رد: حكم الإجهاض في الفقه الاسلامي(بحث مع المراجع)
المطلب الخامس تأصيل النازلة :
الأصول الشرعية التي جاءت بتقرير هذه المسألة هي :
1- الأدلة من الكتاب والسنة النبوية الدالة على حرمة الجنين, والواردة في حكم العزل, والإسقاط عموما.
2- الإجماع الوارد في بعض المسائل كحرمة الاسقاط بعد النفخ بلا ضرورة.
3- القواعد الشرعية الكبرى المعتبرة كقاعدة الدفع أهون من الرفع .
4- القياس الصحيح المستعمل في بعض المسائل.
المبحث الأول: حكم اسقاط الجنين قبل نفخ الروح.
اختلف أهل العلم في حكم اسقاط الجنين قبل نفخ الروح فيه على أقوال:
القول الأول : تحريم الإسقاط في جميع الأطوار ، وهو قول أكثر المالكية([15])، وبعضالحنفية، والغزالي([16]) وابن العماد وابن حجر([17]) من الشافعية ، وابن الجوزي من الحنابلة([18])، وقول الظاهرية وهو واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن رجب والعز بن عبد السلام _رحمهم
أدلة هذه القول:
الدليل الأول: حديث أبي هريرة أن رسول الله ـ صلىالله عليه وسلم ـ (قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو أمة )([19])
وجه الاستدلال قالوا: والجنين اسم لما في البطن، وإيجاب الغرة فيه دليل على أنهمحترم يأثم المتعدي عليه، وإذا كان يأثم بالتعدي عليه فإنه لا يجوز إسقاطه.
الدليل الثاني: قوله تعالى : (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين)([20])
قال الشوكاني رحمه الله: (المراد بالقرار المكين الرحم , وعبر هنا بالقرار الذي هو مصدر مبالغة)([21])
فإذا كانت النطفه محفوظه قد وصفها الله بأنها في قرار مكين, وبأنها أول مراحل الانسان كان القصد إلى استخراجها من قرارها المكين, اتلافا لها وتعديا عليها, ومخالفة لمقصود الشارع من الرحم.
الدليل الثالث: قالوا إنهذه النطفة مبدأ الحياة، وإذا كان لا يجوز إتلاف الحي فكذلك السقط الذي هو مبدأالحياة.
وهذا الدليل مبناه على قياس الاسقاط بالوأد بجامع اشتراكهما في القتل، إذ الإسقاط قتل ما تهيأليكون إنساناً، والوأد قتل ما كان انسانا, وهو محرم بالإجماع, فكذلك الإسقاط.
الدليل الرابع: أن إقامة الحد والقصاص واجب والواجب معجل، وإذا ارتكبت المرأة موجبا للحد, وثبت أن هذه المرأة حامل في أي مرحلة كان حملها فإنه لا يجوز إقامة الحد والقصاص عليها حتى تضع ما في بطنها, ولو كان نطفة، فلم يكن الصحابة حال عملهم بذلك يستفصلون في أي مرحلة من الحمل هي ,بل نقل الاجماع على ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله : (ولا يقام الحد على حامل حتى تضع, سواء كان الحمل من زنى أو غيره لا نعلم في هذا خلافا)([22])
وقال ابن المنذر: (أجمع العلماء على أن الحامل لا ترجم حتى تضع)
فأُخر الحد الواجب والقصاص الواجب من أجل هذه النطفة، ولا يؤخر الواجب إلا لشيء محترم لا يجوز انتهاكه وهو حرمة الجنين.
الدليل الخامس: (وهو للقائلين بحرمة العزل)
قالو بقياس الأسقاط على العزل من باب أولى
قال ابن حجر : (وينتزع من حكم العزل حكم معالجة المرأة اسقاط النطفة قبل نفخ الروح, فمن قال بالمنع هناك ففي هذه أولى)([23])
الدليل السادس: ماذكره الغزالي من تشبيه تقابل ماء الزوجين بالإيجاب والقبول
قال: (وإنما قلنا مبدأ سبب الوجود من حيث وقوع المنى في الرحم لا من حيث الخروج من الإحليل لأن الولد لا يخلق من منى الرجل وحده بل من الزوجين جميعا ..... وكيفما كان فماء المرأة ركن في الانعقاد فيجري الماءان مجرى الإيجاب والقبول في الوجود الحكمي في العقود فمن أوجب ثم رجع قبل القبول لا يكون جانيا على العقد بالنقض والفسخ ومهما اجتمع الإيجاب والقبول كان الرجوع بعده رفعا وفسخا وقطعا وكما أن النطفة في الفقار لا يتخلق منها الولد فكذا بعد الخروج من الإحليل ما لم يمتزج بماء المرأة ودمها فهذا هو القياس الجلي)([24])
الدليل السابع : قالوا إن في الاسقاط مخالفة لحكمة من حكم النكاح
قال ابن الجوزي: (لما كان موضوع النكاح لطلب الولد, وليس من كل الماء يكون, فإذا تكون حصل المقصود من النكاح, فتعمد اسقاطه مخالف ارادة الحكمة)([25])
* وهذا القول اليه مال جمع من الاطباء المعاصرين الذين لهم اهتمام فقهي استنادا الى ان للجنين تحركات وتسمع له نبضات قلب فلا يجوز والحالة هذه عندهم اسقاطه
يقول الدكتور حسان حتحوت في معرض سرد ما تبين له وللاطباء في هذا الجانب : (الجنين حي من بدء حمله، وأنه ينساب نامياً في تناغم واتصال، وأن قلبه ينبض فيشرايينه منذ أسبوعه الخامس، وأن جنين الأشهر الثلاثة تام الخلقة وإن كان صغيرالحجم، وأنه تكوّن وإنما يكبر وينضج بعد ذلك، وأن الجنين يتحرك ونرصد بأجهزتناحركته ونسمع دقات قلبه قبل أن تحس أمه بحركاته بزمان طويل، وأعلم من الناحية الطبيةأن قتل الجنين قتل نفس)
القول الثاني: جواز الإسقاط في النطفة والتحريم في بقية الأطوار، وهذا قول اللخمي منالمالكية([26]) والمذهب عند الحنابلة ([27]).
قال ابن رجب فقال : (وقد صح أصحابنا بأنه إذا صار الولد علقه لم يجز للمرأة إسقاطه، لأنه ولد انعقد )([28]).
واستدلوا لذلك بأدلة:
الدليل الأول : البراءة الأصلية
قال منصور البهوتي مستدلا لقوله : (إذ الأصل الحل حتى يرد التحريم)([29])
ولم يرد دليل على التحريم حال كونها نطفة بخلاف حال كونها علقة كما سيأتي.
الدليل الثاني: حديث ابن مسعود " إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً على حالها لا تغـيّر، فإذامضت الأربعون صارت علقة، ثم مضغة كذلك ..."([30])
ووجهالاستدلال بالحديث: أن فيه إشارة إلى أن النطفة تبقى على حالها ولا تنعقد، وما لاينعقد فيجوز إسقاطه.
الدليل الثالث:حديث جابر : "كنا نعزل والقرآن ينزل "([31]) ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على العزل والعزل اتلاف للنطفة, فدل ذلك على أن النطفة لا حرمة لها.
الدليل الرابع: قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)([32])
ووجهه من قوله : "مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ " فدل ذلك على أن التخليق لا يكون إلا في مرحلة المضغة فمرحلة النطفة لا تخليق فيها، فإذا لم يكن فيها تخليق فلا حرمة لها ويجوز انتهاكها.
يتبع