رد: رواية:الشريط المرقط (شارلوك هولمز) لمحبي الروايات
الجزء التالت
هولمز : و هل هو هنا منذ زمن طويل ؟؟
هيلين : منذ ثلاث أو أربع سنوات .
هولمز : و هل طلبت أختك أن يوضع في غرفتها ؟
هيلين : لا …… ونحن لا نستخدمه أبدا …. فقد تعودنا أن ندبر أمورنا بنفسنا ، و لا نحتاج إلى الخدم .
فأمسك هولمز بالحبل و جذبه بقوة فلم نسمع صوت الجرس و لم يتحرك الحبل من مكانه ، فقال : آه .. إنه جرس زائف …. و الحبل مربوط بحلقة فوق فتحة التهوية .
فقالت هيلين : لم ألاحظ هذا من قبل …. أمر عجيب .
فقال هولمز : طبعا … و إني لأتساءل كيف يفكر المهندس المعماري ببناء فتحة تهوية تؤدي إلى الغرفة المجاورة و لا تؤدي إلى الخارج .
هيلين : هذه الفتحة أحدثت مؤخرا .
هولمز : لعلها أحدثت مع حبل الجرس أيضا .
هيلين : نعم … في الوقت نفسه .
فقال هولمز : جرس لا يقرع … و فتحة تهوية لا فائدة منها ، سأرى الغرفة المجاورة إذا سمحت .
كانت غرفة الدكتور أوسع قليلا ، و لكن فيها الأثاث البسيط نفسه ، سرير متنقل ، و مكتبة صغيرة من الخشب الأبيض مملوءة بالكتب الطبية ، و كنبة و كرسي خشبي و طاولة مدورة و حقيبة معدنية كبيرة .
و تفحص هولمز الأثاث بعناية ، و قال و هو يلمس الحقيبة المعدنية بقدمه : ماذا يوجد بداخلها ؟
هيلين : فيها أوراق زوج أمي ، و قد رأيتها مفتوحة منذ سنوات ، و أذكر أن فيها أوراقا و مصنفات .
هولمز : و لا أظن أن فيها مكانا للقطط .
هيلين : قطط ؟ أي قطط ؟ ليس لدينا قط .
هولمز : حقا ؟ و ما هذا ؟ و أشار إلى صحفة على الأرض مملوءة بالحليب .
فقالت هيلين : فعلا .. و لكن ليس لدينا قط … لدينا نمر و غوريلا
فقال هولمز : على كل حال النمر قط كبير ، و لكن لا تشبعه صحفة حليب .
تفحص هولمز الأرضية بمكبرته ، ثم التقط شيئا و قال : ما رأيك بهذا يا واطسون ؟
واطسون : إنه رسم كلب … و في طرفه أنشوطة ، و ما فائدته ؟
فقال هولمز : سنعرف فيما بعد …. و الآن يا آنسة هيلين … إن حياتك في خطر ، و لا أريد أن يفاجئنا الرجل هنا ، و قد عزمنا أن نقضي اللية في غرفتك … فإذا أقبل المساء تذرعي بصداع لكي تدخلي هذه الغرفة التي تنامين فيها ، و حين يظلم الليل افتحي النافذة و أضيئي المصباح و اخفضيه 3 مرات ، لأننا سننزل في فندق القرية القريب ، ثم غادري هذه الغرفة إلى غرفتك السابقة ، و لا تنسي أن تتركي النافذة مفتوحة لأننا سننام لأننا سننام في غرفة أختك …
فقالت هيلين : أظنك تدبر خطة .
هولمز : ممكن …. و لا أريد الحديث عنها .
هيلين : هل تصدقني إذا قلت لك إن أختي ماتت من الخوف ؟
هولمز : لا… لقد ماتت من شيء ملموس ، سنسعى إلى اكتشافه … و لكن افعلي ما أوصيتك به حرفيا !
استأجرنا غرفة و قاعة في الطابق الأول من فندق ** التاج ** و كانت تطل على ستون موران ، و الجانب المسكون من البناء فيه ، و مع حلول الظلام رأينا الدكتور يعود إلى الدار ثم يضاء النور في غرفته .
فقال هولمز لي: إني أشعر بتأنيب الضمير ورطتك في هذه القضية
واطسون : وهل تحسبني خائفا من الأخطار ؟ وهل نسيت ما واجهناه معا ؟ ولكن قل لي إلى أين وصلت تحرياتك ؟؟
هولمز : لقد رأيت بنفسك ما رأيته أنا ..
واطسون : ولكنك استنتجت شيئا … هذا واضح
هولمز : لم أستنتج شيئا خاصا ، ولفت انتباهي رسن الكلب هذا ، فما فائدته ؟؟
واطسون : وفتحة التهوية ؟ إنها صغيرة لا تتسع لقبضة اليد ….. ولكن ما العجيب فيها ؟؟
هولمز : كنت أتوقع وجودها قبل قدومي إلى ستون موران
واطسون : كيف ذلك ؟؟
هولمز : ذكرت لنا الفتاة أنها شمت رائحة السيجار من غرفتها ، وعلمت أن زوج أمها ما يزال مستيقظا ، مما يدل على وجود فتحة ينفذ منها الدخان ، و أجد كثيرا من المصادفات : فتحة تهوية و حبل جرس وفتاة تموت في سريرها .
فقال واطسون : وأين الغرابة في هذا ؟
هولمز : ألم تتأمل السرير جيدا ؟
واطسون : نعم .
هولمز : وهل لاحظت شيئا ؟
واطسون : لا لم ألاحظ شيئا .
هولمز : إنه مثبت بالأرضية ولا يمكن زحزحته من مكانه ، فهل رأيت أسرة من هذا النوع ؟؟
واطسون : هذا غريب !
هولمز : إنه أكثر من غريب يا واطسون ، فالفتاة لا تستطيع إلا أن تنام تحت حبل الجرس المعلق تحت فتحة التهوية .
فقال واطسون بلهجة الخائف : هولمز ! لقد بدات أدرك ما تعني … ولكن هذا أمر فظيع !
فهز رأسه قائلا : إنه ابتكار مخيف … فلا حد للشراسة الإنسانية .
حوالي التاسعة أطفئت الأضواء بالمنزل البعيد وساد الظلام . وبعد ساعتين التمع نور المصباح في النافذة ثلاث مرات ، فهب هولمز واقفا وقال : الإشارة … هيا يا واطسون …. جاء دورنا .
أعلمنا صاحب الفندق بأننا سنزور صديقا لنا في الناحية ومن المحتمل أن نقضي الليلة عنده ، وخرجنا فإذا الليل بارد والجو كئيب .
لم نجد صعوبة في اجتياز السهل المحيط بالمبنى ، ودخلنا الحديقة التي انهارت أسوارها ، وما كنا نخطو بضع خطوات حتى رأينا مخلوقا قزما شبيها بالإنسان يلوح بيديه وهو يمشي متمايلا على جانبيه ، فأمسكت بيد هولمز خائفا وتشبث بي ومر بجانبنا دون ان يلتفت إلينا ، وابتعد يجري
و همست بضحكة مكتومة : الغوريلا !
لقد نسينا هواية الدكتور في جمع الحيوانات فأسرعنا قبل أن يتعرف علينا النمر ودخلنا الغرفة وأغلق هولمز النافذة ووضع مصباحا على الطاولة فإذا الغرفة كما تركناها .
وقرب هولمز فمه في أذني وهمس بصوت لا يكاد يسمع : يجب ألا تحدث صوتا و إلا فالموت بانتظارنا ، يجب أن نطفئ المصباح لئلا يرى نوره من فتحة التهوية واجعل مسدسك في متناول يدك …. سأجلس بجانب السرير واجلس أنت على الكرسي ، الصمت او الموت !
أخرجت مسدسي ووضعته على الطاولة ، وكان هولمز قد جلب معه سوطا رفيع مرنا ، فوضعه على السرير بجانب شمعة وعلبة كبريت ثم أطفأ المصباح … ولبثنا في الظلام ، ولن أنسى ما حييت ذلك الإنتظار المريع ، إذا كنت لا أسمع تنفس هولمز وهو قريب مني … وتناهى إلينا زئير النمر في الحديقة ، فمر علينا الزمن كأنه دهر طويل ، وتيبس أطرافي وأنا لا أجرؤ على الحركة ، وتوفزت حواسي في الظلام .
وفجأة التمع برق أحمر من جهة فتحة التهوية ثم اختفى ،
وشممنا رائحة اشتعال الزيت والمعدن الساخن ، فقد أضيء القنديل في الغرفة المجاورة ، وسمعت حركة فتهيأت للوثوب ، ولكن الوثوب على أي شيء ؟؟
واشتدت الحركة ، واقشعر جسدي وانا أسمع صوت فحيح كأنه الماء يغلي على النار ، الصفير في الحجرة .
فنهض هولمز و أشعل عود كبريت ، وبدا يضرب بسوطه حبل الجرس المتدلي فوق السرير وهو يصيح : هل تراه ياواطسون ؟ هل تراه ؟
و لكنني لم أر شيئا ، وحين أشعل هولمز عود الكبريت ارتفع الفحيح وصار أقوى ، ولم أبصر على النور الضئيل ما كان يضربه بهذا العنف ، وما كنت أرى سوى وجهه الشاحب المليء بالغضب والاشمئزاز .
وتوقف عن الضرب بسوطه وهو يلهث وينظر إلى فتحة التهوية فارتفعت من الناحية الثانية من الجدار صرخة هائلة لم أسمع مثلها صرخة ألم وخوف وغضب ، تعالت ثم انتهت باختناق المحتضر .
و صحت: ما هذا ؟
فنظر إليه هولمز ووجهه أصفر كالليمون : لقد انتهى كل شيء .. هذا أفضل ..احمل مسدسك ولندخل غرفة الديكتور .
وطرق الباب المجاور فلم يسمع شيئا ، فأدار المقبض وفتح الباب وتبعته ومسدسي بيدي ….
كان القنديل على الطاولة يرمي شعاعه النحيل والحقيبة المعدنية مفتوحة ، والدكتور روالوت على كرسيه ثابت لا يتحرك ، وعلى ركبيته رسن الكلب الذي شغل فكري ، ورأسه ملقى إلى الوراء وعيناه مفتوحتان تحدقان في السقف و على جبينه شريط أصفر مرقط ببقع بنية ملتصق به . فهمس هولمز : الشريط …. الشريط المرقط
وتقدمت خطوة إلى الأمام فتحرك الشريط العجيب على جبين الميت وارتفع طرفه ، فإذا هو رأس أفعى مثلث الشكل .
وهمس هولمز لي : أفعى مائية …. أشد أفاعي الهند فتكا ، ويموت من تلدغه بعد عشر ثواني ، لقد قتل نفسه بنفسه ، لنرجع هذه الأفعى إلى الحقيبة المعدنية . وأمسك بالرسن ذي الأنشوطة ، وأحكمه على عنق الأفعى ثم انتزعها بجذية قويه وحملها بعيدة عن جسمه ، ثم رماها في الحقيبة الحديدية و أغلق غطاءها
كذلك كان موت الدكتور روالوت ، وغني عن القول أن الشرطة اعتبرت وفاته حادثا ، وقد ذهبت الآنسة هيلين إلى بيت عمتها ، وتزوجت بعد ذلك .
وما بقي علي قوله قد سمعته من هولمز ونحن في طريق العودة ، قال هولمز وهو يفكر بعمق : لقد سرت في طريق خاطئة حين ربطت ما بين الشريط المرقط وبين الغجر المقيمين في الحقول ، وسبب ذلك ما قالته لي هيلين ، ولكني حين اكتشفت الرسن الذي تربط به الأفاعي ، وفتحة التهوية وجهت نظري إلى إمكانية وجود حيوان ، لأن الدكتور مولع بجلب الحيوانات من الهند وكان ينبغي للمفتش أن يكتشف العضتين اللتين تركتها الأفعى في عنق الفتاة ؟
والدكتور روالوت المجرم خبير بالسموم ، وهو يعرف ان سم هذه الأفعى لا يكتشف بالتحاليل الكيماوية أو الطبية الحالية ، ولعل جولي قد نجت من لدغ الأفعى مرات ومرات حتى ظفرت الأفعى بها .
قد أكون مسؤولا عن موت الدكتور لأني هاجمت الأفعى بسوطي و أجبرتها على العودة من فتحة التهوية فارتمت على الدكتور ، ولكنها مسئولية لا تشغل بالي ولا تمنع النوم من عيني .
وانتهت بحمد الله
تابعوني مع رواية قادمة
من روايات( ارثر كونان دويل ) وبطلها (شارلوك هولمز)