ماذا لو علم أحد منا أن الزوجة التي أحبها وتزوجها وأنجب منها بنين وبنات وعاش معها عقودا طويلة لا تحل له، لأنها أخته من الرضاعة، وسيكون حتما عليه طلاقها وهجرها وهو حائر فيما سيقول لأولاده وأحفاده، كم هي مقدار الأوجاع والضغوط التي سيكابدها، وهل سيبقى له بعدها عقل أو قلب وهو يفكر في كل لحظة جمعته بزوجته التي تحولت فجأة إلى أخته...
نبدأ موضوعنا بقصة مأسوية اهتزت لها مدينة "الشراڤة" بالعاصمة، لرجل أحب ابنة خالته منذ الصغر، كانا يسكنان معا في مزرعة واحدة، أمضيا فترة طفولة ومراهقة مليئة بالحب البريء، وبعدما تحول الطفل إلى شاب يافع اضطر للسفر إلى فرنسا أين وجد هناك عملا في تخصصه، وعندما أراد بناء أسرة لم يجد خيرا من ابنة خالته طالما حلم بزواجها، وكان ذلك أسعد يوم في حياته، خاصة أنها كانت فائقة الجمال وهو كذلك، ولم يكن يدرك حينها أن التي أرادها أما لأولاده رضعت معه نفس ثدي خالته المتوفية، وكانت الشاهد الوحيد على ذلك جدته التي تكتمت على الأمر ولم تعره اهتماما لقلة وعيها الديني.
بعد الزواج أنجب الرجل من ابنة خالته "أخته في الرضاعة" ثلاثة ذكور وبنتي،ن كانوا جميعا آية في الجمال، وكان الزوجان يقطنان معا في فرنسا، وعند بلوغ البنت الكبرى 05 سنوات عادت الأم للعيش في الجزائر وبقي الأب يشتغل في فرنسا، كان يزورهم من أربع إلى خمس مرات في السنة، وبعد فترة مرض ابنه الأكبر في رأسه، ذهب به عند الطبيب فأعطاه وصفة، ولكن المرض ازداد شدة ثم بدأ يسقط أرضا ولم يفهم الأطباء مصدر المرض، بعدها سافر به إلى فرنسا للعلاج، وهناك اكتشفوا أنه يعاني من أورام سرطانية تهدد حياته، وفي نفس الوقت مرض ابنه الثاني بنفس المرض في الجزائر والذي كانت له نفس الأعراض، فأخذوه هو الآخر إلى فرنسا، وبقيت البنتان والولد الصغير هنا في الجزائر عند الجدة.
وبعد فترة توفي الابن الأول، وانتقل المرض إلى البنت الصغرى التي أصيبت هي الأخرى بأورام سرطانية في الرأس، وعندها اكتشف الأطباء أن سبب المرض وراثي يعود إلى اختلاط دم الوالدين، وكم كانت الصدمة كبيرة للعائلة التي لم تصدق ما يحدث لها، فاعترفت الجدة مرغمة بعد أعوام طويلة أن الزوجين أخوان من الرضاعة، ولم تكن تعلم أن الدين يحرم ذلك، توجه الأب مباشرة الى الإمام الذي أفتى بضرورة فك الرابطة الزوجية، وهذا بعد أزيد من 20 سنة من الزواج، وهذا ما دفع بالأب للعودة الى فرنسا وقد أصيب بضغوط نفسية رافضا فكرة تطليق زوجته، والقضية لا زالت عالقة إلى هذه الساعة.
والغريب في الأمر أن البنت الكبرى التي تبلغ 30 سنة تفكر في الزواج، والحادثة لا زالت تطرح إشكالا كبيرا وسط العائلة، خاصة أن الزوجين انفصلا ورفضا فكرة الطلاق، وأصيب الأولاد بضغوط نفسية حرمتهم من الدراسة والعمل وجعلتهم في دوامة من التيه والحيرة..
جنون الأولياء مصير آخر لزواج الإخوة من الرضاعة
قصة أخرى شهدتها مدينة الجلفة منذ سنتين خلفت جدلا واسعا على صفحات الجرائد والقنوات الوطنية والأجنبية، راحت ضحيتها امرأة في العقد الرابع من عمرها، أحبت رجلا من قريتها، وكانت معه على اتصال دائم منذ الصغر، وكان اسعد يوم في حياتها عندما قصد بيت عائلتها لخطبتها بهدف ترسيم العلاقة، وبعد سنتين قررا الزواج وأنجبت منه ثلاثة أطفال، تعبت كثيرا في تربيتهم وتعليمهم، خاصة أن زوجها كان قليل الدخل يعمل في الرعي والفلاحة، وبعد سنوات طويلة اكتشفت المرأة من إحدى العجائز أن شريك حياتها الذي تقاسمه فراش الزوجية هو أخوها من الرضاعة، لم تصدق الخبر الذي نزل عليها كالصاعقة وحرمها من النوم لأيام طويلة، بعدها عملت جاهدة على التحقق من الخبر مع الكثير من أقربائها وجيرانها لتتأكد بعدها أن 20 سنة من الزواج ذهبت أدراج الرياح، فلا الزوج زوجها ولا الأطفال أبناء شرعيون لها، مما جعلها تفقد عقلها من هول الصدمة وتهيم على وجهها في الطرقات، وحتى الزوج لم يتحمل صدمة الخبر الذي زعزع كيانه وأفقده حتى القدرة على الوقوف، فهرب من البيت وهجر أولاده، وهذا ما جعل القصة تدور على لسان جميع سكان القرية الذين احتاروا لمصير الأطفال الذين باتوا بين عشية وضحاها ضحية زواج غريب دفع بأوليائهم للجنون بسبب إخفاء بعض أفراد العائلتين خبر اشتراك الزوجين في الرضاعة.
"الرضاعة" .. تساهل في الصغر ومآسي في الكبر
حادثة أخرى شهدتها ولاية تيزي وزو، وبالضبط في دائرة ذراع الميزان، لعائلة كبيرة كانت تقطن في بيت واسع، كان يضم 05 "عرائس" تساهلن في تبادل إرضاع أطفالهن، خاصة أن اثنتين منهن لم يكن بمقدورهما الاعتماد على الرضاعة الطبيعية.
وبعد سنوات كبر الأطفال وتزوج شاب من ابنة عمه، وآخر من ابنة خالته وهم جميعا مشتركون في الرضاعة، العائلة لم تعر اهتماما للأمر بسبب ثقافتها الدينية المحدودة، ومع مرور الوقت أنجب الأزواج أولادا درسوا ودخلوا الجامعة وتحولوا إلى إطارات في التعليم والطب والهندسة، منهم من تزوج وأنجب أولادا، وهم لا يعلمون بعد أن أولياءهم إخوة من الرضاعة، وفي أحد الأيام استضاف أحدهم جدته التي كانت تحدثه بعفوية عن الماضي وقالت له إن أباه اشترك في الرضاعة مع أمه لأن جدته لم تكن قادرة على ارضاعه.. وهو ما جعل الشاب يثور ويتحقق من الأمر فحدثت فتنة في العائلة ودفعت ببعض الأبناء إلى هجر البيت والاستقرار في العاصمة وهم لا يصدقون ما حدث، أما الأولياء فقد رفضوا فكرة الطلاق رغم تحذير إمام القرية باستمرار الزواج الذي تحول إلى علاقة محرمة، والأمر لا زال عالقا وتسبب في تدمير العائلة، وهذا بسبب تساهل الأجداد في التعامل مع مخلفات الاشتراك في الرضاعة التي تحولت إلى كابوس.
الإخوة من الرضاعة الذين تزوجوا عن جهل لا إثم عليهم ولكن ..
أكد الشيخ أحمد إبراهيمي، إمام مسجد العتيق بالمدنية، أن الله حرم زواج الإخوة من الرضاعة صراحة في القرآن الكريم مراعاة لمصلحة عباده، ومن الناحية العلمية فقد وجد العلماء أن حليب الأم المرضعة يحتوي على جسيمات مناعية بعد إرضاع الطفل من 3 إلى 5 رضعات مشبعات، وبذلك فإن الطفل يكتسب بعض الصفات الوراثية الخاصة بالمناعة الناتجة عن الحليب، وبالتالي يكون مشابها لأخته أو أخيه من الرضاع في بعض الصفات الوراثية التي قد تنتقل في النسل الجديد وتندمج مع جيناته التي تتقبل كل ما هو جديد، مبينا أن هذا يعني أن الزواج بين الإخوة بالرضاعة يشمل مخاطر تشبه المخاطر الناتجة عن زواج الأقارب، بل هو أخطر منه بكثير.
وبالنسبة للذين وقعوا في هذا الزواج عن جهل منهم بذلك، أكد أنه لا إثم عليهم، ولكن يجب أن ينفصلوا لأن علاقتهم بعد ذلك تعتبر محرمة ومن أكبر أنواع الفواحش، وبالنسبة للأطفال قال إنه تطبق عليهم قوانين الطلاق، فإذا كانوا صغارا تكون الحضانة للأم، وإذا بلغوا رشدهم فيكون لهم الخيار، وأضاف أنه لا يمكن تغيير نسب الأطفال وأسمائهم لتجنب التعقيدات الاجتماعية التي تعقب هذا الأمر، ودعا المتحدث إلى عدم التساهل مع الرضاعة المشتركة للأطفال، ويجب الحرص على تدويل أسمائهم وأخبارهم بذلك فور بلوغهم لتجنب ما لا يحمد عقباه.