ولك أنْ تتصورَ الحال مثلاً إذا أضرب الكناسون عدة أيام عن العمل. إذن: مهما كان الإنسان بسيطاً، ومهما كان مغموراً فإن له مهمة يفضّل بها عن غيره من الناس.


خُذ الخياط مثلاً، وهو صاحب حرفة متواضعة بين الناس، ولا يكاد يُجيد عملاً إلا أن يخيطَ للناس ثيابهم، فإذا ما كانت ليلة العيد وجدته من أهم الشخصيات، الجميع يقبلون عليه، ويتمنون أن يتكرم عليهم ويقضي حاجتهم من خياطة ثيابهم وثياب أولادهم.


وبهذا نستطيع أن نفهم قَوْل الحق تبارك وتعالى: { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [الزخرف: 32].
فكل منا مُسخَّر لخدمة الآخرين فيما فُضِّل فيه، وفيما نبغ فيه.
وصدق الشاعر حين قال:

النَّاسُ لِلناسِ مِـنْ بَدْوٍ ومِنْ حَضَــرٍبَعْضٌ لبعْضٍ وإن لم يشعروا خَدَمُ
إذن: في التفاضل يجب أن ننظر إلى زوايا الإنسان المختلفة؛ لأن الجميع أمام الله سواء، ليس مِنّا مَن هو ابن الله، وليس مِنّا مَنْ بينه وبين الله نسَبٌ أو قرابة، ولا تجمعنا به سبحانه إلا صلة العبودية له عز وجل، فالجميع أمام عطائه سواء، لا يوجد أحد أَوْلَى من أحد.


فالعاقل حين ينظر في الحياة لا ينظر إلى تميُّزه عن غيره كموهبة، بل يأخذ في اعتباره مواهب الآخرين، وأنه محتاج إليها، وبذلك يندكّ غروره، ويعرف مدى حاجته لغيره. وكما أنه نابغ في مجال من المجالات، فغيره نابغ في مجال آخر؛ لأن النبوغ يأتي إذا صادف العمل الموهبة، فهؤلاء البسطاء الذين تنظر إليهم نظرة احتقارٍ، وترى أنهم دونك يمكن أن يكونوا نابغين لو صادف عملهم الموهبة.


وقوله تعالى: { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً .. } [الإسراء: 21].
فإنْ كان التفاضل بين الناس في الدنيا قائماً على الأسباب المخلوقة لله تعالى، فإن الأمر يختلف في الآخرة؛ لأنها لا تقوم بالأسباب، بل بالمسبب سبحانه، فالمفاضلة في الآخرة على حسبها.






ولو تأملتَ حالك في الدنيا، وقارنتَه بالآخرة لوجدتَ الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً، فعمرك في الدنيا موقوت، وسينتهي إلى الموت؛ لأن عمرك في الدنيا مدة بقائك فيها، فإنْ بقيْت من بعدك فهي لغيرك، وكذلك ما فُضِّلْتَ به من نعيم الدنيا عُرْضَة للزوال، حيث تناله الأغيار التي تطرأ على الإنسان.
فالغنيّ قد يصير فقيراً، والصحيح سقيماً، كما أن نعيم الدنيا على قَدْر إمكانياتك وتفاعلك مع الأسباب، فالدنيا وما فيها من نعيم غير مُتيقّنة وغير موثوق بها.
وهَبْ أنك تنعَّمْتَ في الدنيا بأعلى درجات النعيم، فإن نعيمك هذا يُنغِّصه أمران: إما أن تفوت هذا النعيم بالموت، وإما أنْ يفوتَك هو بما تتعرّض له من أغيار الحياة.


أما الآخرة فعمرك فيها مُمتدّ لا ينتهي، والنعمة فيها دائمة لا تزول، وهي نعمة لا حدودَ لها؛ لأنها على قَدْر إمكانيات المنعِم عز وجل، في دار خلود لا يعتريها الفناء، وهي مُتيقنة موثوق بها.
فأيهما أفضل إذن



؟ لذلك الحق سبحانه يدعونا إلى التفكُّر والتعقُّل:
{ ٱنظُرْ } أيَّ الصفقتين الرابحة، فتاجر فيها ولا ترضى بها بديلاً.
إذن: فالآخرة أعظم وأكبر، ولا وجهَ للمقارنة بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة. وأذكر أننا سافرنا مرة إلى (سان فرانسيسكو) فأدخلونا أحد الفنادق، لا للإقامة فيه، ولكن لمشاهدة ما فيه من روعة وجمال ومظاهر الرقي والرفاهية.


وفعلاً كان هذا الفندق آية من آيات الإبداع والجمال، فرأيتُ رفاقي وكانوا من علية القوم مبهورين به، مأخوذين بروعته، فقلت لهم عبارة واحدة: هذا ما أعد البشر للبشر، فكيف بما أعدّه ربُّ البشر للبشر؟
فنعيم الدنيا ومظاهر الجمال فيها يجب أنْ تثير فينا الشوق لنعيم دائم في الجنة؛ لا أنْ يثير فينا الحقد والحسد، يجب أن نأخذ من مظاهر الترف والنعيم عند الآخرين وسيلة للإيمان بالله، وأن نُصعِّد هذا الإيمان بالفكر المستقيم، فإنْ كان ما نراه من ترف وتقدم ورُقيّ وعمارة في الدنيا من صُنْع مهندس أو عامل، فكيف الحال إنْ كان الصانع هو الخالق سبحانه وتعالى؟


ويجب ألاًّ نغفلَ الفرْق بين نعيم الدنيا الذي أعدّه البشر ونعيم الآخرة الذي أعدّه الله تعالى، فقصارى ما توصل إليه الناس في رفاهية الخدمة أن تضغط على زر فيأتي لك منه الشاي مثلاً، وتضغط على زر آخر فيأتي لك منه القهوة.
وهذه آلة تستجيب لك إنْ تفاعلتَ معها، لكن مهما ارتقى هؤلاء، ومهما تقدَّمت صناعتهم فلن يصلوا إلى أنْ يقدموا لك الشيء بمجرد أن يخطر على بالك؛ لأن هذا من نعيم الجنة الذي أعده الخالق سبحانه لعباده الصالحين.
إذن: فما دام كذلك، وسلَّمنا بأن الآخرة أفضل وأعظم، فما عليك إلاَّ أنْ تبادر وتأخذ الطريق القويم، وتسلك طريق ربك من أقصر اتجاه، وهو الاستقامة على منهج الله الواحد والالتزام به.



التفاسير العظيمة

(ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ )





قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ امانى يسرى القرآن الكريم


الساعة الآن 02:22 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل