لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)
المهاد هو الفراش، ومنه مهد الطفل، والغاشية هي الغطاء، أي أن فرش هذا المهاد وغطاءه جهنم. وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه وتعالى:* لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ... *[الزمر: 16]
إذن الظلل والغواشي تغطي جهتين في التكوين البعدي للإِنسان، والأبعاد ستة وهي: الأمام والخلف، واليمين والشمال، والفوق والتحت، والمهاد يشير إلى التحتية، والغواشي تشير إلى الفوقية، وكذلك الظلل من النار، ولكن الحق شاء أن يجعل جهنم تحيط بأبعاد الكافر الستة فيقول سبحانه:* إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا... *[الكهف: 29]
وهذا يعني شمول العذاب لجميع اتجاهات الظالمين.
وجهنم مأخوذة من الجهومة وهي الشيء المخوف العابس الكريه الوجه، ثم يأتي بالمقابل ليشحن النفس بكراهية ذلك الموقف، ويحبب إلى النفس المقابل لمثل هذا الموقف.
تفسير الشعراوى (رحمة الله عليه)
(والفتنة أشد من القتل) ما المقصود بالفتنة في هذه الآية؟
إن الفتنة في الآية الكريمة يقصد بها محاولة الكفار إرجاع المسلمين عن دينهم. قال القرطبي: والفتنة أشد من القتل: أي الفتنة التي حملوكم عليها وراموا رجوعكم بها إلى الكفر أشد من القتل
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " والفتنة أشد من القتل "، والشرك بالله أشدُّ من القتل
يقول عز وجل ((بلى قادرين على أن نسوي بنانه))
ما هو الإعجاز العلمي لهذه الآية؟
فالإعجاز العلمي في قوله تعالى: بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ [القيامة:4] هو أن البنان تحتوي على البصمات، والتي في الغاية من الدقة، حيث لا يتشابه اثنان في خريطة البصمات، فأقسم الله تعالى بالقيامة أنه قادر على أن يرد هذه البنان يوم القيامة كما كانت وبنفس الخريطة والدقة، وذلك في معرض الرد على المشركين الذين ينكرون المعاد ويستبعدون حشر الأجسام بعد كونها ترابا، وقد ذكر هذا المعنى كثير من المواقع المتخصصة بالإعجاز، وهذا الأمر أي عدم تطابق البصمات إنما اكتشف مؤخرا، أما المفسرون، فإنهم ذكروا أن البنان التي تحتوي على العظام الصغيرة والأظافر إذا كان الله سيعيدها كما كانت، ويؤلف بينها حتى تستوي، فمن باب أولى أن يعيد ما هو أكبر منها، انظر مثلا تفسير القرطبي . والله أعلم.
المقصود بصحف إبراهيم وموسى
الذي أنزل الله تعالى على موسى هو التوراة. وقد سماها الله تعالى: صحفا في قوله تعالى: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى* صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى [الأعلى:18-19]. ومن أهل العلم من ذهب إلى أن الصحف غير التوراة. كما تبين الآية نزول صحف على إبراهيم. وقد ذكر الإمام القرطبي المقصود بهذه الصحف عند تفسير هذه الآية حيث قال: صحف إبراهيم وموسى يعني الكتب المنزلة عليهما، ولم يرد أن هذه الألفاظ يعينهما في تلك الصحف، وإنما هو على المعنى، أي معنى هذا الكلام وارد في تلك الصحف. روى الآجري من حديث أبي ذر قال: قلت يا رسول الله: فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: كانت أمثالا كلها: أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها ولو كانت من فم كافر. إلى أن قال القرطبي أيضا: قال: قلت: يا رسول الله: فما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عِبَرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف ينصب، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها.. إلى آخره
الكتاب الذي أمر يحيى بأخذه بقوة
لذي يظهر من سياق الآية أن الكتاب الذي أمر يحيى بأن يأخذه بقوة في قوله تعالى: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12]. هو كما قال الشوكاني في فتح القدير: إنه التوارة لأنه المعهود حينئذ، ويحتمل أن يكون كتاباً مختصا به، وإن كنا لا نعرفه الآن. ولعل القول بأنه التوارة أوضح، لأنه من المعلوم أن كثيراً من أنبياء بني إسرائيل كانوا يحكمون بالتوراة إلى أن جاء عيسى عليه السلام، فنسخ بعض تشريعاتها، ومع ذلك فقد امتن الله عليه بأنه علمه إياها، قال الله سبحانه: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ [المائدة:110]. والله أعلم.
تفسير قوله تعالى"ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا"
قد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره معنى هذه الآية قائلاً: كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني، وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت، فلما جاء الإسلام نهى الله المؤمنين عن ذلك، وكان سبب نزول هذه الآية الكريمة -في ما ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف- في شأن عبد الله بن أبي بن سلول، فإنه كان له إماء فكان يكرههن على البغاء طلباً لخراجهن، ورغبة في أولادهن، ورياسة منه في ما يزعم.
الآية التي يطلق عليها آية الضمائر
الآية التي يطلق عليها آية الضمائر، هي الآية رقم: 31 من سورة النور. قال القرطبي: قال مكي رحمه الله تعالى: ليس في كتاب الله تعالى آية أكثر ضمائر من هذه، جمعت خمسة وعشرين ضميرا للمؤمنات من مخفوض ومرفوع
(وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )
معنى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)
يبين الله عز وجل فيها عظم أجر الصابرين، وأن أجرهم قد تعدى الموازين والحساب، فلا يعلم جزاؤهم إلا الله، قال ابن كثير : قال الأوزاعي : ليس يوزن لهم ولا يكال، وإنما يغرف لهم غرفاً . انتهى. وقال أيضاً: قال ابن جريج : بلغني أنه لا يحسب عليهم ثواب عملهم قط، ولكن يزادون على ذلك. وقد جاءت الآية عامة، وهذا يفيد أنها تشمل جميع أنواع الصبر
تفسير ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
فيقول الشوكاني رحمه الله في تفسيره لهذه الآية وهي قول الحق سبحانه: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (قّ:18)، أي ما يتكلم من كلام فيلفظه ويرميه من فيه إلا لديه، أي ذلك اللافظ، رقيب، أي ملك يرقب قوله ويكتبه، والرقيب الحافظ المتتبع لأمور الإنسان الذي يكتب ما يقوله من خير وشر، فكاتب الخير هو ملك اليمين، وكاتب الشر ملك الشمال. انتهى.
وليست هذه الكتابة خاصة بالقول فقط، وإنما شاملة للفعل أيضاً، قال ابن كثير في قوله تعالى: إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (قّ:18): أي إلا ولها من يرقبها معد لذلك ليكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة كما قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ*كِرَاماً كَاتِبِينَ*يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (الإنفطار:10-12). انتهى.
واختلف العلماء هل يكتب الملك كل شيء من الكلام أم أنه لا يكتب إلا ما فيه عقاب وثواب؟ قال القرطبي في تفسيره: قال ابن الجوزاء ومجاهد يكتب على الإنسان كل شيء حتى الأنين في مرضه، وقال عكرمة لا يكتب إلا ما يؤجر به أو يؤزر عليه، وقيل يكتب عليه كل ما يتكلم به، فإذا كان آخر النهار محا عنه ما كان مباحاً نحو انطلق اقعد كل مما لا يتعلق به أجر أو وزر.
وذكر ابن كثير أن ظاهر الآية العموم. والله أعلم.
(وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ )
قد اختلف المفسرون في تعيين من هم أصحاب اليمين على عدة أقوال حكاها ابن الجوزي في "زاد المسير"، فقال رحمه الله: فأصحاب الميمنة فيهم ثمانية أقوال: أحدها: أنهم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت ذريته من صلبه، قاله ابن عباس . والثاني: أنهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم، قاله الضحاك والقرطبي . والثالث: أنهم الذين كانوا ميامين على أنفسهم، أي مباركين، قاله الحسن والربيع . والرابع: أنهم الذين أخذوا من شق آدم الأيمن، قاله زيد بن أسلم . والخامس: أنهم الذين منزلتهم عن اليمين، قاله ميمون بن مهران . والسادس: أنهم أهل الجنة، قاله السدي . والسابع: أنهم أصحاب المنزلة الرفيعة، قاله الزجاج . والثامن: أنهم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، ذكره علي بن أحمد النيسابوري. ويمكن رد بعض هذه الأقوال إلى بعض. والله أعلم.
معنى (القانطون - القانتون)
فالقانطون هم اليائسون. أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله تعالى: فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ [الحجر: 55]. قال: الآيسين، وعلى هذا عامة المفسرين. هذا إذا كنت تسأل عن القانطين بالطاء، أما إذا كنت تسأل عن القانتين بالتاء: فقد اختلف أهل التفسير بالمراد بقول الله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة: 238]. فقيل: معنى القنوت هنا الطاعة، ويؤيد هذا التفسير قول البخاري في صحيحه: باب وقوموا لله قانتين مطيعين، وقيل هو طول القيام، وقيل: هو الإمساك عن الكلام، ولكل واحد من هذه الأقوال ما يؤيده. والله أعلم.
تفسير قوله تعالى "فقبضت قبضة من أثر الرسول"
قوله تعالى في سورة طه عن السامري: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي [طـه: 96]. وقد كان السامري رأى عند خروجهم من البحر عند إغراق فرعون وقومه، رأى جبريل عليه السلام على فرسه فأخذ قبضة من أثر حافر فرسه، وسولت له نفسه أنه إذا ألقى هذه القبضة على شيء صار حيا فتنة وامتحانا. فألقاها على ذلك العجل الذي صاغه بصورة عجل فصار له خوار، فقال لبني إسرائيل هذا إلهكم وإله موسى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قال للسامري: "فما خطبك يا سامري؟" فأجابه السامري: "بصرت بما لم يبصروا به"، وهو جبريل عليه السلام على الفرس، "فقبضت قبضة من أثر الرسول"، أي من حافر فرسه، "فنبذتها"، أي ألقيتها على العجل، "وكذلك سولت لي نفسي"، أي أن أقبضها ثم أنبذها فكان ما كان. والله أعلم.
معنى (المتردية والنطيحة)
فقد وردت هاتان الكلمتان في سياق بعض المحرمات من الأطعمة، وذلك في سورة المائدة الآية رقم: (3) والمراد بالمتردية: البهيمة التي سقطت من شاهق كجبل أو حائط أو نحوهما، أو سقطت في بئر، فإذا ماتت فلا يحل أكلها. والمراد بالنطيحة: البهيمة التي نطحتها أخرى فماتت بسبب ذلك، وهي على هذا من باب: فعيلة بمعنى مفعولة أي منطوحة.
تفسير قوله تعالى: (وليال عشر)
فأكثر المفسرين على أن المقصود بقول الله تعالى في سورة الفجر: وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ هي العشر الأول من ذي الحجة، قال القرطبي: "وليال عشر" أي ليال عشر ذي الحجة وكذا قال مجاهد والسدي والكلبي، وقاله ابن عباس. انتهى.
وقال الطبري: والصواب من القول في ذلك عندنا أنها عشر الأضحي لإجماع الحجة من أهل التأويل. انتهى.
وقال الشوكاني: وليال عشر هي عشر ذي الحجة في قول جمهور المفسرين
عن حفصة رضي الله عنها قالت: أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم صيام يوم عاشوراء والعشر وثلاثة أيام من كل شهر والركعتين قبل الغداة. رواه أحمد والنسائي وابن حبان وصححه، وفيه دليل على استحباب صوم أيام عشر ذي الحجة
تفسير (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ..)
فليس لهذا الذنب صلاة تخصه، وأما المراد بقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ(هود: من الآية114) ففيه أقوال:
قال مجاهد رحمه الله تعالى: طرفا النهار صلاة الصبح والظهر والعصر، وزلفاً من الليل صلاة المغرب والعشاء.
وقال مقاتل: صلاة الفجر والظهر طرف، وصلاة العصر والمغرب طرف، وزلفاً من الليل يعني صلاة العشاء.
وقال الحسن: طرفا النهار الصبح والعصر، وزلفاً من الليل: المغرب والعشاء. ا.هـ من البغوي.
تفسير قوله تعالى عن الأمانة : ( وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) .
قال الله عز وجل : ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) الأحزاب / 72 .
فعرض الله تعالى طاعته وفرائضه وحدوده على السموات والأرض والجبال ، على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت ، وإن ضيعت عوقبت ، فأبت حملها إشفاقًا منها أن لا تقوم بالواجب عليها ، وحملها الإنسان ، إنه كان ظلوما جهولا .
قال الواحدي : " والأمانة في هذه الآية في قول جميعهم: الطاعة والفرائض التي يتعلق بأدائها الثواب وبتضييعها العقاب .." انتهى من "التفسير البسيط" (18/302) .
تفسير (ظلوما جهولا)
قد قال الإمام القرطبي في تفسيره مفسراً لما سألت عنه: ظلوماً لنفسه جهولاً لربه. انتهى. وقال الشوكاني في فتح القدير: وحملها الإنسان وهو في ذلك ظلوم لنفسه جهول لما يلزمه، أو جهول لقدر ما دخل فيه، كما قال سعيد بن جبير، أو جهول بربه كما قال الحسن.
قال ابن عاشور رحمه الله :
"مَعْنَى (كانَ ظَلُوماً جَهُولًا) أَنَّهُ قَصَّرَ فِي الْوَفَاءِ بِحَقِّ مَا تَحَمَّلَهُ تقصيرا: بعضه عَن عَمْدٍ ، وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بِوَصْفِ ظَلُومٍ، وَبَعْضُهُ عَنْ تَفْرِيطٍ فِي الْأَخْذِ بِأَسْبَابِ الْوَفَاءِ ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِكَوْنِهِ جَهُولًا، فَظَلُومٌ مُبَالَغَةٌ فِي الظُّلْمِ وَكَذَلِكَ جَهُولٌ مُبَالَغَةٌ فِي الْجَهْلِ.
وَالظُّلْمُ: الِاعْتِدَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ وَأُرِيدُ بِهِ هُنَا الِاعْتِدَاءُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ الْمُلْتَزَمِ لَهُ بِتَحَمُّلِ الْأَمَانَةِ، وَهُوَ حَقُّ الْوَفَاءِ بِالْأَمَانَةِ.
وَالْجَهْلُ: انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِمَا يَتَعَيَّنُ عِلْمُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا انْتِفَاءُ عِلْمِ الْإِنْسَانِ بِمَوَاقِعِ الصَّوَابِ فِيمَا تَحَمَّلَ بِهِ، فَقَوْلُهُ: (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا) : مُؤْذِنٌ بِكَلَامٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ هُوَ عَلَيْهِ ، إِذِ التَّقْدِيرُ: وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ فَلَمْ يَفِ بِهَا إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، وَلَوْلَا هَذَا التَّقْدِيرُ لَمْ يَلْتَئِمِ الْكَلَامُ ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يُحَمَّلِ الْأَمَانَةَ بِاخْتِيَارِهِ ، بَلْ فُطِرَ عَلَى تَحَمُّلِهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ ظَلُوماً جَهُولًا فِي فِطْرَتِهِ ، أَيْ فِي طَبْعِ الظُّلْمِ، وَالْجَهْلِ ؛ فَهُوَ مُعَرَّضٌ لَهُمَا ، مَا لَمْ يَعْصِمْهُ وَازِعُ الدِّينِ، فَكَانَ مِنْ ظُلْمِهِ وَجَهْلِهِ أَنْ أَضَاعَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْأَمَانَةَ الَّتِي حَمَلَهَا " انتهى من "التحرير والتنوير" (22/ 129) .
معنى : { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً }
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/ 97 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا - وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه من ذكر أو أنثى من بني آدم ، وقلبه مؤمن بالله ورسوله ، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله - بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة ، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت"
قال السعدي:
{ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } وذلك بطمأنينة قلبه، وسكون نفسه، وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه، ويرزقه الله رزقا حلالا طيبا من حيث لا يحتسب. { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ } في الآخرة { أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } من أصناف اللذات مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فيؤتيه الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة.
تفسير قوله تعالى "لابثين فيها أحقابا"
قوله تعالى: [لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ] (النبأ: 23) أي: ما كثين فيها أحقابا، وهي جمع حقب وهو المدة من الزمان، وقد اختلفوا في مقداره فقال ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن سفيان الثوري عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي بن أبي طالب لهلال الهجري: ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل؟ قال: نجده ثمانين، كل سنة اثنا عشر شهرا، كل شهر ثلاثون يوما، كل يوم ألف سنة. انتهى. وقال الإمام القرطبي في تفسيره: [لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ] أي ماكثين في النار ما دامت الأحقاب، وهي لا تنقطع، فكلما مضى حقب جاء حقب، والحقب بضمتين الدهر، والأحقاب الدهور، إلى أن قال: وهذا الخلود في حق المشركين، ويمكن حمل الآية على العصاة الذين يخرجون من النار بعد أحقاب
معنى (فمحونا آية الليل..)
فيقول الإمام ابن الجوزي في زاد المسير: فمحونا آية الليل فيه قولان، أحدهما: أن آية الليل القمر ومحوها ما في بعض القمر من الاسوداد وإلى هذا المعنى ذهب علي عليه السلام وابن عباس في آخرين.
والثاني: آية الليل محيت بالظلمة التي جعلت ملازمة لليل فنسب المحو إلى الظلمة إذ كانت تمحو الأنوار وتبطلها ذكره ابن الأنباري. ويروى أن الشمس والقمر كانا في النور والضوء سواء، فأرسل الله جبريل فأمَرَّ جناحه على وجه القمر وطمس عنه الضوء.
تفسير (وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا)
وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (آل عمران:147)، قال الإمام القرطبي في تفسيره: ربنا اغفر لنا ذنوبنا يعني الصغائر، وإسرافنا يعني الكبائر. والإسراف الإفراط في الشيء ومجاوزة الحد، وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني. وذكر الحديث. فعلى المسلم أن يستعمل ما في كتاب الله، وصحيح السنة من الدعاء ويدع ما سواه، ولا يقول أختاره كذا، فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه وعلمهم كيف يدعون
{وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}
الوسيط لطنطاوي :
أى : وأمهلهم ليزدادوا إثما .
تفسير القرطبي :
(وأملي لهم) أي : أمهلهم وأطيل لهم المدة . والملاوة : المدة من الدهر .
(إن كيدي متين) : أي إن عذابي لقوي شديد فلا يفوتني أحد .
-وفي الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " . ثم قرأ : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [ هود : 102 ] .
{وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ}
الوسيط لطنطاوي :
أى : وليس له فى جهنم من طعام سوى الغسلين وهو صديد أهل النار . . أو شجر يأكله أهل النار ، فيغسل بطونهم ، أى : يخرج أحشاءهم منها ، أو ليس لهم إلا شر الطعام وأخبثه .
"وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ"
غاسق: أى الليل إذا اشتد ظلامه،والغسق أول ظلمه الليل .
وقب: أى دخل بظلامه .
قال المفسرون :
أي وقل أعوذ به تعالى من شر الليل إذا أظلم واشتد ظلامه ،فإن ظلمه الليل ينتشر عندها اهل الشر من الإنس والجن .
وقال الرازى: التعوذ من شر الليل لأن فى الليل تخرج السباع والهوام من مكانها ،ويهجم السارق ويقل فيه الغوث .
تفسير ( وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا)
قد قال الإمام ابن كثير في تفسير الآية: وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا: أي لا يثقله ولا يكرثه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما ومن بينهما؛ بل ذلك سهل عليه يسير، لديه، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه شيء، والأشياء كلها حقيرة بين يديه
تفسير (والذاريات ذرواً...)
فإن "الذاريات" هي الرياح تذرو التراب، "ذروا" أي تثيرها.
وأما "الحاملات وقرا" فهي السحب التي تحمل الماء، والوقر ما يوقر أي يحمل، والمراد به هنا الماء.
وأما "الجاريات" فهي السفن الجارية في البحر تجري جريا ذا يسر أي سهل، واليسر السهل في كل شيء.
وأما "المقسمات أمرا" فهي الملائكة تقسم الأمور.
وقد روي تفسيرها بما ذكرنا عن عمر وعلي وابن عباس ومجاهد والحسن، ذكر ذلك القرطبي في التفسير والسيوطي في الدر المنثور وابن كثير في تفسيره. وقال ابن كثير في التفسير إن ذلك ثبت عن علي من غير وجه، وذكر أن الطبري وابن أبي حاتم لم يذكرا غير هذا التفسير.
تفسير قوله تعالى "فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني"
[فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي] جاء في قصة طالوت
والفرق بين الشرب والطعم في الآية الكريمة أن الذي يريد أن يشرب يتناول الكثير من المشروب حتى يروي عطشه ويقضي نهمه.
وأما الطعم فإنه يصدق على أقل متناول من المشروب، وإن كان مجرد الذوق، وهذا كان لاختبار قوة إرادتهم والتحكم في شهواتهم ومدى طاعتهم لقيادتهم، وهذا ما يبدو واضحا من سياق الآية الكريمة فإن بدايتها قول الله تبارك وتعالى:[ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ] البقرة: 249.
تفسير (الجبت والطاغوت)
قد اختلف في الجبت والطاغوت. روى البخاري تعليقا: قال جابر: كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها في جهينة واحدة، وفي أسلم واحد. وفي كل حي واحد كهان ينزل عليهم الشيطان. وقال عمر: الجبت السحر والطاغوت الشيطان. وقال عكرمة: الجبت بلسان الحبشة شيطان والطاغوت الكاهن. وفي فتح الباري تفسيرات أخرى كثيرة للجبت والطاغوت منها: الجبت الشيطان، والطاغوت الكاهن، وقيل: الجبت الأصنام، والطواغيت الذين كانوا يعبرون عن الأصنام بالكذب، وقيل الجبت الكاهن والطاغوت رجل من اليهود يدعى كعب بن الأشرف، وقيل: الجبت حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف...
معنى (..لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ..)
إن البرهان الذي رءاه يوسف عليه السلام وجاء ذكره في قول الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24].
اختلف فيه العلماء فلم يذكر في آية من كتاب الله تعالى... قال بعض المفسرين: نودي بالنهي عن الوقوع في الخطيئة.
وقال بعضهم رأى صورة أبيه يعقوب على الجدران عاضا على أصبعه يتوعده.... وقال بعضهم: قامت المرأة إلى صنم لها في البيت فسترته حياء منه واحتراماً له فقال يوسف: أنا أولى أن أستحيي من الله تعالى.
وقال بعضهم رأى في سقف البيت مكتوباً "وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً" وقيل رأى مكتوبا "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ"، "أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت" ذكر هذه الأقوال وغيرها الطبري والقرطبي وغيرهما...
وعقب عليها القرطبي بقوله: وبالجملة فذلك البرهان آية من آيات الله تعالى رءاها يوسف عليه السلام حتى قوي إيمانه وامتنع عن المعصية. كما قال الله تعالى: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ.
فالصواب أن يقف المسلم في هذه الأمور عند قول الله تعالى، أو ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أنه لم يرد في كتاب الله ولا في الثابت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي تحديد لهذا البرهان فالوقوف متعين.
تفسير معنى الفَوْقِيّة في حق الله
- قال المفسِّر شمس الدِين القرطبيُّ (ت 671هـ) في تفسيره ما نَصُّه: "ومعنى ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ فوقيّةُ الاستِعلاء بالقَهْر والغَلَبَةِ عَلَيهم، أي هم تحت تَسْخِيرِه، لا فَوقِيّةُ مكانٍ، كما تقول: السلطان فوق رَعِيَّتِه أي بالْمَنْزِلَةِ والرِفْعَةِ. وفي القهر" انتهى.
- قال المفسِّرُ اللُغَويُّ أبو زيدٍ الثَعالِبيُّ (ت 875هـ) في تفسير "قوله تعالى: ﴿يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [الأَنْعام: 61] ما نَصُّه: "يُريدُ فَوقِيّةَ القُدْرَةِ والعَظَمَةِ" انتهى.
- قال الحافظُ جلال الدين السيوطيُّ (ت 911هـ) في "الإتقان في علوم القرآن" ما نصُّه: "وَمِنْ ذَلِكَ صِفَةُ الْفَوْقِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾، ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ وَالْمُرَادُ بِهَا الْعُلُوُّ مِنْ غَيْرِ جِهَةٍ، وَقَدْ قَالَ: فِرْعَوْنُ: ﴿وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْعُلُوَّ الْمَكَانِيَّ" انتهى.
• واضرب لهم مَثَل الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء
شبَّه تعالى الدنيا بالماء، لأن الماء لا يقدر أحد أن يدخله ولا يبتل، كذلك الدنيا لا يسلم أحد دخلها من فتنتها وآفتها.
(تفسير القرطبي)
• ليسأل الصادقين عن صدقهم
فإذا سُئِلَ الصادقون وحوسبوا على صدقهم، فما الظن بالكاذبين؟!
(اغاثة اللهفان لابن القيم 83/1)
• الذي أحسنَ كلَّ شيءٍ خلَقَه
فيه إرشادٌ إلى أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يستقبحَ شيئاً من المخلوقات.
(روح المعاني)
• وإلا تصرفْ عني كيدهُنَّ أصبُ إليهنَّ وأَكُنْ مِنَ الجاهلين
دل هذا على أن أحداً لا يمتنع عن معصية الله إلا بعون الله، ودل أيضاً على قبح الجهل والذم لصاحبه.
(تفسير القرطبي)
• فِي مَقْعدِ صِدْقٍ عِند مَلِيكٍ مُقْتَدِر
قال جعفر الصادق:
مدح اللهُ المكانَ بالصدق، فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق.
(تفسير البغوي)
• وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِه
قال سفيان بن عيينة:
لم يأمر بالمسألة إلا ليعطي.
(تفسير البغوي)
• فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون
قال الربيع:
إن الله ذاكر من ذكره، وزائد من شكره، ومعذب من كفره.
(تفسير الطبري)
• وقال ربكم ادعوني استجب لكم
قال ابو بكر الشبلي:
ادعوني بلا غفلة، استجب لكم بلا مهلة.
(شعب الايمان 54/2)
• فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً
قال ابن القيم:
فالعمل الصالح هو الخالي من الرياء المقيد بالسنة.
(بدائع التفسير 168/2)
• والقواعد من النساء
قال ابن قتيبة:
سميت المرأة قاعداً إذا كبرت لأنها تكثر القعود.
(تفسير البغوي)
• لئن شكرتم لأزيدنكم
قال الحسن البصري:
إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يُشكر عليها قلبها عذاباً.
(رواه البيهقي في الشعب)
• هذا ما توعدون لكل أوابٍ حفيظ
جاء عن مجاهد:
ألا أُنبئك بالأوَّاب الحفيظ؟ هو الرجل يذكر ذنبه إذا خلا، فيستغفر له.
(الدر المنثور)
• يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً
من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره، وُفّق لمعرفة الحق من الباطل.
(تفسير ابن كثير)
• لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً
يدل على جواز الإخبار بما يجده الشخص من الألم، وأنه لا يقدح في الرضا بالقضاء، اذا لم يصدر ذلك عن ضجر.
(تفسير القرطبي)
• قال يا بُني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً
الآية أصل في أن لا تقص الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح، ولا على من لا يحسن التأويل فيها.
(تفسير القرطبي)
• ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً
قال أبو العالية:
الكتاب والفهم به.
(تفسير الطبري)
• إنما يتقبل اللهُ من المتقين
قال فضالة بن عبيد:
لأن أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة، أحب إليّ من الدنيا وما فيها.
(الاخلاص والنية لابن أبي الدنيا)
• ما أصابك من حسنة فمِن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك
قال ابن القيم:
فالأول فضله، والثاني عدله، والعبد يتقلب بين فضله وعدله.
(زاد المعاد)
• كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها
قال الفضيل بن عياض:
والله إن الأيدي لموثقة وإن الأرجل لمقيدة، وإن اللهب ليرفعهم والملائكة تقمعهم.
(تفسير ابن كثير)
• فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً
ظلماً: بزيادة سيئاته.
وهضماً: بنقص حسناته.
(التفسير الميسر)
• وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون
بالصبر تترك الشهوات، وباليقين تدفع الشبهات.
(اقتضاء الصراط المستقيم)
• كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون
قال الشافعي:
لما حجب قوماً بالسخط، دل على أن قوماً يرونه بالرضا.
(تفسير القرطبي)
• والراسخون في العلم
قال مالك:
الراسخ: العالم العامل، فإذا لم يعمل بعلمه فهو الذي يقال فيه: نعوذ بالله من علم لا ينفع.
(القبس لابن العربي 1057/3)
• واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه
قال يحيى بن أبي كثير:
هي مجالس الفقه.
(الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي)
• وطعاماً ذا غُصّة
قال عنه ابن عباس أنه:
شوك يدخل الحلق، فلا ينزل ولا يخرج.
(تفسير القرطبي)
• وشفاء لما في الصدور
قال السعدي في تفسيره:
القرآن شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات وأمراض الشبهات...
• فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون
قال ابن تيمية:
الناس إذا تعاونوا على الإثم والعدوان، أبغض بعضهم بعضاً، وإن كانوا فعلوه بتراضيهم.
(مجموع الفتاوى)
• فإنه كان للأوّابين غفوراً
قال سعيد بن المسيّب:
"الأواب" الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب.
(تفسير البغوي)
• ومن يتقِ اللهَ يجعل له مخرجاً
قال ابن عباس:
ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة.
(تفسير ابن كثير)
• ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم
قال ابن رجب:
فهذه الآية تتضمن توبيخاً وعتاباً لمن سمع هذا السماع ولم يحدث له في قلبه صلاحاً ورِقّة وخشوعاً.
(نزهة الأسماع 82/1)
• وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
قال الإمام أحمد بن حنبل:
من رد حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهو على شفا هلكة.
(سير اعلام النبلاء 297/11)
• ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلّمون الكتاب
قال السعدي:
يأمرهم بأن يكونوا ربانيين، أي: علماء حكماء حلماء، معلمين للناس ومربيهم بصغار العلم قبل كباره، عاملين بذلك.
(تفسير السعدي)
• ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون
قال ابن الأعرابي:
لا يقال للعالم "رباني"، حتى يكون عالماً معلماً عاملاً.
(القبس شرح الموطأ)
• ونُنَزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين
قال ابن القيم:
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة.
(الطب النبوي ص262)
• قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم
قال الحسن البصري:
زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية.
(تفسير ابن كثير)
• واجنبني وبَنِيَّ أن نعبد الأصنام
قال إبراهيم التيمي:
من يأمن البلاء بَعد الخليل؟!
(تفسير القرطبي)
• ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار
قال السعدي:
وإذا كان هذا الوعيد في الركون إلى الظلمة، فكيف حال الظلمة أنفسهم؟!
(تفسير السعدي)
• ورفع أبويه على العرش وخروا له سُجداً
قال قتادة:
هذه كانت تحية الملوك عندهم، وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة.
(تفسير القرطبي)
• بل يريد الإنسان ليفجر أمامه
قال سعيد بن جبير:
يقدم على الذنب ويؤخر التوبة، فيقول: سوف أتوب، سوف أعمل، حتى يأتيه الموت على شر أحواله.
(تفسير البغوي)
• وسيجنبها الأتقى
قال ابن عطية:
ولم يختلف أهل التأويل أن المراد بالأتقى هو أبو بكر الصديق.
(المحرر الوجيز)
• نرفع درجاتٍ مَن نشاء
قال زيد بن أسلم: بالعلم.
(رواه الإمام أحمد بسند صحيح)
• فويلٌ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون
قال عطاء:
الحمد لله الذي قال: "عن صلاتهم"، ولم يقل: "في صلاتهم".
(تفسير القرطبي 212/20)
• وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير
قال الضّحاك:
وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن؟!
(تفسير ابن كثير)
• ولا تقولوا لِما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب
قال أبو نضرة:
قرأتُ هذه الآية في سورة النحل، فلم أزل أخاف الفُتيا إلى يومي هذا.
(تفسير فتح القدير)
• وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى
قال مقاتل:
هو الرجل يهم بالمعصية، فيذكر مقامه للحساب، فيتركها.
(تفسير البغوي)
• ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم
قال ابن مسعود:
ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين.
(تفسير ابن كثير)
• وقل رب زدني عِلماً
قال القرطبي:
فلو كان شيء أشرف من العلم، لأمر الله نبيه أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم.
(تفسير القرطبي 41/4)
• كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون
قال الحسن البصري:
هو الذنب على الذنب، حتى يعمى القلب فيموت.
(تفسير ابن كثير)
• والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان
هذه الآية دليل على وجوب محبة الصحابة.
(تفسير القرطبي)
• ولا تحسَبنَّ اللهَ غافلاً عما يعمل الظالمون
قال ميمون بن مهران:
هذه الآية تعزيةٌ للمظلوم، ووعيدٌ للظالم.
(تفسير الطبري)
• كانتا تحت عبدَيْن من عبادنا صالحَيْن فخانتاهما
قال ابن عباس:
ما بغت امرأة نبي قط، إنما كانت خيانتهما في الدين.
(زاد المسير)
• فَلَمْ يغنيا عنهما من الله شيئاً
قال ابن الجوزي:
هذه الآية تقطع طمع من ركب المعصية، ورجا أن ينفعه صلاح غيره.
(زاد المسير)
• تلفح وجوهَهم النارُ وهم فيها كالحون
الكالح: هو الذي قد تشمّرت شفتاه، وبدت أسنانه.
(معاني القرآن للزجّاج)
• من شر الوسواس الخناس
قال سعيد بن جبير:
إذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولّى، وإذا غفل وسوس إليه.
(العيال لابن أبي الدنيا)
• ثم لتُسئلن يومئذ عن النعيم
قال سعيد بن جبير:
الصحة والفراغ والمال.
(معالم التنزيل)
• وترى الناس سُكارى وما هم بسكارى
قال ابن القيم:
فهُم سكارى من الدهش والخوف، وليسوا بسكارى من الشراب.
(مدارج السالكين 307/3)
• يا أبتِ إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك
قال ابن القيم:
فلم يقل له إنك جاهل لا علم عندك، بل عدَل عن هذه العبارة إلى ألطف عبارة.
(بدائع الفوائد 133/3)
• واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
قال ابن القيم:
هو الموت، بإجماع أهل التفسير.
(مدارج السالكين 103/1)
• وما تغيض الأرحام وما تزداد
قال ابن عباس وغيره:
أي ما تنقص عن التسعة أشهر، وما تزيد عليها.
(بدائع التفسير)
• سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق
قال سفيان بن عيينة في تفسيره للآية:
أنزع عنهم فهم القرآن وأصرفهم عن آياتي.
(تفسير الطبري)
• ويَدْعُ الإنسانُ بالشر دعاءه بالخير
قال ابن عباس:
هو دعاء الرجل على نفسه وولده عند الضجر بما لا يحب أن يستجاب له.
(تفسير القرطبي)
• أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها
قال ابن عباس:
ذهاب علمائها وفقهائها وخيار أهلها.
(تفسير الطبري)
• واذكر ربك إذا نسيت
قال السعدي:
فيه الأمر بذكر الله تعالى عند النسيان، فإنه يزيله ويذكّر العبد ما سها عنه.
(تفسير السعدي)
• فيهما عينان تجريان
قال أبو بكر الوراق:
فيهما عينان تجريان، لمن كانت عيناه في الدنيا تجريان من مخافة الله عز وجل.
(تفسير القرطبي)
• فَخَلَفَ مِن بعدهم خلْف أضاعوا الصلاة
قال القرطبي:
وهو ذم ونص في أن إضاعة الصلاة من الكبائر التي يوبق بها صاحبها، ولا خلاف في ذلك.
(تفسير القرطبي)
• إما يبلغن عندك الكِبَرَ أحدُهما أو كلاهما
خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره، لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر.
(تفسير القرطبي)
• قرآناً عربياً غير ذي عوج
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
غير مخلوق.
(تفسير القرطبي)
• يا ليتها كانت القاضية
قال قتادة:
تمنى الموت ولم يكن شيء في الدنيا أكره إليه منه !
(تفسير ابن كثير)
• إنما نُملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين
الله تعالى يملي للظالم حتى يزداد طغيانه ويترادف كفرانه، حتى إذا أخذه، أخذه أخذ عزيز مقتدر.
فليحذر الظالمون من الإمهال، ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال.
(تفسير السعدي، سورة آل عمران: 17)
• فَخَلَفَ مِن بعدهم خلْف أضاعوا الصلاة
قال ابن تيمية:
إضاعتها التفريط في واجباتها، وإن كان يصليها.
(مجموع الفتاوي ج22 ص6)
• وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا
قال ابن كثير في تفسيره:
ولا تقفن على باب قوم ردوك عن بابهم، فإن للناس حاجات ولهم أشغال.
• فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون
قال السعدي في تفسيره للآية:
فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع، أن يعاهد ربه إن حصل مقصوده الفلاني، ليفعلن كذا وكذا، ثم لا يفي بذلك، فإنه ربما عاقبه الله بالنفاق كما عاقب هؤلاء.
• وجعلني مبارَكاً أين ما كنتُ
قال مجاهد:
معلماً للخير حيثما كنت.
(تفسير الطبري)
• وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً
قال ابن القيم:
فلما كان في الصبر الذي هو حبس النفس عن الهوى: خشونة وتضييقاً، جازاهم على ذلك: نعومة الحرير وسعة الجنة.
(روضة المحبين ص476)
• وكذلك نُنْجي المؤْمِنين
وهذا وعدٌ وبشارة لكل مؤمن وقع في شِدة وغم، أن الله تعالى سينجيه منها، ويكشف عنه ويخفف لإيمانه، كما فعل بيونس عليه السلام.
(تفسير السعدي)
• وما يستوي الأعمى والبصير. ولا الظلمات ولا النور. ولا الظل ولا الحرور. وما يستوي الأحياء ولا الأموات
قال ابن القيم:
فجعل من اهتدى بهداه واستنار بنوره بصيراً حياً في ظل يقيه من حر الشبهات والضلال والبدع والشرك، مستنيراً بنوره، والآخر أعمى ميتاً في حر الكفر والشرك والضلال منغمساً في الظلمات.
(اجتماع الجيوش الاسلامية ص32)
• وقَرْنَ في بيوتكن
قال ابن مسعود:
ما تعبدت اللهَ إمرأةٌ بمثل تقوى الله وجلوسها في بيتها.
(تفسير السمعاني 279/4)
( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) .
ذكروا في تفسير الثقيل وجوها :
أحدها : وهو المختار عندي أن المراد من كونه ثقيلا عظم قدره وجلالة خطره ، وكل شيء نفس وعظم خطره فهو ثقل وثقيل وثاقل ، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء : ( قولا ثقيلا ) يعني كلاما عظيما ، ووجه النظم أنه تعالى لما أمره بصلاة الليل ، فكأنه قال : إنما أمرتك بصلاة الليل ؛ لأنا سنلقي عليك قولا عظيما ، فلا بد وأن تسعى في صيرورة نفسك مستعدة لذلك القول العظيم ، ولا يحصل ذلك الاستعداد إلا بصلاة الليل ، فإن الإنسان في الليلة الظلماء إذا اشتغل بعبادة الله تعالى وأقبل على ذكره ، والثناء عليه ، والتضرع بين يديه ، ولم يكن هناك شيء من الشواغل الحسية ، والعوائق الجسمانية استعدت النفس هنالك لإشراق جلال الله فيها ، وتهيأت للتجرد التام ، والانكشاف الأعظم بحسب الطاقة البشرية ، فلما كان لصلاة الليل أثر في صيرورة النفس مستعدة لهذا المعنى ، لا جرم قال : إني إنما أمرتك بصلاة الليل ؛ لأنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ، فصير نفسك مستعدة لقبول ذلك المعنى ، وتمام هذا المعنى ما قال عليه الصلاة والسلام : "إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها" .
وثانيها : قالوا : المراد بالقول الثقيل ، القرآن وما فيه من الأوامر والنواهي التي هي تكاليف شاقة ثقيلة على المكلفين عامة ، وعلى رسول الله خاصة ؛ لأنه يتحملها بنفسه ويبلغها إلى أمته ، وحاصله أن ثقله راجع إلى ثقل العمل به ، فإنه لا معنى للتكليف إلا إلزام ما في فعله كلفة ومشقة .
وثالثها : روي عن الحسن : أنه ثقيل في الميزان يوم القيامة ، وهو إشارة إلى كثرة منافعه ، وكثرة الثواب في العمل به .
ورابعها : المراد أنه عليه الصلاة والسلام كان يثقل عند نزول الوحي إليه ، روي أن الوحي نزل عليه وهو على ناقته فثقل عليها ، حتى وضعت جراءها ، فلم تستطع أن تتحرك .
وعن ابن عباس : كان إذا نزل عليه الوحي ثقل عليه وتربد وجهه ، وعن عائشة رضي الله عنها : " رأيته ينزل عليه الوحي ، في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه ، وإن جبينه ليرفض عرقا " .
وخامسها : قال الفراء : قولا ثقيلا ، أي ليس بالخفيف ولا بالسفساف ؛ لأنه كلام ربنا تبارك وتعالى .
وسادسها : قال الزجاج : معناه أنه قول متين في صحته وبيانه ونفعه ، كما تقول : هذا كلام رزين ، وهذا قول له وزن إذا كنت تستجيده ، وتعلم أنه وقع موقع الحكمة والبيان .
وسابعها : قال أبو علي الفارسي : إنه ثقيل على المنافقين ، من حيث إنه يهتك أسرارهم ، ومن حيث إنه يبطل أديانهم وأقوالهم .
وثامنها : أن الثقيل من شأنه أن يبقى في مكانه ولا يزول ، فجعل الثقيل كناية عن بقاء القرآن ، على وجه الدهر ، كما قال : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [الحجر : 9] .
وتاسعها : أنه ثقيل ، بمعنى أن العقل الواحد لا يفي بإدراك فوائده ومعانيه بالكلية ، فالمتكلمون غاصوا في بحار معقولاته ، والفقهاء أقبلوا على البحث عن أحكامه ، وكذا أهل اللغة والنحو وأرباب المعاني ، ثم لا يزال كل متأخر يفوز منه فوائد ما وصل إليها المتقدمون ، فعلمنا أن الإنسان الواحد لا يقوى على الاستقلال بحمله ، فصار كالحمل الثقيل الذي يعجز الخلق عن حمله .
وعاشرها : أنه ثقيل ؛ لكونه مشتملا على المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والفرق بين هذه الأقسام مما لا يقدر عليه إلا العلماء الراسخون ، المحيطون بجميع العلوم العقلية والحكمية ، فلما كان كذلك لا جرم كانت الإحاطة به ثقيلة على أكثر الخلق
تفسير قوله تعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)
فقد قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية:
حافظوا خطاب لجميع الأمة، والآية أمر بالمحافظة على إقامة الصلوات في أوقاتها بجميع شروطها، والمحافظة هي المداومة على الشيء والمواظبة عليه، والوسطى تأنيث الأوسط، ووسط الشيء خيره وأعدله، ومنه قوله تعالى: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا] (البقرة: 143) إلى أن قال: وأفرد الصلاة الوسطى بالذكر وقد دخلت قبل في عموم الصلوات تشريفا لها. انتهى. ثم ذكر خلاف أهل العلم في تعيين الصلاة الوسطى على عشرة أقوال مبينا كون جمهور أهل العلم على أنها صلاة العصر، حيث قال: الثاني: أنها العصر، لأن قبلها صلاتي نهار وبعدها صلاتي ليل، إلى أن قال: وممن قال إنها وسطى علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري، وهو الذي اختاره أبو حنيفة وأصحابه، وقاله الشافعي وأكثر أهل الأثر، وإليه ذهب عبد الملك بن حبيب، واختاره ابن العربي في قبسه وابن عطية في تفسيره، قال: وعلى هذا القول الجمهور من الناس، وبه أقول، واحتجوا بالأحاديث الواردة في هذا الباب خرجها مسلم وغيره، وأنصها حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة الوسطى صلاة العصر. خرجه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح. انتهى.
وعليه، فالآية مشتملة على الأمر بالمحافظة على جميع الصلوات مؤكدة على خصوص الصلاة الوسطى التي هي صلاة العصر عند جمهور أهل العلم.
معنى (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)؟
قد فسر أهل العلم الآية الكريمة : [هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ] (البقرة: 187) بالستر، أي هن ستر لكم وأنتم ستر لهن، لأن كلا الزوجين يستر صاحبه ويمنعه من الفجور ويغنيه عن الحرام، والعرب تكني عن الأهل بالستر واللباس والثوب والإزار.
وقال بعضهم: هن فراش لكم وأنتم لحاف لهن. وقال بعضهم: هن سكن لكم وأنتم سكن لهن، أي يسكن بعضكم إلى بعض، كما في قوله تعالى:[ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا] (الأعراف: 189) وفي قوله: [وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً] (الروم: 21).
وقال صاحب الظلال عند تفسير قوله تعالى: [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ] (البقرة: 187). والرفث مقدمات المباشرة أو هو المباشرة ذاتها، وكلاهما مقصود هنا ومباح، ولكن القرآن الكريم لا يمر على هذا المعنى دون لمسة حانية رفافة تمنح العلاقة الزوجية شفافية ورفقا ونداوة.. وتنأى بها عن غلظ المعنى الحيواني وعرامته، وتوقظ معنى الستر في تيسير هذه العلاقة.
والحاصل أن التعبير القرآني: [هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ] يشمل المعاني التي أشار إليها المفسرون وزيادة، فهو يشمل القرب والملاصقة والستر والتجميل والغطاء والمتعة والوقاء من الحر والبرد، ويرتفع بمشاعر الإنسان عن المستوى البهيمي في الوقت الذي يلبي فيه متطلبات جسده، فكلا الزوجين بهذا المعنى لصاحبه.
والله أعلم.
تفسير قوله تعالى "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء .."
الآية الكريمة يوضح معناها معرفة سبب نزولها فقد ذكر غير واحد من المفسرين أن سبب نزولها: أنه كان لعبد الله بن أبي ـ رأس النفاق بالمدينة ـ جوار (إماء) وكان يكرههن على البغاء (الزنا) ليكسب المال بذلك ويستكثر بأولادهن كما كان أهل الجاهلية يفعلون، فكانت الإماء مصدر كسب بالنسبة لهم لما يأتون به من المال والولد, فرفضت إماء عبد الله بن أبي الزنا بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأراد إكراههن فشكينه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فأنزل الله تعالى في شأنهن وفي أمثالهن: [ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ] (النور: 33)
والبغاء ليس معناه معاشرة الزوج أو السيد الذي أحله الله تعالى في محكم كتابه وعلى لسان
رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: [وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ] (المؤمنون:6)
فقرن إتيان السيد لأمته بإتيانه لزوجته الحلال.
معنى (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ..)
ذكر أهل التفسير أن الجن كانت تسكن الأرض قبل آدم فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم إبليس قبل أن يعصي الله تعالى ويمتنع من السجود لآدم، فقاتلهم حتى لجؤوا إلى جزائر البحار والجبال... ولهذا عندما قال الله تعالى للملائكة: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً أجابوه بقولهم: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء {البقرة:30} قياساً على ما فعل الجن في الأرض من الفساد...
وأما معنى الآية الكريمة ملخصاً من أقوال أهل التفسير: فإنها جاءت في تعداد نعم الله تعالى على الناس، واستنكار الكفر به سبحانه وتعالى، وهو الذي أحياهم بعد ما كانوا أمواتاً.... وخلق لهم ما في الأرض جميعاً.. وجعلهم خلفاءه في أرضه، وأعلن ذلك لملائكته في الملأ الأعلى بقوله: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً. فهذا كله يدل على تكريم الإنسان وتشريفه على غيره من المخلوقات. ولهذا بدأ السياق بقول المولى تبارك وتعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
وقول الملائكة عليهم السلام: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء. ليس باعتراض على المولى تبارك وتعالى، ولا طعناً في بني آدم... وإنما هو تعجب واستكشاف عن ما خفي عليهم من الحكمة... واستخبار عما يرشدهم ويزيح شبهتهم.. لأنهم "عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون"
وأما سؤالكم هل كانت الملائكة تعلم أن ذرية آدم عليه السلام ستفسد في الأرض؟ فالظاهر أنهم علموا ذلك، وقد قال أهل التفسير: يحتمل أن يكون الله تعالى أعلمهم بطبيعة بني آدم وأنهم سيفسدون في الأرض، ويحتمل أن يكونوا فهموا ذلك من قول الله تعالى: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً. فالمقصود من الخليفة الإصلاح ورد الفساد والعدل بين الناس فيما يقع بينهم من مظالم... ويحتمل أن يكون قياسا منهم على فساد الجن في الأرض عندما كانوا فيها قبل بني آدم...
وقد أخذ أهل العلم من هذه الآية ومن أمثالها في القرآن الكريم وجوب نصب إمام وخليفة للمسلمين، قال القرطبي في تفسيره: هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يُسمع له ويطاع لتجتمع به الكلمة وتنفذ به أحكام الخليفة، ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة، ولا بين الأئمة.... وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 1099.
والله أعلم.