العشوائيات
قمامة منتشرة في شوارع مزدحمة لا يدخلها الضياء، مواصلات مكدسة بالركاب، اختناقات مرورية، بطالة، هجرة ريفية، ريف متخلف لا يعرف من الحداثة وما بعدها سوي قاعات البلياردو والبلاي ستيشن والأتاري، عشوائيات في المدن تبدو منها أشباح بشرية يرثي لها ولكنها تزرع أيضا الجزع في النفوس، طوابير مزدحمة أمام المخابز، ولحوم معلقة أمام محال الجزارة لا تجد بسبب أسعارها الباهظة من يلتفت إليها عشرات الباعة الجائلين في كل شارع رئيسي يدللون علي سلع متنوعة من المناديل إلي الشنط والأحذية بأسعار لا تتجاوز تحت أي ظرف الـ50 جنيها، بينما توجد علي مقربة منهم محلات عصرية تعرض في فاتريناتها قمصاناً محلية الصنع بسعر 100 جنيه للواحد بينما تصدره إلي الولايات المتحدة بـ4 دولارات فقط!!
هذه هي السمات الرئيسية لحياة المصريين علي أعتاب القرن الواحد والعشرين التي حاول تصويرها بدقة ولكن أيضا باختزالية أستاذ الجغرافيا د. محمد عبدالغني سعودي في كتابه «مصر الإنسان والمكان» الذي صدر مؤخرا عن المجلس الأعلي للثقافة.
تعريف العشوائيات
يعرف المؤلف سكان العشوائيات بأنهم المهاجرون الريفيون الذين لم تستطع الصناعة في المدن استيعابهم فاتجهوا لمزاولة الأعمال الهشة غير المنظمة مثل العمل في الورش والمسابك والحدادة ونحت الحجارة والرخام والبيع المتجول والخدمات الخاصة وأعمال البناء والتشييد والعمل في المذابح والمدابغ. ويضيف أنه لما كان الإسكان العشوائي أو الفوضوي الذي يتم دون ترخيص ويبني بمواد غير ثابتة لم يراع فيها بطبيعة الحال شروط الصحة العامة كمياه الشرب والصرف الصحي فعادة ما تكون البنية الأساسية والمرافق والخدمات في المناطق العشوائية غير سوية لحياة كريمة بالإضافة إلي تحولها إلي مأوي رئيسي للأعمال غير المشروعة مثل تجارة المخدرات ومشتل جيد للإجرام. ويذكر أن في مصر 1034 منطقة عشوائية تضم 12 مليون نسمة يعانون من المياه الجوفية والقمامة والظلام وتسرب مياه المطر للمنازل وانتشار الحشرات والقوارض والأمراض والحرائق والبطالة والإجرام والأمية والعوز. ويشير ـ علي الرغم من ذلك ـ إلي أن سكان العشوائيات هم أكثر الفقراء إحساساً بالهوة الطبقية الواسعة التي تفصلهم عن الأثرياء نظراً للأدوار الخدمية التي يقومون بها في المجتمع الحضري، وهو ما يجعلهم مطلعين عن قرب علي عناصر الرغد في عيشة أثرياء المدينة الذين يخدمونهم. ويضيف أن ذلك يزيد شعورهم بالمرارة من تدني أحوالهم المعيشية مما يجعلهم مبعثاً للتوتر والقلق.
متى نشأت العشوائيات؟
الكثيرون من خبراء التخطيط يؤكدون أن انتشار العشوائيات في مصر بدأ مع أوائل القرن الماضي نتيجة عدم الالتزام بالمنشور الوزاري رقم 28 لعام 1914 الذي نص على عودة جميع المسطحات الخاصة بالدولة والتي انتهى الغرض من تخصيصها للمنفعة العامة إلى مصلحة الأملاك الأميرية وهو ما لم يحدث مما أدى إلى تحولها إلى عشوائيات نتيجة عدم وجود واشراف أو حراسة لها ونتيجة لحركة العمران غير المسبوقة التي شهدتها مصر خلال النصف الثاني من القرن الماضي بسبب الزيادة السكانية الطبيعية والهجرة الكبيرة من الريف إلى الحضر فقد شهدت أغلب المدن المصرية نمواً عمرانياً متسارعاً ومع عدم توافر القدرات المادية والكوادر الفنية اللازمة على المستوى المحلي لتخطيط وادارة هذا النمو. فقد ظهرت المئات من المناطق العشوائية على أطراف المدن سواء على الأراضي الصحراوية المملوكة للدولة أو على الأراضي الزراعية عن طريق التقسيم غير الرسمي لتلك الأراضي وتغيير استعمالها من الزراعي إلى العمراني من دون الالتزام بالقوانين المنظمة للتخطيط العمراني والبناء
أسباب ظهورالعشوائيات :-
تعود مشكلة المناطق العشوائية إلى بدايات القرن العشرين ومع التوسع العمراني السريع للمدن الكبرى
في مصر،و مع توافر فرص العمل في هذه المدن نتيجة تمركز المصالح الحكومية فيها أو كنتيجة لظهور العديد من الصناعات الحديثة بها .
وقد أدى ذلك إلي زيادة الهجرة الداخلية للأفراد و النزوح من الريف إلي المدن سعيا وراء الحصول على فرص العمل ، حيث لجأ المستثمرون لإقامة مشروعاتهم في المناطق المجاورة للقاهرة والإسكندرية ذات القيمة الزهيدة .
و مع سعي هؤلاء النازحين من الريف للحصول علي المسكن الملائم حسب مواردهم الضئيلة داخل الكتلة السكنية للمدن فقد لجأوا إلي أطراف المدن حيث الاراضى الزراعية فأقيمت المساكن العشوائية بتكاليف اقل و بلا اى خدمات . بعد أن عجزت مواردهم عن تكاليف السكن داخل الكتل السكنية القائمة .
و لم تنتبه أجهزة الدولة لخطورة المشكلة في حينها و لم يتم اتخاذ اى إجراءات لمواجهتها منذ البداية و ترك الإسكان العشوائي ينمو و ينتشر بطريقة سرطانية .
و المنطقة العشوائية هي منطقة لا يجوز البناء عليها لأسباب قانونية ، و هي : الاراضى الزراعية و أراضى الدولة ، و الاراضى غير المخططة و غير الخاضعة للتنظيم .. و تلك هي نوعيات الاراضى حول المدن و التي تم إقامة المناطق العشوائية عليها . و حيث أنها مناطق أقيمت مخالفة للقانون ، فان الجهات المسئولة ترفض أن تمدها بالخدمات
كمياه الشرب أو الصرف الصحي أو الكهرباء ، كذلك لم يتم بناء المدارس و المراكز الطبية بها . و بالتالي نشأت المناطق العشوائية غير المخططة أو منظمة و غير المستوفاة للنواحي الصحية كما تفتقر إلي الخدمات اللازمة لممارسة الحياة الطبيعية .
و من العوامل التي أدت لظهور المناطق العشوائية أيضا التحام القرى بالمدن . فعندما تميزت بعض القرى بموقعها القريب من المدن فإنه نتيجة للزيادة السكانية وأزمة الإسكان بالمدينة فاننها تتسع الأراضى الزراعية المجاورة وكذلك تتمدد القرية على حساب مساحتها الزراعية
،وبلا أي تخطيط حتى التحمت المدن بتلك القرى . وتحت الضغوط الشعبية والسياسية تم ضم القرية إلى كردون المدينة بكل ظروفها وخدماتها غير الملائمةلتصبح من المناطق العشوائية داخل المدينة .
وفى المؤتمر الدولى للإسكان وسياسات ونظم الإسكان لذوى الدخل المنخفض اوضح
المشكلة و تفاصيلها
إسكان العشش أدنى المراتب :-
إسكان العشش نوع متميز من أنماط الإسكان يقع في ادنى المراتب ، لكنه مختلف عن إسكان الإيواء الذى تبنيه المحافظات ، و مختلف عن الإسكان العشوائي الذى يبنيه الاهالى ، و عن إسكان المقابر و الإسكان المشترك و مختلف كذلك عن الإسكان الشعبي أو الاقتصادي آو منخفض التكاليف الذى تبنيه الحكومة
فإسكان العشش عبارة عن أكواخ من الخشب أو الصفيح أو الكرتون أو الخرق أو الصاج أو الطين مقامة في الشوارع ، أو تأخذ شكل تجمعات متلاصقة من العشش في مكان أكثر اتساعا .
أما مساكن الإيواء فهي إما حجرات مساحتها ثلاثة أمتار مربعة مسقوفة بألواح الاسبستوس المعرج تأخذ شكل صفوف متراصة يخصص لكل عدد من الحجرات المستقلة منها دورتي مياه في الوسط، أو تأخذ شكل حجرة أكثر اتساعا ملحق بها دورة مياه و مطبخ , و أحيانا تنقسم إلى حجرة و صالة بالإضافة إلى دورة المياه و المطبخ بمساحة لا تتجاوز 35 مترا لكل المكونات , أو تأخذ شكل عمارات ذات غرف منفردة .
أما مساكن القبور فهى أحسن حالا من إسكان العشش فإسكان المدافن مصنوع من الطوب و الأسقف أكثر متانة و هى ذات مساحات اكبر و تدخلها الشمس و المياه و الكهرباء , مما يجعلها بيئة صالحة للسكن بشكل اكبر في حين لا تتوافر للعشش تلك المميزات , فلا الجدران قوية و لا الأسقف تمنع المطر و كثير منها لا تدخلها الشمس أو المياه أو الكهرباء كما أنها ذات مساحات ضيقة .
الإسكان العشوائي هو ما يبنيه الأهالي بلا تخطيط حيث الشوارع ضيقة وغير ممهدة ، لكن المباني من الأسمنت المسلح ، وبعضها عمارات ذات طوابق متعددة وتدخلها المرافق بالتدريج ، ولذا فإن أجاراتها مرتفعة وبعضها بالتمليك ، وهى تمثل الحل الشعبي لمشكلة الإسكان بعد إخفاق الحل الحكومي .
والإسكان المشترك نمط آخر شائع فى المناطق السكنية القديمة بالمدن ،بل والمناطق السكنة الجديدة في أطراف المدن ، حيث تقيم كل أسرة فى حجرة واحدة ذات مساحة ضيقة على أن يستخدم الجميع فى كل طابق دورة مياه واحدة وفى حالات كثيرة تكون دورة المياه بالطابق الأرضي ليستخدمها سكان حجرات كل الأدوار،وهذا النمط أفضل حالا من العشش ،فالحجرات المشتركة مقامة من الطوب ومسقوفة إما بالخرسانة أو الاعواد الخشبية ، وإن كان بعضها محدود المساحة بما يماثل مساحة العشش الصغيرة وهى غير قاصرة على بيوت الأهالى ،فهناك من الإسكان المشترك ما إقامته المحليات ،حيث تم اقتسام بعض شقق الدويقة ذات الحجرتين ما بين أسرتين كل أسرة تقيم فى حجرة ، وتستخدمان دورة المياه معا لكنهم اقتسما المطبخ والصالة .
رحلة طويلة من المعاناة لسكان العشش تبدأ غالبا من انهيار المسكن القديم الذي كانت تقيم فيه الأسرة سواء كان انهيارا مفاجئا أو تم فيه إخلاء المنزل من قبل السلطات المحلية ،ولأن طابور الانتظار ممن انهارت منازلهم طويل ، فإن إدارات الإسكان بالمحافظات ليس لديها من الوحدات السكنية أو حتى وحدات الإيواء ما يمكنه استيعاب ولو نسبة محدودة منه ولان البعض يفقدون متاعهم ، بل وبعض أفراد الأسرة خلال الانهيارات المفاجئة فإن امكاناتهم تعجز عن دفع المقدمات اللازمة للسكن في إحدى الشقق ، وقد يستطيع بعضهم استئجار حجرة واحدة تتكدس فيها الأسرة ألا أن غالبية الأسر لا تجد أمامها سوا الشارع تقيم فيه
وخاصة أن الأمر يأخذ صورة شبه جماعية من سكان المنزل المنهار .
تبدأ الإقامة في الشارع في شكل هيكل خشبي سريع مغطى بملاءات السراير و البطاطين و بعض الأقمشة و استعمال دورات مياه المنازل المجاورة , ثم التعود علي استعمال دورات مياه اقرب مسجد ثم تبدأ مرحلة أخرى بالتدريج بتحسين الهيكل الخشبي و تدعيمه بقطع خشبية إضافية و تقوية السقف و الحصول علي سلك كهربي للإضاءة إذا تيسر ذلك , أو الرحيل بالعشة الخشبية إلي مكان أكثر سعة عادة ما يكون تجمعا امن انهارت مساكنهم في نفس المنطقة أو الحي قبل ذلك .
سؤالى انا الاخير لكم
هل يمكن فى النهاية انهاء موضوع العشوائيات ؟؟
قد يبدو هذا السؤال صعب الاجابة ولكنه يمكن و هو يحتاج تعاون الشعب مع المسئولين لانهاء هذا الوضع وعندما تقوم الحكومة ببناء مساكن لأهالى العشوائيات أن يتسلموها ويقيموا فيها ولا يحدث الطمع فى المزيد أو بيع هذه الوحدات والمطالبة باخرى وعدم ترك العشوائيات ، والخلاصة ان الشعب ان لم يتعاون على هذا المنوال فعليه التوجه الى أبو زعبل وعدم العودة نهائيا الى هذه المساكن المشوهة لمصر ووجه مصر
تحيــــــــــــــــاتى لكــــــــــــــــــــم