﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ٢٠فصلت
لا مراوغة ولا محاباة حتى الجوارح تنطق بالحق يوم القيامة فاجعلها في صالحك لا ضدك بالتزود من الخيرات
هي جوارح ستنطق بالحق .. فجهزها لتنطق بما يسرك عند ربك !!
إن الإنسان يستطيع أن يختفي ويستتر بجرائمه عن الناس خوفاً منهم، أو خشية الإخبار عنه، والشهادة عليه بما فعل، ولكن كيف يستطيع أن يخفي معاصيه وجرائمه عن عينه، وعن يده، وعن رجله، وعن فَرْجِه، وعن جلده؟!
كيف يستطيع إخفاء النظر المحرم عن عينه وهي التي تنظر؟!
كيف يستطيع إخفاء الكلام القبيح عن اللسان وهو الذي ينطق؟!
كيف يستطيع إخفاء الزنى واللواط عن الفرج وهو الذي يفعل؟!
كيف يستطيع إخفاء اللمس المحرم عن الجلد وهو الذي يباشر؟!
هذه الجوارح التي لا يمكن الاختفاء عنها، وهي التي تباشر المعاصي بنفسها، هي التي سوف تقف شاهدة على صاحبها يوم القيامة بما فعلت؛ إذن كيف الخلاص؟
لا خلاص إلا بالبُعْد عن هذه المعاصي المُهلِكة، حتى لا تجد الجوارح ما تشهد به من القبائح.
فلنتق الله - يا عباد الله، ولنَخْشَ يوما ً تُبلَى فيه السرائر، وتُكشَفُ الخبايا، ولا يستطيع العبد جحود ذنوبه، كما تشهد الأرض مع الجوارح، وتشهد الأيام والليالي.
(وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )٢١-فصلت
كل جارحة من جوارح الإنسان لها مهمة في حياته، لكن لم يذكر الحق منها هنا إلا ثلاثة فقط: السمع، والأبصار والجلود. ولم يذكر اليد ولا الأنف.
قالوا: لأن التكليف في أمر الأنف نادر وقليل، كأنْ تشمّ رائحة الخمر مثلاً، والعياذ بالله، أو تشم رائحة امرأة متعطرة، إذن: فالأنف دوره محدود، أما السمع فهو أهم الحواس، لأنك تستقبل به الدعوة إلى الله، والبصر هو الذي تبصر به آيات الله في كونه وعجائبه في خَلْقه.
أما الجلود فعامة في السمع والبصر وفي كل الحواس، فكأن الجلد أعمّ شيء في الحس، ولذلك لم بحثوا في وظائف الأعضاء ليعرفوا مهمة كل عضو في الإنسان وجدوا أهمها الجلد، لأنه وسيلة الإحساس بالألم خاصة في الطبقة الخارجية منه، ألاَ ترى أنك مثلاً حين تأخذ حقنة تشعر بألم الإبرة حين تدخل جسمك وتخترق الجلد، تؤلمك بقدر نفاذها في الجلد كأنَّ الجلد هو محلُّ الإذاقة، وما دام هو محل الإذاقة فهو إذن مستوعب لجميع الحواس.
ولذلك يقول الحق سبحانه: { { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ .. } [النساء: 56] إذن: فالجلد محلّ إذاقة العذاب والعياذ بالله، وهو المستوعب لكلِّ الحواس.
فبادر بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى يتوب الله عليك ويغفر ذنبك، قال تعالى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82].