· فمن عظمته ما أخبر به عن نفسه المقدسة بقوله: ( وَمَا قَدَرُوا اللـه حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ). · قال رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم: (يقبض اللـه الأرض يوم القيامة ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض) رواه البخاري. · حكمة بليغة :قال شيخ الإسلام: فإن عظمة اللـه تعالى وجلاله في قلب العبد يقتضي تعظيم حرماته وتعظيم حرماته يحول بينه وبين الذنوب والمتجرئون على معاصيه ما قدروه حق قدره · تفكر في هذا الكون العظيم : - وأنّ هذا الكون بسمائه وأرضه وجبالهوشجره ومائه وثراه وجميع المخلوقات يجعلها اللـه سبحانه وتعالى يوم القيامة على أصابعه ويجمعها في كفيّه سبحانه وتعالى ، كمَا صحت بذلك الأدلة . - فهذا يدلّ على عظمة اللـه سبحانه وتعالى، وصغر هذه المخلوقات الهائلة بالنسبة إليه سبحانه وتعالى ويدلّ على عظمته وكبريائه وجَبَروته سبحانه، ولهذا قال جل وعلا: ( وَمَا قَدَرُوا اللـه حَقَّ قَدْرِهِ ) أي: ما عظّموه حقّ تعظيمِه.. - ما أحوجنا إلى أن نتعرف على عظمة اللـه وعلى جلال اللـه، وعلى قوة اللـه، و قدرته وعظيم جبروته . - وأنه يجب علينا أن نعرف عظمة اللـه عز وجل، وننزهه عن كل نقص، وإذا علمنا ذلك، ازدادت محبتنا واجلالنا وتعظيمنا له ولأمره . · قال تعالى : ( ما لكم لا ترجون للـه وقارا ). - أي : لا تعاملونه معاملة من توقرونه والتوقير العظمة . - قال الحسن البصري :ما لكم لا تعرفون للـه حقا ولا تشكرونه . - وقال مجاهد :لا تبالون عظمة ربكم. - وقال ابن عباس : لا تعرفون حق عظمته . قال ابن القيم :وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد وهو أنهم لو عظموا اللـه وعرفوا حق عظمته وحدوه وأطاعوه وشكروه فطاعته سبحانه اجتناب معاصيه والحياء منه بحسب وقاره. · من أعظم الجهل: قال ابن القيم : من أعظم الظلم والجهل أن تطلب التعظيم والتوقير من الناس وقلبك خال من تعظيم اللـه وتوقيره فإنك توقر المخلوق وتجله أن يراك في حال لا توقر اللـه أن يراك عليها. · أنواع توقير اللـه في القلب : 1- ومن وقاره أن لا تعدل به شيئا من خلقه لا في اللفظ بحيث تقول واللـه وحياتك مالي إلا اللـه وأنت وما شاء اللـه وشئت . 2- ولا في الحب والتعظيم والإجلال . 3- ولا في الطاعة فتطيع المخلوق في أمره ونهيه كما تطيع اللـه بل أعظم كما عليه أكثر الظلمة والفجرة .
4- ولا في الخوف والرجاء ويجعله أهون الناظرين إليه ولا يستهين بحقه ويقول هو مبني على المسامحة ولا يجعله على الفضلة ويقدم حق المخلوق عليه . 5- ولا يكون اللـه ورسوله في حد وناحية والناس في ناحية وحد فيكون في الحد والشق الذي فيه الناس دون الحد والشق الذي فيه اللـه ورسوله . 6- ولا يعطي المخلوق في مخاطبته قلبه ولبه ويعطي اللـه في خدمته بدنه ولسانه دون قلبه وروحه . 7- ولا يجعل مراد نفسه مقدما على مراد ربه . 8- ومن وقار اللـه أن يستحي من إطلاعه على سره وضميره فيرى فيه ما يكره . 9- ومن وقاره أن يستحي منه في الخلوة أعظم مما يستحي من أكابر الناس - فهذا كله من عدم وقار اللـه في القلب ومن كان كذلك فإن اللـه لا يلقي له في قلوب الناس وقارا ولا هيبة بل يسقط وقاره وهيبته في قلوبهم وإن وقروه مخافة شره فذاك وقار بغض لا وقار حب وتعظيم . أ هـ · تأمل عظمة اللـه في أسمائه وصفاته : والنصوص من الكتاب والسنة في عظمة اللـه كثيرة إذا تأملها المسلم ارتجف قلبه وارتعدت فرائصه وتواضعت نفسه وعنى وجهه للعلي العظيم وخضعت أركانه للسميع العليم وازداد خشوعاً لرب الأولين والآخرين وخر للأذقان ساجدا في محراب العبودية . - فمن ذلك ما جاء من أسمائه الحسنى وصفاته العلى فهو العظيم المهيمن الجبار المتكبر القوي القهار الكبير المتعال سبحانه وتعالى . - وهو الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون - وهو القاهر فوق عباده ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته. - عزيز ذو انتقام، قيوم لا ينام، وسع كل شيء علماً، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . · من عقوبات المعاصي: - قال ابن القيم:ومن عقوبات المعاصي أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله . - وقال بشر الحافي :لو تفكر الناس في عظمة اللـه تعالى لما عصوه . - ومن هانت عظمة اللـه في نفسه فتساهل بالمعاصي والمخالفات فليعلم انه ما ضرَّ إلا نفسه وان للـه جل وعلا عبادا لا يعصون اللـه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون هم أكثر منا عدداً وأعظم خوفاً وتعبداً يسبحون الليل والنهار لايفترون · مرِّن نفسك على عظمة اللـه !! - فإن العبد إذا مرّن نفسه وقلبه على التفهم والتدبر والخشوع والخضوع في الصلاة انغرست في قلبه خشية اللـه ومحبته والرغبة فيما لديه،لم تفارقه هيبة خالقه في جميع أحواله و أعماله. - فإذا سولت له نفسه أمرًا أو زين الشيطان له سوءًا تبرأ منهما قائلاً إني أخاف اللـه رب العالمين . · الذكر نوعان : - قال القاضي عياض:وذكر اللـه تعالى ضربان: ذكر بالقلب وذكر باللسان وذكر القلب نوعان: - أحدهما: وهو أرفع الأذكار وأجلها: الفكر في عظمة اللـه تعالى وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سمواته وأرضه . - والثاني :ذكره بالقلب عند الأمر والنهي فيتمثل ما أمر به ويترك ما نهى عنه ويقف عما أشكل عليه - وأما ذكر اللسان مجرداًفهو أضعف الأذكار ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث. · ثـمـرة ذكر اللـه تعالى: إن ذكر اللـه عز وجل ، يحيي في نفوسهم استشعار عظمة اللـه ، وأنه على كل شيء قدير ، وأنه الحي القيوم الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا ولايؤوده حفظهما فحينها يشعر الذاكر بالسعادة وبالطمأنينة يغمران قلبه وجوارحه ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر اللـه ألا بذكر اللـه تطمئن القلوب). · إنـه اللـه جل جلاله : قال ابن القيم :من أعجب الأشياء: - أن تعرف اللـه ثم لا تحبه . - وأن تسمع داعي اللـه ثم تتأخر عن الإجابة . - وأن تعرف قدر الربح في معاملة اللـه ثم تعمل لغيره . - وان تعرف قدر غضب اللـه ثم تتعرض له . - وأن تذوق ألم الوحشة في معصيت اللـه ثم لا تطلب الأنس بطاعته - وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته . - وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه . - وأعجب من هذا علمك انك لابد لك منه وانك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض وفيما يبعدك عنه راغب . أ هـ بتصرف · أعجب الأشياء : قيل للفضيل بن عياض : ما أعجب الأشياء ؟ قال : أن تعرف اللـه ثم تعصيه . · المؤمن الحقيقي : هو الَّذي تسري عظمة اللـه في فؤاده، فيسجد جسده، ويخشع قلبه، وتتواضع نفسه.ففي ركوعه يقوله واصفا حاله مع ربه اللـهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي. - ولذلك يقول الإمام أحمد: لو صححت قلبك لم تخف أحدا. - وهذا العز بن عبد السلام يتقدمأمام أحد الملوك الطغاة، ويتكلم عليه بكلام شديد، فلما مضى قال له الناس: أما خفت يا إمام، فقال: تصورت عظمة اللـه، فأصبح عندي كالهر. - والآن نرى من الناس من يخاف من:المسئول،والضابط وغيرهما أكثر من خوفه من اللـه، وهذا لا شك دخن في قلب صاحبه، والعاقل خصيم نفسه . · أهمية استشعار عظمة اللـه في حياة المسلم :من نظر إلى عظمة اللـه وجلاله؛ عظَّم حُرُماته، وَقَدَره قَدْرَه، وأجَلَّ أمره ونهيه، وعَظُم عليه ذنبه ولو كان صغيراً، لكأنه الجبل هو في أصله يخشى أن يقع عليه فيهلكه . · ماذا لو استشعرنا عظمة اللـه تعالى : وما يجب له من العبودية والخضوع والذل ؛ فلو استشعرنا ذلك وعرفنا للـه حقه لأكثرنا من محاسبتنا لأنفسنا ، ولقارنا بين نعم اللـه علينا وبين معاصينا ، ولقارنا بين حقه علينا وبين ما قدمناه لآخرتنا . · العظمة من صفات اللـه : قال الإمام الأصبهاني: العظمة صفة من صفات اللـه تعالى ، لا يقوم لها خلق . واللـه تعالى خلق بين الخلق عظمة يعظم بها بعضهم بعضا . - فمن الناس من يعظم المال . - ومنهم من يعظم الفضل . - ومنهم من يعظم العلم . - ومنهم من يعظم السلطان . - ومنهم من يعظم الجاه . - وكل واحد من الخلق إنما يعظم بمعنى دون معنى . واللـه عز وجل يعظم في الأحوال كلها ؛ فينبغي لمن عرف حق عظمة اللـه تعالى أن لا يتكلم بكلمة يكرهها اللـه عز وجل ، ولا يرتكب معصية لا يرضاها اللـه عز وجل، إذ هو القائم على كل نفس بما كسبت ).