أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

قصة لكل قصة موعظه {الجزء3}

لكل قصة موعظه {الجزء3}



أعود لكم بجزء جديد من قصص متنوعه في كل واحده منها عبره ..

فأتمنى لكم الاستمتاع و الاستفاده!



1-
بيت المشاكل:



- عنيييييييييّد.. الحقي..
- خير؟ بسم الله.. ماذا هناك؟


- جدتي سوف تأتي غداً..
- ماذا؟ كاذبة!


- والله العظيم لقد سمعت أبي يقول ذلك وهو يكلم عمي على الهاتف.. والله العظيم!

سقط الكتاب الذي كنت أدرس فيه من يدي لا إرادياً.. ووقفت مصدومة لا أعرف ماذا أقول..
- لا يمكن.. إنها لم تمض هناك سوى شهراً واحداً فقط.. لماذا تعود بسرعة.. يا ربي!


أخرجت أريج كيساً من الشيبس من دولابها وبدأت تقرض فيه كالفأرة بصوت مقرمش مزعج وهي تبحث بين ملابسها عن شيء ما بلا مبالاة بينما كنت غارقة في دوامة من التفكير.. كان الحزن يتوشحني لدرجة أني لم أستطع حتى أن أتكلم.. فأنا أعرف جيداً ماذا يعني قدوم جدتي إلينا..
في المرة الماضية حدثت مشكلة كبيرة بين أبي وأمي بمباركتها.. وكادت أمي أن تطلق بسببها.. وعادت جدتي لمنزل عمي في جدة وقد حلفت ألا تدخل بيتنا مرة أخرى... فكيف الآن تعود.. يا الله..!
إن الاختبارات على الأبواب.. فما بالها تأتي الآن لتسحب معها المشاكل..


- عنود!! هل أخذت علبة عصيري؟
- اغربي عن وجهي.. هل هذا وقته..


- أقول هل أخذت عصيري؟
شعرت برغبة في أن أضرب أريج لكني تمالكت نفسي فلست في حاجة لمزيد من المشاكل في هذه الفترة..
تعوذت بالله من الشيطان الرجيم.. ثم قلت وأنا أضغط على أسناني..
- أريج!.. لم أر علبة عصيرك.. أحلف لك!.. أرجوك اتركيني لوحدي واخرجي من الغرفة فرائحة البطاطس بالكاتشب هذه تشعرني بالقرف..!

مدت أريج لسانها المليء ببقايا الشيبس عليّ وخرجت أخيراً.. فأغلقت الباب خلفها..

يا ربي.. والله.. لقد تعبت.. لا أحد يشعر بي ولا بألمي..
الجميع يعيش على أعصابه في هذا البيت المليء بالمشاكل..
أمي والخادمة.. مشاكل وصراخ..
أبي وأمي.. مشاكل وصراخ..
أمي وجدتي.. أبي وأخي.. أنا وأختي.. كلنا.. تسود علاقتنا المشاكل والصراخ..
لقد تعبت.. دائماً نعيش في خوف وقلق.. دائماً نترقب وقت دخول أبي بمنتهى الخوف والتوجس حتى لا تثار أية مشكلة من قبل أي طرف معه..
نموت خوفاً حين يبدو الغضب على أبي..
ونموت خوفاً حين تبدو الدموع في عيني أمي..
ونموت خوفاً حين نسمع جدتي وهي تصرخ على أبي..
يا الله.. متى.. متى أتزوج وأترك هذا البيت الكئيب وأرتاح.. لقد سئمت وتعبت.. أخذت أبكي بحرقة.. وفجأة سمعت الباب يطرق.. جففت دموعي وعدلت من هيئتي وأسرعت أفتح الباب.. كان أبي.. قال لي بلهجة صارمة..
- ماذا تفعلين؟
- لا شيء.. أدرس..
- اتركي دراستك الآن.. واذهبي لتجهزي غرفة جدتك.. نظفيها جيداً.. وأحضري منقلة جدتك من المخزن.. وجهزي لها الأغطية الصوفية.. هيا بسرعة.. فأمك مزاجها معكر اليوم..
ابتلعت ريقي بصعوبة.. كان غاضباً جداً.. وبدا أنه قد بدأت مشكلة بينهما قبل قليل.. لابد أن أمي تبكي الآن.. يا الله..!
نزلت بسرعة وأنا أشعر أني أحمل الدنيا على رأسي..
وأثناء تجهيزي للغرفة.. كنت أفكر.. يا ترى.. من هو السبب؟.. من سبب المشاكل التي نعيشها.. أهي أمي العنيدة الهادئة.. أم أبي العصبي الغضوب.. أم جدتي اللحوحة الكثيرة التذمر والشكوى.. أم.. من؟
لماذا لا نكون مثل الآخرين.. مثل بعض الأسر التي تعيش في سعادة وهناء وراحة.. تحيا في تناسق وانسجام ومحبة..؟
واستغفرت الله في سري.. فما كان لي أن أعترض على قضائه وقدره.. الحمد لله على كل حال..


× × ×

وفي المدرسة.. كان شبح المشاكل الرهيب يدور حولي طوال اليوم..
كنت أفكر في الفيض القادم من المشاكل والذي سيهطل كالعادة مع قدوم جدتي.. ولم أستطع أن أركز في أية كلمة قالتها أية معلمة..
- العنود.. يا دبة.. ألن تنزلي للفسحة معنا؟
- كلا شكراً.. أشعر أني متعبة.. سأجلس اليوم في الفصل..
- بلا سخافة!.. (تتدلعين) علينا؟!
كنت فعلاً متعبة نفسياً وأنا أفكر في تلك المشاكل الرهيبة القادمة.. فلم أرد على تهاني.. كنت أعلم أنها فتاة مزوح لا يمكن لأحد أن يجالسها ويتوقف عن الضحك.. وأنا لم أكن مستعدة لها اليوم..
توقعت أن تخرج بسرعة.. لكنها اقتربت مني.. ونظرت إلي بهدوء.. ثم جلست قربي..




- العنود.. ما بك؟ لست طبيعية اليوم..
- لا شيء.. متعبة قليلاً..
- كلا!.. عيناك تقولان أن هناك شيئاً في البيت..
- كيف عرفت؟
- أشعر أني أعرف هذا الشعور..
- أنت؟
- نعم أعرفه جيداً..
كانت تهاني تتكلم بهدوء لم أعهده منها من قبل.. لم أتوقع ذلك.. تهاني تعاني مثلي من مشاكل؟!
سكتت قليلاً.. ثم قالت بلهجة ساخرة..
- يوووووه.. بيتنا مليااااان مشاكل.. نفكر نبيع منها..
- تهاني.. أنت لا تعرفين.. أبي وأمي بينهما دائماً مشاكل وشجار.. أبي دائماً يثير الخوف والقلق فينا.. وجدتي.. لا تعرفين مشاكلها وجو القلق والحزن الذي تجعله يسود البيت بسبب كلامها هداها الله..
نظرت إلي طويلاً وكأنها تفكر فيما إذا كانت ستقول ما تقوله أم لا..
- طيب.. ما رأيك؟.. أنا أبي.. يضرب أمي.. هل يضرب أبوك أمك؟ .. أبي يضربني حتى الآن.. هل يضربك أبوك؟.. وخذي هذه.. أبي طرد أخي من البيت منذ شهرين ونحن لا نعرف عنه شيئاً حتى الآن.. ما رأيك؟ هل لديك مثل هذه المشاكل؟ لدي الكثير غيرها إن أردت..
صمت وأنا منذهلة تماماً مما قالته.. هل يعقل.. لا أصدق.. تهاني.. تعاني من هذه المشاكل.. ما أعرفه أن أمها هي وكيلة مدرسة.. وهي فتاة مرحة بشوشة.. لم أتصور أنها تعاني من كل هذا الحزن.. يا حبيبتي يا تهاني.. نظرت إليها بعطف وأنا غير مستوعبة لما قالته..
وحين شعرت أن الموضوع قد يأخذ طابع الحزن قالت فجأة بنبرة أعلى وهي تبتسم وتضرب على كتفي واقفة..
- لا يضيق صدرك..
عااااااااادي.. كل بيت فيه مشاكل من نوع مختلف.. احمدي ربك أنت أحسن من غيرك..
- الحمد لله..
- بعدين كل مشكلة فيها فائدة.. يعني شوفيني.. لو ما كان عندي مشاكل.. ما كان صار دمي خفيف عشان أضيع السالفة!!
- يا سلام؟!..
رن الجرس معلناً انتهاء الفسحة.. فابتسمت لها وأنا أحمل لها حباً كبيراً..
وأثناء الحصة كنت أفكر.. فعلاً.. صدقت تهاني.. أنا أحسن من غيري.. فوالدي رغم كل شيء لا يضربنا.. ولم يضرب أمي يوماً.. وهو لا يحرمنا مما يستطيع توفيره لنا.. الحمد لله.. حتى مشاكل جدتي تهون عند مشاكل غيرنا..


× × ×

حين عدت إلى البيت.. كانت أمي قد وضعت الغداء للتو وقد حضرت جدتي.. سلمت عليها وجلست آكل بينما بدأت جدتي لمزاتها..
- الأكل مالح.. ما تدرين أنه فيني ضغط..
فردت أمي..
- والله يا خالة ما حطيت ملح إلا شوي..
- يعني أنا كذابة؟.. أقول مالح.. ما ينوكل!
أكملت طعامي وقمت لغرفتي وأنا أردد.. الحمد لله.. مهما تكن من مشاكل.. فهي أهون من مشاكل غيري..!



**




إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#2

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}



2-ودفنت الدبة!


سحبت بخفة قطعة الشوكولاتة من يد روان وهي تشاهد أفلام الكرتون وهربت بسرعة.. فصرخت وأخذت تجري خلفي..
- يا الدبة! .. أرجعي قطعتي.. لقد أكلتِ أربع قطع..!
لكني تجاهلتها وأسرعت أهرب منها وأنا أقضم الشوكولاته اللذيذة.. بينما انفجرت بالبكاء وأخذت تصرخ بغضب..
- انظري لشكلك.. ستنفجرين من كثرة الأكل أيتها الدبة!

أحسست بصفعة قوية.. فتوقفت..
كنت أعلم أنها تردد نفس الكلام كثيراً.. لكنها هذه المرة جرحتني حقاً..
أحسست أن لقطعة الشوكولاته طعماً مراً.. حتى بالكاد استطعت أن أبلعها.. وسقط ما تبقى منها في يدي على الأرض.. شعرت بأنني غبية وبليدة لأنني سمحت لنفسي أن أكون في هذا الموقف السخيف..
انسحبت بهدوء دون أن أنبس ببنت شفة.. ذهبت إلى غرفتي وأغلقت الباب..
نظرت إلى نفسي بالمرآة.. يا الله.. ما هذا؟.. كيف تركت نفسي لأصل لهذه المرحلة من البدانة.. إن جسمي بلا ملامح تقريباً.. لا خصر ولا عنق ولا سيقان.. كل شيء متساوي.. كرة مستديرة من جميع الجهات..
يجب أن أنحف يجب..
لكن.. الأكل لذيذ.. وأنا أحب الحلويات.. لا أستطيع أن أقاومها..
لكن.. يجب أن أغيّر من شكلي الذي جلب لي كل الهموم والمشاكل.. وجعلني موضع استهزاء وتندر الجميع.. يجب..
وقررت أن أبدأ نظاماً غذائياً صارماً منذ الغد..
وبالفعل بدأت..
ولكن في المدرسة.. في الفسحة.. سألتني نور..
- دانة..
ماذا تريدين؟
كرواسان بالجبنة أم بالزعتر؟
- لا شيء..
كنت أتلمظ وأنا أتخيل شكل الفطائر..
- معقول؟ لا شيء أبداً.. على الأقل فطيرتين فقط..!
ابتلعت ريقي بصعوبة.. ثم نكست رأسي للأسفل..
- حسناً..
وانقضضت بعد قليل على الفطيرتين والعصير.. ثم لم أقاوم فطلبت فطيرتين أخريين.. وأتبعتها بقطعة شوكولاته بالبندق..
وحين عدت للمنزل.. كنت أشعر بالخجل من نفسي.. فهذه ليست المرة الأولى ولا العاشرة ولا العشرين التي أبدأ فيها نظاماً غذائياً وأفشل فيه..
حين عدت للمنزل وخلعت عباءتي.. كانت أمي تصلي في غرفتها..
ذهبت وجلست على سريرها.. وحين انتهت.. نظرت إليّ..
- دانة.. ما بك؟ لم تلحي في طلب الغداء اليوم؟
- لا شيء.. أشعر بالكآبة..
- أعوذ بالله.. هل حصل شيء اليوم..
- لا.. فقط هكذا..
كانت أمي ترتب ثوب الصلاة وتلفه داخل السجادة.. أخذت أنظر إليها.. جسمها جميل.. لا أحد يصدّق أنها أمي.. فهي تبدو أصغر مني سناً.. أشعر بالخجل حين يراني أحد معها..
وفجأة قالت..
- زواج شيماء سيكون بعد بداية العطلة بأسبوع..
شعرت بالقلق والارتباك.. فأنا لم أتوقع أن زواج ابنة خالتي سيكون قريباً لهذه الدرجة..
- والله؟!
- نعم.. اليوم قالت لي خالتك ذلك.. فهم لم يجدوا حجزاً إلا في ذلك اليوم..
سكتت أمي ثم تابعت..
- ليس أمامنا الكثير لنتجهز للحفل علينا أن نفصّل أو نشتري الملابس المناسبة فليس هناك سوى أربعة أسابيع فقط والمشاغل الآن مزدحمة جداً..
شعرت بالحسرة والحزن.. فأي شيء له علاقة بالملابس يصيبني بالكآبة ويعيد أحزاني ومواجعي..
أعرف كم تبدو ملابس السهرة مضحكة عليّ.. وأعرف كم أبدو سخيفة مقارنة بأجسام بنات أخوالي وخالاتي اللاتي يتقافزن كالغزلان.. لا.. لا أريد أن أكون نكتة الحفلة بكيلو غراماتي المائة..
لم يكن أمامي سوى خيار واحد.. أن أنحف.. نعم.. ساعدتني صديقتي دلال.. فأحضرت لي ورقة بها ريجيم كيميائي مذكور أنه يمكن أن ينحف أربعين كيلو.. وقررت أن أتبعه..
بدأت بالنظام.. وكنت أشعر بالتعب والإرهاق لكن لأول مرة في حياتي كان لدي العزيمة والمقاومة..
واستمريت طوال ثلاثة أسابيع.. حتى في أيام الاختبارات رغم أني في سنة ثالث.. كنت أختبر وأنا أشعر بالدوار الشديد..
وحين وقفت على الميزان.. كانت المفاجئة أني بالفعل قد نقصت خمسة عشر كيلاً.. يا سلاااام!!
أصبحت أرتدي مقاسات أصغر بكثير.. لكن هذا الدوار كان يتعبني جداً..
وفي يوم الحفل.. كنت قد نحفت لكني لا أزال بدينة.. ولا يزال الفستان غير أنيق على جسمي المترهل.. وحين وصلت العروس وجلست وبدأت الأناشيد ودفوف الفرح.. صعدت لأسلّم على ابنة خالتي..
ومع تطاير دخان البخور.. وتعالى زغاريد الفرح والأصوات.. والإضاءة القوية.. شعرت بالدنيا.. تدور.. وتدور.. وسقطت قبل أن أصل.. سقطت أمام العروس.. بل عند قدميها وكأني أتيت لأقدّم نفسي قرباناً!!!
كان منظري مضحكاً ومحزناً في نفس الوقت..
(مسكينة) (يا حرام داخت) سمعتها كثيراً تدور في أذني..
كنت كالغريقة.. أرى الناس يسبحون في عالم متحرك وبالكاد أفهم ما يقولونه.. أتت أمي مسرعة وسحبتني مع بنات خالاتي.. وفي إحدى الغرف الجانبية.. أتت طبيبة إسعاف لتكشف عليّ عندما طالت إغماءتي..
- يجب نقلها للمستشفى حالاً.. لديها هبوط حاد جداً في الضغط..
- ماذا؟
- يبدو أنها لم تأكل شيئاً أليس كذلك..؟
- يبدو ذلك فأنا لم أرها تأكل اليوم سوى الزبادي..
وأسرع والدي وخالي ينقلاني للمستشفى بعيداً عن الحفل الذي لم أستمتع به.. وفي المستشفى اكتشفوا أن لدّي فقر دم شديد وهبوط.. كما أن دقات القلب لدي غير منتظمة.. وهذا مؤشر خطر.. كما أن الريجيم الغير صحي سبب لي جفافاً.. وبقيت في المستشفى لمدة يومين حتى استعدت عافيتي..
وحين خرجت شعرت برغبة عارمة في الأكل
وتعويض أيام الجوع السابقة.. كانت شهيتي مفتوحة بشكل ليس له مثيل.. وساعدتني أمي – هداها الله – بتقديم أشهى الأطباق لي بحجة تغذيتي..
وأصبحت لا أتوقف لحظة عن الأكل.. وامتلأ دولابي بالحلويات والبطاطس كما كان من قبل.. وخلال شهر واحد.. عاد وزني لسابقه.. ثم ازداد.. ازداد عشرون كيلو غراماً!!
نعم أصبح وزني مع بداية الدراسة مائة وعشرون كيلو!.. وعرفت فيما بعد أن هذا أثر طبيعي لاستخدام الريجيم الكيمائي حيث يصبح الجسم قابلاً للزيادة أكثر مما كان.. فيزداد الوزن بعد الانتهاء منه بشكل غير طبيعي..
وانعزلت عن الحياة.. وأصبحت أكره الاجتماعات.. أكره السوق حتى لا أرى الملابس الجميلة وأنا لا أستطيع لبسها.. حتى الأحذية لم أعد أجد حذاءً مناسباً لي فرجلي صغيرة لكنها ممتلئة جداً.. حتى أنني أصبحت أطلب أحذيتي من محل معيّن يقوم بتفصيل الأحذية في دولة مجاورة.. وأفكر.. إنه حذاء السندريلاااا الدبة!!
ومع تخرجي من الثانوية.. وعدم قبولي في أي كلية.. ومع الفراغ.. كان الدافع لدي معدوماً.. لكن ذات يوم.. سمعت أمي تتحدث في الهاتف لخالتي دون أن تعلم.. وتقول..
- ومن يخطبها يا هيا.. مسكينة.. أنت لم تأتي منذ عدة أشهر ولم تريها.. لقد ازدادت سمنة..
لم أستطع أن أكمل الحديث وأسرعت لغرفتي أبكي.. أقفلت الباب عليّ.. ورميت نفسي على السرير.. وأخذت أبكي وأبكي.. كم أود لو أستمتع مثل بقية الفتيات.. أن ألبس وأتزين.. وأن أخطب في المناسبات.. يا الله ساعدني وارحمني.. يا ربي.. ارحم حالي.. وخلصني من هذه البدانة يا رب..
وهنا.. قررت أن أعاهد نفسي أن أجعل الجميع ينظر لي بعين أخرى بعد الآن.. لماذا أجعل الآخرين ينظرون لي دائماً بعين الشفقة أو الاحتقار لماذا؟ إن الحل بيدي وليس بيد شخص آخر.. والله سبحانه وتعالى سيعينني إن توكلت عليه..
وتوكلت على الله ووضعت لي نظاماً معقولاً صممته بنفسي من خلال كتب التغذية التي أصبحت أقرأها كثيراً.. كما قررت أن أمارس الرياضة لمدة نصف ساعة يومياً.. أجري في فناء المنزل أو أتمرن على الجهاز الرياضي الذي في غرفتي.. وأشرب الكثير من السوائل.. وعاهدت نفسي أيضاً أن أصوم كل يومي اثنين وخميس وأفطر إفطاراً معقولاً..
فالصيام يعود الجسم على التحمل وقلة الطعام كما ينظف الدم من الشوائب والسموم.. وابتعدت عن الحلويات وقللت من أكل المطاعم.. وأصبحت أكثر من الفواكه والخضار والأطعمة المسلوقة والمشوية.. وفيما عدا ذلك لم أحرم نفسي كثيراً..
والحق يقال أن وزني لم ينزل بسرعة في البداية.. كنت أنزل ببطء شديد لكن جسمي كان يبدو مشدوداً أكثر بكثير من المرة السابقة.. وصغرت مقاسات ملابسي كثيراً.. وأصبحت أشعر بحيوية ونشاط وإقبال على الحياة..
لقد تغيرت حياتي تماماً.. وما أن حل الصيف التالي إلا وقد أصبح وزني خمسة وستون كيلو غراماً فقط... لقد نزلت خمسة وخمسين كيلو غراماً خلال عشرة أشهر.. إنها المعجزة التي حصلت بفضل الله سبحانه وتعالى.. ثم بإرادتي وعزيمتي..
تغير شكلي تماماً وأصبحت أبدو أصغر من عمري بعدة سنوات.. حتى وجهي أصبح أكثر تورداً مع عنايتي بالتغذية الصحيحة.. أصبحت أحب الاختلاط بالآخرين وأحب أن أزور أقاربي ولم أعد أشعر بالحرج من نظرات الآخرين..
وما أن حل زواج ابنة خالي منى حتى كنت أول الحاضرات.. وهذه المرة كنت أمشي بكل ثقة بين الحاضرات وأنا أسمعهن يتهامسن..
من هذه؟ من تكون؟
معقول دانة؟ هذه دانة بنت منيرة؟ لا يمكن! كيف؟
ما شاء الله..
كيف تغير شكلها هكذا؟
كنت أحمد الله سبحانه وتعالى أن استجاب لدعائي.. وشعرت وأنا أسير..
أني قد رميت شخصيتي الأولى.. تلك الفتاة البدينة المنكسرة المعدومة الثقة في نفسها..
موضع نظرات السخرية والشفقة..
إنني الآن.. فتاة أخرى.. فقد دفنت دانة.. (الدبة)!

**

إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#3

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}


3-بيتي .. ليس هنا

رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

هيايا عيال.. هيا.. سنذهب للبيت الجديد..
هكذا كان أبي ينادينا فنتقافز فرحاً ونسرع لنحضر عباءاتنا ونتسابق نحو السيارة.. بينما أمي تصرخ..
- دلييييييييييّل.. عندك اختبار.. وين تروحين؟
فأعود أدراجي وعباءتي تطير خلفي لأمسك بكتابي وأحضره معي حتى تكف أمي عن تأنيبها، فأشير إليها به (سأدرس هناك!).

ولا يخلو زحامنا في السيارة طبعاً من المعارك والصراخ.. لكن أكثر ما كان يغيظني هو حين تقوم شوق الصغيرة بسحب (غطوتي) لتثير غضبي.. فقد كنت لا أزال في الصف الأول المتوسط وكنت فرحة جداً بارتداء غطاء الوجه لأعلن أني أصبحت كبيرة ومثل بقية النساء..
- يبه.. شوف شويق الـ (..) ذبحتني تسحب (غطوتي)!

- الله يصلحكم.. هل تسكتون أم نعود للبيت؟!

- لاااا.. خلاص... نسكت.. نسكت..

كانت رحلتنا الأسبوعية للبيت الجديد الذي نبنيه هي أشبه برحلة خيالية نطل منها على عالم أحلامنا الجميل.. كنا ننتظرها على أحر من الجمر لننطلق في جوانب البيت وروائح رطوبة الاسمنت تعبق أنوفنا.. نصعد الدرج أو ننزل ونتراكض نحو غرفنا المستقبلية لنتناقش ونتجادل..
- هنيّد.. اسمعي.. شوق سوف تكون معك في غرفتك..

- يا سلام؟!.. لا.. شوق معك أنت..
- لا.. أنت الكبيرة.. يجب أن تكون شوق معك حتى تعتنين بها..

- بالعكس أنا الكبيرة يجب أن تكون لي غرفة لوحدي..

- يعني تريدين أن تكون شوق مع كل ألعابها وملابسها و(حوستها) في غرفتي.. حرام عليك.. غرفتي صغيرة.. انظري غرفتك أكبر..

- ليس من شأني..!

- حسناً سوف أقول لأبي..

وأذهب لأبي لأجده يتفقد نوافذ بعض الغرف ويتأكد من جودة البناء..

- يببببببببببه.. اسمع..

- بسم الله! ماذا هناك؟

- اسمع.. هنيّد تقول أن شوق يجب أن تكون معي في غرفتي.. وأنا لا أريد.. حرام غرفتي صغيرة أريدها لي وحدي.. هند غرفتها أكبر.. ممم.. ثم.. هند هي الكبيرة.. هي التي تعرف كيف تتعامل مع شوق أما أنا فبالتأكيد سأتضارب مع شويّق طوال الوقت.. أرجوك يا أبي..

- إممم..

ويلتفت أبي نحو النافذة ليتحسسها ثم يقول..
- لم يثبتوا الإطار جيداً..!

- يببببببببه!

- اصبري..

ويخرج خارج البيت ليحادث الحارس.. ويتركني أغلي من شدة الغضب على هند..

* * * *

كنا نسكن في بيت قديم جداً في حارة قديمة.. وكان ذلك أمراً يضايقنا بشدة.. نفسياً واجتماعياً.. فقد كان البيت قديماً لدرجة وجود العديد من التصدعات فيه.. كما أن المياه كانت تتسرب من الحمامات – أعزكم الله.. وكانت الصبغة - رغم كل محاولات التجديد – تتقشر بشكل قبيح على الجدران..

وكنا نشعر بالحرج من دعوة أي شخص لبيتنا.. حيث كل شيء يوحي بالقدم.. كما كان الحي سيئاً وشعبياً حيث الشوارع المليئة بالمياه المنتنة وبراميل القمامة الملقاة على الأرض.. والجيران سيئوا الأخلاق لا يراعون حقاً للجيرة.. فطالما نالنا من شرهم وأذاهم الشيء الكثير..

كنا نبكي أحياناً حين نشعر بالحرج من بيتنا.. خاصة حين نشعر بالحاجة لدعوة صديقاتنا أو لعمل حفلة بسيطة لكننا لا نستطيع لأن بيْتنا لم يكن ملائماً..

لذا كان البيت الجديد بالنسبة لنا الحلم المنقذ.. وقصر المستقبل الذي ننتظره.. وكنا نعد الأيام لنخرج من بيتنا المهترئ للبيت الجديد الذي يبنيه والدي.. وكنا نتحادث كثيراً حوله في ليالي الانتظار الطويلة حين نخلد لأسرتنا.. فتقول هند..

- حين نسكن بيتنا الجديد إن شاء الله سأدعو كل صديقاتي..

- نعم.. وسأجعل صديقتي مروة تصعد لغرفتي لتراها.. أريد أن تكون غرفتي شقة متكاملة..
سأضع فيها أريكة للضيوف.. وثلاجة أضع فيها كل ما أحب من حلويات.. ممم.. وسأضع مسجلاً لأسمع أشرطة أناشيدي المفضلة دون أن أزعج أحداً معي في الغرفة.. يا سلاااااااام..

- ومن أين لك المال اللازم يا حلوة؟

- إنني أوفر منذ عامين.. لدي الآن.. ثمانمائة ريال.. وخلال سنة إن شاء الله سيصبح لدي ألف ومئتين أو ألف وخمسمائة حسب غزارة العيديات هذه السنة..

* * * *

كان من المفترض بإذن الله أن ينتهي بيتنا خلال سنة.. لكن فجأة.. ألمت بوالدي أزمة كبيرة.. فقد كان قد أعطى مبلغاً كبيراً للمقاول.. وإذا بالمقاول يهرب بالمال.. دون أن يعطي العمال ولا أصحاب المواد حقهم.. كان من المفروض أن يكفي هذا المال حتى إكمال البيت.. لكن هروب المقاول واختفاءه سبّب أزمة هائلة فأصبح الجميع يطالب أبي بالمال.. حيث أن المقاول قد خدع أبي بطريقة ما وجعله المسؤول عن دفع الحق للجميع.. وقد وصل الأمر لدرجة استدعاء أبي من قبل الشرطة عدة مرات..

بدا أبي متماسكاً في البداية.. أو حاول أن يكون كذلك رغم قوة الصدمة.. لكنا فوجئنا ذات يوم بصراخ ماجد الذي كان لا يزال في السادسة من عمره وهو يدخل علينا في المطبخ..

- يمممممممممه.. الحقي.. أبوي مات!

لا أزال أذكر هذه العبارة ترن في أذني.. أذكرها جيداً..

أسرعنا نجري نحو الفناء وأمي غير مصدقة..
فوجدنا أبي قد وقع أرضاً قرب الباب وهو يمسك قلبه.. اتصلنا على خالي الذي أتى مسرعاً ونقل أبي للمستشفى.. وعلمنا أنه أصيب بجلطة..

كان أبي المسكين يكابد الألم والمرارة بسببنا..
فالحل الوحيد أمامه للخروج من هذه الأزمة كان هو بيع البيت.. لكنه لم يرغب أن يحطم أحلامنا التي كنا نعيش ونتنفس عليها.. لم يشأ أن يضيع في لحظة كل ما تمنيناه في حياتنا.

لم يعلم أبي أنه كان أهم بالنسبة لنا من كل هذه الأحلام، وأن كل شيء يهون ويصغر أمام صورة أبي الحبيب..

وبعد أن تحسنت حالة أبي.. أقنعناه ببيع البيت برضانا.. وبالفعل.. باع أبي البيت.. ليسدد ديونه..

في تلك الليلة التي أخبرتنا بها أمي أن أبي باع البيت فعلاً.. صليت صلاة الوتر.. ثم أطفأت الأنوار وألقيت نفسي في سريري.. وأخفيت رأسي تحت الوسادة وأخذت أبكي.. وأبكي بكل حرقة.. لقد فقدت أجمل أحلامي.. فقدت البيت الذي كنت أرسم صورته منذ أعوام في ذهني.. فقدت الغرفة الوردية الجميلة التي كنت أعيد ترتيبها كل ليلة في مخيلتي.. فقدته للأبد.. لم يعد هناك بيت جديد جميل.. سنبقى هنا بقية عمرنا، سنبقى في هذه الغرفة الضيقة التي تتسرب المياه من سقفها، حيث ثلاثة أسرة ومكتبة قديمة ودولاب تساقطت أبوابه..

بكيت وبكيت كثيراً حتى ابتلت وسادتي ونمت..

وفي المنام.. رأيت رؤيا لم أرى مثلها في حياتي.. لا تزال بكل صورها وأصواتها عالقة في ذهني وكأني أراها الآن.. رأيت كأني واقفة في مروج عظيمة خضراء تمتد إلى الأفق.. وبينما أنا أنظر إلى تلك المروج.. شعرت بمن يناديني باسمي.. دلال.. وإذا بشخص لم أره.. أحسست فقط بشبح أبيض أمسك يدي.. وقال لي تعالي أريك.. وإذا بي أرى بيتاً صغيراً جميلاً على جسر بين جبلين.. كان بيتاً صغيراً لكنه يقع بشكل غريب على جسر متحرك يهتز بين جبلين وكنت أشعر في كل لحظة أن ذلك البيت سيقع وينزلق من على الجسر نحو الهاوية وكأنه موضوع هنا بشكل مؤقت.. شيء غريب..
قال لي.. هل تريدين هذا؟ فسكت لأني كنت محتارة.. البيت جميل لكن مكانه خطر سينزلق ويذهب في أي لحظة..
فقال هو.. كلا.. تعالي أريك.. فإذا بي كأني أطير لأعلى وأرى من بعيد في أقصى المروج قصراً رائع الجمال.. لا أستطيع أن أصف ولا حتى جزءاً من جماله.. به حدائق خضراء ومسابح وزهور.. ولا أعرف كيف أصبحت أنظر إلى داخله من بعيد فإذا بي أرى الصالات الرائعة والأرضيات اللامعة والنوافذ الكبيرة والشرفات التي تطل على الحدائق الخضراء والغرف الجميلة.. بهرت وأنا غير مصدقة..
وسمعت الصوت يقول لي.. هذا بيتك.. لكن ليس الآن..

واستيقظت على صوت أمي توقظني لصلاة الفجر..

كنت أتنفس بشدة وكأني كنت أطير فعلاً قبل قليل..

- دلال؟! ما بك؟..

- يمه.. يمه..!

من شدة فرحتي بذلك الحلم الجميل كنت أتنفس بصوت عال.. حتى خافت علي أمي.. لم أعرف ماذا أقول.. وبلا وعي مني رميت نفسي على أمي أحضنها.. كنت أبكي بانفعال حتى كادت أمي أن تبكي معي وأخذت تذكر اسم الله علي وتعيذني بالله من الشيطان..

- اسم الله عليك.. ماذا هناك.. بم حلمت؟

سكت لفترة وأنا أفكر ماذا أقول.. وفي لحظات بسيطة.. قررت أن يكون هذا الأمر سراً خاصاً بي..
- لا شيء.. حلم مخيف فقط.. الحمد لله لا شيء..

ومنذ تلك اللحظة.. لم أبك على بيتنا الذي فقدناه.. أصبحت أنظر لكل هذه الدنيا كذلك البيت المتزحلق فوق الجسر.. إنها مجرد دنيا فانية ستزول في أي لحظة.. إننا لا نعرف متى نموت ونغادر هذه الدنيا تاركين كل متعها..
لكن النعيم الحقيقي والمنزل الحقيقي الذي علينا أن نبنيه ونخطط له هو هناك.. في الدار الآخرة.. حيث النعيم الأبدي..

ومنذ تلك الليلة أصبحت أسترجع شكل ذلك القصر الباهر الذي رأيته فأنسى كل أحلامي وآلامي في هذه الدنيا، وأسأل الله بيتاً في الجنة.


**

إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#4

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

انتظرووني مع قصص اخرى ان شاء الله!
إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#5

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

إظهار التوقيع
توقيع : bota12
#6

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

يتصفح الموضوع حالياً : 19 (5 عدلات و 14 زائرة) ‏الـــمـــتـــألـــقـــة, ‏bota12, ‏رانيا الزناتى+, ‏البحر, ‏ام حنان+


يا مراحب بالقراء!

إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#7

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

يتصفح الموضوع حالياً : 18 (4 عدلات و 14 زائرة) رانيا الزناتى, ‏bota12, ‏البحر, ‏ام حنان
إظهار التوقيع
توقيع : رانيا الزناتى
#8

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

قصص مؤتره حقيقى برافوا
بالتوفيق يا حبيبتى وهاتبعك ان شاء الله

إظهار التوقيع
توقيع : رانيا الزناتى
#9

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

تسلم ايديك يا عسل
التلاتة أحلى من بعض
روعة تسلمي

#10

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

قصص حلوة وفعلا لكل قصة موعظة تسلمى حبيبتى
رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}
رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

#11

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

جميل جدا قصص في منتهي التشوق والجمال
إظهار التوقيع
توقيع : sho_sho
#12

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

تسلمو يا حلوين عالردود الحلوه!!
إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#13

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

رائع جدا
إظهار التوقيع
توقيع : عابره طريق
#14

129878 رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}


المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عابره طريق
رائع جدا
تسلمي لي يا عثل!

إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#15

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

تسلمين ياقمر قصه جميله
مانتحرمش من جديدك

إظهار التوقيع
توقيع : دمعه حائره
#16

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

وااااااااااااو روعه سوسو تسلمیلی عسل
إظهار التوقيع
توقيع : ام حنان
#17

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

شكرا دمعه شكرا ام حنان!
إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#18

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

روووعه يا ابدع متالقه ومنتظرين قصصك الحلوه يا سكره
إظهار التوقيع
توقيع : مدام نونا
#19

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

تسلمي حبيبتي
إظهار التوقيع
توقيع : الملكة نفرتيتي
#20

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

شكرا لك حنونتي

#21

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

شكرا ليكى يا سكر
#22

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

إظهار التوقيع
توقيع : لؤلؤة الاسلام 1
#23

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

إبدااااااع بلا حدود
قصص في قمة الروعة والجمال
في انتظار جديدك يا عمررررري

إظهار التوقيع
توقيع : salwa libya
#24

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

شكرااااا حبيباااااتي
إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#25

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

مستنينك على احر من الجمر الموضوع رائع والتقييم فوق الممتاز
إظهار التوقيع
توقيع : عمرحبيب مامي
#26

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

قصص حلووووووة كتيييييير بارك الله فيك حبيبتي
#27

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

ماشاء الله فعلا متالقه اتمنى لكى النجاح الدائم ان شاء الله قصص روعه تسلم ايدك

إظهار التوقيع
توقيع : زهره محمد
#28

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

شكرا جيره
شكرا حبيبتي >عمر حبيب مامي

شكرا غاليتي زهره!

إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#29

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

ما شاء الله عليكى حبيبتى
إظهار التوقيع
توقيع : هبه شلبي
#30

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

تسلمي يا قمر ما شاء الله عليكي
إظهار التوقيع
توقيع : nesrinaaa
#31

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

شكرا هبه شكراا نسرينااا
إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#32

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}



4-البحث عن الكنز..

رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

منذ أن فتحت عيني في هذه الدنيا وبدأت أطلب أبسط طلباتي في هذه الحياة بكل براءة الطفولة.. وأنا أسمع عبارة (لا نستطيع).. (لا نقدر).. كان المال هو العائق الكبير الذي يعيق تدفق السعادة في بيتنا..


وقد كان لنفسية أمي دور كبير في إحساسنا الدائم بالنقص.. فقد كانت تلوم أبي وتتذمر من الحياة معه وتسميها حياة الفقر والنكد.. وهي تشعرنا دائماً بأننا أقل من غيرنا وأن حياتنا ناقصة وكئيبة..

فقد كانت أمي الزوجة الثانية الصغيرة مقارنة بأبي المسن.. ولم يكن هناك ما يجبرها على الزواج منه سوى الهروب من ظلم زوجة أبيها وتسلطها.. لذا فهي تشعر دائماً بأنها مظلومة بزواجها من أبي..

كنت أشعر أن وضعنا ليس وضعاً طبيعياً مقارنة بأسر زميلاتي.. فأبي متقاعد مسن.. وأمي امرأة بسيطة جداً بالكاد تجيد القراءة.. بيتنا مليء بالمشاكل.. ونحن محرومون من أبسط احتياجاتنا.. كنت أرمق أحذية زميلاتي وحقائبهن المتجددة فأشعر بالحزن يغمرني وشعور بالإحباط والخيبة يكتنفني لكني أحاول أن أتظاهر بعدم الاهتمام.. كما أحاول بشدة ألا أظهر لزميلاتي أني أعاني من أي حاجة أو حرمان.. فمريولي قديم لأني لا أحب الخروج للسوق لشرء آخر!.. وحذائي المهترئ أرتديه لأني أحبه ولا أرتاح إلا فيه! وحقيبتي الرخيصة أستخدمها لأني لم أجد حقيبة تناسبني في السوق..! وهكذا كنت ألفق الأعذار حتى لا يعتقد أحد أن السبب هو أننا محرومون أو محتاجون..

ذات ليلة بينما كنت مستلقية أنتظر النوم.. سألت أختي الكبرى..
- أمل.. هل تعرفين ماذا أتمنى؟

- ماذا؟

- أتمنى أن يعثر أبي على كنز لم نتخيله في حياتنا.. ونصبح أغنياااااااااء.. نشتري كل ما نريده.. ملابس أحذية حقائب ألعاب.. كل ما نتمناه..

بدت أمل مستلذة بأحلامي.. فصمتت تنتظرني أكمل..

- نعم.. نخرج للسوق وفي محفظة كل واحدة منا خمسمااائة ريال!! و..

ضحكت أمل..
- خمسمائة ريال؟.. فقط؟! (يحليلك)! اجعليها ألف أو ألفين.. أرجوك..

- نعم.. ألف ريال في محفظة كل واحدة.. ونشتري كللللللل ما نريد.. وأشتري لأخوتي الصغار ألعاب وحلوى..

- لحظة! أليس مع كل واحد ألف ريال دعيهم يشترون بها!

- لا تقاطعيني.. حسناً.. كل واحد معه نقوده ويشتري ما يريد... وأشتري لي ملابس جميلة.. وأحذية وحقيبة من محل معروف.. وإكسسوارات.. وعطر.. ثم نذهب لمطعم ونتعشى معاً.. ثم.. نركب في سيارة والدي الجديدة ونمر على محل أيسكريم فاخر.. و.. أنا أريد آيسكريم بالفراولة مزين بالمكسرات.. وأنت؟..

فجأة أحسست أن أمل صامتة تماماً..
- أمل.. ما بك؟

جاءني صوتها حالماً..
- لا شيء.. لا شيء.. أكملي.. حلم راااائع..

فجأة.. اخترق أسماعنا صوت أمي وهي تصرخ على أبي في الصالة.. وتقول..
- يا ربي! ماذا أفعل؟.. لقد تعبت.. حياتي معك كلها فقر في فقر.. ما الذي دهاني لأتزوجك.. ليتني أموت وأرتاح من هذه الحياة!
وتعالى خلفها صوت بكاء أخي الصغير..

سحبت غطائي الصوفي ليغطي رأسي حتى لا أسمع المزيد.. فقد سأمت.. سأمت حتى المرض من سماع هذه العبارات اليومية من فم أمي.. أشعر فعلاً بأني أكاد أنهار بسبب ذلك.. كلامها وصراخها اليومي مثل السم اللاذع الذي يقتل أصغر فرحة في قلوبنا ويقطع علينا حتى لذة الأحلام..

استمر صراخها فترة قبل أن تذهب لغرفتها ليهدأ المكان..

سحبت غطائي شيئاً فشيئاً حتى تأكدت من انتهاء الإعصار.. وبدأت أحاول أن ألم شتاتي.. وأفكر في شيء جيد..
- أمل.. ماذا عنك.. ما هو حلمك؟

سكتت أمل قليلاً.. حتى توقعت أنها لن تتكلم.. لكنها بعد فترة نطقت بهدوء.. بصوت أشبه بالهمس..
- أنا أمنيتي أتزوج وأطلع من هذا البيت..
وبعد قليل قالت..
- لا أريد أن يجد أبي كنزاً ونصبح أغنياء.. فهذا لن يحل شيئاً.. أريد أن أتزوج.. حتى لو كان رجلاً فقيراً مثل أبي.. أريد أن أبدأ معه حياة مختلفة عن حياة والديّ.. أريد أن أشعره أني دائماً معه.. أحبه وأسانده.. لا أريد أن أكون مثل أمي..

شعرت بهزة كبيرة في أعماقي.. لم أتوقع أن تفكر أمل هكذا.. إنها تحلم بالحب والأمان وليس المال..
وشعرت أن ما تحس به هو شيء نبيل.. نبيل جداً.. حتى أني تأثرت بها.. وأصبحت أفكر مثلها..


مرت ست سنوات على تلك الليلة الدافئة وتلك الأحلام الصغيرة.. تخرجت.. وأصبحت أخصائية اجتماعية.. وأصبح لي ولأختي أمل راتب..

تحسنت حالتنا المادية كثيراً.. أصبح في يدي بدل الألف التي كنت أحلم بها.. خمسة أو ستة آلاف ريال..
لكن السعادة لا تزال بعيدة عن بيتنا.. لا تزال ترفرف عالياً.. وهي تشير لنا من بعيد ساخرة..

حياتنا لم يغير فيها المال شيئاً.. لا تزال كما هي.. أمي يزداد تذمرها وشكواها كل يوم.. وأبي المسكين هدت جسده الأمراض والهموم.. وبدأت أعراض الهذيان تظهر عليه..

لم أسمع أمي يوماً تقول عن أبي شيئاً طيباً.. لم تمدحه مرة واحدة في حياتها.. فقد كانت دائماً تتذمر من فقره.. ومن فرق السن بينها وبينه..
والآن تتذمر من مسؤوليتها تجاهه بعد أن كبر كثيراً..

وبقيت أنا أحاول أن أزرع المشاعر الجميلة في نفسي وأحافظ عليها حتى لا تموت رغم كل الآلام حولي.. وأدعو الله أن لا يحرمني جنة الفردوس..


ذات ليلة.. دخلت أمل ساحبة مخدتها وغطائها لغرفتي..
- جوزاء؟.. أرغب أن أنام في غرفتك اليوم.. أتسمحين؟

- بالتأكيد.. تفضلي..

وبعد أن خلدت كل منا لفراشها..
قالت أمل..
- جوزاء؟

- نعم..

- بماذا تحلمين الآن؟

- أنا..
وبقيت للحظات أفكر فيما أقول..
هل أحلم بالمال؟.. كلا لقد وجدته.. ملابس وأحذية؟.. حقائب.. مطعم.. وآيسكريم بالفراولة؟!
كلها وجدتها.. ماذا بقي إذن؟.. أمي.. وأبي.. لا فائدة.. لقد فات الأوان ليتغيرا..
- لا شيء..

- لا شيء؟!

- تقريباً.. وأنتِ؟

صمتت أمل تماماً كما صمتت قبل سبع سنوات.. حين كنا لا نزال في الثانوية العامة.. نداعب أحلاماً لم تخرج من ثوب الطفولة بعد..

- لا زلت أحلم نفس حلمي القديم.. زوج فقير.. أريده فقيراً.. لأثبت أني أستطيع أن أبني حياة سعيدة مهما كان المال غائباً.. أريد أن أبني أسرة تشع منها السعادة والحب والراحة مهما كان الفقر مسيطراً.. لا أريد لأبنائي أن يعيشوا حرمان الحب والسعادة كما عشناه..

سبحان الله.. لم يتغير حلمها.. شعرت بأني أود لو أقوم وأضمها إلى صدري.. تعاطفت معها..
وشعرت أنها تريد أن تنتصر على الشعور بالنقص والحزن الذي زرعته أمي في حياتنا..


وذات صباح شتوي غطت الغيوم سماءه.. اتجهت لمكتبي وأنا أشعر بهدوء يسري في نفسي رغم تأخري.. لا إله إلا الله.. أصبحنا وأصبح الملك لله.. وحين بدأت أخلع عباءتي وأنظم وضع ملفاتي.. دخلت عليّ إحدى المدرسات..
- أستاذة جوزاء.. هناك طالبة أرغب أن تتحدثي معها.. لا أعرف ما بها.. إنها دائماً سارحة.. وهي منعزلة عن الطالبات.. ليتك تعرفين ما بها.. فمستواها الدراسي ضعيف جداً..

- حسناً أعطيني اسمها ودعيني أرى ملفها ثم أرسليها لي بعد نصف ساعة..

- جزاك الله خيراً..

سحبت ملف الطالبة لأراه.. وكان أول ما انتبهت إليه.. عمل الوالد.. فوجدته عملاً بسيطاً.. عدد الأخوة أحد عشر.. فهمت..

وحين وصلت الطالبة.. جلست معها وبعد حديث قصير.. فهمت كل شيء.. نفس معاناتي في صغري.. الفقر.. فهي تشعر بأنها تحرج من زميلاتها لذا لا تحب أن تجلس معهن..

شعرت بحماس شديد لأن أنتشلها مما غرقت فيه.. وقلت لها..
- حبيبتي.. أنت لا تزالين في بداية حياتك.. لا تجعلي هذا الشعور يسيطر عليك.. فلو تركت له العنان لحطم حياتك كلها.. الفقر ليس عيباً.. وهو ليس سبباً للحزن أو التعاسة.. فالسعادة والحزن هي نتاجك أنت..
نعم.. أنت من يستطيع أن يقرر ما إذا كنت تريدين أن تكوني سعيدة أو حزينة.. وليس الفقر أو المال..

سكتت الفتاة ثم قالت..
- ولكن الفقر يحرمنا من أشياء كثيرة.. يحرجنا أمام الآخرين..

- والسعادة ليست في الأشياء.. ولا لدى الآخرين.. السعادة في روحك.. في قلبك.. لو آمنت فعلاً أن هذه الدار ما هي إلا دار مؤقتة للعمل والاختبار فقط.. بينما الدار الآخرة هي التي تحوي السعادة الحقيقية.. لو آمنت بذلك وأيقنت به لما شعرت بالحزن بسبب الفقر أو غيره.. صدقيني يا حبيبة.. والله.. أن السعادة هي التي تنبع من داخلك.. فكم من شخص فقير محبوب يشعر بالراحة وينشر الحب والفرحة في من حوله.. وكم من شخص غني مترف منبوذ مثقل بالمشاكل والهموم ينشر التعاسة أينما حل..

- كلامك جميل وأنا مقتنعة به ولكن..

- ولكن ماذا..؟

واصلت كلامي بهدوء..
- سأقول لك شيئاً ربما من المفترض ألا أقوله..
اسمعيني.. لقد عشت مثلك.. عشت حياة محرومة مثلك.. وكنت أعتقد أن ألمنا هو بسبب المال فقط.. لذا كنت أتمناه.. لكن الآن.. حضر المال.. ولم تحضر معه السعادة لبيتنا.. هل تعرفين لماذا.. لأن هناك من يزرع السوداوية والشكوى حول كل شيء.. هناك من لا يقتنع بأي شيء ويطلب المزيد دوماً دون أن يستمتع بما لديه من أشياء بسيطة..
إذا بقيت تربطين سعادتك وفرحتك بالمال فقط فستتعبين.. لأنه كالسراب.. السعادة هي الرضا بما حولك.. والتفاؤل.. السعادة الحقيقية هي أداء حقوقك لربك وعباده.. وشعورك بالحب لخالقك ولكل من حولك..
لا تنتظري شيئاً لتصبحي سعيدة.. فلا أحد سيجلب لك السعادة على طبق من ذهب.. ابدئي الآن وابحثي عن كنز السعادة في داخلك.. في روحك.. توكلي على الله وسيكون معك..

دعت عيناي وأنا أحاول بكل حماس أن أنقذها من الألم الذي جعلتنا نعيش فيه أمي هداها الله طوال حياتنا، وأن أبث فيها الحماس للعيش بسعادة والنجاح في كل جوانب حياتها مهما كانت الظروف حولها..

وحين خرجت مبتسمة من غرفتي.. شعرت أن انتصرت على شيء ما.. انتصرت على شيء أكرهه.. وسرى في نفسي شعور بالراحة.. وتمتمت.. الحمد لله.. الحمد لله..


**

إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#33

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

صدقت السعاده ليست فىالمال

إظهار التوقيع
توقيع : رانيا الزناتى
#34

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

شكرا لك غاليتى

يارب احفظنا

إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#35

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

دا عظمة على عظمة على عظمة يابنت , ماشاء الله لاقوة إلا بالله
قصص وفوائد تستاهل مليون تقييم
انك حقاً متألقة
رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

إظهار التوقيع
توقيع : نيڨين
#36

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

بارك الله فيك وجزاك خيرا
#37

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

جزاكى الله خيرا ننتظر المزيد

#38

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

دائما متالقه
إظهار التوقيع
توقيع : حبى لربى
#39

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

شكرا حبيباتي على مروركم العطر و تابعوني مع القصص التاليه!
اتمنى تستمتعوا بيها و تستفيدوا!

إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#40

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}


5- كلمة لم أقلها.. بابا!

رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

في صباح يوم مشرق وداخل مدرستي العزيزة.. أطلق اسمي في جنباتها..
(منى صالح) .. الطالبة المثالية..
كم كانت السعادة تغمرني في تلك اللحظة والأمنيات تتراقص أمامي.. فبادرتني (سمية) بقولها..

- هنيئاً لك يا منى.. وما أسعد أبيك بك...

كلماتها تلك ترددت عليَّ فأدمت جروحاً غائرة، فهي لم تكن تعرف أني لا أملك أباً كغيري من الناس، وكم مرة تمنيت أن أقول (بابا).

أغمضت عيني فتذبذبت أمامي صور شتى بين الإغفاء واليقظة.. كنت أنزف حنيناً إلى أيام نائية وآمنة أستعيد فيها طفولتي معه.. لكني أعود خالية اليدين.. فقد غابت السعادة عن حياتي لتغادر معه عبر مسافات بعيدة تركني فيها وحيدة.. أعانق أحزان حياتي طوال تلك الليالي.. وحاولت احتضان خياله والاحتماء به من قسوة الأيام..

القلق يسيطر على مخيلتي وأصبحت لا أملك سوى ملف ذكريات حزين.. أسترجعه كل يوم ورقة ورقة.. فكل قطعة من جسدي تشتاق إليه.. فكم تمنيت لو استطعت أن أقاسمه عمري ليعيش معي.. العجيب أن توقفي عند هذه الحقيقة استولى عليَّ حتى بلغت درجة الانشغال عن حالي فشعرت كأن أبواب الحياة قد أغلقت في وجهي.. وعزفت عن المتع... وانعزلت حزينة زاهدة.. حيث قررت أن أضع ستاراً حديدياً بيني وبين أفكاري..

أعادت أمي عليَّ السؤال، وهي تربت على كتفي وتقول: منى ماذا بك؟

- أبي.. أين هو؟

فأجابتني وهي واجمة..
- ما الذي ذكرك به؟ وهو قد توفي منذ كنت رضيعة..

فرددت بلهجة باكية..
- وهل تتوقعين أني نسيته طوال هذه السنوات... إني أراه كل يوم.. أريد أباً..!

صعدت إلى غرفتي وألقيت بجسدي على سريري وعبراتي تنهمر بحثاً عن إجابة لما أنا فيه...
فشاهدت أمامي رجلاً يقول:
- السلام عليك يا ابنتي.. تبكين عليَّ؟.. لست أول من رحل.. ولا آخر من يودع الحياة الفانية.. لست الوحيد في العالم الذي سلم الروح إلى بارئه بصمت.. ولست أنت الوحيدة التي فجعت بوفاة والدها.. ولست وحدك من تبكي على عزيز افتقده بل هناك الكثير.. والكثير ممن يمتحن الله إيمانهم في هذه الدنيا..

ثم تابع يقول..
- جففي دموعك.. ولا تحزني.. ولا تتأسفي.. أعلم يا ابنتي أن دموعك صادقة وعبراتك مخلصة.. وحزنك عميق.. فقد افترقنا منذ أن كنت في مهد الطفولة، ولم يخطر ببالك هذه الأحداث.. يا بنيتي جففي دموعك فالدموع أوهن من أن تهدم شيئاً.. ولكنها تهدم صاحبها.. ولا تقولي سوى.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. فتحن نموت ونندثر فننسى.. ولا يبقى منا سوى الذكريات وأعمالنا الصالحة..

كان كلامه يدخل إلى أعماق قلبي العطشى فيرويها.. وأنا أنظر إليه بشوق.. فأكمل مبتسماً..
- أعلم أنك تحلمين بي.. وتودين رؤيتي.. إذاً أسرعي وتبتلي إلى الله بالدعاء ولكل مسلم ومسلمة وافاهما الأجل أو هدهما المرض.. بنيتي.. لن أقول الوداع.. ولكن إلى اللقاء في يوم لا ظل إلا ظله بمشيئة الله..

ثبت إلى وعيي بعد ذهول المفاجأة فشعرت بصدري يضطرم وبدمعي ينهمل.. وكل جوارحي تردد (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ماضٍ في حكمك عدلُ في قضائك.. أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري وجلاء همي وذهاب حزني).

إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#41

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

6- سأكون أصلب من حجر


كان كل شيء هادئاً كما اعتدت عليه.. والغرفة كما هي باردة.. الستائر منسدلة وكل شيء مبعثر في الغرفة الملابس والكتب والدمى.. نظرت بصمت إلى الأشياء المبعثرة.. أوصدت الباب بقوة وأنا محملقة في الغرفة أبحث عن جواب لأسئلة ظلت تلح علي منذ زمن بعيد..
جلست على السرير منهكة.. أسندت ظهري للجدار وتاهت الأفكار في رأسي.. ليتني أستطيع أن أنام.. أحس أن حشرجة ومرارة تغص في حلقي.. أبتلع الدموع وأشعر بمرارتها.. أنظر إلى المكتبة التي تغص بعشرات الكتب.. ولكني لا أقوى على القراءة في مثل هذه الحالة.. فبالي مشغول بما هو أهم..


في هذا المساء الدافئ يسافر وجهي بعيداً.. كنت أظن أن الحياة قد بدأت تنثر ورودها على وجهي بعد طول صبر.. ولكني لم أنل إلا مزيداً من الصفعات... كانت بريئة حينما تلقيت الصفعة الأولى ثم أتت الصفعة الثانية وتوالت الصفعات.. حتى اعتاد وجهي على الصفعات كجزء لا يتجزأ من روتين كل يوم..

قاسيت مرارة الحرمان وأنا في سن صغيرة.. ثم التقيت به وأنا في أشد حالات ضعفي فيما يسمى (شات) فتشبثت به كالغريق الذي يعلق أمله في قشة..
تشبثت به وأنا لم أفهم بعد معنى الحب.. كل ما كنت أفهمه أن في شخصه ما يشدني ويجذبني إليه.. هذا الرجل الذي سمح لنفسه بمناداتي (حبيبتي) .. وكانت المرة الأولى التي أنادى بهذه الطريقة على لسان ذكوري.. وأخذ يغدق علي بسيل من العبارات الرقيقة المسبوكة بدقة محترف..
لا أعلم أكان حبي له حقيقة أم مجرد إعجاب برجل ساقته الأقدار في طريقي..
الهدوء يعم المكان.. يساعدني على الاسترسال في التفكير.. فقد نامت عيون الجميع إلا عيني اللتين أتعبهما السهاد.. تسرب صوت المؤذن داخل غرفتي ليحرك مشاعري من جديد.. رددت النداء معه كلمة.. كلمة.. حتى شعرت بالراحة.. صدقت أختي حينما قالت أنه لا راحة توازي الراحة الحاصلة بعد سماع صوت المؤذن وقت الفجر.. والناس نيام.. وأنا وحدي متيقظة أتفكر به وبوضعي ثم أردد النداء بعد المؤذن.. أشعر برعشة تسري في أوصالي وأطراف أصابعي .. رعشة غريبة.. رغبة جامحة في البكاء.. هل هذا ما يسمونه بالخشوع.. أم أنها رغبة في البكاء لا أكثر.. أبكي.. لا لن أبكي عليه.. فهذا بكاء الندم والتوبة عما فات..
لن أنكسر بسببه فأنا بحاجة إلى كل ذرة قوة..
يجب أن أساند نفسي وأمدها بجرعات من القوة والإيمان..
عليَّ ألاّ أتركها تتوه في غياهب الحزن وحدها لتتمكن منها.. ثم لأجل من كل هذا البكاء؟؟ لرجل لا يكن لي قطرة من احترام.. لرجل لا يهمه من أمري سوى طولي ووزني وجمال صوتي وكمية التنازلات التي سأقدمها له.. لرجل يرى أن جميع النساء في النت سخرت له ولأمثاله.. لرجل يعتقد أن كل من تدخل عالم النت هي متحررة من القيم يحل له إقامة علاقة معها بكل بساطة..
كلا.. غيابه لن يؤثر عليَّ إلى هذه الدرجة.. فقد أرشدني الله من حيث لا أحتسب.. ألهمني الرشد حينما صرخت في وجهه وقلت لأول مرة
(لااااااااااااا) حينها ظهر على حقيقته نزع عنه ستار الحب والعطف والرحمة.. ظهرت لي أنيابه.. لم يتوقع مني هذه الصحوة المفاجئة.. هزه اعتراضي.. أغضبه صدودي وامتناعي.. بدأ بالتكشير والصراخ.. ثم حاول تلطيف الجو بتمثيل الحب والغرام مرة أخرى.. ولكني استيقظت أخيراً.. ولن يعود قادراً على خداعي مرة أخرى.. لقد رأيت ما فعله بغيري بأم عيني وسمعت آلاف القصص من أفواه فتيات ذقن أقسى الآلام نتيجة لتصديق كلامه المعسول.. عندها قرر الرحيل.. عله يجد ضحية أخرى تكون أكثر سذاجة مني..
قال لي بكل وقاحة بعد أن لمس حجم التغيير الذي طرأ عليَّ وقرأ عبارات الاحتقار بين كلماتي (أنت لم تحبيني قط ولن تحبي أحداً لأنك امرأة بلا مشاعر ولا تفهمين معنى الحب.. أنت أشد برودة من الثلج.. أنت كالحجر في صلابته.. فهنيئاً لك هذه الحياة الخالية من المشاعر..! وأنا متأكد من أنك ستتجرعين مرارة الحرمان من بعدي وستكون حياتك أشبه بالموت البطيء منها بالحياة.. فوداعاً يا من خدعتني بزيفك وسذاجتك المصطنعة.. يا من تحاولين الآن تمثيل دور المرأة العفيفة أمامي الآن بعد أن سقيتك من كأسي أياماً طوالاً.. فقد مللت مني الآن وحان الوقت للبحث عمن يقدم لك شيئاً آخر لم أستطع تقديمه لك.. فلا تحاولي إقناعي بصفاء سريرتك.. فكل فتيات النت سواء.. كلهن يدعين الصلاح والحياء.. وهن بعيدات كل البعد عن ذلك.. يدعين الدين والاستقامة وأنها أول علاقة لهن! اذهبي فلن أطيل عليك.. الله يوفقك بالحبيب الجديد!)

لكن سأنسى أمره وأعيش حياتي بلا مشاعر... ولكن هل أنا حجر فعلاً حتى أعيش بلا مشاعر؟
هل أنا ثلج كما قال؟

لا لست حجراً.. قال لي يوماً بأني حجر.. أشارك الجوامد بخواص كثيرة.. قال إني غير كل النساء.. ليس لدي مشاعر ولا أحاسيس.. أعلم أنه لا يؤمن بما قاله لسانه.. وأنه ما أطلق علي هذا الحكم الجائر إلا لمعرفته بطبيعتي العاطفية الرومانسية وبطيبة قلبي.. فأحب أن يؤثر علي بهذه الكلمات علي أتراجع عن قراري وأخضع لمطالبه..

فلو كنت حجراً كما يقول لما تفكرت بكلماته كل هذه الأشهر..
لو كنت حجراً لكنت عرضت سمعتي وسمعة أهلي للسوء بمثل هذه العلاقة المشبوهة.. لو كنت حجراً لكنت وافقت على بناء سعادتي – إن كانت سعادة – على تعاسة الآخرين وأولهم أهلي ثم زوجته التي لم يفكر يوماً في أمرها..

قال لي بأني حجر لا يعرف عظيم المشاعر التي يعج بها صدري فأراد أن يثيرني بكلماته القاسية.. ونجح بذلك.. لكني فهمت الدرس جيداً.. واقتنعت بأني سأكون أكثر صلابة من الحجر إن بعت نفسي وتخليت عن ديني من أجل شخص مثله..

إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#42

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}


7- فقط هناك لا يوجد ألم

رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}




ها هو أول يوم في العطلة يبدأ..


الطالبات يخرجن من قاعة الاختبار تتطاير السعادة من أعينهن لانتهاء العام الدراسي وانتهاء همه وتعبه.. فقد بدأت العطلة أخيراً.. وقت الحرية والراحة والنوم..


الكل فرح ويقفز ويضحك.. إلا أنا..


خرجت من قاعة الاختبار واجمة.. أشعر أن كل هموم الدنيا ترزح على قلبي..


أخذت أسير بتثاقل وأنا لا أعرف ماذا أفعل من شدة الحزن والغم..


لم تكن مشكلتي تتعلق بالدراسة فأنا ولله الحمد متفوقة ولم أخش يوماً الرسوب..

كان همي في عالم آخر.. عالم من الهم والأحزان يبدأ كل عام مع آخر يوم من الاختبارات النهائية.. إن ذلك يعني لي.. موعد الذهاب لبيت أبي..

فأنا أعيش عند أمي منذ انفصالها عن أبي.. لكنه يأخذني إجبارياً كل عام طوال الصيف لأعيش معه ومع زوجته وأبنائه..

وبسبب ذلك أصبحت العطلة الصيفية مصدر قلق وكآبة لي.. وأصبح انتهاءها سبباً لفرحي وسعادتي..


كنت أسحب قدميَّ بصعوبة والدموع تكاد تنهمر من عيني وأنا أسارع بالخروج.. كان علي العودة للبيت لآخذ أغراضي ثم أذهب لبيت أبي..


حين دخلت البيت كانت أمي في المطبخ وصوت إذاعة القرآن ينبعث منه ناشراً الراحة والطمأنينة في البيت رغم جو الحزن..


أسرعت لغرفتي ثم اغتسلت وغيرت ثيابي.. تأكدت من اكتمال حاجياتي في الحقيبة.. وضعت بعض كتيباتي ومجلاتي وأشرطتي الدينية مع مسجلي الصغير.. حاولت أن أتذكر كل ما يمكن أن أكون قد نسيته.. ثم سحبت حقيبتي قرب الباب.. وذهبت لأمي في المطبخ..

كانت أمي تحاول أن تكون هادئة وطبيعية جداً..

ابتسمت لي ثم اقتربت مني وسألتني..


- هل تأكدت أن كل شيء جاهز؟ ألم تنسي شيئاً؟

- كلا إن شاء الله.. كل شيء موجود..


- هل أخذت فرشاة أسنانك؟

- نعم..


صمتت قليلاً وهي تحاول أن تبحث عن شيء ما لتقوله ثم قالت بارتباك..

- لا بأس يا بنيتي تحملي.. كوني هادئة وأطيعي والدك.. ولا تتجادلي مع زوجته أرجوك..


سكت على مضض فقد أصاب كلامها الوتر الحساس في قلبي.. تنهدت بألم ثم قالت وهي تصطنع الابتسامة..

- يا الله!.. كلها (كم يوم) وستمر بإذن الله.. لا تهتمي ولا تتضايقي..


وتوقفت قليلاً ثم قالت فجأة..

- نور.. احرصي على الصلاة.. صلاة الفجر!

- إن شاء الله يمه..


كنت أعلم أنها تحترق لفراقي لكنها لا تحب أن تظهر مشاعرها.. وكذلك أنا.. لذا فقد تم وداعنا بالأعين المليئة بالدموع.. عانقتها بهدوء.. ثم افترقنا..

خرجت نحو الباب فإذا بالسيارة تنتظرني.. كان يبدو غاضباً لتأخري..

ركبت وسلمت.. سألته عن حاله وهو كذلك.. ثم سرنا طوال الطريق في صمت..

كنت أنظر إليه طوال الوقت وأسأل نفسي.. ماذا يريد مني؟ لماذا يريدني ويجبرني على العيش معه ومع زوجته؟ لو كان يحبني لما طلّق أمي.. ولو كان يحبني فلماذا لا يتبادل معي ولو شيئاً من الكلام؟! أشعر أنه إنما يصر على أن أذهب إليه ليقهر أمي.. ليرضي غروره وعناده.. أما أنا ففي الحقيقة لا يريدني ولا يشعر بأي مشاعر تجاهي إن لم تكن مشاعر نفور..


حاولت جاهدة خلال سنوات طويلة أن أحبه.. ولكن عبثاً لم أستطع.. لم أستطع أبداً.. فهو غاضب طوال الوقت.. كلامه صراخ.. وصراخه سب وشتم وإهانات جارحة.. منذ أن نراه والرعب يسيطر علينا.. نخشى أن نتلفظ أمامه بكلمة فيفهمها خطأ فيحدث الزلزال.. أو نخطئ أو ننسى فيصب براكين الغضب على رؤوسنا ليحرق قلوبنا بكل ما لديه من كلمات قاسية جارحة لا ينمحي أثرها في القلب ولو بعد سنوات..


إنني أحمد الله فقط حين أرى حال أبنائه.. مساكين لأنهم يعيشون لديه طوال الوقت.. على الأقل أنا لا أدخل هذا المعتقل إلا في الصيف.. الحمد لله..


حين دخلت لم أجد أحداً كالعادة في انتظاري.. كان قدومي أمراً غير مرغوب فيه من قبل الجميع لذا لم يكن من المستغرب أن أدخل لأجد زوجة والدي تصرخ على ابنتها الصغرى دون أدنى اهتمام بي.. كانت تلاحقها لتأمرها بارتداء حذائها وتجري خلفها أمامي في الصالة دون أن تكلف نفسها عناء الوقوف للرد على السلام..


سحبت حقيبتي وأنا أدوس على عباءتي بأسى واتجهت نحو غرفة أختي نوال التي تصغرني بعامين.. حين دخلت كانت نوال مستلقية تتصفح مجلة ومسجلها يصدح بالغناء كعادتها..

شعرت بقلبي ينقبض بشدة.. استغفرت الله.. وتوجهت نحوها لأسلم عليها.. فقفزت من مكانها وسلمت علي بحرارة.. والحقيقة أن نوال كانت دائماً طيبة وتحبني رغم اختلافنا الكبير.. فهي صاحبة قلب بريء وطيب لولا تأثير من حولها عليها..

وحين قمت بوضع حقيبتي على الأرض وعلقت عباءتي خلف الباب.. لم أعرف ماذا أفعل.. جلست قرب نوال على السرير.. كنت محرجة وكأني ضيفة ثقيلة في بيت غرباء..


- نوال أرجوك أنا متعبة أريد بطانية لأفرشها على الأرض وأنام..

- لحظة..


وأسرعت تخرج لتبحث لي عن بطانية بينما قمت لأطفئ المسجل الذي سبب لي صداعاً.. جلست ووضعت رأسي بين يدي وأخذت أعصره بألم..

وماذا بعد الآن؟.. سأقضي ثلاثة أشهر هنا.. ثلاثة أشهر من الغربة والوحدة والرسمية والشعور بالخوف.. يا ربي ارحمني..


وحين أتت نوال فرشت المسكينة فراشي على الأرض بعناية.. أخذت أراقبها.. كانت سعيدة بي.. لكنها لا تعبر عن ذلك..


- يا الله.. شكراً.. أنا فعلاً محتاجة للنوم.. لم أنم جيداً منذ ثلاثة أيام..

- كان الله في عونك.. نحن انتهينا بالأمس..


- حقاً؟ نحن لم ننته إلا اليوم..


التفتت نوال نحو مسجلها مستغربة اختفاء الصوت..

- أنت أطفأت المسجل؟

- نعم..


- لماذا ألا تعجبك الأغنية إنها هادئة ومريحة للأعصاب!


ابتسمت ولم أعرف ماذا أقول لها.. مسكينة.. كنت متعبة جداً وبالكاد أفتح عيني من شدة النعاس.. لكني حاولت أن أوضح لها..


- حبيبتي نوال.. حين نقف جميعاً يوم القيامة أمام الله سبحانه وتعالى يوم الحساب.. هل تعتقدين أن هذه الأغاني ستوضع في ميزان أعمالك الصالحة أم السيئة؟


- لا أعرف..


- كلا أنت تعرفين جيداً.. اسألي نفسك وأجيبي..


- ولكن.. إنها تخفف عني الألم والحزن..


- على العكس.. انظري لنفسك إنك حين تستمعين لها تغرقين في عالم من الحزن والأحلام واليأس من الحياة.. أين هذا من سماع كتاب الله.. هل تسمعين أشرطة دينية أو أشرطة قرآن؟


- بصراحة كلا..


- هذا شيء مؤكد.. فمن يستمع للأغاني لا يوجد في قلبه مكان لحب كلام الله.. سبحان الله اسمعي ما يقول الشاعر.. (حب أغانٍ وحب قرآن.. في قلب عبد ليس يجتمعان..) فكيف يجتمع كلام الشياطين مع كلام الله سبحانه وتعالى..


- صدقيني يا نور.. أنا أريد تركها.. لكن لا أعرف.. كل من حولي يسمعونها.. صديقاتي قريباتي.. سأبدو غريبة ومتخلفة لو تركتها إنها حولي في كل مكان..


- لكنهم جميعاً لن ينفعوك في قبرك.. لن ينفعوك يوم القيامة.. اعملي لنفسك من الآن.. فلا أحد يعرف متى تنتهي حياته.. لا أحد..


- كلامك جميل يا نور.. لكن.. أنت لا تعرفين حجم المأساة التي أعيشها.. لا تعرفين مقدار الألم الذي أعانيه كل يوم.. إنني أعيش ضغطاً نفسياً رهيباً.. أبي.. أمي.. كلاهما قاسٍ.. لا أحد يستمع إلي.. لا أحد يقول لي كلمة حب أو حنان.. إنني أشعر بالراحة حين أسمع هذه الأغاني لأنها تعوضني عن معاني الحب والود..


بدت عيناها تلمعان بالدموع.. شعرت بتعاطف كبير معها.. فأنا فعلاً أقدر الألم الرهيب الذي تعانيه المسكينة..


- ولكن هذه الأغاني هي مثل المخدر.. إنها تخدرك فقط لتطير بك بعيداً وتجعلك تسبحين في عالم من الوهم والحلم.. ثم ماذا؟! لا شيء.. لا شيء.. تعصين ربك.. وتقضين وقتك في سماع كلام أناس منحرفين.. بينما إخواننا في أصقاع الأرض يقتلون ويذبحون.. بينما الله سبحانه وتعالى يقول لنا.. ادعوني أستجب لكم.. ونحن معرضون عنه.. مشغولون بالاستماع لهذه الأغاني!


سكتت.. فقلت لها..


- نوال.. هل تعرفين؟.. الحور تغني في الجنة.. وغناؤها جميييييييل.. رائع.. لا يمكن وصف عذوبة أصواتهن.. ومن يستمع للأغاني في الدنيا يحرم من سماع غناء الجنة.. فهل تبيعين الثمين بالرخيص؟! كوني قوية يا نوال ولا تستسلمي للضغوط وتبحثي عن مخدرات الألم.. عالجي الألم ولا تهدئيه.. كوني قوية وواجهي الألم حتى تستطيعي العيش برضا..


بدأت الدموع تنساب من عينيها فقد كانت بحاجة لمن تتكلم معه وتشعره بألمها.. قالت بصوت مرتعش..

- سبحان الله..


- حبيبتي.. هذه الدار والله لا تستحق دمعة من دموعك.. إنها دار فانية بكل ما فيها من آلام وضغوط.. دار مؤقتة سننتقل بعدها للأبدية.. للحياة التي لا تنتهي.. فأيهما تستحق البكاء عليها.. هذه الدار التي لن نعيش فيها سوى سنوات معدودة أم دار البقاء الأبدي والجنان التي لا معنى للألم فيها.. فقط راحة ونعيم أبدي؟!


فجأة.. فتح والدي الغرفة بقوة.. بدا هائجاً وغاضباً.. وصرخ..

- يعني لازم عزيمة على الغدا؟ يا الله.. الله يـ ( ).. لم أستطع أن أقول له أنني لا أستطيع التحرك من التعب وأنني أريد النوم.. بل نظرت لنوال وابتسمنا لبعضنا.. ثم قمت بتثاقل.. وهو يسير أمامنا وبتذمر صارخاً..

- بنات آخر زمن.. مثل الـ ( ) أكل ومرعى وقلة صنعة..


في تلك اللحظة.. حمدت الله فعلاً لأن كل هذا سينتهي لا محالة في يوم من الأيام، مهما كان مؤلماً.. كل الألم سينتهي.. وهناك دار أخرى.. حيث لا ألم..



إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#43

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}


8- يكفي أنها أمي!



في صباح أشعر اليوم بتأنيب الضمير.. فها أنا أسير عائدة من المدرسة وورقة الدعوة لمجلس الأمهات ممزقة في يدي.. لا داعي لأن أريها أمي.. فهي أصلاً لا تقرأ.. ولا داعي لحضورها حتى.. قطعتها إرباً أصغر ورميتها في الشارع والألم يغتالني..

منذ أن دخلت المرحلة المتوسطة وأنا أحاول بكل استطاعتي أن لا ترى إحدى من صديقاتي أو معلماتي أمي.. لكني اليوم أشعر بتأنيب ضمير بشكل أشد.. فقد فزت بمركز الطالبة المثالية على مستوى المدرسة.. وهذه أول مرة يتم تكريمي فيها في حفل الأمهات.. لكن أمي لن تحضر.. أو بالأحرى.. لا أريدها أن تحضر..

حين دخلت البيت كان التوتر والحزن بادياً عليّ..
سألتني أمي بعطف..
- ما بك يا بنيتي..؟ هل أزعجك شيء؟


شعرت برغبة في البكاء لكني تماسكت..
- لا شيء يا أمي.. فقط متعبة قليلاً من الدراسة..


- الحمد لله.. إذاً ارتاحي في غرفتك وأنا سأحضر لك الغداء هناك..

- شكراً يا أمي لا أريد.. نفسي "مسدودة"!

أسرعت لغرفتي غيرت ملابسي وتوضأت وصليت.. ثم استلقيت على سريري.. يا الله.. ما أجمل الراحة! الحمد لله..

نظرت لغرفتي.. إنها مرتبة.. كل شيء نظيف..
مسكينة أمي.. حبيبتي.. إنها تتعب كثيراً من أجلي.. فرغم كبر سنها وعدم وجود خادمة تعينها إلا أنها تحاول قدر الإمكان ألا تتعبني معها في عمل البيت رغم إصرار أخواتي المتزوجات عليها بأن ترغمني على العمل..


أخذت أفكر في حالي.. كم أنا مغرورة ومتعجرفة.. إنها تفعل كل ذلك من أجلي.. وأنا.. أنا.. أستحي منها وأخجل من أن تراها معلماتي وصديقاتي.. يا ربي.. أشعر بصراع داخلي رهيب.. صوت يقول.. حرام! مسكينة أمك.. لماذا تتنكرين لها هكذا وهي الأم الحنون التي تحبك؟.. وصوت يقول لي.. كلا!! أنت على حق.. لا يمكن أن تراها صديقاتك!! أمك إنسانة متخلفة!.. مسكينة تثير الشفقة والسخرية في نفس الوقت.. انظري لطريقة لباسها وكلامها.. ومفرق شعرها اللامع وكحل الإثمد الذي تضعه حول عينيها.. كيف سترينها صديقاتك اللاتي معظمهن أمهاتهن على قدر من العلم والثقافة والأناقة والمركز الاجتماعي؟!.. بالتأكيد سيسخرن منها.. وأنت لا تريدين ذلك؟!

في إحدى المرات حين كنت في الصف السادس.. أذكر أنها حين أتت للمدرسة سألت إحدى المراقبات الإداريات المسؤولات عن الحضور والغياب عني!.. واعتقدت أنها معلمة فأخذت توصيها بي وتسألها أن ترحمني لأني أدرس طوال الوقت في البيت!! وكدت أموت من شدة الحرج يومها حين رأيت الإدارية تمسك زمام ضحكتها على أمي المسكينة..
وحين توجهت للتسجيل في المرحلة المتوسطة.. أخذت تسأل المديرة عما إذا كان من الواجب أن نلتزم بلبس "الياقة" البيضاء حول الرقبة – مثل المرحلة الابتدائية.. وهنا كدت أموت أيضاً من شدة الحرج..


آآه.. يا أمي.. ليتك تعلمين كم أحبك وأحرج في نفس الوقت من تصرفاتك.. لأني أتمنى أن تكوني دائماً أفضل الأمهات ولا أريد لأحد أن يسخر منك..

أحياناً حين أنظر لأمي.. أشعر أنها مسكينة.. فهي لم تشعر بالحب مرة واحدة في حياتها.. فقد ولدت في بيئة قاسية.. ثم ترعرعت يتيمة وحيدة..
وتزوجت وهي طفلة لرجل مسن حاد الطباع هو أبي.. أنجبت منه أحد عشر ابناً وابنة ورثوا عن أبيهم حدة طباعه وعصبيته – أنا أصغرهم.. وأنهك المرض والخرف جسم زوجها- أبي فلم يعد يعي شيئاً منذ دخلت أبواب المدرسة وفتحت نوافذ الحياة.. وها هي تعتني به حتى الآن رغم كبر سنها..
فمن أين يمكن أن تكون ذاقت طعم الحب؟
مسكينة..
ذات يوم قلت لها وهي جالسة على أرض المطبخ تقوم بتنقية التمر وغسله استعداداً لكنزه..
- يمه..


- هلا..

شعرت أني سأسألها سؤالاً قاسياً لكنه كان يدور في ذهني منذ مدة طويلة..
- لقد عشت طفولة معذبة.. هل كان هناك من يحبك ويعطف عليك..؟


سكتت وأخذت تفكر كمن صدمت بالسؤال..
سقطت حبتين من التمر من يدها.. ثم مسحت رأسها بجانب ذراعها..
وقالت..
- إيه.. كانت هناك ابنة صغيرة من بنات عمي الذي رباني.. كانت تحبني وتعطف علي.. وحين يضربني عمي أو زوجته أو يحرماني من العشاء كانت تخفف من ألمي وبكائي وتعطيني بعض عشائها.. الله يرحمها.. كانت تحبني أكثر من أخوتها..


- سبحان الله توفت؟!

- نعم.. توفت.. أصيبت بحمى شديدة بعد موسم المطر.. ثلاث ليالٍ ثم توفت الله يشفع فيها.. كان عمرها تسع سنين وأنا عشر..

- وبعدين..؟

- ماذا؟

- من أصبح يحبك ويعطف عليك بعدها؟

- لا أحد..

- لا أحد؟!

وقفت تفكر بصمت وبوجوم.. ثم تداركت بسرعة..
- طبعاً الله يخلي لي "عيالي" وأبوهم إن شاء الله.. وحاولت أن تستمر في عملها منشغلة عن هذا الحديث..


في تلك الليلة.. أخذت أفكر.. أي معاناة عانتها أمي المسكينة في طفولتها.. وأي حرمان من الحب عاشته في حياتها.. ورغم كل ذلك الألم الذي تجرعته.. فإنها قادرة وبكل سخاء على منح الحب والعطف للآخرين مهما قسوا عليها.. كم هي حقاً إنسانة عظيمة تستحق التقدير.. وكم أنا غبية لأني لا أفتخر بأم مثلها..

وفي الصباح حاولت أن أخبرها أن حفل الأمهات بعد يومين.. لكني وجدت نفسي أتوقف.. وأفكر في مسألة الإحراج مرة أخرى.. وفي مفرق الشعر.. ورائحة الحناء.. والحديث البسيط.. فأحجم عن مفاتحتها بالأمر..

* * *

وفي المدرسة.. وكأن الله أرادني أن أشعر بعظمة أمي.. جاءتني صديقتي نورة في الفسحة وجلست بقربي مع الشلة دون أن تتحدث.. شعرت أنها تريد أن تقول شيئاً لا تستطيع قوله أمام البنات..
- نورة.. تقومين نتمشى؟
قفزت بسرعة وكأنها كانت تنتظر هذه الدعوة بفارغ الصبر.. وما أن بدأنا نبتعد عن البنات حتى بدأت تفضفض لي ما بصدرها المثقل..
- إنني متعبة.. متعبة جداً يا مريم.. أكاد أنهار من شدة الألم الذي في قلبي..


- ماذا هناك.. خيراً إن شاء الله..؟!

- أمي.. أمي.. إنها قاسية.. قاسية جداً علينا.. تخيلي يا مريم أننا لا نراها ولا نكلمها إلا نادراً ومع هذا فهي لا تواجهنا إلا بوجه متضايق غاضب دائماً..

- لا ترونها؟.. كيف؟

- أنت تعلمين أنها تعمل.. وهي تقضي بقية اليوم في النوم أو حضور المناسبات الاجتماعية أو الذهاب للنادي.. لذا فإننا لا نراها إلا قليلاً وتكون متعبة ومتوترة ولا تريد أن تستمع لنا..

تركت نورة تكمل مشكلتها وأنا منبهرة فقالت وهي تخنق عبراتها..
- بالأمس تناقشنا في موضوع بسيط.. فاحتد النقاش بسبب غضبها وتوترها.. هل تعرفين ماذا قالت لي؟.. قالت أنها لا تحبني ولا تطيقني.. بل تكرهني وتتمنى لو تراني أنا وأخوتي موتى أمامها لترتاح من همنا.. تخيلي!!


صمت وأنا لا أزال مستغربة تماماً ولا أعرف ماذا أقول فأكملت وصوتها يرتجف بنبرة البكاء..
- مريم!.. تخيلي.. تقول أنها تريد أن تراني ميتة أمامها.. لقد بكيت بالأمس.. بكيت ودعوت الله من كل قلبي أن أموت لأريحها بالفعل مني.. وأتخلص من معاملتها القاسية..


- لا حول ولا قوة إلا بالله.. استعيذي بالله من الشيطان الرجيم يا نورة.. بالتأكيد هي لا تقصد ذلك..
وأخذت أهدئها وأنا أرى خيال أمي الحبيبة البسيطة الحنونة.. وأقارنها بوالدة نورة.. الدكتورة في الكلية.. المثقفة.. الأنيقة.. ولكن الغير قادرة على منح أبسط وأغلى شيء.. وهو الحب..


وفي يوم مجلس الأمهات.. قبضت على يد أمي في ساحة المدرسة وأخذت أعرفها على صديقاتي ومعلماتي بكل فخر.. كنت أعلم أنها امرأة بسيطة وغير متمدنة وقد تقول عبارات مضحكة.. لكنها في نظري أعظم وأسمى وأشرف أم.. يكفي أنها أمي.. وكفى..

إظهار التوقيع
توقيع : الـمـتـألـقـة
#44

افتراضي رد: لكل قصة موعظه {الجزء3}

كثيرررررررررر رااااائعة
وخاصة اخر قصة
تسلم ايديكي حبيبتي
وبارك الله فيك

إظهار التوقيع
توقيع : salwa libya


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
قصة نبي الله لوط عليه السلام في القرأن,غرائب حول قصة نبي الله لوط عليه السلام,ما المستفاد من قصة نبي الله لوط عليه السلام جنا حبيبة ماما قصص الانبياء والرسل والصحابه
الصديقان قصة واقعية قصة حقيقية من واقع الحياه بقلمي رحيق أقلام عدلات الذهبية
ثمن الغربة قصة واقعية قصة حقيقية قصة من الحياة بقلمي رحيق قصص - حكايات - روايات
مسابقة لغات عدلات2 (اجمل قصة) محبة صديقاتها لغات عدلات - تعليم لغات loghat
قصة حب / قصة حب والم / قصة حب حزينة / قصة حب الاكابر منال عبد الفتاح فضفضة وحل المشاكل


الساعة الآن 03:04 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل