تاجُ العِبَر
يا صَحْبُ لا ينقَضِي مما أرَى العَجَبُ ***- مَا عادَ يُطربُني لهوٌ ولا لَعِبُ
ما كانَتِ الغِيدُ في قلْبي ممكَّنةً ***- أو يُذْهِبُ اللُّبَّ منّي خَافقٌ وَجِبُ
ينامُ همّي على صدري فتُوقِظُهُ ***- منّي التباريحُ والأحشاءُ تلتَهبُ
وأرسلُ الطَّرْفَ سبَّاحاً بعبْرتِهِ ***- فتنْثَني خَجَلاً ممّا ترى السُّحُبُ
والليلُ داجٍ وأنفاسُ الرياضِ لها ***- همْسُ الصَّفاءِ وبدْرُ التِّمِّ يُرْتَقَبُ
وسُمْرةُ الليلِ أهواهَا وتعْشقُني ***- فيسْتفِيقُ على ألحانِهَا الطَّرَبُ
هذا الدُّجى قدْ تَبَدَّى وسْطَ مفْرِقِهِ ***- وشْمُ الضِّياءِ فما تجْتَالُهُ الشُّهُبُ
وسَابحٌ أدْهَمٌ تُزجَى قَلائِصُهُ ***- فأرتوِي أَلَقَاً إنْ خِلْتُهُ يَثِبُ
من فوقِ صَهْوَتِهِ آمَالُ صَاحِبه ***- وليس يعدِلُها من نَشْوةٍ أَرَبُ
يا منْ لدَهرٍ به الآلامُ قد خَجِلَتْ ***- من الدُّمُوعِ التي كالغَيْثِ تَنْسَكِبُ
نَوْحُ الثّكالى وبَوْحُ البَائسينَ ومَا ***- خَطَّ اليراعُ وما قد قالتِ الخُطَبُ
وإنَّ قومي لهم شأنٌ وسَابقةٌ ***- واليومَ يهربُ من لقيَاهُمُ الهَرَبُ
عَدَا المنُونُ عليهم فاصْطَفَى دُرَرَاً ***- من الكِرَامِ بغير الموتِ ما رَغِبُوا
فما رأينَا من الأيامِ بعدَهُمُ ***- إلا التلَوُّنَ والأقْدارُ تُرتَقَبُ
ما المجدُ إلا صَليلُ السَّيفِ يردُفُهُ ***- قلبٌ شُجاعٌ له الأعداءُ تضْطَرِبُ
و عَالِمٌ ينشرُ الإسلامَ في جَلَدٍ ***- يبثُّ عِلْمَاً حَوَتْهُ النَّفْسُ والكُتُبُ
و عَابِدٌ تُرسِلُ الأسْحَارُ دَمعَتَهُ ***- حتى اشتكتْ ما تلاقي شَجْوَهُ الهُدُبُ
و منْ جَوَادٍ له في دَهْرِهِ رُتَبٌ ***- من المحَاسِنِ أعيَتْ قومَهُ الرُّتَبُ
والّليْثُ يحسبُهُ الأغْرارُ في سِنَةٍ ***- وإذْ تبَدَّى إليهِم أنَّهُ غَضِبُ
والصَّقْرُ يُحبَسُ والأطيَارُ شَاديةٌ ***- والنّجْمُ يُهْجَى وتسمُو فوقَهُ التُّرُبُ
والشَّمسُ تحجَبُ في غِربَالِ أنسِجَةٍ ***- من الضَلالِ وأقْمَارُ الدُّجَى غَرَبُوا
إنّي رأيتُ سُيوفَ الهِنْدِ مُغْمَدَةً ***- في دَهرِنا واستفَاقَ الصَّخْرُ والخَشَبُ
من كانَ في دَهْرِهِ يبْدي تَبرُّمَهُ ***- فسوفَ تدْرِكُهُ في سَعيِهَا النُّوَبُ
يا منْ له جنَّةُ الأخْرى وضَرَّتها ***- امْنُنْ على خَافِقٍ قدْ هَدَّهُ التَّعَبُ
واسْتُرْ بعفْوٍ وَجُوْدٍ منْكَ زَلَّتَهُ ***- واغْفِرْ جِنَايَتَهُ إذ خانه السَّبَبُ
بقلم:فلاح بن عبدالله الغريب