حتفظ الجسم بحرارته الداخلية فى مواجهة الظروف البيئية المحيطة به فى صيغة من السهل الممتنع. مجموعة من العمليات الحيوية المركبة تبدأ بعلاقة الأعصاب الطرفية بشبكة الشرايين الدقيقة المنتشرة تحت الجلد لتنتهى بكل أعضاء الجسم المشاركة فى عمليات التمثيل الغذائى. إذا تعرض الإنسان للبرد تحفزت الأعصاب الطرفية ونبهت شبكة الشعيرات الدموية الدقيقة لتنقبض فتعيد توجيه تيار الدم السارى للأطراف إلى شرايين مدفونة فى أماكن أكثر عمقا الأمر الذى يحافظ على درجة حرارة الجسم الداخلية على حساب الأطراف والجلد. أما فى أيام الحر فالعكس صحيح يزداد اتساع تلك الشبكة من الأوعية الدموية الدقيقة فيزداد الدم الوارد للجلد ومعه تنشط حركة المسام التى تتفتح للعرق الذى يرطب الجلد ويقلل من درجة حرارة الجسم الداخلية. منظومة بيولوجية تلقائية لا يتنبه لها الإنسان إلا إذا اضطرب ايقاعها فيما يعرف باسم اضطراب راينود. من الطبيعى أن تكون أطرافك هى الأكثر تأثرا بالبرد الأمر الذى قد يجعلك ترتدى جوربا عند النوم أو تنفخ فى أصابعك جلبا للدفء. إذا توقف الأمر عند الإحساس بالبرد عند حد المألوف من مظاهره فهذا أمر طبيعى أما غير طبيعى فهو ما يحدث عندما تقل درجة الحرارة فجأة ولو بصورة بسيطة فتتجمد الأطراف ويتغير لونها إلى الأبيض ثم الأزرق وينتابك الإحساس بالألم فيما يعكس خللا ما فى دورة الدم الطرفية!
● اضطراب راينود (Raynoud,s sgndrom)
اضطراب فى عمل شبكة الشرايين الدقيقة يؤدى لانقباضها الأمر الذى يدفع الدم للهروب من الأطراف محيلا لونها للون الأبيض فور التعرض لانخفاض ولو ضئيل فى درجة الحرارة. أن تفتح باب الثلاجة لتتعرض للفحة من البرد غير المتوقع أحد الأمثلة التى معها تتضح تلك الظاهرة التى تستأثر بها المرأة خاصة قبل سن الأربعين.
● أعراض اضطراب راينود
تبدأ الأعراض فجأة بما قد يعبر عنه بقرصة برد عادة فى أطراف الأصابع اليدين الأكثر شيوعا وقد يمتد الأمر لأصابع القدمين وفى بعض الحالات قد يلم بالأنف والأذنين والشفاه.
يبدو الإحساس بالبرد مؤلما وقد يرافقه تنميل وإحساس بشعور كوخز الإبر الأمر الذى يبدو غير مبرر فى مقابل التعرض لانخفاض درجة حرارة ضئيلة كأن يدخل الإنسان مكانا مكيفا من مكان عادى.
يصاحب الإحساس بالبرودة والألم تغير سريع فى لون الأصابع إلى الأبيض ثم الأزرق الأمر الذى ينحسر ليقود إليها لونها الطبيعى حينما يلجأ الإنسان لتدفئتها بالطرق الطبيعية كارتداء جوانتى من الصوف أو تمريرها تحت الماء الدافئ.
قد تتطور الأمور فى بعض الحالات التى يتزامن معها أمراض أخرى قد تضاعف من تأثيراتها فتعرف بظاهرة راينود أو (secondry raynewd,s) اضطراب راينود الثانوى. الأمر يختلف هنا ويبدو أكثر خطورة خاصة إذا ما كان الإنسان يمارس عملا يدويا أو فنيا كأعمال السكرتارية أو الفنون اليدوية أو مدمن التدخين. انقباض الأوعية الدموية الدقيقة المستمر يؤدى إلى موات خلايا الجلد وبالتالى إصابتها بالقروح وربما الغرغرينا التى قد تستوجب بتر الأصابع.
● ما السبب وراء تلك الظاهرة؟
طبيب فرنسى لقبه راينود هو من وصف تلك الظاهرة منذ قرن مضى لكنه لم يتوصل إلى سبب حقيقى لها. مازال الأمر حتى الآن يسجل رصدا كاملا للظاهرة ومضاعفاته دون تحديد سبب حقيقى.
تبدو ظاهرة أكثر شيوعا بين السيدات مقارنة بالرجال بنسبة 5:1. يمكن أيضا أن تبدو واضحة لدى مرضى بعض الأمراض التى تطال أنسجة الأطراف مثل أمراض الروماتويد المفصلى، الذائبة الحمراء، السكليرودرما، قد تسببها أيضا بعض الأدوية مثل علاجات ضغط الدم المرتفع أو ما يعرف بمركبات حاصرات البيتسا.
● كيف ولماذا تحدث؟
عند التعرض للبرد كأنما تتعرض شرايين الأطراف الدقيقة لصدمة فتنقبض فجأة وتظل منقبضة مما يقلل وارد الدم إلى الجلد فيشحب لونه حتى يصير أبيض. يهرب الدم إلى الأوعية العميقة بينما يظل الجزء الباقى فى الشرايين المنقبضة خاليا من الأكسجين النقى الأمر الذى معه يظهر اللون الأزرق. مع مرور الوقت وحينما يسارع الإنسان بتدفئة أطرافه يعاود الدم التدفق بعد اتساع الشرايين الأمر الذى يعيد للأطراف حيويتها ولونها الطبيعى.
قد يبدو الأمر بسيطا فى ظاهره لكن الواقع أن منظومة الحفاظ على درجة حرارة الجسم الداخلية بالغة التعقيد تتداخل فيها عوامل عصبية وهرمونية وكميائية كثيرة تجعل تكرار ذلك الحدث ليس مقصورا على التعرض للبرد فقط إنما أيضا يصاحب الانفعال العاطفى. الأمر الأكثر وضوحا لدى السيدات.
اضطراب راينود يعرف أيضا فى عائلات بعينها فقد يتكرر لدى سيدات العائلة الواحدة الأمر الذى يشير إلى موروثات جينية وإن لم يثبت هذا إلى الآن.
● هل برودة الأطراف تعكس دائما خللا بالدورة الدموية؟
برودة الأطراف فى الشتاء ظاهرة فى الأغلب طبيعية لذا يجب أن يجرى فحص خاص لمن يعانى منها بصورة قد تقلقه. يجب أيضا أن نتذكر أن اضطراب راينود يجب أن يلاحظ معه تغيير لون الأطراف عند التعرض للبرد أو الانفعال العاطفى.
يعتبر الفحص المجهرى للشعيرات الدموية فى قاعدة الأظافر أحد الوسائل المهمة لتشخيص الظاهرة والتفرقة بين كونها أولية تقتصر على تلك الأعراض أو ثانوية يلازمها سبب آخر أو مرض للأنسجة. نتيجة الفحص تحدد العلاج أو الاستمرار فى الفحوصات العامة التى تهدف للإفصاح عن سبب آخر مستتر.
● هل من وقاية؟
ــ الوقاية فى الدفء والحماية من البرد بكل الوسائل المتاحة ارتداء القفازات الصوفية حتى فى المنزل وغطاء الرأس والرقبة عند الخرج والأحذية المبطنة كلها تساعد على الاحتماء من البرد وتوفر دفئا مطلوبا للجسد الأمر الذى قد يجهض تلك النوبات القاسية.
ــ تجنب العوامل التى قد تحفز تلك النوبات مثل الوجود فى أماكن يكثر فيها الدخان والمدخنون إذ إنه من المعروف أن النيكوتين له أثر قابض على الأوعية الدموية.
ــ مراجعة الأدوية التى يتناولها الإنسان خاصة لعلاج ارتفاع ضغط الدم فمعظمها سبب واضح لانقباض الأوعية الدموية الطرفية.
ــ من الأسباب القوية لانقباض الشرايين الإفراط فى تناول مشروبات الكافيين مثل القهوة والشاى والكولا ومن الملاحظ تحسن واضح فى حالات كثيرة نتيجة للامتناع عن الكافيين.
ــ إذا واتتك النوبة عليك بالحركة السريعة لا تستسلم لها وابدأ بفرك أصابعك بلطف أو خبئها تحت ثيابك الصوفية. يمكن أيضا أن تجرى عليها تيار من الماء الدافئ وليس الساخن.
ــ وسائل الاسترخاء كالتنفس بعمق والتأمل لها أثر واضح على القلق والاضطراب النفسى الذى يعترى من يعانون من تلك الظاهرة إذا استسلموا له. لم تعد تلك الرياضة الروحية ترفا بل يؤكد العلم بما لا يدع مجالا للشك أنها فاعلة ولازمة للتخلص من آثار الهموم على النفس والتى تبدو كثيرا فى أعراض جسدية.
ــ التمارين الرياضية خاصة تمارين الشد والإرخاء تفيد كثيرا فى تحسين إيقاع الدورة الدموية فى الأطراف.
إتقاء البرد بالبحث عن الدفء أمر قد يجعل الشتاء إلى فصل من النشاط بعيدا عن أغطية الفراش. الدفء فى الحركة وكل البرد فى السكون.