السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة الداعية المصرية "زينب الغزالى"
نسبها ونشأتها
زينب محمد الغزالي الجبيلي، ينتهي نسب والدها من أبيه إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وأما نسب أمها فينتهي إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما .
وكان جدها تاجرا شهيرا للقطن ووالدها من علماء الأزهر الشريف وكان يعمل أيضًا تاجرًا للقطن، ووالدتها من عائلة كبيرة في قرية (ميت يعيش) مركز (ميت غمر ) محافظة (الدقهلية)، ولدت السيدة زينب الغزالي في الثاني من يناير سنة 1919م الموافق الثامن من ربيع أول سنة 1335 هـ، توفي والدها في سن مبكرة سنة 1928 م، وكان عمرها آنذاك حوالي أحد عشر عامًا.
ترسخ في نفسها الكثير من الصفات التي كان والدها يحرص على أن يغرسها فيها لتكون داعية إسلامية، حيث كان يأخذها والدها لصلاة الفجر ويحثها على أداء الصلوات في أوقاتها، ويقول لها:
لا تلعبي مع أقرانك فأنت السيدة زينب، كان يناديها نسيبة تيمنا بالصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب المازنية الأنصارية..
التي تزينت باثني عشر وساما ما بين طعنة وضربة سيف تلقتها يوم أحد حين ثبتت مع النبي عليه الصلاة السلام في ساعة تراجع من حوله الناس..
وكأن الوالد يؤهلها لما تخبئه لها الأيام فيصنع لها سيفا من خشب، ويخط لها دائرة على الأرض بالطباشير، ويقول لها قفي واضربي أعداء رسول الله..
فكانت تقف وسط الدائرة.. تضرب يمينا وشمالا.. من الأمام والخلف.. ثم يسألها كم قتلت من أعداء رسول الله وأعداء الإسلام؟.. فتجيب المجاهدة الصغيرة:
واحدا.. فيقول لها اضربي ثانية.. فتسدد الصغيرة طعناتها في الهواء وهي تقول: اثنين.. ثلاثة.. أربعة..!!
دراستها
درست زينب الغزالي في المدارس الحكومية و تلقت علوم الدين على يد مشايخ من الأزهر ، فبعد وفاة والدها انتقلت مع والدتها إلى القاهرة للعيش مع إخوتها الذين يدرسون ويعملون هناك ولم يوافق أخوها الأكبر محمد على تعليمها رغم إلحاح زينب وإصرارها.
وكان يقول لوالدته: إن زينب قد علمها والدها الجرأة، وألا تستمع إلا لصوتها ولعقلها.. ويكفيها ما تعلمته في القرية..
وكانت والدتها ترى أن عليها طاعة أخيها؛ لأنه بمثابة الوالد.. لكن الله قيض لها أخاها عليا وهو الأخ الثاني الذي رأى أن تعليمها سوف يقوم أفكارها ويصوب رؤيتها للأشياء والناس..
واقتنى لها الكتب.. وأهمها كتاب لعائشة التيمورية عن المرأة.. حفظت زينب أكثر مقاطعه.. لكنها لم تكتف بالكتب والقراءة الحرة..
فخرجت ذات يوم من منزلها بحي شبرا وعمرها اثنا عشر عاما وراحت تتجوَّل في الشوارع، فوقعت عيناها على مدرسة خاصة بالبنات فطرقت بابها، وعندما سألها البوَّاب عن غرضها، قالت له: جئت لمقابلة مدير المدرسة فسألها: لماذا؟
فقالت وهي واثقة من نفسها: أنا السيدة زينب الغزالي الشهيرة بنسيبة بنت كعب المازنية.. ولدي موعد معه.. فأدخلها البواب وهو يتعجب من هذه الفتاة!.
دخلت مكتب المدير وبادرته قائلة في طريقة آلية:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا السيدة زينب الغزالي، ولقبي بنسيبة بنت كعب المازنية.. فنظر إليها الرجل بتعجب ثم سألها ماذا تريدين يا سيدة زينب أو يا سيدة نسيبة؟
فقصت عليه قصتها وموقف شقيقها الأكبر من تعليمها وطلبت منه أن يَقْبلها طالبة وعندما سأل عن والدها وأخيها عرفها وعرف أسرتها..
وعرف جدها تاجر الأقطان المشهور ووالدها الأزهري المعروف .. وأعجب مدير المدرسة بذكاء الفتاة وجرأتها.. فطلب منها إحضار أخيها علي الذي يؤيد تعليمها ليسجلها في المدرسة.. وأجرى لها اختبارا في بعض الأسئلة.. فأجابته بكل ثقة..
ثم انتقلت بعده إلى الصف الأول وبعد شهرين من انتظامها في الدراسة أجرى لها اختبارا ألحقها على إثره بالفصل التالي... وهكذا درست زينب في المدارس الحكومية لكنها لم تكتف بذلك.. فأخذت تتلقى علوم الدين على يد مشايخ من الأزهر منهم عبد المجيد اللبان ومحمد سليمان النجار رئيس قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر.. والشيخ علي محفوظ من هيئة كبار العلماء بالأزهر.. وبهذا جمعت زينب بين العلوم المدرسية الحديثة والتقليدية القائمة على الأخذ المباشر من الشيوخ.
الاتحاد النسائي
بعد حصولها على الثانوية طالعت في إحدى الصحف أن الاتحاد النسائي الذي الذي تزعمتة في تلك الآونة هدي شعرواي ينظم بعثة إلى فرنسا تتكون من ثلاث طالبات، فتوجهت إلى مقر الاتحاد والتقت هدى شعراوي وعلى الفور سجلتها في جمعيتها، وهكذا أنضمت للإتحاد النسائي والذي كان وقتها صوتا عاليا يطالب المجتمع بحقوق المرأة وأظهرت هدي شعرواي ترحيبها بها .. فزينب خطيبة مفوهة تلقت الخطابة والإلقاء عن والدها رحمه الله.. وراحت تقدمها لرواد الجمعية وتطلب منها أن تخطب فيهن.. وكانت ترى فيها خليفتها للاتحاد النسائي.. وسرعان ما وجدت زينب اسمها على رأس البعثة التي تمنتها لكن الله أراد لها غير ذلك.
فبعد شهر من إعلان البعثة تحدد موعد سفر أعضائها.. وذات يوم رأت والدها في منامها يطلب منها عدم السفر إلى فرنسا ويقول لها:
إن الله سيعوضك في مصر خيرا مما ستجنينه من البعثة.. فقالت له: كيف؟ قال: سترين.. ولكن لا تسافري لأنني لست راضيا عن سفرك.. وكأن روح الوالد الحنون تتسلل من عالمها الغيبي لتحنو على القلب الصغير الغرير.. تنير له الدرب.. وتجنبه عثرات الطريق!!
وسرعان ما اعتذرت زينب عن عدم الذهاب وحل الذهول بهدى شعراوي التي كانت زينب أملا من آمالها.. وتعدها لتكون إحدى العضوات البارزات في الاتحاد النسائي. وعندما قصت عليها زينب الرؤيا التي رأت.. قالت لها:
إن من الأحلام ما يتحقق ومنها ما لا يتحقق.. لا تضيعي الفرصة من يدك يا زينب.. واحتضنتها وهي تبكي.. لكن زينب أصرت على موقفها الجديد وقالت: ما دام والدي قد أمرني فلن أخالف أمره.
خاضت في سنوات حياتها الأولى نقاشات كثيرة ضد الأزهر من أجل الاتحاد النسائي تكافح ببسالة لنيل حقوق المرأة مؤمنة بكل الشعارات التي نادى بها الاتحاد النسائي.. إلا أنها لم تخرج عن قناعاتها الإسلامية بأن يكون هذا التحرر ضمن الإطار الإسلامي.. وقد لفت هذا الأمر نظر علماء الأزهر وشعروا أن هذه الخطيبة المفوهة مبهورة بشعارات حقوق المرأة ضمن الاتحاد النسائي بما لديها من مقدرة على إقناع الطرف الآخر بوجهة نظرها..
حينها أراد أحد علماء الأزهر وهو الشيخ محمد النجار مناقشتها ليوضح لها بعض الأمور الدينية التي كانت تجهلها .. فتفتحت عيناها على الكثير من القضايا التي رأتها صواباً ضمن الاتحاد النسائي ..
وباتت تعرف موقف الإسلام منها حين حرر الإسلام كرامة المرأة قبل أن يحرر حقوقها المادية .. وصان عفتها في عالمه المشرق وقت كان الغرب لا يعرف للمرأة قدراً ولا قيمة .. فعرفت زينب أن الإسلام هو طريق الخلاص بالمرأة لنيل حقوقها ..
ولكن كيف لها أن تخرج من الاتحاد النسائي وهي صاحبة الامتياز والحظوة لدى زعيمته هدى شعرواي .. التي رأت فيها أملاً وحجة قوية لانضمام الكثيرات إلى الاتحاد.
جمعية النساء المسلمات
جاء ذلك اليوم الذي اختاره الله ليفرق بين الحق والباطل في حياة نسيبة القرن العشرين ففي أحد الأيام دخلت زينب مطبخ أسرتها فانفجر بها موقد الغاز.. وطالت النيران وجهها وسائر جسدها..
فكان الطبيب يأتي كل يوم لمعالجة قروحها وحروقها يائساً من شفائها.. ليخبر أهلها بعد أيام أن حالتها في رحمة الله وأن شفاءها ضرب من ضروب المحال طالباً منهم الدعاء لها فسمعت بهذا النبأ دون أن يخبرها أحد فما كان منها إلا أن تيممت واجتهدت في العبادة والصلاة استعداداً للموت .. مبتهلة إلى الله بالرجاء والتضرع أن يغفر لها انضمامها إلى جماعة هدى شعرواي..
تتوسل له أن يعيد إليها جسدها كما كان فهو القادر على كل شيء وتعاهده أن تكون بكل كيانها لله ومع الله .. مجاهدة بكل طاقاتها لأجل الدعوة الإسلامية والعودة بالمرأة المسلمة إلى عصر الصحابيات.
ما أروع الإخلاص في الدعاء وما أحلى التوبة الصادقة حين تخرج من قلب أخلص الولاء لله .. فإذا بالجسد الذي قرر الأطباء موته يتماثل للشفاء وإذا بالحروق تبرأ مما بها.. لتعاودها الصحة في معجزة أرادها المولى أن تظل ماثلة أمام قلبها حين تنهال عليها المحن.
وبعد هذا الحادث استقالت من الاتحاد النسائي و أسست جمعية إسلامية هي أول جمعية إسلامية نسائية ربما في مصر والمشرق العربي كله وهي جمعية السيدات المسلمات .
وكان عمرها في ذلك الوقت حوالي عشرون عامًا، وقد أسستها في ربيع أول سنة 1355هـ الموافق لسنة 1937 م وانطلقت من خلالها في مجال الدعوة إلى الله عز وجل .
هكذا عادت إلى الحق بروح صافية تحمل في جسدها معجزة الشفاء ويصبح خطابها المفوه حجة مع الإسلام تطالب بعودة الأمة للدين الصحيح كي تنال المرأة حقوقها ويأخذ الرجل حقوقه ويعود للأمة مجدها وسؤددها الذي فقدته حين استبدلت مشاعل الإسلام بشموع الغرب ..
لتنتشر جمعيتها التي أسستها في أنحاء مصر وتصبح مجلتها الأسبوعية مجلة السيدات المسلمات صوتاً يقنع الأمة بالعودة إلى دين الله .. ليلتقي الفكر النير مع الفكر النير في لقاء رباني يحمل راية الدفاع عن الإسلام حين انضمت زينب الغزالي ل جماعة الإخوان المسلمين.
في تلك الفترة اقتربت من العلماء والدعاة ومن مشايخ الأزهر وأساتذة الشريعة وعلماء الفقه وتتلمذت على أيديهم، وبدأت تدرس العلوم الشرعية في المساجد الشهيرة في القاهرة آنذاك منها:
مسجد أحمد بن طولون، ومسجد الإمام الشافعي، والجامع الأزهر، ومسجد السلطان حسن، وغير ذلك من المساجد الشهيرة، وبدأت الجمعية بعد ذلك يكون لها نشاطات مميزة في مجالات مختلفة؛ فأقامت معهدًا للوعظ تتخرج فيه الداعية بعد ستة أشهر وتدرس فيه الفقه والسيرة والحديث وما إلى ذلك من العلوم الشرعية حتى تستطيع أن تعظ في المساجد وبالفعل كانت هناك جهود مثمرة في هذا المجال وأقامت أيضًا دار لليتيمات لرعايتهن ومراعاة شؤونهن، لكن سرعان ما تبدل الحال عندما دخلت جمعية السيدات المسلمات التي ترأسها زينب الغزالي في أزمة مع ثورة يوليو 1952 حيث ضيق عليها وحلت جمعيتها، وأيضًا أغلقت المجلة، وقد أغلقها عبد الناصر وأغلقت الجمعية تمامًا سنة 1964م؛ بل قدمت بعدها للمحاكمة باعتبارها مناهضة للثورة، وحكم بإعدامها سنة 1965 لكن خفف الحكم للأشغال الشاقة المؤبدة قضت منها ست سنوات ثم كتبت كتابها الشهير أيام من حياتي حيث سطرت فيه ما لاقته من صنوف التعذيب الشديد الذي لم تعذبه امرأة من قبل.
أعمالها وكتاباتها
كانت زينب الغزالي من المؤسسين للمركز العام للسيدات المسلمات، فقد أنشئ سنة 1356هـ الموافق 1936 م ، وأدى واجبات كثيرة، واختلف مع نظام الحكم لعبد الناصر لأنه كان يطالب بأن تحكم الشريعة الإسلامية في مصر ، وكان يطالب بعودة المسلمين كلهم إلى الكتاب والسنة ، وإلى إقامة الخلافة الإسلامية .
وكتبت زينب الغزالي مجموعة من المصنفات من بينها (( أيام من حياتي )) و (( نحو بعث جديد )) ، وكتابا آخر اسمه ((نظرات في كتاب الله ))، ولقد فسرت فيه سورة البقرة ، وآل عمران ، والنساء وكتب أخرى منها (( أسماء الله الحسنى )) و (( غريزة المرأة )).
والناظر في كتب الداعية زينب الغزالي يجد فيها امرأة عالمة وفقيهة واعية لعصرها ولما يدور من حولها من أحداث ، ويبرز ذلك في كتاب نظرات في كتاب الله. تقول زينب الغزالي" - بعد صدور كتابها "نظرات في كتاب الله" :
"أنا أحببت القرآن حتى عشته ، فلما عشته أحببت أن أدندن به لمَن أحب ، فدندنت بعض دندنة المفسرين ، ولا أقول إني مفسرة ، ولكني أقول : إنني محبة للقرآن ، عاشقة له ، والعاشق يدندن لمن يحب ، والعاشق يحكي لمن يحب ، ويجالس من يحب ، ويعانق من يحب ، فعانقت القرآن ، وتحدثت به وله في جميع الملايين من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، وعشت أدندن به في المساجد لأكثر من ستين عاماً ، أي عمر الدعوة التي أسستها في المساجد منذ 1937".
حياتها السياسية
لم يقتصر عمل الجمعية على أعمال الخير.. بل اتجهت للعمل السياسي الذي لا يمكن فصله عن العمل الاجتماعي.. وأصطدمت مع السلطة الحاكمة..
وبلغ ذلك الصدام ذروته باعتقالها من منزلها في 20 أغسطس من عام 1965م إثر رفضها مقابلة جمال عبد الناصر..و قالت لرسول الرئيس : "أنا لا أصافح يدا تلوثت بدماء الشهيد عبدالقادر عودة "!!.
عندها رأت أعين المخابرات الأمريكية والروسية في جماعة الإخوان المسلمون خطراً مقبلاً وشمساً ستطفئ شموعهم السوداء وسيفاً ذا نصل حاد يقطع الطريق على كل المشككين بالإسلام..
فخافت من هذا الخطر القادم وبدأت تضع المخططات لاغتيال رواد الدعوة رغبة في وأد الحق الوليد.
فأشاعت عبر ذيولها أن الإخوان يخططون لقتل جمال عبدالناصر وعدد من شخصيات حكمه البارزة لتوغل في قلب السلطات الحاكمة نيران الحقد على جماعة الإخوان المسلمون.
وقد عبرت زينب الغزالي في كتابها (أيام من حياتي) عن ذلك في قولها : (ليس من أهداف الإخوان المسلمين قتل عبد الناصر..
إن غايتنا أكبر من ذلك بكثير.. إنها الحقيقة الكبرى قضية التوحيد وعبادة الله وإقامة القرآن والسنة) فكان الاعتقال نصيب جماعة الإخوان المسلمين بدءاً من سيد قطب إلى الإمام حسن الهضيبي وصولاً إلى زينب الغزالي والآلاف المؤلفة من دعاة الحق..
الذي ساقتهم أيدي الضلال إلى سجون الظلم افتراء وبهتاناً بدعايات مضللة تؤلب قلوب الجماهير على جماعة الإخوان .. حجتهم في ذلك التخطيط لقتل جمال عبدالناصر !!!
وهكذا ففي يوم 20 أغسطس لعام 1964م اقتحمت المخابرات المصرية منزل زينب الغزالي وعاثت به فساداً ما بين إتلاف وتكسير وتمزيق وحين حاولت أن تخاطبهم بلغة القانون الذي يحتكمون إليه فسألتهم عن إذن التفتيش صرخوا في وجهها يتقهقهون إذن تفتيش في حكم عبد الناصر!! ثم ألقي القبض عليها وسيقت إلى السجن الحربي..
لتبدأ رحلة التعذيب من قبل طغاة أخذتهم العزة بالإثم .. لا يتورعون عن فعل أي شيء يندى له جبين الإنسانية..
بدءاً من التجريح بأقذع الألفاظ التي ترفضها كل الأعراف الدولية انتقالاً إلى الجلد بالسياط ونهش الكلاب المسعورة.. أملاً منهم في إجبارها على الإقرار بأن هناك خطة تهدف لقتل جمال عبدالناصر وضعها جماعة الإخوان المسلمون ..
ولما فشلت قوى البغي والضلال في إجبار زينب الغزالي على قول الباطل لخدمة مآربهم أمعنت في تعذيبها ظناً منهم أن النيل من الأبدان يزهق الأرواح .. فصمدت زينب أيما صمود.. وتحملت مالا يحتمله عتاة الرجال..
تقول زينب الغزالي في كتابها أيام من حياتي : ( فتح باب لحجرة مظلمة فدخلت وقلت :
باسم الله السلام عليكم.. وأغلق الباب وأضيئت الكهرباء قوية !! إنها للتعذيب ! الحجرة مليئة بالكلاب ! لا أدري كم !! أغمضت عيني ووضعت يدي على صدري من شدة الفزع .. وسمعت باب الحجرة يغلق بالسلاسل والأقفال .. وتعلقت الكلاب بكل جسمي..
رأسي ويدي وصدري وظهري.. كل موضع في جسمي.. أحسست أن أنياب الكلاب تغوص فيه .. فتحت عيني من شدة الفزع وبسرعة أغمضتهما لهول ما أرى ..
وضعت يدي تحت إبطي وأخذت أتلو أسماء الله الحسنى مبتدئة بـ "يا الله يا الله".. وأخذت أنتقل من اسم إلى اسم.. والكلاب تتسلق جسدي كله ... أحس بأنيابها في فروة رأسي ..
في كتفي.. في ظهري.. أحسها في صدري في كل جسدي .. أخذت أنادي ربي هاتفة: "اللهم اشغلني بك عمن سواك..
اشغلني بك أنت يا إلهي يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد.. خذني من عالم الصورة.. اشغلني عن هذه الأغيار كلها.. اشغلني بك.. أوقفني في حضرتك.. اصبغني بسكنتك.. ألبسني أردية محبتك.. ارزقني الشهادة فيك .. والحب فيك والرضا بك والمودة لك وثبت الأقدام يا الله ..
أقدام الموحدين " كل هذا كنت أقوله في سري .. والكلاب نابشة أنيابها في جسدي.. مرت ساعات ثم فتح الباب وأخرجت من الحجرة.. كنت أتصور أن ثيابي البيضاء مغموسة بالدماء.. ولكن ويا لدهشتي الثياب.. كأن لم يكن بها شيء ..
كأن ناب واحد لم ينشب في جسدي.. سبحانك يا الله أنت معي.. يا الله هل أستحق فضلك وكرمك ؟.. كل هذا كنت أقوله في سري فالشيطان ممسك بذراعي يسألني : كيف لم تمزقك الكلاب ؟).
كان هذا هو بداية العذاب في رحلة السجن التي عاشتها زينب الغزالي.. فقد انهالت عليها سياط الشر اللعين بدءاً من خمسين جلدة وصولا إلى خمسمائة جلدة .. تنصب على جسد امرأة قالت :
ربي الله .. هؤلاء هم فرسان دعاة التحرر والأفواه المعطرة بكلمات الاشتراكية.. لكن زينب ازدادت مع العذاب تصميماً ومع القهر ثباتاً ..
فازداد الطغاة شراسة وفجوراً لتساق زينب عند أشرهم بطشاً وأشرسهم فظاظة.. إنه شمس بدران..
وما أدراكم من هو شمس بدران !!! وحش بشري قتل ضميره فضاعت إنسانيته على أرصفة الحكم الناصري.. فأمر بأن تعلق زينب على عمود خشبي له قاعدة خشبية وتربط يدها بقدمها لتجلد خمسمائة جلدة..
وتقذف بأشنع الألفاظ .. لكن زينب الغزالي وهبت نفسها لله ودينه ، فهانت الدنيا في قلبها وثبتت على الحق تحتمل ما لا يطيقه عشرة رجال.. متمثلة بقول الشاعر :
ولست أبالي حين أقتل مسلماً
على أي جنب كان في الله مصرعي
ليواجهها هذا الوحش البشري بعد كل هذه السياط بجبروت من ضاعت آخرته فاستوحشت دنياه : أين هو ربك لينقذك ؟ فترد عليه بكل ثبات قائلة : ( الله سبحانه الفعال ذو القوة المتين)..
أمعنت قوى الباطل في تعذيبها وازداد الطغيان شراسة تفوق شراسة الوحوش الحيوانية .. فالكلاب كما رأتها زينب الغزالي كانت أكثر إنسانية من وحوش البشر ..
والفئران التي أطلقوها في زنزانتها خجلت من دعاء المؤمن ففرت تبحث عن مكان آخر .. وأصدر جمال عبدالناصر قراراً بتعذيب زينب الغزالي فوق تعذيب الرجال !!!
فخارت قوى الجسد الضعيف.. وانهارت قدرته على احتمال ما لا يطيقه الرجال.. فكيف بإماء الله !!! وأن الجسد أشرف على الموت فكانوا كلما تهاوى جسدها وشعروا بقرب موتها أدخلوها مستشفى السجن الحربي ليتم إنقاذها..
ليس رحمة منهم بل لينهالوا عليها بمزيد من العذاب.. ولكن الروح تنامت مع كل أنواع السياط وأشكال التعذيب.. وتسامت خفاقة تعلو بهمة المؤمن لتصبح نظرته مرعبة لأعداء الله.. وابتسامته الساخرة خنجراً يقتل طغاة الظلم وأرباب الضلالة..
فأضفت روحها العالية على جسدها المتهاوي قوة لا يمكن لمن لم يتذوق حلاوة الإيمان بالله أن يراها حتى يئس الظلم من مقارعة الحق ...
وانحنت السياط ذليلة أمام صبر المؤمنات.. فرغبوا في الخلاص منها باستصدار حكم عليها عبر محاكم طغيانهم بالسجن المؤبد مدى الحياة ..
لتبدأ معها رحلة جديدة من المعاناة في حياة زينب الغزالي تستمر إلى أن حلت نكسة عام 1967م وانتكست الأمة تحني جبين الهوان بضياع القدس.. وهوى المسجد الأقصي أسيراً تحت وطأة الطوفان الصهيوني المتبجح ..
فهل ضاعت القدس يوم النكسة أم أن ضياع القدس كانت نهاية لمسرحية الطغيان والظلم التي كبلت حياة الأمة الإسلامية..
فكان سقوط القدس أمراً متوقعاً لكل من شاهد الإسلام قابعاً في مهاوي السجون وأيدي الظلم تخط توقيعها لإعدام أشهر علماء الأمة في القرن العشرين الشهيد سيد قطب.. ثم يتشدقون في خطاباتهم الرعناء بمحاربة الصهيونية والإمبريالية..
وفي عام 1971م مات جمال عبد الناصر وزينب الغزالي قابعة في السجن تنتظر فرج الله و جاء القرار بالإفراج عنها بعد سبعة أعوام من الأسر .. حاولوا تقييدها بشرط عدم الدعوة إلى الله لكنها رفضت فاضطروا للإفراج عنها دون شروط.
حياتها الدينية
زارت المملكة العربية السعودية 60 مرة ، وأدت فريضة الحج 39 مرة ، واعتمرت 100 مرة، وزارت الكثير من الدول العربية والإسلامية لنشر الدعوة الإسلامية ، ولإلقاء المحاضرات الدينية في الدعوة إلى الله تعالى . وقد أمضت في حقل الدعوة 53 سنة - أكثر من نصف القرن - التقيت فيه بكل رجال الدعوة الكبار . وتأثرت بشخصيات كثيرة منهم : حسن البنا ، هو الأكثر تأثيرا في نفسها وضميرها ، وحسن الهضيبي -رحمهم الله جميعا.
أشهر كتابها
يعتبر كتاب أيام من حياتي وثيقة هامة وسجلا تاريخيا لحقية تاريخيه مهمة للدعوةالإسلامية ، وفيه تفاصيل وأحداث حدثت في فترة ما بين 1964) إلى (1971 ووثق فيه أيضا أسماء بعض رواد الدعوة الإسلامية الذين أسهموا في بقاء بعض التشريعات الإسلامية التي ظلت غائبة حتى وقتنا الحاضر.
كانت الكاتبة حاضرة في عرضها لموضوع كتابها وذلك لأنها تكتب سيرة حياتها وقد أبرزت الكاتبة هدفهـــا في النص بصورة مباشرة في مقدمة الكتاب وفي الكتاب صور لمواقف الثبات على المبدأ والدين الإسلامي في حياة الدعاة المعاصرين . ويتراوح أسلوبها بين الحوار والسرد.
وكانت تطمح أن تكون أول امرأة تكتب تفسير القرآن، وبالفعل نجحت في ذلك وظهر المجلد الأول واستقبل استقبالاً حسنًا، وكتبت عنه كثير من الصحف والمجلات.
البيت الجميل
يقول الأستاذ بدر محمد بدر- سكرتير زينب الغزالي مدة 15 عامًا-: الحاجة زينب الغزالي كانت تحرص على الجمال في بيتها؛ فتجد الورود والعطور والمكان الذي يريح النفس؛ فكانت تعتبر أن الداعية يجب أن يكون جميلاً وما حوله يساعده على أداء هذا الدور، وبالتالي كان الصحفيون والصحفيات الغربيون الذين كانوا يذهبون إليها يدهشون من جمال بيتها وجمال الفرش الموجود مع البساطة الواضحة فيه، وبالتالي فهي تعيش في هذا البيت مع الجو المريح للنفس وحول فراشها تنتشر الورود الجميلة.
الداعية (زينب الغزالي) تعد مكتبتها من أضخم المكتبات التي يحتويها بيت عالم وفقيه؛ فكانت تملك من كتب التفسير والفقه الكثير، إضافة إلى العلوم الحديثة والكتب الدعوية والحركية. وهناك كتب في المكتبة تزيد عمرها على مئة عام من المؤلفات القديمة .
وفاتها
كان بيت الداعية زينب الغزالي لا يخلو من الضيوف ومن المحبين الذين يسألونها، وكانت دائمًا لا تتناول غذاءها بمفردها، وفي آخر أيامها كانت ذاكرتها قد ضعفت في بعض الأمور إلا أنها في أمور الدين وما يتعلق بالعقيدة تجد الآيات الصحيحة والأحاديث الصحيحة والذكر الصحيح هو الأصل حتى المعاني وحتى الدعاء مازال قويا عندها.
ولم تكن تشغل ذهنها أبدا بالأمور المادية وكانت تنفق على الكثيرين وعلى الأقارب والمرتادين فكانت تنفق بسخاء متأسية بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام عليه الصلاة والسلام أنه كان ينفق ولا يخشى الفقر .
وتعرضت خلال سنواتهاالأخيرة لضعف في الإبصار فأجرت عملية جراحية ولكن يبدو أن هذه العملية قد أثرت على صحتها وأصابتها بشيء من النسيان وضعف الذاكرة وبالتالي توقف عملها الحركي وعكفت على الطاعة والعبادة في بيتها وقللت من لقاءها بجمهورها ومشاركتها في الحياة العامة.
كان لزينب الغزالي نظرة وأمل في مستقبل المرأة المسلمة ، وبأن القيادة النسائية ستكون للمرأة المسلمة في المستقبل شاء أعداء الإسلام أم أبوا ، فإن الذين يتقدمون مسيرة المرأة في العالم تحميهم المراكز الكبرى الحاكمة بغير ما أنزل الله سبحانه وتعالى.
توفت يوم الأربعاء 3-8-2005 في القاهرة عن عمر يناهز 88 عاما بعد أن أمضت نحو 53 عاما في حقل الدعوةالإسلامية عبر أنحاء عديدة من العالم الإسلامي.
" نظرة في فكر الداعية زينب الغزالي "
بقلم / أ. عبده مصطفى دسوقي
يقول الشهيد سيد قطب: "عندما نعيش لنذواتنا ولشهواتنا تبدو لنا الحياة قصيرة، تافهة، ضئيلة، تبدأ من حيث بدأنا، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود!".
و من الملاحظ أن معظم الرموز النسائية الإسلامية لا يحظين بالشهرة والانتشار الذي لمثيلاتهن من التيارات الأخرى، ويكاد ينحصر دورهن وتأثيرهن على ذوات الانتماء الإسلامي فقط بعكس الرموز النسائية العلمانية؛ حيث استطاعت الدوائر الإعلامية العربية والغربية في إظهارهن كرموز عامة ونماذج للمرأة العربية على اختلاف انتماءاتها.
لكن قليلاً من النساء وضعن لأنفسهن هدفًا وغاية يسعين له ويعملن من أجله، ولقد حفل العصر الحديث بأمثال هؤلاء ليكنّ نبراسًا ونورًا يضيء للحيارى الطريق ويهديهم إلى أعظم الغايات وهى الله رب العالمين، ومن هؤلاء الداعية الإسلامية الحاجة زينب الغزالي.
لقد كانت السيدة زينب نموذجا حيا للمرأة المسلمة التي عرفت قيمة بيتها، وحقيقة دعوتها، وطبيعة مجتمعها، فعملت على تحقيق معاني الدعوة الحية في بيتها، ووسط أخواتها، وبين نساء مجتمعها، بل تعدت تلك الحواجز وكان لها دورها في قضايا الأمة حتى أن الرئيس الباكستاني ضياء الحق بكى عندما خاطبته بقولها في إحدى المؤتمرات التي دعيت إليها بباكستان عام 1987م: كيف تلقى الله يا ضياء الحق وأنت لم تطبق الشريعة.
لقد كانت مدرسة تربوية غرست كثيرا من المعاني الحية في نفوس أبناء هذا الجيل من خلال كتاباتها ومحاضراتها.
زارت المملكة العربية السعودية 60 مرة ، وأدت فريضة الحج 39 مرة ، واعتمرت 100 مرة، وزارت الكثير من الدول العربية والإسلامية لنشر الدعوة الإسلامية ، ولإلقاء المحاضرات الدينية في الدعوة إلى الله تعالى. وقد أمضت في حقل الدعوة 53 سنة - أكثر من نصف القرن - التقيت فيه بكل رجال الدعوة الكبار. وتأثرت بشخصيات كثيرة منهم: حسن البنا، وهو الأكثر تأثيرا في نفسها وضميرها.
وفي هذه التطوافة نقف عند التنوع الفكري الذي زخرت بها المكتبة الإسلامية لكتابات هذه السيدة الجليلة لتكون نبراسا لمن جاء بعدها.
بعد حصولها على الثانوية طالعت في إحدى الصحف أن الاتحاد النسائي الذي الذي تزعمتة في تلك الآونة هدي شعرواي ينظم بعثة إلى فرنسا تتكون من ثلاث طالبات، فتوجهت إلى مقر الاتحاد والتقت هدى شعراوي وعلى الفور سجلتها في جمعيتها، وهكذا أنضمت للإتحاد النسائي والذي كان وقتها صوتا عاليا يطالب المجتمع بحقوق المرأة وأظهرت هدي شعرواي ترحيبها بها .. فزينب خطيبة مفوهة تلقت الخطابة والإلقاء عن والدها رحمه الله.. وراحت تقدمها لرواد الجمعية وتطلب منها أن تخطب فيهن.. وكانت ترى فيها خليفتها للاتحاد النسائي.. وسرعان ما وجدت زينب اسمها على رأس البعثة التي تمنتها لكن الله أراد لها غير ذلك.
فبعد شهر من إعلان البعثة تحدد موعد سفر أعضائها.. وذات يوم رأت والدها في منامها يطلب منها عدم السفر إلى فرنسا ويقول لها:
إن الله سيعوضك في مصر خيرا مما ستجنينه من البعثة.. فقالت له: كيف؟ قال: سترين.. ولكن لا تسافري لأنني لست راضيا عن سفرك.. وكأن روح الوالد الحنون تتسلل من عالمها الغيبي لتحنو على القلب الصغير الغرير.. تنير له الدرب.. وتجنبه عثرات الطريق!!
وسرعان ما اعتذرت زينب عن عدم الذهاب وحل الذهول بهدى شعراوي التي كانت زينب أملا من آمالها.. وتعدها لتكون إحدى العضوات البارزات في الاتحاد النسائي. وعندما قصت عليها زينب الرؤيا التي رأت.. قالت لها:
إن من الأحلام ما يتحقق ومنها ما لا يتحقق.. لا تضيعي الفرصة من يدك يا زينب.. واحتضنتها وهي تبكي.. لكن زينب أصرت على موقفها الجديد وقالت: ما دام والدي قد أمرني فلن أخالف أمره.
خاضت في سنوات حياتها الأولى نقاشات كثيرة ضد الأزهر من أجل الاتحاد النسائي تكافح ببسالة لنيل حقوق المرأة مؤمنة بكل الشعارات التي نادى بها الاتحاد النسائي.. إلا أنها لم تخرج عن قناعاتها الإسلامية بأن يكون هذا التحرر ضمن الإطار الإسلامي.. وقد لفت هذا الأمر نظر علماء الأزهر وشعروا أن هذه الخطيبة المفوهة مبهورة بشعارات حقوق المرأة ضمن الاتحاد النسائي بما لديها من مقدرة على إقناع الطرف الآخر بوجهة نظرها..
حينها أراد أحد علماء الأزهر وهو الشيخ محمد النجار مناقشتها ليوضح لها بعض الأمور الدينية التي كانت تجهلها .. فتفتحت عيناها على الكثير من القضايا التي رأتها صواباً ضمن الاتحاد النسائي ..
وباتت تعرف موقف الإسلام منها حين حرر الإسلام كرامة المرأة قبل أن يحرر حقوقها المادية .. وصان عفتها في عالمه المشرق وقت كان الغرب لا يعرف للمرأة قدراً ولا قيمة .. فعرفت زينب أن الإسلام هو طريق الخلاص بالمرأة لنيل حقوقها ..
ولكن كيف لها أن تخرج من الاتحاد النسائي وهي صاحبة الامتياز والحظوة لدى زعيمته هدى شعرواي .. التي رأت فيها أملاً وحجة قوية لانضمام الكثيرات إلى الاتحاد.
جمعية النساء المسلمات
جاء ذلك اليوم الذي اختاره الله ليفرق بين الحق والباطل في حياة نسيبة القرن العشرين ففي أحد الأيام دخلت زينب مطبخ أسرتها فانفجر بها موقد الغاز.. وطالت النيران وجهها وسائر جسدها..
فكان الطبيب يأتي كل يوم لمعالجة قروحها وحروقها يائساً من شفائها.. ليخبر أهلها بعد أيام أن حالتها في رحمة الله وأن شفاءها ضرب من ضروب المحال طالباً منهم الدعاء لها فسمعت بهذا النبأ دون أن يخبرها أحد فما كان منها إلا أن تيممت واجتهدت في العبادة والصلاة استعداداً للموت .. مبتهلة إلى الله بالرجاء والتضرع أن يغفر لها انضمامها إلى جماعة هدى شعرواي..
تتوسل له أن يعيد إليها جسدها كما كان فهو القادر على كل شيء وتعاهده أن تكون بكل كيانها لله ومع الله .. مجاهدة بكل طاقاتها لأجل الدعوة الإسلامية والعودة بالمرأة المسلمة إلى عصر الصحابيات.
ما أروع الإخلاص في الدعاء وما أحلى التوبة الصادقة حين تخرج من قلب أخلص الولاء لله .. فإذا بالجسد الذي قرر الأطباء موته يتماثل للشفاء وإذا بالحروق تبرأ مما بها.. لتعاودها الصحة في معجزة أرادها المولى أن تظل ماثلة أمام قلبها حين تنهال عليها المحن.
وبعد هذا الحادث استقالت من الاتحاد النسائي و أسست جمعية إسلامية هي أول جمعية إسلامية نسائية ربما في مصر والمشرق العربي كله وهي جمعية السيدات المسلمات .
وكان عمرها في ذلك الوقت حوالي عشرون عامًا، وقد أسستها في ربيع أول سنة 1355هـ الموافق لسنة 1937 م وانطلقت من خلالها في مجال الدعوة إلى الله عز وجل .
هكذا عادت إلى الحق بروح صافية تحمل في جسدها معجزة الشفاء ويصبح خطابها المفوه حجة مع الإسلام تطالب بعودة الأمة للدين الصحيح كي تنال المرأة حقوقها ويأخذ الرجل حقوقه ويعود للأمة مجدها وسؤددها الذي فقدته حين استبدلت مشاعل الإسلام بشموع الغرب ..
لتنتشر جمعيتها التي أسستها في أنحاء مصر وتصبح مجلتها الأسبوعية مجلة السيدات المسلمات صوتاً يقنع الأمة بالعودة إلى دين الله .. ليلتقي الفكر النير مع الفكر النير في لقاء رباني يحمل راية الدفاع عن الإسلام حين انضمت زينب الغزالي ل جماعة الإخوان المسلمين.
في تلك الفترة اقتربت من العلماء والدعاة ومن مشايخ الأزهر وأساتذة الشريعة وعلماء الفقه وتتلمذت على أيديهم، وبدأت تدرس العلوم الشرعية في المساجد الشهيرة في القاهرة آنذاك منها:
مسجد أحمد بن طولون، ومسجد الإمام الشافعي، والجامع الأزهر، ومسجد السلطان حسن، وغير ذلك من المساجد الشهيرة، وبدأت الجمعية بعد ذلك يكون لها نشاطات مميزة في مجالات مختلفة؛ فأقامت معهدًا للوعظ تتخرج فيه الداعية بعد ستة أشهر وتدرس فيه الفقه والسيرة والحديث وما إلى ذلك من العلوم الشرعية حتى تستطيع أن تعظ في المساجد وبالفعل كانت هناك جهود مثمرة في هذا المجال وأقامت أيضًا دار لليتيمات لرعايتهن ومراعاة شؤونهن، لكن سرعان ما تبدل الحال عندما دخلت جمعية السيدات المسلمات التي ترأسها زينب الغزالي في أزمة مع ثورة يوليو 1952 حيث ضيق عليها وحلت جمعيتها، وأيضًا أغلقت المجلة، وقد أغلقها عبد الناصر وأغلقت الجمعية تمامًا سنة 1964م؛ بل قدمت بعدها للمحاكمة باعتبارها مناهضة للثورة، وحكم بإعدامها سنة 1965 لكن خفف الحكم للأشغال الشاقة المؤبدة قضت منها ست سنوات ثم كتبت كتابها الشهير أيام من حياتي حيث سطرت فيه ما لاقته من صنوف التعذيب الشديد الذي لم تعذبه امرأة من قبل.
كانت زينب الغزالي من المؤسسين للمركز العام للسيدات المسلمات، فقد أنشئ سنة 1356هـ الموافق 1936 م ، وأدى واجبات كثيرة، واختلف مع نظام الحكم لعبد الناصر لأنه كان يطالب بأن تحكم الشريعة الإسلامية في مصر ، وكان يطالب بعودة المسلمين كلهم إلى الكتاب والسنة ، وإلى إقامة الخلافة الإسلامية .
وكتبت زينب الغزالي مجموعة من المصنفات من بينها (( أيام من حياتي )) و (( نحو بعث جديد )) ، وكتابا آخر اسمه ((نظرات في كتاب الله ))، ولقد فسرت فيه سورة البقرة ، وآل عمران ، والنساء وكتب أخرى منها (( أسماء الله الحسنى )) و (( غريزة المرأة )).
والناظر في كتب الداعية زينب الغزالي يجد فيها امرأة عالمة وفقيهة واعية لعصرها ولما يدور من حولها من أحداث ، ويبرز ذلك في كتاب نظرات في كتاب الله. تقول زينب الغزالي" - بعد صدور كتابها "نظرات في كتاب الله" :
"أنا أحببت القرآن حتى عشته ، فلما عشته أحببت أن أدندن به لمَن أحب ، فدندنت بعض دندنة المفسرين ، ولا أقول إني مفسرة ، ولكني أقول : إنني محبة للقرآن ، عاشقة له ، والعاشق يدندن لمن يحب ، والعاشق يحكي لمن يحب ، ويجالس من يحب ، ويعانق من يحب ، فعانقت القرآن ، وتحدثت به وله في جميع الملايين من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، وعشت أدندن به في المساجد لأكثر من ستين عاماً ، أي عمر الدعوة التي أسستها في المساجد منذ 1937".
حياتها السياسية
لم يقتصر عمل الجمعية على أعمال الخير.. بل اتجهت للعمل السياسي الذي لا يمكن فصله عن العمل الاجتماعي.. وأصطدمت مع السلطة الحاكمة..
وبلغ ذلك الصدام ذروته باعتقالها من منزلها في 20 أغسطس من عام 1965م إثر رفضها مقابلة جمال عبد الناصر..و قالت لرسول الرئيس : "أنا لا أصافح يدا تلوثت بدماء الشهيد عبدالقادر عودة "!!.
عندها رأت أعين المخابرات الأمريكية والروسية في جماعة الإخوان المسلمون خطراً مقبلاً وشمساً ستطفئ شموعهم السوداء وسيفاً ذا نصل حاد يقطع الطريق على كل المشككين بالإسلام..
فخافت من هذا الخطر القادم وبدأت تضع المخططات لاغتيال رواد الدعوة رغبة في وأد الحق الوليد.
فأشاعت عبر ذيولها أن الإخوان يخططون لقتل جمال عبدالناصر وعدد من شخصيات حكمه البارزة لتوغل في قلب السلطات الحاكمة نيران الحقد على جماعة الإخوان المسلمون.
وقد عبرت زينب الغزالي في كتابها (أيام من حياتي) عن ذلك في قولها : (ليس من أهداف الإخوان المسلمين قتل عبد الناصر..
إن غايتنا أكبر من ذلك بكثير.. إنها الحقيقة الكبرى قضية التوحيد وعبادة الله وإقامة القرآن والسنة) فكان الاعتقال نصيب جماعة الإخوان المسلمين بدءاً من سيد قطب إلى الإمام حسن الهضيبي وصولاً إلى زينب الغزالي والآلاف المؤلفة من دعاة الحق..
الذي ساقتهم أيدي الضلال إلى سجون الظلم افتراء وبهتاناً بدعايات مضللة تؤلب قلوب الجماهير على جماعة الإخوان .. حجتهم في ذلك التخطيط لقتل جمال عبدالناصر !!!
وهكذا ففي يوم 20 أغسطس لعام 1964م اقتحمت المخابرات المصرية منزل زينب الغزالي وعاثت به فساداً ما بين إتلاف وتكسير وتمزيق وحين حاولت أن تخاطبهم بلغة القانون الذي يحتكمون إليه فسألتهم عن إذن التفتيش صرخوا في وجهها يتقهقهون إذن تفتيش في حكم عبد الناصر!! ثم ألقي القبض عليها وسيقت إلى السجن الحربي..
لتبدأ رحلة التعذيب من قبل طغاة أخذتهم العزة بالإثم .. لا يتورعون عن فعل أي شيء يندى له جبين الإنسانية..
بدءاً من التجريح بأقذع الألفاظ التي ترفضها كل الأعراف الدولية انتقالاً إلى الجلد بالسياط ونهش الكلاب المسعورة.. أملاً منهم في إجبارها على الإقرار بأن هناك خطة تهدف لقتل جمال عبدالناصر وضعها جماعة الإخوان المسلمون ..
ولما فشلت قوى البغي والضلال في إجبار زينب الغزالي على قول الباطل لخدمة مآربهم أمعنت في تعذيبها ظناً منهم أن النيل من الأبدان يزهق الأرواح .. فصمدت زينب أيما صمود.. وتحملت مالا يحتمله عتاة الرجال..
تقول زينب الغزالي في كتابها أيام من حياتي : ( فتح باب لحجرة مظلمة فدخلت وقلت :
باسم الله السلام عليكم.. وأغلق الباب وأضيئت الكهرباء قوية !! إنها للتعذيب ! الحجرة مليئة بالكلاب ! لا أدري كم !! أغمضت عيني ووضعت يدي على صدري من شدة الفزع .. وسمعت باب الحجرة يغلق بالسلاسل والأقفال .. وتعلقت الكلاب بكل جسمي..
رأسي ويدي وصدري وظهري.. كل موضع في جسمي.. أحسست أن أنياب الكلاب تغوص فيه .. فتحت عيني من شدة الفزع وبسرعة أغمضتهما لهول ما أرى ..
وضعت يدي تحت إبطي وأخذت أتلو أسماء الله الحسنى مبتدئة بـ "يا الله يا الله".. وأخذت أنتقل من اسم إلى اسم.. والكلاب تتسلق جسدي كله ... أحس بأنيابها في فروة رأسي ..
في كتفي.. في ظهري.. أحسها في صدري في كل جسدي .. أخذت أنادي ربي هاتفة: "اللهم اشغلني بك عمن سواك..
اشغلني بك أنت يا إلهي يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد.. خذني من عالم الصورة.. اشغلني عن هذه الأغيار كلها.. اشغلني بك.. أوقفني في حضرتك.. اصبغني بسكنتك.. ألبسني أردية محبتك.. ارزقني الشهادة فيك .. والحب فيك والرضا بك والمودة لك وثبت الأقدام يا الله ..
أقدام الموحدين " كل هذا كنت أقوله في سري .. والكلاب نابشة أنيابها في جسدي.. مرت ساعات ثم فتح الباب وأخرجت من الحجرة.. كنت أتصور أن ثيابي البيضاء مغموسة بالدماء.. ولكن ويا لدهشتي الثياب.. كأن لم يكن بها شيء ..
كأن ناب واحد لم ينشب في جسدي.. سبحانك يا الله أنت معي.. يا الله هل أستحق فضلك وكرمك ؟.. كل هذا كنت أقوله في سري فالشيطان ممسك بذراعي يسألني : كيف لم تمزقك الكلاب ؟).
كان هذا هو بداية العذاب في رحلة السجن التي عاشتها زينب الغزالي.. فقد انهالت عليها سياط الشر اللعين بدءاً من خمسين جلدة وصولا إلى خمسمائة جلدة .. تنصب على جسد امرأة قالت :
ربي الله .. هؤلاء هم فرسان دعاة التحرر والأفواه المعطرة بكلمات الاشتراكية.. لكن زينب ازدادت مع العذاب تصميماً ومع القهر ثباتاً ..
فازداد الطغاة شراسة وفجوراً لتساق زينب عند أشرهم بطشاً وأشرسهم فظاظة.. إنه شمس بدران..
وما أدراكم من هو شمس بدران !!! وحش بشري قتل ضميره فضاعت إنسانيته على أرصفة الحكم الناصري.. فأمر بأن تعلق زينب على عمود خشبي له قاعدة خشبية وتربط يدها بقدمها لتجلد خمسمائة جلدة..
وتقذف بأشنع الألفاظ .. لكن زينب الغزالي وهبت نفسها لله ودينه ، فهانت الدنيا في قلبها وثبتت على الحق تحتمل ما لا يطيقه عشرة رجال.. متمثلة بقول الشاعر :
ولست أبالي حين أقتل مسلماً
على أي جنب كان في الله مصرعي
ليواجهها هذا الوحش البشري بعد كل هذه السياط بجبروت من ضاعت آخرته فاستوحشت دنياه : أين هو ربك لينقذك ؟ فترد عليه بكل ثبات قائلة : ( الله سبحانه الفعال ذو القوة المتين)..
أمعنت قوى الباطل في تعذيبها وازداد الطغيان شراسة تفوق شراسة الوحوش الحيوانية .. فالكلاب كما رأتها زينب الغزالي كانت أكثر إنسانية من وحوش البشر ..
والفئران التي أطلقوها في زنزانتها خجلت من دعاء المؤمن ففرت تبحث عن مكان آخر .. وأصدر جمال عبدالناصر قراراً بتعذيب زينب الغزالي فوق تعذيب الرجال !!!
فخارت قوى الجسد الضعيف.. وانهارت قدرته على احتمال ما لا يطيقه الرجال.. فكيف بإماء الله !!! وأن الجسد أشرف على الموت فكانوا كلما تهاوى جسدها وشعروا بقرب موتها أدخلوها مستشفى السجن الحربي ليتم إنقاذها..
ليس رحمة منهم بل لينهالوا عليها بمزيد من العذاب.. ولكن الروح تنامت مع كل أنواع السياط وأشكال التعذيب.. وتسامت خفاقة تعلو بهمة المؤمن لتصبح نظرته مرعبة لأعداء الله.. وابتسامته الساخرة خنجراً يقتل طغاة الظلم وأرباب الضلالة..
فأضفت روحها العالية على جسدها المتهاوي قوة لا يمكن لمن لم يتذوق حلاوة الإيمان بالله أن يراها حتى يئس الظلم من مقارعة الحق ...
وانحنت السياط ذليلة أمام صبر المؤمنات.. فرغبوا في الخلاص منها باستصدار حكم عليها عبر محاكم طغيانهم بالسجن المؤبد مدى الحياة ..
لتبدأ معها رحلة جديدة من المعاناة في حياة زينب الغزالي تستمر إلى أن حلت نكسة عام 1967م وانتكست الأمة تحني جبين الهوان بضياع القدس.. وهوى المسجد الأقصي أسيراً تحت وطأة الطوفان الصهيوني المتبجح ..
فهل ضاعت القدس يوم النكسة أم أن ضياع القدس كانت نهاية لمسرحية الطغيان والظلم التي كبلت حياة الأمة الإسلامية..
فكان سقوط القدس أمراً متوقعاً لكل من شاهد الإسلام قابعاً في مهاوي السجون وأيدي الظلم تخط توقيعها لإعدام أشهر علماء الأمة في القرن العشرين الشهيد سيد قطب.. ثم يتشدقون في خطاباتهم الرعناء بمحاربة الصهيونية والإمبريالية..
وفي عام 1971م مات جمال عبد الناصر وزينب الغزالي قابعة في السجن تنتظر فرج الله و جاء القرار بالإفراج عنها بعد سبعة أعوام من الأسر .. حاولوا تقييدها بشرط عدم الدعوة إلى الله لكنها رفضت فاضطروا للإفراج عنها دون شروط.
لقد كانت السيدة زينب نموذجا حيا للمرأة المسلمة التي عرفت قيمة بيتها، وحقيقة دعوتها، وطبيعة مجتمعها، فعملت على تحقيق معاني الدعوة الحية في بيتها، ووسط أخواتها، وبين نساء مجتمعها، بل تعدت تلك الحواجز وكان لها دورها في قضايا الأمة حتى أن الرئيس الباكستاني ضياء الحق بكى عندما خاطبته بقولها في إحدى المؤتمرات التي دعيت إليها بباكستان عام 1987م: كيف تلقى الله يا ضياء الحق وأنت لم تطبق الشريعة.
لقد كانت مدرسة تربوية غرست كثيرا من المعاني الحية في نفوس أبناء هذا الجيل من خلال كتاباتها ومحاضراتها.
زارت المملكة العربية السعودية 60 مرة ، وأدت فريضة الحج 39 مرة ، واعتمرت 100 مرة، وزارت الكثير من الدول العربية والإسلامية لنشر الدعوة الإسلامية ، ولإلقاء المحاضرات الدينية في الدعوة إلى الله تعالى. وقد أمضت في حقل الدعوة 53 سنة - أكثر من نصف القرن - التقيت فيه بكل رجال الدعوة الكبار. وتأثرت بشخصيات كثيرة منهم: حسن البنا، وهو الأكثر تأثيرا في نفسها وضميرها.
وفي هذه التطوافة نقف عند التنوع الفكري الذي زخرت بها المكتبة الإسلامية لكتابات هذه السيدة الجليلة لتكون نبراسا لمن جاء بعدها.
لقد تنوعت كتابتها ما بين دعوي وسياسي وسرد تاريخي لأحداث عايشتها، فجاءت كتاباتها معبرة عما تكنه من حب لدينها داخل صدرها.
فنجد تنوع هذه الكتابات مثل:
1- نظرات في كتاب الله، وهو تفسير للقرآن الكريم، يمثل أول محاولة نسائية لتفسير كتاب الله على مدى التاريخ، وقد طبعته دار الشروق عام 1995م.
2- مشكلات الشباب والفتيات في مرحلة المراهقة.
3- إلى ابنتي.
4- أيام من حياتي.
5- نحو بعث جديد.
6- الأربعون النبوية.
فمما سبق نري هذا التنوع في الفكر، هذا غير كتاباتها في الصحف والمجلات مثل مجلة الدعوة ومجلة لواء الإسلام، وغيرها.
ففي كتاب نظرات في كتاب الله تقول بعد صدوره:-
«أنا أحببت القرآن حتى عشته ، فلما عشته أحببت أن أدندن به لمَن أحب ، فدندنت بعض دندنة المفسرين ، ولا أقول إني مفسرة ، ولكني أقول : إنني محبة للقرآن ، عاشقة له ، والعاشق يدندن لمن يحب ، والعاشق يحكي لمن يحب ، ويجالس من يحب ، ويعانق من يحب ، فعانقت القرآن ، وتحدثت به وله في جميع الملايين من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، وعشت أدندن به في المساجد لأكثر من ستين عاماً ، أي عمر الدعوة التي أسستها في المساجد منذ 1937م».
وهو كتاب ليس بكتاب تفسير بقدر ما هو كتاب نظرات حول آيات القرآن الكريم، ويقع هذا الكتاب في جزأين، حيث يحوي الجزء الأول من سورة الفاتحة حتى سورة إبراهيم، ثم يحوي الجزء الثاني ما بقى من سور القرآن الكريم.
أما عن كتاب أيام من حياتي فيعتبر وثيقة هامة وسجلا تاريخيا لحقبة تاريخيه مهمة للدعوة، وهي حقبة جمال عبد الناصر والذي حاول أن يطمس الهوية الإسلامية بتهميش دور الزهر واعتقال الدعاة، ويتعرض الكتاب لما وجهت الدعوةالإسلامية والدعاة من ظلم واضطهاد واعتقال وقتل في هذه الحقبة.
وإن كان الكتاب يعد من كتب السير الشخصية غير انه يعتبر إطلاله قوية علي أحداث تلك الحقبة، حيث كانت السيدة زينب أحد الذين جرت على شخصيتها هذه الأحداث.
ويعد الكتاب من الكتب التي يظهر عورات نظام عبد الناصر وتعسفه خاصة في ظل تعنت النظام المصري في الإفراج عن وثائق تلك الحقبة خاصة وقد مر عليها المدة القانونية والتي تسمح بخروج الوثائق للباحثين وللجمهور العام غير أن ذلك لم يحدث حتى الآن فجاء هذا الكتاب –وهو من الكتب القليلة التي تحدثت عن تلك الفترة خاصة محنة عام 1965م- ليبر عما حدث للمجتمع المصري من ذل واستعباد وضياع وخراب في تلك الفترة، وكيف حدثت هزيمة عام 1967م، ودور العسكريين فيها ومدى استهتارهم بمقومات الحرب والاستعداد الفعلي لها.
وقد حوى الكتاب صور لمواقف الثبات على المبدأ والدين الإسلامي في حياة الدعاة المعاصرين، ويتراوح أسلوبها بين الحوار والسرد.
كما أظهرت نموذج للمرأة المسلمة التي اعتقلت من اجل دينها، وعذبت من اجل دعوتها، وحكم عليها سنين عددا في سجون عبد الناصر، وأبرزت أيضا حقيقة هامة وهي أنها لم تكن المرأة الوحيدة التي ابتلعها سجن عبد الناصر بل شاركتها أكثر من مائتين من الأخوات محنة الاعتقال أمثال غادة عمار وعلية الهضيبي وحميدة قطب ونعيمة خطاب زوجة المستشارحسن الهضيبي وآمال العشماوي زوجة المستشار منير الدلة، وفاطمة عبد الهادي زوجة الشهيد محمد يوسف هواش وفاطمة عبيد (والتي اشتهرت باسم أم أحمد)وغيرهن الكثيرات.
ثم يأتي كتابها مشكلات الشباب والفتيات في مرحلة المراهقة، وهو كتاب من جزأين وقد قامت دار التوزيع والنشر الإسلامية بطبعه عام 1997م، تناولت فيه كل ما يهم الشباب والشابات في تلك المرحلة الحرجة ووضعت في أسلوب مبسط بعض الطرق التي تحمي المراهق من عدم استثمار هذه الفترة وضياعها فيما لا طائل فيه.
ثم يأتي بعد ذلك كتاب "إلى ابنتي" والذي يقع في جزئين وهو من طبعة دار التوزيع والنشر الإسلامية، حيث صدر الجزء الأول عام 1994م، ثم صدر الجزء الثاني عام 1996م.
وتعبر الحاجة زينب عن مضمون الكتاب بقولها: « إلى ابنتي المسلمة الواعية , التي تشتاق إلى عودة الأمة من جديد إلى رحاب الأمن والإيمان في ظل نور التوحيد واستقامة الطريق ومقعد العزة والريادة والقيادة .. إلى ابنتي التي شرح الله صدرها للإسلام تنهل من معينه وتتربى في مدرسته وتعيش حياتها وفق مبادئه وأخلاقه وآدابه إلى ابنتي التي نذرت حياتها لحب هذا الدين والدفاع عن قيمه وأصوله فعاشته سلوكا في حياتها ويقينا في قلبها ..أقدم هذا الكتاب.
ثم تقول إن الظروف التي تمر بها المجتمعات الإسلامية والعربية والتحولات الضخمة التي تحدث في هذا العصر قد أثرت على شبابنا وأسرنا ونتج عنها زيادة حجم ونوعية المشكلات التي يعيشها الأفراد، وبالتالي لابد للحكم الشرعي أن يكون قائما على رؤية الواقع بأبعاده المختلفة ويقدم العلاج وفقا لمنهج الإسلام وشريعته الغراء».
ثم تقول: « إلى ابنتي الغالية ... إن أعز ما يدخر الإنسان لصالح حياته وللمشورة فيها ، صديق يعرف الله ، والمرأة العاقلة الواعية تختار صديقاتها من صاحبات الدين والورع ، والخوف من الله سبحانه ، وهذا الخوف الممزوج بمحبة ومودة أهل الإيمان ، فبذلك يا عزيزتي يمكنك أن تمارسي حياتك في محيط المخلصين الأوفياء ، باستطاعتك عندما تختارين صديقاتك أن تأمني في مجلسك على الأسرار ، وأن تعينهن ويعن بعضهن البعض على تنفيذ ما أمر به الله ، والانتهاء عما نهى عنه ،فتكون مجالسك يا ابنتي تفوح منها روائح الخير والبر ، وإياك وصحبة أهل البعد عن الله ، النمامات ، الناقلات لأحاديث المجالس المفرقات للشمل والمخادعات الكاذبات ، وإياك وصحبة من هن على شقاق مع الزوج والأبناء، من هن بعيدات عن الهداية، إلا أن تكون صحبتك بهدف الإصلاح ، اجتهدي أن تبيني لهن محاسن الأخلاق ومكارمها، كوني يا ابنتي داعية خير، كوني زهرة لها أريج يحب ، ويُــحَب ممن حولك من الصديقات ، حتى تكونين مصدراً لمشورتهم ، ويلتمسون عندك الخير والاطمئنان والفقه الحسن ... كوني يا ابنتي قدوة في مظهرك ومخبرك. في موعدك و في جدك ، كوني كاتمة السر لمن لديها مشكلة عالجي المشكلات بتجرد وإخلاص وحسن تفكير وتدبر، لا تضيعي وقتك في أحاديث اللهو والمزاح على حساب واجباتك... سارعي إلى فعل الخيرات وعيادة المريض ومواساة المحتاج ، وإغاثة الملهوف ... فتلك يا ابنتي من صفات الأخت المسلمة التي أريدها أن تكون في الغد الجديد إن شاء الله».
كما جاء فيه بعض النصائح للزوج فتقول تحت عنوان "كيف تفوز بقلب زوجتك": « تعرف على ما تحبه زوجتك فتجاهد لتحقيقه وعلى ما تكره فابتعد عنه وأبعدها عنه.
وأكثر من الكلمات الجميلة المحببة إلى نفس كل زوجة مثل حبيبتي, أحبك، وتفنن في إخراج هذه الكلمات بقوة وصدق .
واستمع إليها عندما تتحدث خصوصا إذا كان حديثها عن مشكلة تمر بها ترغب منك مشاركتها الرأي والمشورة ، استمع إليها بكل جوارحك .
وتزين لها دائما وبالغ في الزينة، ولا تشعر زوجتك بأنها مهانة لديك بل يجب أن تشعرها أنها معززززززززززززة مكرمة، ولا تنس الثناء عليها بين الفينة والأخرى أمام ذويها وذويك في حضرتها وغيابها».
أما كتابها نحو بعث جديد فقد تكلمت فيه عن دور الأنبياء من لدن آدم عليه السلام وسائر الأنبياء، وكيف كان دورهم في إحياء البعث الإسلامي.
أما كتابها الأربعون النبوية فهو شرح وتحليل لأربعين حديثا نبويا شريفا.
كما لها كتاب ملك وآمال شعب تعطي فيه صور سياسية واجتماعية عن حياة الملك سعود.
كانت هذه تطوافة بسيطة حول ما آثرت به السيدة الفاضلة الحاجة زينب الغزالي المكتبة ليكون لها نبراس وسط شتى ألوان المعرفة والكتب التي زخرت بها المكتبات الإسلامية.