أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَح

تفسير الشعراوي

(رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ٨-غافر



معنى { جَنَّاتِ عَدْنٍ .. } [غافر: 8] أي: إقامة دائمة.
وتأمل ثمرة الإيمان بالله، ثمرة لا إله إلا الله، فلا يضر مع الإيمان معصية، فالملائكة في أعلى عليين يذكرونك وينشغلون بك أيها المؤمن، ويدعون لك لأنك آمنتَ بالله، وهذه تسلية لسيدنا رسول الله ولأمته الذين تحمَّلوا مشاقّ الدعوة ومَنْ تبعهم إلى يوم الدين.
فيا محمد إن كان كفار مكة قد وقفوا منك ومن أتباعك هذا الموقف المعاند فلا تحزن، ويكفيك وأمتك أنْ تستغفر لك الملائكة، وأيّ ملائكة؟ حملة العرش والذين يحيطون به.


وحين تقرأ هذا الدعاء من الملائكة تجد فيه إشارات ووقفات تستحق التأمل أولها أنك أيها المؤمن مذكورٌ بين حملة العرش، وأنت موضع اهتمامهم مع دُنُوِّ منزلتك وعُلُوِّ منزلتهم، هؤلاء الملائكة لا عملَ لهم إلا أن يسبحوا بحمد ربهم ويستغفروا للذين آمنوا.


وتأمل في دعائهم مسألة التخلية ثم التحلية يقولون: { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } [غافر: 7] هذه هي التخلية أولاً من المؤلم، ثم تأتي التحلية بالنعمة التي تسرّ، وذلك في { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ .. } [غافر: 8] لأن التخلية والنجاة من العذاب أوْلى من التنعم، والقاعدة أن دفع الضرر مقدم على جَلْب النفع، لذلك قال تعالى: { { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ .. } [آل عمران: 185].


ثم إن دعاءهم لم يخص المؤمنين فحسب، إنما يشمل العائلة كلها { وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ .. } [غافر: 8] فذكروا الشجرة كلها، لأن الآباء يُسرُّون بوجودهم مع الأبناء فلم يقطع عليهم هذه النعمة.
وفي موضع آخر ذكر حيثيات هذه النعمة، فقال سبحانه: { { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ .. } [الطور: 21] إذن: المقصود هنا الإيمان، والإلحاق دلَّ على أن أحدهما كامل والآخر أقل، وإلا لو كانوا متساوين في العمل لأخذ كل منهم (بفتحة ذراعيه).


ومعنى: { { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ .. } [الطور: 21] لا يقصد بها أنْ نأخذ المتوسط الحسابي يعني: ما عمله الآباء وما عمله الأبناء ويقسم على الاثنين، لا { { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ .. } [الطور: 21] يعني: ما نقصنا شيئا من أجورهم، فالإلحاق تفضُّل من الحق سبحانه لِقُرَّة عيون الآباء بالأبناء لكن بشرط الإيمان، لماذا؟ لأنهم لو لم يكونوا مؤمنين لكره الآباءُ معيَّتهم ومصاحبتهم.
فإنْ قلت: إذن يكون للإنسان ما لم يَسْعَ به. يعني: يأخذ ثمرة عمل الغير، نقول: لا لأنه آمن والإيمان من عمله، صحيح { { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [النجم: 39].
لكن لا تنظر لسعيه هو، إنما وسع الدائرة وانظر لمن جعله يسعى هذا السَّعْي الطيب، إنها التربية الصالحة، لذلك ورد في الحديث الشريف "إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث، منها: أو ولد صالح يدعو له" فكلمة (صالح) هذه من عمل مَنْ؟ من عمل الآباء.


إذن: حين نعطي الأب ثواب الدعاء الصالح من الابن إنما نعطيه حقه وثمرة عمله وسَعْيه في هذا الابن، والأب إذا كان صالحاً تحرَّى انْ ينفق على ولده من حِلٍّ، وحين يتحرى ذلك ربما يضيق عليه في النفقة، لأن بعض الأغنياء الذين لا يتحرَّوْن الحلال في الكسبْ ينفقون على أولادهم ببذخ وإسراف في الملبس والمأكل والسيارات الفارهة .. إلخ لأنهم جمعوا هذه الأموال من مهاوش.
والرجل الصالح ينأى بنفسه وأولاده عن الحرام، لذلك ربما يشقى الصالح بالصلاح في الدنيا ويصبر على هذا الشقاء وهذا الحرمان، وهذا كله من عمله.


لذلك كانوا كثيراً ما يناقشوننا في قوله تعالى: { { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [النجم: 39].
يقصدون كيف ينتفع الإنسان بعمل غيره؟

وقلنا لبيان ذلك مثلاً: إننا نُؤْمر بالصلاة على الميت، هذه الصلاة تفيده أم لا؟ إنْ كانت لا تفيده فهي إذن عبث، وإنْ كانت تفيده فهل استفاد بعمل غيره؟
نعم يستفيد الميت بدعاء الحي له في صلاة الجنازة، لكن هذا الدعاء في حَدِّ ذاته يُعتبر من عمل الميت، لأن ثمرة إيمانه بالله، ولولا أنه مؤمن ما صلَّينا عليه، فأنت حين تصلي صلاة الجنازة لا تصلي على مطلق ميت، إنما على ميت آمن بربه عز وجل، والإيمان من عمله، وبالتالي صلاتك عليه أيضاً من عمله.






أو نقول في قوله تعالى: { { وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [النجم: 39] أي: ليس للإنسان حَقٌّ، فهي منعت العدل ولم تمنع الفضل من الله، وفَرْق بين العدل والفضل، فالعامل عندك مثلاً أجره خمسون وهذا الاتفاق بينكما لا يمنع أن تعطيه سبعين مثلاً.


ثم تُذيل الآية بقوله تعالى: { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [غافر: 8] ولم يَقُلْ مثلاً: إنك أنت الغفور الرحيم لتناسب الدعاء المذكور في الآية.
وهذه مثل قوله تعالى في قصة سيدنا عيسى عليه السلام: { { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } [المائدة: 116] ثم يقول: { { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [المائدة: 118].
فلم يقل: فإنك أنت الغفور الرحيم، لماذا؟ لأنهم استحقوا العذاب، إنما لو غفرت لهم لا يجرؤ أحد على نَقْض هذه المغفرة لأنه لا معقِّبَ لحكمة سبحانه ولا رادَّ لفضله، فعزتك يا رب وحكمتك هي التي جعلتْك تغفر لهم مع أنهم يستحقون العذاب.


إذن: فالمغفرة لم تأتِ من ناحية أنك أنت الغفور الرحيم، إنما من ناحية أنك أنت العزيز الحكيم. والعزيز هو الغالب الذي لا يُغلب ولا يُعَارض.
لذلك قلنا: إن إبليس كان ناصحاً حين قال: { { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ص: 82] والمعنى: فبعزتك عن خَلْقك وغِنَاك عنهم، مَنْ شاء فليؤمن ومَنْ شاء فليكفر، بهذه العزة لأغوينهم، إنما لو أردتهم جميعاً مؤمنين ما تعرضتُ لهم ولا جرؤتُ على إغوائهم، بدليل أنه استثنى فقال: { { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ص: 83] فهؤلاء لا سلطانَ لي عليهم ولا قدرةَ لي على إغوائهم، إذن: المسألة ليست بين إبليس وربه عز وجل، إنما هي بين إبليس وبني آدم.



(وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ )٩-غافر


قوله سبحانه (وَقِهِمُ) فعل أمر أو دعاء هنا من الفعل وَقَى أي: يا ربِّ جنِّبهم المعاصي، ويصح أنْ نقول: قِهِم السيئات. يعني: جنِّبهم عقوبةَ المعاصي، أو جنِّبهم المعاصي ذاتِها، وعين الرحمة أنْ يجنبك الله المعاصي والسيئات، لذلك قال: { وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ .. } [غافر: 9].
وهذه مثل قوله تعالى في شأن القرآن الكريم: { { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ .. } [الإسراء: 82] فالشفاء يكون للداء الموجود بالفعل في النفس الإنسانية، فالقرآن يعالج مثلاً داءات الشُّح والجُبْن والكذب .. إلخ، أما الرحمة فهي ألا يأتي الداء أصلاً، ولا شكَّ أنْ تجنُّب الداء بداية أفضلُ من معالجته كما يقولون: الوقاية خير من العلاج.
{ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [غافر: 9] نعم، وأيُّ فوز أعظم من أنْ يُجنِّبك الله السيئات فلا تقع فيها؟ كلمة الفوز تعني الفلاح والنجاح، ووُصِف بأنه عظيم لأنك قد تفوز في الدنيا بالمال أو بالمنصب أو بالأولاد، هذا فوز لكن الفوز العظيم في الآخرة لأنه فوز باقٍ ودائم، أما فوز الدنيا فمآله أن ينتهي.



التفاسير العظيمة











أدوات الموضوع


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
مختارات من تفسير الآيات امانى يسرى القرآن الكريم
أدعية ليوم الجمعة من القرآن والسنة جامع الدعاء(مِن القرآن والسنَّة) أم أمة الله المنتدي الاسلامي العام
أدعية شاملة طُمُوحي الجنّة المنتدي الاسلامي العام
أدعية من القرآن الكريم راجين الهدي المنتدي الاسلامي العام
ادعية من القرأن شقاوة آنثى القرآن الكريم


الساعة الآن 11:45 PM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل