في رحلة العمل التي جمعت بين مهند وعابدين في المسلسل التركي الشهير ''نور''، والتي تضمنت حادثة اختطافها، لفتت أنظار المتابعين للمسلسل المنطقة التي تم تصوير المشاهد فيها، حيث بدت بقعة خرافية موغلة في القدم لا تنتمي إلى هذا العالم وإلى تركيا بصلة سوى وجوه الممثلين والأتراك فيما وراء الكاميرا.
فما لفت أنظار المتابع للمسلسل مشاهد بيوت ونزل قديمة محفورة في جبال طينية شكلتها الرياح بطريقة غريبة، بين صعود ونزول، والأغرب من ذلك أن تفاصيل فنادقها وبيوت سكانها من جدران وأثاث وفرش ونوافذ وأبواب كانت موغلة في القدم إلى درجة أن الزمان قد خلفها وراءه وأبقاها على ما هي لتعود بالمرء إلى عصور إنسان الكهوف.
ولم يمض يومان على عرض هذه المشاهد حتى تداولت ''الإيميلات'' الشخصية بسرعة البرق صورا لهذه البقعة التي تقع في تركيا وصورا لفنادقها ذات الطابع الخاص، وهي cave hotels دون وجود أدنى معلومات عنها سوى اسمها.
بصورة غير مسبوقة، حيث تفد إليها الوفود السياحية من مختلف بقاع العالم، ومن الأتراك أنفسهم، وقد ألف عنها الرحالة والمغامرون الكثير من الكتب المصورة، وقد تناولت تفاصيلها الحميمية من أنماط العمارة، وسحر جبالها ووديانها وملامح معيشة سكانها.
وتتميز أنها من أجمل المناطق التركية التي يتحد فيها جمال الطبيعة مع نمط الحياة التركية، القديمة والمعاصرة بألفة وتناغم يندر له مثيل في العالم، حيث لعبت التكوينات الجغرافية التي تميزها دوراً في صياغة مناحي الإنسان التي عاش على أرضها قديماً، فبنى بيوته داخل هذه التكوينات، وكانت بيوتاً مبينة في كهوف، وكذلك بنى كنائسه في اعماقها، حيث بدت وسط التكوينات وكأنها قد بنيت داخل المداخن مما جعل حضارة ''كبادوكيا'' تعرف باسم ''مدخنة الملائكة'' حتى يومنا الآن.
ويعود تاريخ انشاء بيوت هذه المنطقة إلى العام ,1900 ويتوزع البعض منها على قمم الصخور، وقد استخدم في بنائها الأحجار نظراً لوفرتها، حيث تتميز منطقة ''كبادوكيا'' بوجود جبال البركانية فيها، وقد استخدمها السكان في البناء بكثرة، حيث عند خروج صخور الصهر منها نتيجة فوران للبراكين تصبح مادة مناسبة للبناء لسهوله تشكلها في الحرارة الساخنة.
كما أنه من المعروف أن هذه المواد المنصهرة عندما تخرج للخارج وتلامس الهواء، تتصلب وتصبح مادة قوية تفيد البناء وهذا مكن سكان هذه المنطقة من أن يصبحوا ماهرين ومتقنين في حرفة النحت المستخدم في البناء، وكذلك حرفة ''المهارية''، وهي النحت في الخشب وقد استخدمت في تصميم أبواب المنازل وأسوار الحدائق الخشبية التي تحيط بمنازل ''كبادوكيا''.
ولا غرور في القول إن السياحة التركية قد استغلت جماليات وتفرد منطقة ''كبادوكيا'' تمام الاستغلال، حيث تسير إليها رحلات يومية بالبر وعبر الطائرة من مختلف مناطق تركيا، كما أن الخدمات السياحية التي تقدم في ربوعها تشمل المرافق كافة، حيث تتوافر فيها الفنادق، والنزل، والبيوت الريفية والمطاعم والنوادي، خلافاً إلى تنظيم الرحلات السياحية بين ربوعها، حيث تضم ''كبادوكيا'' الصخرية مناطق حضرية مثل أوش حصار، أورقب، أفانوس، كورامه، درينكويو، قايماقلي، وإهلارى.
وتعتبر مدينة أورقب من أهم مراكز لمنطقة كبادوكيا، وقد مرت بمراحل تاريخية مختلفة ومتعددة وعرفت باسم ''أوسيانة'' عند البيزنطينيين، و''باش حصار'' عند السلاجقة، وتتميز بمناظرها الجميلة التي تتنوع بين المساحات الخضراء ومزارع العنب التي تمتد على سفوح جبالها البركانية المحفورة بسبب الأمطار والرياح القوية.
وتشتهر مدينة ''أفانوس'' التي تعرف باسم فنيسة بصناعة الأطباق الفخارية والسيراميك من الطين الأحمر على أيدي أمهر الحرفيين.
أما مدينة ''كورامه''، فهي تتوسط ''كابادوكيا''، وهي محصورة بين المداخن التاريخية وتوجد فيها كنائس أثرية تحت الأرض مما يزيد من الأهمية التاريخية لهذه المنطقة، مثل كنيسة ''أورتاخانة ادرمس'' و''بزيرخانة''، إضافة الى البيوت المبنية من حفر السكان للصخور.
يذكر أن ''كابادوكيا'' تقدم نوعا من أنواع السياحة النادرة في العالم، وهو الطيران بالمنطاد أو البالون الهوائي عبر سفوح جبالها، ويعتبر الطيران من خلاله بالنسبة للسائح تجربة عمر لا تنسى.