أطرف، بل وأغرب، ما جاء فى مذكرة الدفاع الطويلة، التى قدمها وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى إلى هيئة المحكمة، أمس، أنه بدأها بتقديم «واجب العزاء» لأسر الشهداء من المواطنين ورجال الشرطة، فى «أحداث يناير»، رافضا التعامل مع ما حدث فى مصر، حتى الآن، على أنه «ثورة». اللافت إلى الانتباه أيضا، أن العادلى افتتح المذكرة بقوله تعالى «تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ»، وكأن الرجل لا يزال غير مصدق لما جرى له، ولمن حوله فى «القفص»، وأولهم رأس النظام السابق الرئيس المخلوع حسنى مبارك ونجلاه.
مذكرة العادلى عرضت جوانب من القضية تُضاف إلى ما عرضه دفاعه من قبل، فى الجوانب القانونية منها، فأشار إلى أن سير التحقيقات التى تمت بمعرفة النيابة العامة، والتحقيقات التى تمت بمعرفة رئيس المحكمة، أظهرت عديدا من الحقائق غاية فى الأهمية. وطلب من المحكمة فى مذكرته عرض سرد تفصيلى بإيجاز لما حدث، جاء كالتالى: أولا: الوضع الأمنى فى مصر ما قبل 25 يناير 2025. ثانيا: مظاهر الحركة السياسية للقوى المطالبة بالتغيير فى الشارع السياسى ما قبل 25 يناير 2025. ثالثا: الأحداث من 25 يناير حتى 29 يناير 2025، تاريخ استقالة الحكومة.
سيناريو المخطط الأجنبى لم يغب عن عرض العادلى للأحداث، بل قطع به ودلل على وجوده، مستشهدا بأقوال النائب السابق لرئيس الجمهورية، عمر سليمان، ووزير الداخلية الأسبق محمود وجدى، وما نشرته الصحف الحكومية والتليفزيون المصرى. وزعم وجود دور عناصر خارجية -ذكر منها اسم اللواء عمر عفيفى- قام بتحريك الشباب. وشدد العادلى على أن محرك تلك الأحداث فى مصر وبلدان عربية أخرى له أهداف سياسية استراتيجية تتعلق بمستقبل الأمة العربية مكتملة، مستغلا الأوضاع السلبية فى كل بلد عربى.
أبرز ما قاله العادلى أيضا فى مذكرته هو أن أجهزة المعلومات فى وزارة الداخلية، وباقى أجهزة الأمن المختلفة فى الدولة، بما فيها المخابرات الحربية، تفاجأت بالأحداث. مستشهدا للمرة الثانية بأقوال عمر سليمان، وقوله إن «المتظاهرين سيكون عددهم فى حدود ما يقرب من ثلاثين ألفا أو أربعين ألفا على مستوى كل المحافظات، لقد فوجئنا بما حدث».
العادلى بدأ المحور الأول من مذكرته بالحديث عن «الوضع الأمنى فى مصر قبل 25 يناير 2025»، عارضا ملابسات توليه مسؤولية وزارة الداخلية، فى نوفمبر 1977، إثر الحادثة الإرهابية فى الأقصر.
العادلى اختتم المحور الأول من مذكرته بالقول «بذل رجال الشرطة جهدا يفوق الطاقة البشرية خلال سنوات طوال قضيتها فى موقعى، الأمر الذى مكننا من تحقيق المعادلة الصعبة بين حجم المسؤوليات الضخمة وحجم الإمكانيات الشرطية المحدودة». ثم انتقل إلى المحور الثانى بعنوان «مظاهر الحركة السياسية للقوى المطالبة بالتغيير من الشارع السياسى، قبل 25 يناير 2025، وعرض فيه، من وجهة نظره، رؤيته للتعامل مع الحراك السياسى الذى شهدته مصر منذ عام 2005. وقال «منذ عام 2005 أخذ بعض النشطاء السياسيين ممن لا ينتمون إلى القوى السياسية المُنظمة التقليدية فى التحرك، منددين بسياسة الحكومة لعدم توافر فرص العمل.. وارتفاع نسبة البطالة وارتفاع الأسعار واختفاء بعض السلع الأساسية وغيرها من المطالب الجماهيرية، منتقدين عدم تعيين نائب لرئيس الجمهورية، مطالبين بمزيد من الحريات». وأضاف «انضمت إلى هذا التحرك أيضا مجموعات من الشباب المنتمين لحركة 6 أبريل وحركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير. وارتفع سقف المطالب بتغييرات جذرية على المستوى السياسى والاقتصادى والاجتماعى، والمطالبة بتغيير الحكومة لعجزها عن تحقيق المطالب الجماهيرية.. والتنديد بما يسمى بالتوريث».
بداية تصاعد الأحداث السياسية فى مصر، كما قال العادلى، هى «الدعوة إلى وقفات احتجاجية فى القاهرة وبعض المحافظات الأخرى والتهديد بالعصيان المدنى واستثمار بعض المطالب الفئوية والعمل على الدفع بمطالبهم إلى توقف الإنتاج، كما حدث فى مدينة المحلة الكبرى فى أبريل 2008، واتسعت رقعة التظاهرات، وانضمت إليها قوى سياسية أخرى خاصة بعد انتخابات مجلس الشعب عام 2025. وأوضح أنه «قبل 25 يناير 2025، تصاعد الحراك السياسى بالدعوة إلى القيام بمظاهرات فى جميع المحافظات يوم 25 يناير، وانتشرت الدعوة عبر عدة شبكات للتواصل الاجتماعى على الـ(فيسبوك) والـ(تويتر) و(يوتيوب).
العادلى، ووفق رؤيته، وصف الأحداث برمتها «مخططا خارجيا»، وقال إن القائمين عليه استغلوا شريحة الشباب. وأضاف «عندما ننظر إلى وقائع ما قبل 25 يناير 2025، وسير الأحداث ونستعرض المعلومات التى فى حكم المؤكد، لأنها معلومات للأجهزة الأمنية المختلفة بالبلاد، والتى تؤكد أن هناك مخططا خارجيا يستهدف مصر، تشارك فيه عناصر أجنبية بالاشتراك مع عملاء لها بالداخل، تمكنت من اختراق الحدود المصرية، وشوهدت فى جميع مسارح الأحداث.. بل إن الأمر لم يقتصر على أنها معلومات أجهزة أمنية لديها من الخبرات والإمكانيات التى تُمكِنُها من التوصل إلى مثل هذه المعلومات.. بل امتد إلى معلومات نشرت على صفحات بعض الصحف، كما أوضحه السادة المحامون، فى ما نُشر بجريدة (الأخبار)، وكذا ما أُذيع عبر القنوات الفضائية، وأكد ذلك أيضا السيد وزير العدل السابق محمد عبد العزيز الجندى، فى حديث لسيادته ببرنامج (اتجاهات) على التليفزيون المصرى، أُذيع الساعة 8:30 مساء يوم السبت الموافق 10/9/2011، ذكر أن البلاد تتعرض لمؤامرة كبرى مشترك فيها أطراف كثيرة ودول كبرى بهدف ضرب مصر، وأن هذه الأحداث ستواجه بكل حزم».
العادلى لفت نظر المحكمة إلى ما يتضمنه «cd» الذى قدمه المحامون، يُظهر عمر عفيفى، الذى وصفه بـ«أحد عناصر التخريب بالخارج»، وقال العادلى إن عفيفى كان يلقن عناصر الشغب التى قامت بالقتل والتعدى على الكيان الشرطى وأفراده وآلياته، وكيفية تنفيذ ذلك، وكيفية تصنيع زجاجات المواد الحارقة المعروفة بالمولوتوف وكيفية استخدامها وإلقائها على الجنود وهم بداخل المدرعات المغلقة والسيارات لحرقهم وهم أحياء، وتدمير هذه الآليات وكيفية إحداث حالات الرعب والفزع النفسى لدى سائقى هذه السيارات، عندما يجد نفسه بين الحياة والموت، وعندما يريد الفرار بالسيارة أو المدرعة، يعملون على إعاقته بالوسائل المختلفة، وغيره الكثير الذى علمه الكافة الآن».
المحور الثالث من مذكرة العادلى كان بعنوان «الأحداث من 25 يناير حتى 29 يناير 2025» وقال فيه إن «معلومات جهاز مباحث أمن الدولة وجهاز المخابرات العامة توصلت إلى أن هناك مظاهرات ستخرج يوم 25 يناير 2025، وكذا الدعوة إلى مظاهرات أخرى يوم 28 يناير 2025، ما سُمى بـ(جمعة الغضب)، وأخطرت رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء بالمعلومات، ومطالب المتظاهرين، وفى اجتماع عُقد برئاسة رئيس مجلس الوزراء بناء على تكليف من الرئيس وبحضور مجموعة وزارية مختصة، تم دراسة المعلومات عن هذه المظاهرات، واتُفق على قطع الاتصالات التليفونية، بهدف تقليل عدد المتظاهرين الوافدين من المحافظات المختلفة، وعدم التكتل فى أماكن لا تستوعب الحشد الكبير، وحتى يتم تأمين المتظاهرين بالشكل المطلوب الآمن، وذلك يوم 25 يناير وحتى انتهاء المظاهرات، ويوم الجمعة 28 يناير، فى بعض المواقع وتوقيتات يفرضها الموقف، ولدواع أمنية، وتشكيل غرفة عمليات بمقر وزارة الاتصالات شارك فيها ممثلو الوزارات المعنية للمتابعة».
العادلى نفى صحة الاتهام الذى وجه إليه بأن «قطع اتصالات الهواتف المحمولة أسهم فى انقطاع الاتصال بين القوات وقادتها الميدانين، وأدى إلى إنهاك القوات وهبوط الروح المعنوية.. لأن هذا القرار لم يكن قرارا فرديا بل قرار لجنة ولدواع أمنية».
العادلى قال إنه تمت الدعوة إلى اجتماعين، الأول يوم 24 يناير، والثانى يوم 27 يناير 2025، حضره مساعدو الوزير المختصون والمعنيون بمتابعة تنفيذ التوجيهات مع المسؤولين التنفيذيين بالمواقع المختلفة، حيث تم استعراض المعلومات المتوافرة، والإمكانيات والقدرات الشرطية اللازمة لعمليات التأمين على مستوى المحافظات لمواجهة الموقف، وتم التوجيه بأنه غير مسموح بحمل القوات المعنية بتأمين المتظاهرين أى أسلحة نارية، سواء الآلية أو طبنجات.. أو الخرطوش، ويقتصر التعامل إذا حدث أى تجاوز من المتظاهرين يُمثل تهديدا لأمن الأفراد والمنشآت بالتنبيه بالانصراف ثم استخدام العصى.. وإطلاق محدثات الصوت والمياه وقنابل الغازات المسيلة للدموع.. فقط.
وكشف العادلى قائلا «كنا نعلم أن هناك مظاهرات ستخرج، سواء يوم 25 يناير أو يوم الجمعة 28 يناير 2025، لا ننكر وكنا أيضا نعلم أنها مظاهرات سلمية، لا ننكر، بل نؤكد ذلك، وأنها ستكون كسابقتها لسنوات طوال، مع اختلاف أعداد المشاركين فيها، لكن لم نكن نعلم أن هناك تجهيزا لاستثمار هذه المظاهرات لأهداف تخرجها عن سلميتها. ولم نكن نعلم أنه سيشارك بها عناصر أجنبية. ولم نكن نعلم أنه ستشارك بها عناصر إجرامية. ولم نكن نعلم أنه ستسخدم أسلحة نارية وزجاجات المولوتوف الحارقة. ولم نكن نعلم أنه سيتم حرق سيارات ومدرعات الشرطة والجنود بداخلها. ولم نكن نعلم أنه سيتم حرق المؤسسات الشرطية بالمحافظات المختلفة ما يقرب من 160 موقعا شرطيا. ولم نكن نعلم أنه سيتم اقتحام السجون فى المحافظات المختلفة وإخراج المسجونين وتهريب عناصر منهم خارج البلاد. ولم يكن عدم العلم هذا قاصرا على أجهزة المعلومات بالوزارة فقط بل أيضا على باقى أجهزة الأمن المختلفة بالدولة، بل كان له وقع المفاجأة.. وأقول المفاجأة لكل الأجهزة الأمنية المختلفة، ولقد عبر عن ذلك صراحة فى كلمة حق السيد عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق ورئيس جهاز المخابرات العامة أمام حضراتكم، إن المعلومات بأن المتظاهرين سيكون عددهم فى حدود ما يقرب من ثلاثين ألفا أو أربعين ألفا على مستوى كل المحافظات.. ولقد فوجئنا بما حدث. وأعتقد أن نفس الموقف بالنسبة إلى المخابرات الحربية».
العادلى سأل «ألم يستخدم رجال الشرطة أسلحة نارية سواء طبنجات أو أسلحة آلية أو بنادق خرطوش فى قتل المتظاهرين؟ وأجاب: «أقول على وجه القطع واليقين أن هؤلاء الرجال لم يطلقوا الرصاص على المتظاهرين، لأنهم التزموا كاملا بعدم الخروج لمهامهم التأمينية بأى أسلحة غير التى سُمح بها فى ضوء التوجيهات التى أُبلِغت لهم وتابع تنفيذها قياداتهم.. وأقول إنى لا أستطيع أن أنكر أن هناك من رجال الشرطة من قد يكون استخدم سلاحه الشخصى -الطبنجة- أو بندقية خرطوش، وليس السلاح الآلى، ولكن لم يكن يقصد قتل المتظاهرين، ولكن بقصد الدفاع عن نفسه.
العادلى استشهد بأقوال عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق ورئيس جهاز المخابرات العامة سابقا، وكذا بعض أقوال السيد اللواء محمود وجدى، وزير الداخلية الأسبق، فى أحداث اقتحام السجون، تأكيدا على سيناريو المخطط الأجنبى، أوضح أن سليمان قال فى جلسة المحاكمة يوم 13/9/2011، عندما سئل كيف كانت حال التظاهرات من 25 يناير إلى 28 يناير؟ وكيف تم رصدها؟ فأجاب أنه فى متابعتنا للنشاط الفلسطينى رصدنا بعض الاتصالات بين حركة حماس وبدو سيناء -وخروج بعض المجموعات من خلال الأنفاق بين غزة والحدود المصرية- والاتفاق مع البدو على أن يمدوهم بالأسلحة والذخائر فى مقابل معاونتهم على إخراج عناصرهم المحجوزة فى السجون المصرية، وكان ذلك يوم 27 يناير.. وفى يوم الجمعة 28 يناير شوهدت هذه العناصر فى ميدان التحرير مع آخرين كانوا يستعدون لعمليات الاقتحام مع عناصر أخرى، وليلة 28 يناير نجحت عناصر حماس وحزب الله فى إخراج عناصرهم من السجون، وحدثت أحداث كبيرة أدت إلى انكسار الشرطة وتخليها عن مسؤولياتها، منذ أن استجاب السيد رئيس الجمهورية لما طلبه وزير الداخلية بنزول الجيش لمساعدة الشرطة، وبالفعل نزلت القوات المسلحة، وبدأت فى الانتشار. كما قال اللواء محمود وجدى، وزير الداخلية الأسبق.. فى جلسة المحاكمة يوم 15/9، عندما سئل عن عملية التهريب من السجون، إنه كانت هناك عناصر فلسطينية -ومن حزب الله- فى سجون وادى النطرون، وأبو زعبل، والمرج، وحدث تنسيق بين الفلسطينيين والجهاد الإسلامى وحماس وكتائب عز الدين القسام والبدو، لتهريب العناصر من السجون، واستخدموا اللوادر والأسلحة فى اقتحام السجون.
اختتم العادلى مذكرة دفاعه بالقول إنه «لم يكن من المتصور أن يكون المخطط الذى نُفذ لشل فاعلية الشرطة المصرية بهذا الحجم».
المصدر موقع اخبارك