ثمرات صلاح البنات
الحمد لله وحده والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده وبعد:
فإنَّ الفتاة إذا كانت مستقيمةً صالحةً مصلحةً، قد سلكت طريقًا مستقيمًا.. وطريقًا مستقيمًا.. وطريقًا صائبًا، طريق السَّعادة الأبديَّة، والفلاح السَّرمدي بإذن الله، قد جعلت قدوتها أمهات المؤمنين -رضوان الله عليهنَّ -فلا شكَّ أنَّ هذه نعمة من الله عظيمةٌ.
فمن هو أعظم مخلوقٍ مستفيد من هذه الهداية؟ لا شكَّ أنَّها الفتاة بعينها، ومن ربَّتها ونشَّأتها على الخير والصَّلاح.
إنَّها الأمّ.
فحديثي لك أيَّتها الأمُّ الفاضلة إن سلكت ابنتك طريق الاستقامة، فأنت أعظم المستفيدين، فها نحن ذا نشير لك بإشاراتٍ وبشائر... فهاك إيَّاها رعاك الله.
1- إن سلكت ابنتك طريق الاستقامة، ستقرأ قوله -تعالى-: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83]، ويتقرَّر في جنانها وربما تدمع عيناها عند ذلك، وتتعبَّد لله -عزَّ وجلَّ- بطاعتك فتهرول وتهرع للإحسان إليك وتتحاشى دومًا إغضابك وعقوقك.
2- إن سلكت ابنتك طريق الاستقامة فسيكون من أعلى مبادئها قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عندما سئل عن أحقِّ النَّاس بحسن صحابتي؟ «قال: أمُّك. قال: ثمَّ من؟ قال: ثمَّ أمُّك. قال: ثمَّ من؟ قال: ثمَّ أمُّك» [متفقٌ عليه].
ستكونين أعلى مخلوقٍ عندها وأرقى وأجلّ من تكن له الاحترام والتَّقدير وحسن الصُّحبة.
3- إن سلكت ابنتك طريق الاستقامة ستتحرج من أبسط كلمةٍ خشية أن تؤذيك حتَّى لو بلغ بها الهمّ والغضب أيما مبلغ فلا تقول لك "أف"؛ عملًا بقوله -تعالى-:{فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْ*هُمَا} [الإسراء: 23].
4- إن سلكت ابنتك طريق الاستقامة ستسارع للعمل بكلام ربِّها {وَقَضَىٰ رَ*بُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]، فتسعى جاهدةً لنيل رضاك.
بعد كل هذا هل تتوقعين منها عقوقًا كما نسمع من عقوق كثير من البنات لا بل ستكون معك متأدبةً وستتعامل معك بأحسن ما يكون الخلق، وإن ضعفت وقصرت وزلت فلا يقر لها قرار ولا يهدأ لها بال حتَّى تصلح ما فعلت لعلمها أنَّ رضا الله من رضاك، وأنَّ الجنَّة تحت قدمك وأنَّك بالنِّسبة لها بابٌ من أبواب الجنَّة.
مفاهيم عالية وعظيمة قد جعلتها الهداية في قلبها.. تجعلك تنتظرين منها كلّ تألفٍ وودٍّ ورحمةٍ وبرٍّ وشفقةٍ وعطفٍ وتلمس لحاجاتك.
5- إن سلكت ابنتك طريق الاستقامة... حتمًا يستقر بجنانها وستعمل بقوله -تعالى-: {وَقُل رَّ*بِّ ارْ*حَمْهُمَا كَمَا رَ*بَّيَانِي صَغِيرً*ا} [الإسراء: 24].
فابنتك الصَّالحة مقبلةٌ على صلاتها تؤدِّيها بأركانها وواجباتها وحتمًا ستتأمل هذه الآية.. وتتفكَّر في عظيم حقِّك عليها... وسينطلق لسانها داعيةً لك في السُّجود وفي جنح الليل؟ وأدبار الصَّلوات تلهج بالدُّعاء وتقول: {رَّ*بِّ ارْ*حَمْهُمَا كَمَا رَ*بَّيَانِي صَغِيرً*ا} [الإسراء: 24]، تدعو لك بالرَّحمة بالفلاح، بالهداية، بالجنَّة، الشِّفاء، العافية، ربما وأنت تغطين في نومٍ عميقٍ أو لاهيةً بأشغال الدُّنيا.. لكن دعوات ترفع لك من قلبٍ فلذة كبدك الَّتي أحبَّت الخير كلّ الخير لك.
6- إن سلكت ابنتك طريق الاستقامة. ستكون مشعل هداية في مملكتك الصُّغرى.. منزلك.. تدعو إلى الله على بصيرةٍ.. تؤثر على أهلها، وتسعى جاهدةً لإزالة المنكرات -قد لا يكون لها سلطةٌ لتزيل المنكر من بيتها- وهذا غالب أحوال بنات، لكن قد أوتيت سلطة لمفاتيح القلوب تجتث المنكر من قلوبهم... ليزيلوا المنكر بأيديهم.. فلله ما أسعد بيتٍ يضم هذه البنت الصَّالحة يوم أن سعت لإنقاذهم من المنكرات وتطهير منزلها من أوحالها.
7- إن سلكت ابنتك طريق الاستقامة.. سيكون عندها همّ للدَّعوة إلى الله -عزَّ وجلَّ- في بيتها ومدرستها حينذاك هي ستنكر المنكرات وستتألم لوضح البنات من معاكساتٍ ومعاصي وغيرها، فتنكر وتحاضر وتدعو بعد تطمئنِّين -بإذن الله- إلى أن ابنتك قد كفتك هم الانحراف.. بل صارت شامةً بيضاء، ودرةً في جبينك يوم أن كان بعض البنات عارًا وشنارًا وفضيحةً على أهلهنَّ يوم أن عبثت بأعراضهنَّ الذِّئاب البشريَّة.
أما أنت فابنتك شريفةٌ صفيَّةٌ نقيَّةٌ مثال للطُّهر والاستقامة -بإذن الله- فهل بعد هذا شرفٌ وعزَّةٌ وفخرٌ؟ وهل تحته نعمة أعظم من نعمة قرَّة العين بهذه الذُّريَّة الصَّالحة؟!
8- إن سلكت ابنتك طريق الاستقامة.. ستطمئنِّين إلى أنَّها لن تكون فتنةً لعباد الله فلن تتسكع في الأسواق لن يكون همَّها مكياج السُّوق وغيره من المآسي.. بل شعارها: "اللهمَّ إني أعوذ بك أن أفتن أو أفتن".
9- إن سلكت ابنتك طريق الاستقامة.. ومهما طالت بها الحياة وانشغلت وتزوجت وأنجبت ونأت بها الدِّيار ثمَّ رقَّ عظمك وكبرت سنّك وصرت -قدر الله- طريحة الفراش فلن يقرَّ لها قرار حتَّى تسهر بجانبك وتكون رفيقتك تكون كالحمامة الوفية تطوف حولك، وبلمسات حانية رفيقة رقيقة.. ولسان حالها يقول: لأ رد لأمِّي ولو يسيرًا من فضلها.. حينها ستهنأ عينك.. يوم أن تري العقوق الَّذي بلغ ببعض الأبناء والبنات إلى هجران الأم ورميها في دور رعاية المسنين.
10- من المعروف أنَّ الأمَّ تخاف على ابنتها وترحمها أكثر من الابن؛ لأنَّ الأنثى ضعيفةٌ فلربما تكتنفها الأمراض أو تطلق أو لا تنجب أولادًا، أو تصبح أرملةً، أو تبتلي بزوجٍ لا يكرمها ويسومها سوء العذاب فتصبح الأمُّ في همٍّ وقلقٍ، ولا تهنأ بعيشٍ وهي تعلم أنَّ ابنتها متعذبةٌ.. متألمةٌ.. بما تشاهده من معاناة أمِّها.
لكن إن سلكت البنت طريق الاستقامة فسيكون لها من الله عوض عن كلِّ شيءٍ، ستكون قويَّة الإيمان صلبة العقيدة راسخة المبادئ... ثابتة فلن تهزها المصائب، وعندما ترى الأمَّ من ابنتها الإقبال على الله وأنَّها لا يهزها شيء وأنَّ لها من الله عوض عن كلِّ شيءٍ، وأنَّها قريرة العين بالأعمال الصَّالحة قد جعلتها جلَّ همِّها.. عندها سيقرُّ قرارك أيَّتها الأمّ وستطمئنِّين، بل ربما ابنتك تصبرك وتهدئ من قلقك، حتَّى إنَّك تعاتبين نفسك عندما تضيق بك الأرض لأجل همها وتقولي: أنا متألمة لأجلها وهي سعيدةٌ لم تتأثر.. فينقلب حزنك فرحًا وشقاؤك سعادةً، وترمين همَّها وتوكلين أمرك وأمرها إلى الله -عزَّ وجلَّ- ولا تخافين عليها أبدأ من مصائب الدُّنيا.. وتستيقنين أنَّ عندك ابنة صلبة العقيدة قويَّة الإيمان بربِّها وسيتولاها الله بإذن الله.
11- أيَّتها الأمّ الفاضلة قد تخافين على ابنتك أن تموت وتترك أطفالها فمن ستولاهم بعدها ربَّما زوجة أبٍ قاسيةٍ... إلخ.
لكن عندما تكون ابنتك صالحةٌ -بإذن الله- لها الوعد من الله -عزَّ وجلَّ-: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿62﴾ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62-63]، فلا خوف ولا حزن، قال ابن كثير -رحمه الله-: "يخبر -تعالى- أنَّ أولياؤه {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فيما يستقبلون من أهوال الآخرة {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما وراءهم من الدُّنيا".
فالله حافظهم بصلاحهم -بإذن الله- وإذا استودعتهم الله فلن يضيعوا. حينها تطمئنِّين لوعد الله، ومن أصدق من الله قيلًا، ومن أصدق من الله حديثًا، سترتاحين وتتيقنين أنَّ الله نعم المولى ونعم النَّصير، ولم ولن يضيعوا أبدًا بإذن الله.
12- حينما يضمّك جدثك وتكونين تحت الثَّرى وحيدةً فريدةً، أنيسك عملك، قد وافيت القبر الَّذي هو صندوق العمل -أطال الله عمرك في طاعته- عندها ستكونين بأمس الحاجة لدعوة صادقة... لصدقة.
فإن سلكت ابنتك طريق الاستقامة حينذاك لن تنساك ما دامت حية كيف لا، وهي تقرأ {رَّ*بِّ ارْ*حَمْهُمَا كَمَا رَ*بَّيَانِي صَغِيرً*ا} [الإسراء: 24]،وستدعو لك وسيحقق لك بإذن الله قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة» وذكر منها: «أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم 1631] فليس كلّ ذريَّة ينفع دعاؤها بل ولدٌ صالحٌ يدعو له، فلله كم فُرِّج عن أهل القبور بدعوات الصَّالحين... وكم تسعدين بتلك الدَّعوات وكم أنت بحاجةٍ لها..
13- ثمَّ إن سلكت بنتك طريق الاستقامة.. وتيسَّر لها الحجّ والعمرة هل ستنسى أمًّا حملتها في أحشائها وسهرت لأجل راحتها بل أمًّا ملأ قلبها حبَّها؟ لا ما هذا جزاء الإحسان بل ستسعى للعمرة والحجِّ من أجلك.. و.
ثمَّ إن كانت ذات مالٍ فهل ستبخل أو سيغيب عنها أن توقف لك وقفًا ينفعك بقبرك. مصفحًا أو بئرًا أو مسجدًا.. لا... وألف لا.. لن ولا تتخاذل عن ذلك... بل أبشري بكلِّ خيرٍ.
كيف لا وابنتك قد سلكت طريق الاستقامة، وهي ليست ممن احتلت مظاهر الدُّنيا قلبها.. بل تحقق فيها قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «والصَّدقة برهان» [رواه مسلم 223]، أي دليل على صدق إيمانها.. فالمال محبوبٌ لنفسها لكن لا تنفقه في وجوه الخير إلا لأمر أحبَّ منه... ألا وهو حبُّ الله وابتغاء وجهه.
فهي تسخر المال لطاعة ربِّها ومن أجل الطَّاعات برك أيَّتها الأم، ووقف الأوقاف لك.. بالله كم يفسح على أهل القبور قبورهم بدعوات وصدقات الصَّالحين وكم هي ماسة حاجة المرء لمثل هذه الأعمال الصَّالحة.
14- عندما تسلك ابنتك طريق الاستقامة وتكونين أنت المعينة لها على سلوك ذلك الطَّريق أو سببًا في استقامتها فإنَّه يكون لك بكلِّ حرفٍ تعلَّمته أو علَّمته مثل أجرها لا ينقص من أجرها شيئًا قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا» [رواه مسلم 2674] فإذا حان وقت الميزان وتطايرات الصُّحف فإذا بصحيفتك تثقل بأعمال ابنتك.
15- إن سلكت ابنتك طريق الاستقامة وصار بين جنبيها كتاب الله واستظهرته حفظًا فإنَّها تعزك وتلبسك حلة خيرًا من الدُّنيا وما فيها.
قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «يجيء القرآن يوم القيامة كالرَّجل الشَّاحب يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الَّذي كنت أسهر ليلك، و أظميء هواجرك، وإن كان تاجرًا من و راء تجارته، وأنا لك اليوم من وراء كلِّ تاجرٍ، فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، و يوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهم الدُّنيا و ما فيها، فيقولان: يا ربّ! أنَّى لنا هذا؟ فيقال: بتعليم ولدكما القرآن» [رواه الألباني 2829 في السِّلسلة الصَّحيحة وقال: حسن أو صحيح].
أختاه:
هذه الثَّمرات ما هي إلا شذرات وغيض من فيض لاستفادة الأمّ من صلاح ابنتها.
لذلك غاليتي لا شكَّ أنَّك إذا كان عندك مثل هذا الكنز العظيم بنتًا صالحةً ومصلحةً أنَّك من أسعد نساء الدُّنيا فكيف لو كان عندك بنتان أو ثلاث أو خمس؟؟؟
وبعد كلِّ هذا، مما يثير العجب أنَّ بعض النِساء تتخوف إذا رأت ابنتها سلكت طريق الاستقامة وتحاول صدها عنها جاهدةً... تتحجججججججججججج وتقول: أخشى أن تكون ابنتي معقدة موسوسة.. أريدها أن تعيش وتتمتع بهذه الدُّنيا وملذاتها.. لا أريدها محرومةً.
عجبًا لها ولرداءة تفكيرها... هل السَّعادة والهداية والفلاح والطَّمأنينة والأخلاق والبر... والصَّفاء والنقاء والانشراح بالتَّمسُّك بالدِّين هل يعتبر تعقيدًا وضيقًا...
{كَبُرَ*تْ كَلِمَةً تَخْرُ*جُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف: 5] فهل تنتظر الأمّ الَّتي تصدُّ ابنتها من الاستقامة إلا العقوق والَّتعاسة نقول لمن هذا شأنها... أخطأت النَّظرة فعودي -رعاك الله- لرشدك وصوابك... وكوني عونًا لابنتك على الاستقامة واستبشري وافرحي وادعي الله ليلًا ونهارًا: أن يصلح ذريَّتك وشباب المسلمين... واحرصي على تربيتهم منذ صغرهم على الاستقامة فأنت أوَّل المستفيدين.. وأسأل الله أن يصلحك ويصلح ذريَّتك وينفع بكم الإسلام والمسلمين وأن يجعلكم هداةً مهتدين.
منقول للفائدة/ام عارف