د. أمين بن عبدالله الشقاوي
﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [الشورى: 15].
كيف لا؟ وقد جعل الله لمن آمن بدينه حقاً، واستقام على طريقه صدقاً، الفضائل العظيمة، والمنازل الرفيعة، والدرجات العلا في يوم تزل فيه الأقدام، وتخف فيه الموازين، ولا شك أن الاستقامة من أعظم المسؤوليات، وأوجب الواجبات، التي كلفنا الله عز وجل بها، وأن على المرء أن يبذل جهده ويسأل ربه العفو والغفران إذا ما قصّر أو أخل في حياته بشيء منها، قال الله تعالى على لسان رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [فصلت: 6].
وقد أخبر - عليه الصلاة والسلام - أن الناس لن يعطوا الاستقامة حقها فقال: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" [رواه ابن ماجة في كتاب الطهارة: «277»، وصححه ابن حبان: «1037»].
وقد تنوعت أقوال سلف هذه الأمة في تعريفها، وما المراد منها؟ فها هو أعظم الخلق استقامة بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
أبو بكر الصديق -رضى الله عنه- يقول عنها: "الاستقامة أن لا تشرك بالله شيئاً"، ويقول الفاروق أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب".
ويقول ترجمان القرآن وحبر هذه الأمة ابن عباس - رضي الله عنهما -: استقاموا أي أدوا الفرائض، وحقيقة الاستقامة: السداد في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد.
والحق أخي المسلم: إن الاستقامة تعني التمسك بهذا الدين كله، صغيره وكبيره، قليله وكثيره، جليه وخفيه والثبات عليه حتى الممات.
ورحم الله شيخ الإسلام بن تيمية يوم قال: "أعظم الكرامة لزوم الاستقامة".
نعم الاستقامة طريق إلى الجنة ونعيمها، والفوز بالنجاة من النار وجحيمها. الاستقامة تعني طاعة الكريم الرحمن، ومتابعة أشرف الرسل من ولد عدنان.
الاستقامة طريق إلى محبة الله والانقياد له وعبوديته وحب التلذذ بذكره.
الاستقامة ثبات على الدين، ولزوم لصراط الله المستقيم، وثبات حتى الممات.
قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].
ومما يعينك عبد الله على سلوك سبيلها ونيلها والتشرف بأن تكون من أهلها ما يلي:
أولاً الإخلاص لله تعالى:
فإن من أعظم الأصول المهمة في دين الله - تحقيق الإخلاص لله - إذ إنه حقيقة الدين، ومفتاح دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5].
وهو مما ينبغي للعبد المجاهدة فيه حتى يُرزق تمامه، سئل سهل بن عبد الله التستري - رحمه الله تعالى - أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب.
ثانياً: متابعة المعصوم -صلى الله عليه وسلم-: قولاً وفعلاً في كل ما يأتي الإنسان ويذر في حياته، فلا يكمن حب المسلم لرسوله – صلى الله عليه وسلم - إلا بمتابعته عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].
ولا شك أن اتباع هدي المعصوم -صلى الله عليه وسلم- واقتفاء أثره في الأقوال والأعمال والأحوال طريقٌ جليل لنيل الاستقامة والثبات عليها، وحقٌ لمن فارق السنة أن يفارق الدليل، ومن فارق الدليل ضل عن سواء السبيل.
ثالثاً فعل الطاعات واجتناب المحرمات: فإن مما يعين العبد المسلم إلى الوصول إلى الاستقامة وتحقيقها محافظته على الطاعات فرائض كانت أو نوافل، وهي من أهمّ الوسائل التي تجلب للعبد محبة سيده ومولاه قال صلى الله عليه وسلم قال تعالى: "ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه" [رواه البخاري].
فإذا أحب الله عبداً أعانه وسدده ووفقه للاستقامة على دينه، كما أن اجتناب المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها جليِّها وخفيِّها له الأثر الكبير في تحقيق معنى الاستقامة، إذْ يقول النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم -: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه" [رواه أحمد من حديث أنس].
رابعاً: العلم: وأفضله بلا شك: علم الوحيين الكتاب والسنة، الذي هو أفضل القربات إلى الباري جل وعلا وهو تركة الأنبياء وتراثهم، وبه تحيا القلوب، وتُعرف الشرائع والأحكام، ويتميز الحلال والحرام، وهو الدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، وهو الصاحب في الغربة، والحديث في الخلوة، والأنيس في الوحشة، وبه يعرف العبد ربه، ويوحده ولا يعبد غيره ويأنس به ولا يلتجأ إلى سواه.
خامساً: مصاحبة الصالحين: إن من أهم ما يعين على الاستقامة مصاحبة الصالحين ومجالستهم وصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوم قال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" [رواه أبو داود].
سادساً الدعاء: وهو السلاح الخفي للمؤمن، وحقيقته: إظهار العبد افتقاره إلى سيده ومولاه، وهو سمة من سمات المحسنين المستقيمين.
قال تعالى: ﴿ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56].
وليس شيء أكرم على الله من الدعاء، فهو من أجلّ وأهمّ الأسباب الجالبة للاستقامة بإذن الله تعالى، كيف لا؟ والعبد يقرأ في كل ركعة من صلاته: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6].
اهدنا الصراط المستقيم، أي يا رب وفقنا إلى معرفة الطريق المستقيم الموصل إليك؛ ووفقنا للاستقامة عليه بعد معرفته، فالمعرفة والاستقامة كلتاهما ثمرة لهداية الله ورعايته ورحمته.
والتوجه إلى الله في هذا الأمر هو ثمرة الاعتقاد بأنه وحده المعين، وهذا الأمر هو أعظم وأول ما يطلب المؤمن من ربه العون فيه، فالهداية إلى الطريق المستقيم هي ضمان السعادة في الدنيا والآخرة عن يقين..
صراط من: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7]. فهو طريق الذين قسَمَ لهم نعمته، لا طريق الذين غضب عليهم لمعرفتهم الحق ثم حادوا عنه، أو الذين ضلوا عن الحق فلم يهتدوا أصلاً إليه، إنه صراط السعداء المهتدين الواصلين، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
ورحم الله إمام أهل البصرة الحسن البصري، كان إذا قرأ هذه الآية: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: 112].
كان يقول: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة.
الاستقامة مفتاح للخيرات، وسبب لحصول البركات، واستقامة الأحوال، قال عز وجل: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16].
روى الإمام أحمد والنسائي عن سفيان بن عبد الله الصحابي الجليل أنه قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قل آمنت بالله ثم استقم".
فاستقيموا على طاعة مولاكم في كل وقت وحين، فإن عمل المؤمن ليس له أجل دون الموت، كما قال عز وجل: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، ولا تكونوا من الذين يقبلون على الطاعات في زمن، ويعرضون عن ربهم في سائر الأوقات.
الاستقامة هي: الإقامة والملازمة للسير على الصراط المستقيم الذي جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال سبحانه: ﴿ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 53].
وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].
............................
تفسير الشيخ الشعراوي
(فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ )١٥-الشورى
الإشارة في قوله تعالى: { فَلِذَلِكَ .. } [الشورى: 15] إشارة للاية السابقة،(وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ )١٤-الشورى
فلأنهم تفرقوا واختلفوا وكتموا الكتاب وحرفوه، ما داموا فعلوا ذلك، فقُمْ أنت بمهمة الدعوة لتصلح ما أفسد هؤلاء، وتقيم ميزان الحياة بالحق وبالعدل، وترد هؤلاء عَمَّا هم فيه.
ولاحظ هنا أن التعبير يجمع بين القول والعمل { فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ .. } [الشورى: 15] يعني: ليكُنْ قولك موافقاً لحركتك، كما قال في موضع آخر: { { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ .. } [فصلت: 30].
وسبق أنْ قلنا: إن الخط المستقيم هو أقرب طريق بين نقطتين، فاستقم يعني كُنْ على الجادة وعلى الطريق السَّويِّ، وقد سمَّاه القرآن (الصراطَ المستقيم) وسمَّاه (سواء السبيل) وهو الذي يُوصِّلك إلى غايتك من أقرب طريق.
فكأن الحق سبحانه حينما يأمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بذلك إنما يقول له: استقم، لأن استقامتك على المنهج الذي جئتَ به أدْعَى إلى القبول وإلى تصديقك والاستماع لك.
ومعلومٌ أن التعليم والنصح بالعمل أجْدَى وأنفع من الكلام النظري؛ لذلك لما سأل أحد الصحابة رسول الله فقال: يا رسول الله، قُلْ لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك قال له: "قُلْ آمنتُ بالله ثم استقم" .
وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.
وبعد أنْ أمره ربُّه بالاستقامة على منهج الحق نهاه عن اتباع أهواء القوم: { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ .. } [الشورى: 15] فالهوى سبيل الاختلاف والتفرق، ومن هذه الأهواء قولهم لرسول الله: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، وفيها نزلت سورة الكافرون: { وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ .. } [الشورى: 15] كتاب هنا نكرة أفادتْ الشمول، يعني: آمنتُ بكل كتاب أنزله الله من قبل.
وكأنها رسالة إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى: لماذا آمنتم بالديانات السابقة عليكم، ولم تؤمنوا برسالة محمد، وهي ديانة كباقي الديانات، إذن: لكم سوابق في الإيمان، فلماذا وقفتم عند رسالتي وكذبتم؟ كذَّبوا لأن عندهم مسائل يجادلون بها الضعاف من المسلمين.
مثلاً يقولون لهم: ديننا أقدم من دينكم، وكتابنا أقدم من كتابكم، ورسولنا أقدم من رسولكم، وقرآنكم يشهد لنا، ألم يقل القرآن: { { يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } [البقرة: 122] فنحن إذن مُفضلون على العالمين بشهادة القرآن.
والأفضلية هنا ليستْ على إطلاقها، بل هي مُقيدة بزمانهم. يعني: فضلتكم على العالمين من أهل زمانكم، وإلا كانوا أفضل من إبراهيم وإسحاق، وهم لا يقولون بذلك.
وقوله تعالى: { وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ .. } [الشورى: 15] العدل أنْ تزن بميزان غير جائر، فكل واحد منهم يأخذ حقه، وأنْ يكون الجميع أمامك سواسية، فمثلاً لا تَنْهَ واحداً وتترك الآخر، ولا تفضل أحداً على أحد في مرآك ولا في مجلسك ولا في نظرك.
لذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس بين أصحابه يُوزِّع نظره عليهم جميعاً، فلا يهتم بواحد دون الآخر.
فالجميع أمامه سواسية، ولو اهتم لواحد بعينه لظنّ أن له أفضلية أو سلطة زمنية أو قوة مركزية، أبداً كانوا جميعاً في نظره سواء، هذه كلها من عدالته صلى الله عليه وسلم بين الناس.
وقوله: { ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ .. } [الشورى: 15] يعني: ليس ربنا وحدنا، إنما هو ربكم أيضاً، وما دام ربنا وربكم فلا بد أن تكون التربية واحدة لنا جميعاً، وقد أنزل لكم منهجاً له زمن، وأنزل عليَّ منهجاً خاتماً.
ومن كمال التربية: { لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ .. } [الشورى: 15] فكلٌّ مُجازَى بعمله { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ .. } [الشورى: 15] لا حجاج ولا جدال، لماذا؟ لأن الجدل معهم يوصل إلى اللدد والعناد والخصومة ولا يُوصل إلى الحق، والمعنى: أننا لن نلتقي فكُلٌّ منا له طريق.
والحق سبحانه قد تناول هذه المسألة في سورة (الكافرون): { { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون: 1-6].
إذن: لا مجالَ للجدال لأن المسألة منتهية، الآن علَّمتنا السياسة أن الدول قد تختلف فتقطع العلاقات بينها وبين بعض، ثم تضطرهم ظروف الحياة إلى إعادة العلاقات مرة أخرى وإلى التصالح، أما في مسألة الإيمان والكفر فهما نقيضان لا يمكن أبداً أن يلتقيا.
لذلك لما تدقق في سورة (الكافرون) تجدها تنفي هذا الالتقاء في الحاضر الآن وفي المستقبل، اقرأ: { { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [الكافرون: 1-3] أي: في الحاضر { { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون: 4-6] أي: في المستقبل.
وقوله: { ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [الشورى: 15] يعني: ما دُمْنا لم نجتمع على الحق في الدنيا فسوف يجمعنا الله جميعاً يوم القيامة للحساب، حيث يجازى كلاً بعمله، ويعطى كل ذي حَقٍّ حقه، وكوْنك تردُّ الأمر في الحكومة إلى عادلٍ، فهذا دليل على أنك على الحق، وكفى بالله حكماً { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [الشورى: 15] المرجع والمآب.
المصدر
شبكة الالوكة
و
التفاسير العظيمة