ويدور المحور الرئيسي لسورة النور حول عدد من التشريعات الإلهية الضابطة لسلوك المسلم في كل من حياته الخاصة والعامة, والحاكمة لعلاقاته في داخل أسرته ومع غيره من الخلق صونا لحرمات الناس وكراماتهم, والله يقول الحق, وهو يهدي إلي سواء السبيل.
وتبدأ سورة النور بالتأكيد علي أنها من جوامع سور القرآن الكريم لأن الله( تعالى ) فرض فيها علي عباده فرائض ألزمهم بها, وفي مقدمة ذلك تحريم الزنا, وتشريع الحدود الرادعة للواقعين فيه, ووصفه بأنه من أكبر الجرائم في حقوق الناس, ولذلك بشعها إلي كل صاحب ضمير حي وذلك بقول الحق( تبارك و تعالى ):
(الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ( النور:3)
وكما حرمت سورة النور الزنا بكل مقدماته فإن هذه السورة الكريمة تنهي عن الخوض في أعراض الناس, مؤكدة أن الخائضين في هذا الأمر بغير دليل قاطع هم من الفاسقين الذين يستحقون العقوبات الرادعة, وتعتبرهم من الخارجين علي دين الله.
قال الله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( النور:5).
وتشرع سورة النور للملاعنة كوسيلة من وسائل درء الشبهات بين الأزواج, وتشير إلي فرية حديث الإفك, وتبرئ المظلومين من دنسه, وتغلظ العقوبة للذين افتروه, وتحذر من العودة إلي افتراء مثله أبدا, كما تحذر من إتباع خطوات الشيطان لأنه يأمر بالفحشاء والمنكر, وتحض علي الإنفاق لذي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله, وتكرر النهي عن رمي المحصنات الغافلات المؤمنات, وتغلظ العقوبة علي ذلك.
وتنهي سورة النور عن دخول البيوت دون استئذان وسلام علي أهلها, وتضع الضوابط الشرعية لذلك, كما تأمر بغض البصر, وحفظ الفرج, وستر العورات, وبالاحتشام في الملبس والمظهر, كما تنهي عن التبرج بزينة, وتضع ضوابط حجاب المرأة المسلمة, وضوابط الزواج الإسلامي, وتحرم البغاء بكل صوره, وأشكاله وتعتبره من أبشع الجرائم المهدرة لكرامة الإنسان.
وتؤكد السورة الكريمة أن الله تعالى هو نور السماوات والأرض, وأنه يهدي لنوره من يشاء, وتدعو إلي عتق رقاب الأرقاء, وإلي بناء المساجد والقيام علي عمارتها وتطهيرها طمعا في مرضاة الله( سبحانه و تعالى ), وتجنبا لأهوال يوم القيامة.
وتبشر سورة النور أهل المساجد بأن الله تعالى سوف يجزيهم أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله, وفي المقابل تحذر الكفار بأن أعمالهم الجيدة سوف يجزون عليها في الدنيا, ولا رصيد لهم عند الله( سبحانه و تعالى ) في الآخرة, وتشبه أعمالهم السيئة بأحلك الظلمات المتراكبة فوق قيعان البحار العميقة, مؤكدة أن:
... وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ )( النور40).
وتؤكد السورة الكريمة أن جميع من في السماوات والأرض يسبح لله الذي له ملك كل شيء وإليه المصير, وتحذر من النفاق والمنافقين, وتفصح عن شيء من دخائل نفوسهم, وتقارن بين مواقفهم الكافرة, ومواقف المؤمنين الصادقين, وتأمر بطاعة الله ورسوله, جازمة أن ما علي الرسول إلا البلاغ المبين, مؤكدة أن وعد الله تعالى للذين آمنوا وعملوا الصالحات قائم إلي قيام الساعة.
وتعاود سورة النور الأمر بإقامة الصلاة, وإيتاء الزكاة, وطاعة رسول الله صلي الله عليه وسلم, كما تعاود الأمر بمزيد من ضوابط السلوك في البيت المسلم خاصة في حضرة رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم ومن بعده في حضرة كل مسئول عن العمل الإسلامي, وتحذر من مخالفة ذلك درءا للفتن في الدنيا وللعذاب في الآخرة.
وتختتم السورة الكريمة بالتأكيد مرة أخري أن لله ما في السماوات والأرض, وأنه تعالى عليم بخلقه الذين سوف يرجعون جميعا إليه فينبئهم بما فعلوا ويجازيهم عليه.
هذا وقد استعرضت سورة النور العديد من الآيات الكونية للتدليل علي صدق كل قضية غيبية جاءت فيها, وقد تم استعراض ذلك في مقالات سابقة ولا حاجة لإعادتها مرة أخري هنا.
>>>يتبع