هذه الآيات وكل الآيات التي بعدها آيات مواقف حسية في واقعنا نراها ليل نهار
ولكن الذي استوقفني الآية الأولى
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ).
الهوى هوى النفس، ماتميل إليه، ما ترغب فيه، ما تطمح إليه، هذا الهوى أصبح إلهًا يُعبد ويُخضع له من دون الله عز وجل (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) فكل ما تهواه النفس وتريده وتصبو إليه وتنجذب إليه ترى ذلك الشخص يسير عليه بدون أيّ محاولة للتوقف أن يا نفس هل هذا نداء العقل أم نداء الهوى؟
على الرغم من أن أعظم ما ميّز الإنسان ويميزه العقل الذي كُرّم به، مناط التكليف ولكن رغم هذا قد يسيطر الهوى على الإنسان فيصبح الهوى هو الذي يدله، الهوى هو الذي يأخذ بيده يمينًا أو شمالًا. ولذلك ورد ذكر الهوى واتباع الهوى في القرآن كثيرًا جدًا في آيات متعددة. فالهوى يدعو الإنسان على سبيل المثال إلى عدم القيام لصلاة الفجر،فالنوم في تلك الساعة تحديدًا في غاية الروعة، تهواه النفس، تريد، النفس لا تريد أن تقوم من الفراش الدافئ خاصة في ليالي الشتاء، النفس تريد أن تنام لا تريد أن تقوم. فحين يصبح الهوى هو الذي يسيّر الإنسان يجد الإنسان نفسه متثاقلًا متباطئًا لا يريد أن يقوم للصلاة على الرغم من أنه لو أدرك ما في الصلاة هذه الصلاة تحديدا من خير وثواب ورزق وعطاء في الدنيا وفي الآخرة لقام من مكانه في ثواني! هذا مثال واحد فقط عن الهوى. النفس تهوى أشياء كثيرة، ما لم يُخضعها الإنسان لنداء آخر، القرآن يقدّم البديل دائماً، وتأملوا الربط بين الآية والآية التي تليها: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴿٤٤﴾)إذن العاقل هو الذي يسمع ليس يسمع مجرد سماع وإنما ذلك السماع الذي يولد لديه الاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى.
سمع هذه الآية
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)
فاتخذ القرار أن لا يجعل الهوى هو الذي يتحكّم فيه وفي حياته وأن يحكّم العقل والشرع قبل أن يخطو خطوة إلى الأمام. أن يسأل نفسه قبل أن يقدم على هذه الخطوة، قبل أن أخرج، أريد أن أخرج إلى مكان مع رفقة مع صحبة أتساءل يا ترى هل فعلًا هذه الخطوة صحيحة؟
أعطي لنفسي ولو ثواني معدودة ولو دقيقةواحدة أسال نفسي قبل أن أخرج لماذا أخرج؟
ما الذي أريده؟ ما الذي سأحصل عليه؟
هذه أسئلة مشروعة ولكن هذه الأسئلة المشروعة لا يسألها إلا العقلاء أولئك الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، الذين تستوقفهم آيات الله عز وجل في النفس،في الكون، في القرآن، أولئك الذين حين ينظرون إلى الظل لا يرونه شيئًا عاديًا، أولئك الذين لا يرون في الليل مجرد ليل وإنما يرونه آية من آيات الله عز وجل دليل على قدرته سبحانه وتعالى يرون في النهار شيئًا آخر، يرون في الرياحعظمة من عظمات الله سبحانه، آية على عظمته عز وجل، يرون في المطر، يرون في الأرض يرون في الزرع، أينما توجهوا والتفتوا رأوا آيات الله عز وجل مبثوثة في الكون، مبثوثة في نفوسهم، مبثوثة في الكتاب العظيم، سرعان ما تأخذ بقلوبهم لله سبحانه وتعالى فيخضعون له، ينقادون لأمره، يتخذونه إلهًا ولا يرضون بأحد سواه ربًا وإلهًا ومعبودًا. حينها فقط يصبح هوى النفس تبعًا لما في كتاب الله وما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هنا تستجيب النفس بكل ما فيها لما يحبه الله ويرضاه، وهذا بالضبط ما يريد القرآن أن يصنعه في نفوسنا.