الحياء (الجزء2)
الدكتور محمد هداية: في الحقيقة المسلم أو المؤمن لا بدّ وأن يطبّق في حياته حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه "الايمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان" . كفانا أن نعلم أنّ الحياء شعبة من شعب الإيمان، يعني أنّه لا يتم الإيمان إلا بهذا الخُلُق وقلنا في المرة السابقة أن الإنسان لو أخذ الحياء كمنهج حياة لا يصل إلى درجة الخجل أو إلى أفعال تُوجب له الخجل. أخص الخصائص في هذا الموضوع علاقة العبد بالله تبارك وتعالى فلو أنا عندي حياء أستحي من الله تبارك وتعالى أن يؤذّن الظهر فلا أصلي ، كما أستحي من الله تبارك وتعالى أن يأتي شهر رمضان فلا أصوم.
والإنسان يقدر على تحديد درجة الحياء لذلك الرسول عليه السلام ضرب لنا أمثلة في حياتنا العملية قال :" إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان"أي اشهدوا له بالإيمان الكامل والحياء شعبة من الإيمان، إذاً هذا الرجل استحى من الله تبارك وتعالى أن يؤذن المؤذن فلا يدخل إلى المسجد. إلا أن الذي نراه اليوم هو عكس ذلك تماما فتسمع المؤذن ينادي إلى الصلاة لكن الكثير في غفلة والمساجد خاوية على عروشها تشكو لربها ظلم العباد.
الله تعالى ضرب أمثلة كثيرة عن رضائه عمن يتقرب إليه بما افترضه عليه. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحب إلي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ، كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه )) رواه البخاري
أخص الخصائص الصلاة يليها الصيام يليها الزكاة (رجل أعطاه الله من المال ما أعطاه ، ألا يستحي من الله سبحانه فيذهب إلى الفقير أينما كان ويزكي عن هذا المال ، والذي لا يفعل ذلك هو لا يستحي من الله تبارك وتعالى ولذلك بعض الصالحين يقول كيف أسمع الآذان ينادي الله اكبر الله اكبر حي على الصلاة حي على الفلاح ولا أذهب ، فإذا كنت لا استحي من المولى سبحانه فما بالك بالناس.فإذا لم أصلح ما بيني وبين المولى تبارك وتعالى بالقطع سيفسد ما بيني وبين الناس وهذا سر الآية التي يقول فيها المولى عز وجل(إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )
الحياء إذا تم فلا فحشاء ولا بذاءة ولا جفاء ،لما أسمع أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ويؤكدها بقوله (ولذكر الله اكبر)، إذا أنا أصلحت ما بيني وبين الحق تبارك وتعالى وأعملت الحياء فيما بيني وبين الله كان لزاماً على الله أن يصلح ما بيني وبين الناس .
خذ لذلك مثالاً لرجل يصلي الصلاة في وقتها في المسجد، يصوم الشهر والنوافل ،يؤدي ما عليه من صدقات وزكاة ، ستجد معاملاته مع الناس مضبوطة ذلك لأنه استحى من الله تعالى فإذا كان الأمر كذلك أصبح الحياء عنده طبعٌ ومنهجٌ وبالتالي فلن ينظر إلى عورات الناس ولا يتكلم في أعراضهم و لا يمشي إلى ما حرّم الله و لا يدبّر المكائد لغيره لأنّ الحياء ضد كل هذه الأمور ولذلك إذا أصبح الإنسان بالحياء ما بينه وبين الحق تبارك وتعالى أصبح الله بالحياء ما بينه وبين الناس.
سؤال: ماذا يمكن أن نقول في فضيلة الاستئذان؟
الدكتور محمد هداية: لليهود حق في أن يحسدونا وكيف لا يحسدوننا ومحمد عليه السلام يعلّم أصحابه كلّ شيء سواء كان ذلك في الآداب أو في الزيارات أو في عيادة المريض ،كان عليه السلام إذا عاد مريضاً ومعه بعض الصحابة لا يمكث إلاّ دقائق، يرقيه ويدعو له بالشفاء ويدعو لنفسه وللصحابة وللمؤمنين وينصرف.
عندما ذهب الشيخ محمد عبده إلى فرنسا قال وجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين، يقصد بذلك انه وجد طباع الاسلام، لأنه نادرا ما تجد أحدهم هناك يذهب إلى قريبه أو صديقه من قبْل أن يتصل به ويستأذنه في القدوم وهذا ما كان يعلمنا إياه القرآن عندما كان الرسول عليه السلام يستحي أن يطلب من الصحابة الانصراف، ينزل القرآن يعلمهم أن حياء الرسول يمنعه والأجدر أن يكون لهم حياءٌ ووعيٌ يمنعهم من الاستمرار والجلوس فتراتٍ طويلةٍ أكثر من اللازم حتى وان كان سبب بقاؤهم هو التعلم منه صلى الله عليه.
سؤال: ما الفرق بين الخجل والحياء؟
الدكتور محمد هداية: إنْ كان يجب للرجل حياء فيجب أن يكون للمرأة حياءٌ مضاعفٌ. عندما حاولوا وصف حياء الرسول عليه السلام قالوا" إنّه أشد حياءً من العذراء في خدرها".معنى ذلك أنّ الحياء صفة من صفات الأدب للرجل والمرأة، فحين يُؤذَّنُ للصلاة فحياء الرجل وحياء المرأة من الله واحد في إقامة الصلاة.الاختلاف الوحيد نجده في وجوب ذهاب الرجال إلى المسجد في حين تصلي المرأة في بيتها لكن الاثنين يلبيان النداء استحياء من الله سبحانه وتعالى.
عندما أسمع الله اكبر حي على الصلاة حي على الفلاح أسأل :من الذي يناديني؟ وإذا لبيت من ألبي؟ إنّه نداء المولى جل وعلا فحياء المرأة أن تصلي في بيتها ولا تفعل مثل بعض النساء التي تفضلن إتمام أشغال البيت لتتراكم الصلوات وتكون مدعاة للكف عنها والعياذ بالله. إنما إنْ قطعن الأمر وصلّين في الوقت الذي يؤذن فيه استحياء من الله يكون الأمر أخفّ وأيْسَرَ.مثل ذلك مثل التلميذ الذي تتراكم عليه الواجبات إلى أنْ يصبح حمْلاً ثقيلاً. لذلك علينا أن نبدأ الحياء من الصلاة ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة ونفس الشيء في الصلاة و الزكاة و الصيام.
لكن ثمة أمور يتّضح فيها الفرق بين الرجل والمرأة وللمرأة حياء مضاعف فيها فخروجها مثلا للشارع يستلزم عليها حياء وزيّاً مُعيّنًا ًيمنعها من الفجور والسفور.وهذه الأمور واضحة غير محتاجة لأيّ توجيهات بنص حديث الرسول عليه السلام "الحلال بَيّنٌ والحرام بيّنٌ" إنما الرجل مثلا يستطيع أن يسهر إلى وقت متأخر من الليل أما المرأة فالخير كل الخير أن تمكث في بيتها . لكن هناك أمور مشتركة كالعبادات نفعلها جميعا نساءً ورجالاً استحياءً من الله.
سؤال: ما هي الحكمة من بداية الأذان بالله اكبر؟
الدكتور محمد هداية: هذا السؤال يمكن أن نجيب عليه بسؤال آخر هو: ما الحكمة في أن المولى سبحانه قال الله أكبر ولم يقل الله كبير؟ قد تكون بصدد قراءة القرآن لكن ساعة يؤذن للصلاة فاعلم أنّ الله اكبر. قد تجد من يفسّر القرآن للناس ويعلّمهم دينهم لكن ساعة النداء عليه أن يلبي ويقوم للصلاة ثم يعود إلى ما كان يقوم به ،فالتفسير والتعليم أعمال كبيرة لكن الله اكبر .
وعلينا أن نؤكد هنا على أهمية الآية التي يقول فيها رب العزة (إنّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) لنلاحظ انه سبحانه قال "كتاباً" ولم يقل كتباً، كتاباً واحداً موقوتاً . الرسول عليه السلام كان يصلي بالمسلمين الجماعة الأولى لكن الذي يتأخر سيصلي الجماعة الثانية والثالثة وهكذا، لكن بالتأكيد إنها لن تكون في نفس درجة الجماعة الأولى. قد يقول أحدهم هناك من لا يقدر على الصلاة في الوقت الأول كالطبيب الجرّاح مثلاّ، أقول: فعلا الضرورات تبيح المحضورات لكن أقول أيضاً: إنّ الذي يقدر على تأخير العمليات الجراحية غير المستعجلة يفعل ذلك ويصلي لأنّ الصلاة ستفتح له الأمر كلّه وسيفتح الله بها عليه.