أطرق القلم لحظة، ثم رفع رأسه، وقال: صدقْتِ يا عزيزتي!
الممحاة: أما زلتَ تكرهني؟
القلم: لن أكره مَنْ يمحو أخطائي
الممحاة: وأنا لن أمحوَ ما كان صواباً .
قال القلم: ولكنني أراكِ تصغرين يوماً بعد يوم!
الممحاة: لأنني أضحّي بشيءٍ من جسمي كلّما محوْتُ خطأ .
قال القلم محزوناً: وأنا أحسُّ أنني أقصرُ مما كنت!
قالت الممحاة تواسيه: لا نستطيع إفادةَ الآخرين، إلا إذا قدّمنا تضحية من أجلهم.
قال القلم مسروراً: ما أعظمكِ يا صديقتي، وما أجمل كلامك!
فرحتِ الممحاة، وفرح القلم، وعاشا صديقين حميمين، لا يفترقانِ ولا يختلفان
حوار بين النور والظلام
حوار بين النور و الظلام
من مكاشفات الصوفية :
يقول الشيخ قطب الدين البكري الدمشقي :
قال الظلام للنور : أنا عدم وأنت وجود لكن لم يصح لك الوجود إلا من بعد وجودي فأنا مقدم عليك من حيث شهودي .
قال النور : الوجود على العدم ومن فهم غير هذا لم يكن له في المعرفة قدم .
قال الظلام : أما كان الوجود في عدم .
فقال النور : بل هو ثابت في العلم من القدم .
قال الظلام : إني فضلتك بأمور كثيرة .
فقال النور : وأنا تقدمتك بأشياء شهيرة .
قال الظلام : ألم تعلم إنى خلوة العشاق .
فقال النور : وأنا جلوة النشاق .
قال الظلام : أنا ساتر كل قبيح .
فقال النور : وأنا مظهر كل مليح .
قال الظلام : أنا نجومي سافرة .
فقال النور : وأنا غيومي نافرة .
قال الظلام : ألم تعلم إني نهار كل صابي وبغية كل عاشق شوقه رابي أنا منزل الأفراح وموطن الانشراح والاقتراح تترامى العشاق على أحبابها في حاني حال قوة حيلي وطراد خيلي فأنيلهم بنيلي بسد الستر عليهم … تجلى عليَّ الحبيب باسمه الستار فسترت بذيلي ومنحته عطفي وميلي وكلت له من بذر الصفا حب الوفا … ولما صحت النسبة بيننا صار ينادي يا ليلي أنا مجمع الحبائب ومنبع الغرائب .
فقال النور : ألم تعلم إني لمحة من بوارق أنوار الحبيب وأن عن نوري الفياض ظهرت لوامع التقريب من سار بيَّ لا يتيه ولا يقع في تعطيل ولا تشبيه وبي ينكشف ظلام الجهل بلوائحي تدرك الخفايا في السير وبفواتحي وخواتمي يطرق باب الخبايا فيفتح بكل خير إني ينبوع الرقائق ومجموع الدقائق .
فقال الظلام : لئن كان في جمعك ساعة إجابة ففي كل ليلة من جمعي تلك الساعة المستطابة ولم نسمع من يقول يا نهار فيناديك ولا ذكر عاشق أوقاتا يناديك ينام الليل ليحيي النهار .
فقال النور : هل سمعت أيها السمير النديم أن في الآخرة ظلام فحيم وهل أنت إلا صفة جلال وهل أنا إلا محض جمال خصك بفرضين وخصني بثلاثة لتمييزي عليك يا أخا الرثاثة .
قال الظلام : ألم يخصني دونك بالقيام .
فقال النور : أوما ميزني عنك بالصيام .
قال الظلام : ألم يفردني بالمعراج .
فقال النور : وما أسعدني بيوم عرفة مجمع الحجاج .
قال الظلام : لِمَ لمْ يظهر فيك النجوم والكواكب المنيرة .
فقال النور : وهل للفرع والجزء ظهور لدى الأصل ... ولولا ضعف نور كوكبك عن مماثلة نور كوكبي الوهاج ما احتيج فيك مثلي إلى إيقاد شمعة وسراج لكن لا خفا أن نور كوكبك من ضياء كوكبي مكتسب ومن أدرك سر المقابلة والانعكاس بملابس الالتباس ما احتجب وعلم أن نورك مفاض عني وهذا مقام لا يدرك بالتمني .
قال الظلام : يكفيني صفة سوادي وإني ثابت لا أتغير وهذا يدل على ثبات ودادي ولو كثرت عليَّ الأيادي وإذا أردت ذلك لم يحبني له فؤادي إذ الخروج عن الطبيعة لا يمكن في هذه الشريعة ويكفيك من صفة البياض التكدير والتغيير وهذا أمر يوجب منك التطير .
فقال النور للظلام : لا طيرة في الإسلام وهل رأيت من ذي البياض إلا تحاملاً أو مدح السواد إلا جاهلاً أو متجاهلاً .
قال الظلام : ألم تعلم إن في ثلثي الأخير التجلي .
فقال النور : نعم وبذا نلت التعلي لأني وإن كنت لا أخلو عنه كذلك لكن النص خصك بأمر زائد عما هنالك ومع ذلك فلا غنى لي عنك كما لا غنى لك عني إذ لا بد لي منك ولا بد لك مني فمن قنع بأحدنا ضل وذل ومن تمسك بنا حمى القرب .