أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي هل يوم القيامة مقداره ألف سنة أم خمسون ألف سنة؟



عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يدخل الفقراءُ الجنةَ قبل الأغنياء بخمسمائة عام[1]؛ نصف يوم))[2].

فالجنة التي عرضها السماوات والأرض، التي هي فوق السماء السابعة، وسقفها عرش الرحمن، يدخلها الفقراء قبل الأغنياء بنصف يوم من أيام العالم العلوي؛ الذي قال عنه الله: ﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [الحج: 47].

وهذا اليوم ثابتٌ في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولا يعتريه تبديل ولا تغيير، إذا السماء انفطرت، وإذا الكواكب انتثرت، ويوم تُبدَّل الأرض غير الأرض والسماوات، فكأن الآخرة فوق الدنيا، والقرآن متى يذكر الانشقاق والانفطار والاندكاك يخصُّه بالسماوات والجبال وغيرها، ولا يذكر لما فوقها شيئًا.

فهذا اليوم هو نفسه الذي قال الله سبحانه عنه: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [السجدة: 5]، فالملائكة تصعد إلى ربها بأخبار أهل الأرض وأعمالهم؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10]، ويُرفَع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، من أيام الدنيا؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفَع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خَلْقِهِ))[3]، وكما قال صلى الله عليه وسلم: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر، وصلاة العصر، ثم يعرُج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصلُّون، وأتيناهم وهم يصلون))[4].

فالملائكة تعرج إلى الله ليلًا ونهارًا من أيام العالم السفلي، ومجموع الألف سنة منها هو يوم في العالم العلوي.

وكل واحد منا يخضع للمقادير أو التقديرات الأربعة المعلومة:
1. التقدير الأزلي قبل خلق السماوات والأرض عندما خلق الله تعالى القلمَ؛ قال الله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾ [الحديد: 22]، وقال عبادة بن الصامت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: ربِّ، وماذا أكتب؟ قال: مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة))[5].

فهذا تقدير عامٌّ لجميع المخلوقات، وهو المكتوب في اللوح المحفوظ، والذي يلي خاصٌّ مفصِّل للعام؛ وهو ثلاثة تقادير:
2. التقدير العُمري: عند تخليق النطفة في الرحم؛ فعن عبدالله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق: ((إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه مَلَكًا بأربع كلمات؛ فيكتب عمله، وأجَلَه، ورزقه، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح))[6].

3. التقدير الحَولي (السنوي) في ليلة القدر: قال الله: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]، يُقدَّر فيها ما يكون في السنة من موت وحياة ورزق، وغير ذلك.

4. التقدير اليومي؛ وهو سَوقُ المقادير إلى المواقيت التي قُدِّرت لها فيما سبق، وكل ما يحدث في هذا اليوم تكتبه الملائكة في كتاب الأعمال.

فمن عاش منا ولو مائة سنة، فسيجد أن ما قُدِّر له - العمري والسنوي واليومي - وما صعِد من عمله كان في يوم واحد من أيام العالم العلوي، ولا علاقة للآية بسُمْكِ السماء، ولا بمدة النزول والعروج، لا نقلًا ولا عقلًا، فكل مسألة جاء بها القرآن حقٌّ، لا يوجد في العلم ما يكذبها؛ لأنه وحي الله حقًّا، والحق لا يناقضه الحق؛ قال سبحانه: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت: 53].

فأما نقلًا، فلا يصح نصٌّ في سُمكِ السماء، ولا في مدة السير فيها، فالأحاديث الضعيفة والموضوعة من المصائب العظمى التي نزلت بالمسلمين منذ العصور الأولى، وقد أدى انتشارها إلى مفاسد كثيرة؛ منها ما هو من الأمور الاعتقادية الغيبية، ومنها ما هو من الأمور التشريعية، وصار أعداء الدين يتجرؤون في الطعن في هذا الدين الكامل، والزعم أنه متناقض؛ ومن هذه الأحاديث: عن العباس بن عبدالمطلب، قال: ((كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء، فمرت سحابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما هذا؟ قال: قلنا: السحاب، قال: والْمُزن، قلنا: والمزن، قال: والعَنان، قال: فسكتنا، فقال: هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم، قال: بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين رُكَبِهِنَّ وأظلافهن كما بين السماء والأرض، ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله تبارك وتعالى فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء))[7].

وعن أبي هريرة، قال: ((بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: هل تدرون ما هذا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا العنان، هذه روايا الأرض، يسوقه الله تبارك وتعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه، ثم قال: هل تدرون ما فوقكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها الرقيع، سقف محفوظ، وموج مكفوف، ثم قال: هل تدرون كم بينكم وبينها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: بينكم وبينها مسيرة خمسمائة سنة، ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن فوق ذلك سماءين، ما بينهما مسيرة خمسمائة عام، حتى عدَّ سبع سماوات، ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض، ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن فوق ذلك العرش، وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين، ثم قال: هل تدرون ما الذي تحتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها الأرض، ثم قال: هل تدرون ما الذي تحت ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن تحتها أرضًا أخرى، بينهما مسيرة خمسمائة سنة، حتى عدَّ سبع أرضين، بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة، ثم قال: والذي نفس محمد بيده، لو أنكم دلَّيتم بحبلٍ إلى الأرض السفلى لَهَبَطَ على الله؛ ثم قرأ: ﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 3]))[8].
وعن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((﴿ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ﴾ [الواقعة: 34]، والذي نفسي بيده، إن ارتفاعها كما بين السماء والأرض، وإن ما بين السماء والأرض لمسيرة خمسمائة سنة))[9].

أما عقلًا، فمجموع السير المزعوم بين سماء وسماء خاطئ، ومن حاول تبرير هذا الحساب الخاطئ، فقال: (ترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا)، حتى يدرك الخمسمائة سنة المزعومة، لم يأتِ بدليل من نص صحيح أو ضعيف، بل خالف ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن، فقال: ((اتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنها ليس بينها وبين الله حجاب))[10]، وما صح عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مما تذكرون من جلال الله: التسبيحَ، والتهليلَ، والتحميد، يَنْعَطِفْنَ حول العرش، لهُنَّ دَوِيٌّ كدويِّ النحل، تذكِّر بصاحبها، أمَا يحب أحدكم أن يكون له أو لا يزال له من يذكِّر به؟))[11].

ثم إن أقرب نجم نراه يوميًّا في السماء الدنيا هو شمسنا، التي تبعد عنا بمتوسط 150 مليون كم، والسير إليها[12] يستغرق أكثر من 4000 سنة هجرية، فكيف تُقطع السماء الدنيا التي لا نعلم حدودها إلى الآن في 500 سنة؟ ثم جاء بعض المعاصرين يقيسون المسافات بسرعة الضوء، وهيهات أن يصلوا إلى نتيجة صحيحة والمسافة خاطئة، بل إن بعضهم ظن أنه أدرك سرعة الملائكة.

أما قوله تعالى: ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج: 4]، فهو مقدار يوم القيامة من وقت البعث إلى أن يفصل بين الخَلْقِ.

قال القرطبي: "في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له من الله دافع، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، تعرج الملائكة والروح إليه، وهذا القول هو معنى ما اخترناه، والموفِّق الإله"[13].

وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عن هذا اليوم: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صُفِحَت له صفائحُ من نار، فأُحميَ عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بَرَدَتْ أُعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيُرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار...))[14].

وهذا اليوم يكون في أرضٍ؛ قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُحشَر الناس يوم القيامة على أرض بيضاءَ عفراءَ، كقُرْصَةِ النَّقِيِّ، ليس فيها عَلَمٌ لأحد))[15]، ويجتمع فيها الصالح والطالح، وهي في مكان أسفل من المكان الفاضل المذكور أعلاه، ويختلف طول يومها كما يختلف – مثلًا - طول يومنا عن طول يوم الشمس أو كوكب آخر، ينزل الله سبحانه لحساب كل نفس بما كسبت؛ كما قال تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾ [البقرة: 210]، وكما قال رسوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكلُّ أُمَّةٍ جاثية، فأول من يدعو به رجلٌ جمع القرآن، ورجل قُتِلَ في سبيل الله، ورجل كثير المال))[16].

فاليوم في سورة المعارج هو يوم القيامة، وهو يوم الحشر خاصة، ومقداره خمسون ألف سنة، يكون الناس فيه على أرض انتقال، إما إلى جنة، وإما إلى نار، وأما اليوم في آيتي الحج والسجدة، فهو اليوم عند الله، يُدبِّر فيه الأمور، وهو يوم من أيام الآخرة، لا يطرأ عليه تبديل ولا تغيير، ومقداره ألف سنة من أيام أرضنا.


والله تعالى أعلم.






وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وسلم تسليمًا كثيرًا.


[1] فإن قيل: قد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة، بأربعين خريفًا))؛ [(م) 37 - (2979)]، فقد أُجيب عن هذا فقيل: يمكن أن يكون المراد من الأغنياء في الحديث الأول أغنياء المهاجرين؛ أي: يسبق فقراء المهاجرين إلى الجنة بأربعين خريفًا، ومن الأغنياء في الحديث الثاني: الأغنياء الذين ليسوا من المهاجرين، فلا تناقض بين الحديثين؛ [انتهى]، وفيه أن هذا إنما يتم إذا أُريد بالفقراء الخاص وبالأغنياء العام، فلا يُفهم حكم الفقراء من غير المهاجرين، فالأَولَى حمل الحديث على معنى يفهم الحكم عمومًا؛ وهو بأن يُقال: المراد بكل من العددين إنما هو التكثير لا التحديد، فتارة عبَّر به، وأخرى بغيره تفنُّنًا، ومآلهما واحد، أو أخبر أولًا بأربعين كما أُوحِيَ إليه، ثم أخبر ثانيًا بخمسمائة عام زيادة على فضله على الفقراء ببركته صلى الله تعالى عليه وسلم، أو التقدير: أربعين خريفًا، إشارة إلى أقل المراتب، وبخمسمائة عام إلى أكثرها؛ [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: (8/3282)].

[2] صحيح الترمذي: (2353).

[3] رواه مسلم: 293 - (179).

[4] رواه مسلم: 210 - (632) 555.

[5] صحيح أبي داود: 4700.

[6] صحيح البخاري: 3332.

[7] مسند أحمد: 1770، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف جدًّا.

[8] سنن الترمذي: 3298، قال الألباني: ضعيف.

[9] مسند أحمد: 11719، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف، وقال الألباني: ضعيف، "التعليق الرغيب" (4/ 262/ 1).

[10] صحيح البخاري: 2448.

[11] صحيح ابن ماجه: 3809.

[12] المشي المتوسط للإنسان: 4.3 كم/ساعة.

[13] تفسير القرطبي: 18/ 238.

[14] رواه مسلم: 24 - (987).

[15] رواه مسلم: 28 - (2790).

[16] صحيح الترمذي: 2382.






محمد حباش

شبكة الالوكة





قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
اسماء و صفات يوم القيامة منة الله احمد المنتدي الاسلامي العام
موسوعة تتحدث عن يوم القيامة والنعيم والعذاب بالتفصيل.. عاشقة جواد المنتدي الاسلامي العام
215 تغريدة عن يوم القيامة و أحداثها امانى يسرى المنتدي الاسلامي العام
أحاديث نبوية تنير لك الظلمات يوم القيامة الموجودة السنة النبوية الشريفة
اعمل تنير يوم القيامة لك sho_sho المنتدي الاسلامي العام


الساعة الآن 06:35 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل