قصر ليبيا (قديما: "ثيودورياس" Theodorias) هي بلدة ليبية تقع في منطقة الجبل الأخضر، وتبعد عن مدينة البيضاء بمسافة تقدر بنحو 42 كم. وهي تقع على تقاطع طرق ما بين طريق المرج-البيضاء الرئيسي، وبين طريق قصر ليبيا-مراوة. ويبلغ عدد سكانها حوال 25.000 نسمة تقريبا الغالبيه العظمى منهم من قبيله الدرسه (عيت اسريريق)
تاريخ قصر ليبيا :
يعود تاريخ قصر ليبيا إلى ما قبل البيزنطيين حيث أن موقع المدينة كان مستعملا من قبل الإغريق منذ القرن الرابع ق.م. ليعرف لاحقا باسم أولبيا "Olbia" أو مدينة أولبيا القديمة. كما تأثرت المدينة بشدة من هجمات الوندال والنوميديون الذين احتلوا أجزاء من شمال أفريقيا في النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي والربع الأول من القرن السادس للميلاد. لاحقا قام الإمبراطور البيزنطي جستنيان بإعادة تأسيسها العام 539، حيث أطلق عليها اسم "ثيودورياس" نسبة لزوجته ثيودورا التي تربت في أبولونيا المجاورة. لاحقا سأعطي تفصيل اكثر .....
تاريخ القصر ومتحف الفسيفساء البيزنطية
بنيت في قصر ليبيا كنيستان الأولى الكنيسة الشرقية والتي اكتشفت
في العام 1957، والثانية الكنيسة الغربية والتي اكتشفت
في العام 1964. كما شرع في نهاية ستينيات القرن العشرين
بناء متحف أثري صغير قرب الكنيسة الغربية، عرف باسم
"متحف الفسيفساء البيزنطية" افتتح في العام 1972 حيث
يعرض مجموعة الأرضيات الفسيفسائية التي كانت تزين
الكنيسة الغربية.
قد لا يعرف الكثير من المارين بقرية قصر ليبيا انها تحوي
على اثار رائعة و فسيفساء حيرت مشاهدها الدارسين لها ،
هذه القرية التي تقع في احضان الجبل الاخضر غرب مدينة
البيضاء بمسافة 50 كم تقريبا ، وهذه المقالة توضح اقل
ما يمكن ان يعرف عن هذه المنطقة الاثرية المهمة التي تقع
شمال الطريق الساحلي بمسافة كيلومترين تقريبا.
و تجدر الاشارة ان تلك المنطقة الاثرية لم يعِرها الاثريون
اهتمامهم الا بعد عام 1957 عندما كان احد الفلاحين
يقوم بالحفر و العمل في ارض زراعية في منطقة مرتفعة قرب
القلعة التركية الايطالية ، حيث ادى معوله الى الكشف عن
جزء من ارضية فسيفسائية كانت مردومة بالتراب منذ امد بعيد
، و سريعا ما وصل خبر الاكتشاف الى الاستاذ ريتشارد
جودتشايلد مراقب اثار المنطقة الشرقية آنذاك الذي سريعا
ما زار مكان الاكتشاف و اتضح له اهمية ذلك الموقع
مما جعله يصدر الاوامر بالبدء في اعمال الحفريات
التي نفذها فريق التنقيب بمراقبة آثار شحات باشرافه
خلال عامي 1957-1958 ، والتي اسفرت عن
الكشف عما اصبح يعرف فيما بعد بالكنيسة الشرقية
بارضياتها الفسيفسائية الرائعة ، و بعد هذا الاكتشاف
اهتم الاثريون بهذه المنطقة و آثارها
وبحثوا عن التسمية القديمة لهذا الموقع فربط جودتشايلد بين
التسمية الحديثة أي قصر ليبيا و بين اسم قرية او مركز
اسقفية ذكرها الاسقف سينسيوس في بداية القرن الخامس
الميلادي في الرسالة رقم 76 باسم اولبيا (Olbia) و
كأن التسمية الحديثة تحريفا لاسم اولبيا القديم ، الا ان التسمية
الي عرفت بها هذه المنطقة في عصر الامبراطور جستنيان
(527-565 م)هي ثيودورياس (Theodorias) نسبة
الى الامبراطورة ثيودورا (527-548م) زوجة جستنيان التي
كانت مستقرة في الاقليم محضية لحاكمه قبل زواجها من
جستنيان ، ويبدو ان المدينة جددت و اعيد بناؤها في
ذلك العصر في موقع قديم ربما كان مستعملا بواسطة
الاغريق منذ القرن الرابع ق.م. ، وقد شغله فيما بعد
حصن او كنيسة محصنة صليبية الشكل (الكنيسة الغربية)
التي نقب عنها ما بين 1965-1969، ثم اضيفت
بجانبها الكنيسة الشرقية برعاية الامبراطور جستنيان او زوجته
ثيودورا على الرغم انه لا يوجد ما يؤكد اسهامه في بناء
الكنيسة وتزيين ارضياتها ، الا انه يرجح ان بعض التجهيزات
مثل الرخام و العمال قد تكون منحة امبراطورية او انها استوردت
على نفقة المحسنين الذين انفقوا على بناء الكنيسة وتزيينها
بالفسيفساء ، ويعد الاسقف مكاريوس المشرف الرئيسي على
هذه الاعمال حيث اشرف على تزيين فسيفساء صحن
الكنيسة في ما بين 538-539 م ، و بعد وفاته عهد الامر
الى الاسقف الجديد ثيودوروس الذي كان شماس الكنيسة
و اسهم في الاشراف على تزيين الحجرة الشمالية الشرقية
وعلى فسيفساء الساحة المقدسة التي بنيت بعدها ، هذا
ما استنتج من النقوش التذكارية التي زينت الفسيفساء و
يمكن مشاهدتها معروضة في المتحف الصغير الموجود هناك
، اضافة الى الكنيسة يبدو انه اضيفت بعض المباني الاخرى
التي لم يكشف عنها حتى الان ،و يمكن تأكيد اهمية
الموقع من الناحية العسكرية اذ اتخذ نقطة مراقبة بعد تحصين
الموقع ، الا ان هذا الموقع قد سلبت احجاره عند بناء
الحصن التركي – الايطالي فيما بعد ، ومن ثم اختفت الكثير
من معالمه القديمة .
ومما تقدم فان ابرز ما يشاهد في هذا الموقع الاثري هي
الكنيسة الشرقية بفسيفسائها الرائعة ، والكنيسة الغربية
بطرازها الفريد ، واساسات مباني اخرى . وقد ظلت تلك
الفسيفساء في مكانها ردحا من الزمن مما عرضّها للرطوبة
والاملاح التي هددت بتلفها و بعد استشارة متخصصين
من اليونسكو تقرر ان تنقل لوحاتها الخمسون من مكانها
لتعرض في متحف صغير اقيم لهذا الغرض بجوار الكنيسة
الغربية ، افتتح رسميا في 18/4/1972 م .وقد شملت
معروضاته الاتي : 1- خمسون لوحة فسيفسائية ابعادها
65×65 التي كانت جزء من فسيفساء صحن الكنيسة
الشرقية و هي تحمل مشاهد حيوانية وآدمية واسطورية
وعمرانية ونباتية و بحرية الى جانب بعضها كتابات اغريقية
، وقد حيرت هذه المشاهد الدارسين لها عندما حاولوا ايجاد
تفسير منطقي مترابط بين اللوحات و الكنيسة التي وجدت
بها مختلفين بين التفسير الكهنوتي و التفسير الناسوتي ،
ويبدو ان هناك اتفاق على ان بعض اللوحات قد تعبر عن
اعادة بناء هذه المدينة من جديد تحت اسم ثيودورياس
في القرن السادس الميلادي ، واجمالا تعد هذه الفسيفساء
اروع ما عثر عليه من فسيفساء في ليبيا في العصر
البيزنطي من حيث موضوعاتها الزخرفية وتنوع مشاهدها ،
و تجدر الاشارة الى احدى اللوحات النادرة التي تصور
جزء من منارة الاسكندرية ـ احدى عجائب الدنيا السبع
القديمة ـ التي بنيت في عهد بطليموس الثاني
(285-246 ق.م.) ودمرت في زلزال عام 1302 م ،
ولم يبق الا هذه اللوحة لتوضح شكلها.
2- ارضية فسيفسائية عثر عليها في الحجرة الشمالية الشرقية
من الكنيسة الشرقية عرضت في ارضية المتحف حملت
مشاهد متنوعة اغلبها لحيوانات وطيور و زخارف هندسية
وكتابة تشير الى انها نفذت في عصر الاسقف ثيودوروس ،
هذا الاسقف الذي تولى بعد الاسقف مكاريوس الذي
نفذت في عهده فسيفساء الصحن المشار اليها اعلاه.
كما ينبغي الاشارة الى ارضية فسيفسائية اخرى كانت تزين
الساحة المقدسة في الكنيسة الشرقية عرضت حاليا في
الكنيسة الغربية التي حولت الى قلعة تركية ثم استعملت
اثناء الاحتلال الايطالي ، وقد زخرفت تلك الارضية بعدة
صلبان يحيط بها وعول برية وحيوانات اخرى ، وتوجد بها
زخارف هندسية متنوعة.
ومما تقدم يؤكد اهمية آثار قصر ليبيا التي ينبغي زيارتها
و التمتع بالمشاهد التي تحملها اللوحات الفسيفسائية
المعروضة في متحفها المتواضع .