ما الطريق لمعرفة الرب؟
بقوة العلم عن أسماء وصفاته، وهذا ممكن أن يأتي بطريق الإجمال، يعني تعرفي أن الله رحمن رحيم ملك قدوس... تحفظ أواخر سورة الحشر، وأوائل سورة الحديد، آية الكرسي.. هذا علم إجمالي،
لكن ليس هو المراد هنا، لأن مما يعيبنا -أهل التعليم- أنهم يتعلمون عن تفاصيل تفاصيل التوافه ثم عن ربهم مالك الملك الذي لابد أن يلقوه، ستلقوا ربكم ما بينكم وبينه ترجمان، ستكلموه وما بينكم وبينه ترجمان، نأتي إلى هذا العلم المهم ونرى أنه يكفي أن نتعلم فيه بالإجمال، أما عن التفصيل فنرى أنه أمر لا يستحق! أو بلسان مقالنا لم نقل ما يستحق لكن بلسان حالنا نقول ما يستحق! لأن العمر يجري ونحن نبحث في كلام ليس له قيمة وفي مقابل ذلك لا أخصص على الأقل ساعة في الأسبوع أتعلّم فيه عن صفات الله! أعرف ما صفاته، مع أنه مالك الملك، وهو على كل شيء قدير..
يأتي بك وبمراداتك وفوق مراداتك! يعطيك فوق آمالك، لو عند بابه وقفت، لكن نسأل الله أن يغفر لنا ما يسّر لنا من طرق التعلّم وما هو واقع بنا من قوة إهمال!
هذه وحدها تحتاج منا إلى توبة! أن يكون كل شيء يسير.
لو سألكم ربكم عن الأمن الذي نعيشه الذي به يتوفر العلم ويسهل، وعن اللغة التي تملكونها وتجيدونها (العربية)، وعن المصاحف الموجودة في بيوتنا، وعن الوقت، وعن الصحة... ماذا سنجيب وماذا سنقول؟!!
أنا لا أكلم أي أحد، لا أكلم عوام، لا أكلم أناسًا ليس لهم في التعليم، إنما أكلّم أناسًا عندهم قدرات ومن النظريات التربوية الشيء الكثير، ويعرفون عن هرم فلان وفلان... هذه أمانة في عنقي لابد من إيصالها،
ليس من المنطق بصورة أن نترك العلم عن العظيم الكريم الحليم الذي له ملك السماوات والأرض ونتعلم عن تفاصيل ستأتي لحظة وتقولي عنها تافهة!
لكن لا توصل نفسك لأن تقول: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} عدم قوة الاستعانة بالله نتيجة أننا جاهلين في تفاصيل العلم عنه، ولما لا تعرف عن تفاصيل العلم لا تبحث عن قلب يحب ويتعلم ويعظم!
كيف يحب قلبك ويعظم بدون أن تعرفه؟!
لا أحد يحبّ أحدًا إلا لما يشتدّ العلم عنه، نحن لو لم نعرف جيراننا لا يمكن أن نقول أننا نحبه ونوده إلا لما أتعرف عليهم وأقترب منهم ذاك الوقت أحبهم.
لا تكلّف نفسك تحبّ الله وأنت لا تعرفه، وهو سبحانه وتعالى عرّف نفسه إليك بمزيد تعريف، يكفيك آية الكرسي أن تفهمها بمعمق: أولها {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ} وآخرها: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} يعني هو الذي يستحق أن تتعلق به على الحقيقة لأنه وحده العلي، وهو الذي يستحق أن تعظمه على الحقيقة لأنه وحده العظيم، ثم يأتي بعد هذه الآية يقول: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} تبين الرشد: يعني بعد أن عرفت كل هذه الصفات عن ربك لا يمكن أن يكون في قلبك تعلق بغيره، لا يمكن أن تعظم غيره، لكن كم مرة نقرأها ولا يتبيّن لنا الرشد من الغيّ؟!!
كم مرة نجد قلوبنا معلّقة بغيره!؟
بل لما مرّت تجربة الأسهم بيّنت حقائق! القلوب مع الأسهم طالعة ونازلة، العيون على الشاشات تكاد تقفز القلب بسبب هذا السهم الذي أصبح كلمة معظمة عند ناس كثير!!
لا يعلمون أن الله ابتلاهم، ومن رحمته، ومعروف عند الاقتصاديين أن دولتنا أسرع دولة ينهار سوق الأسهم فيها، المناخ سابقًا وسوق وال ستريت كلاهما لما سقط أخذ فترة أطول بكثير من فترة سقوط سوق الأسهم السعودي، هذا يرى بعين الرحمة فقط، أنه من رحمة الله بنا أن السوق انهار سريعًا، حتى تنقطع هذه التعلّقات، فقط كانت ورقة كاشفة لنا (من نحن؟) أين قلوبنا وكيف معلّقة؟!
لا أحد يقول: معنى ذلك أن التجارة حرام! لا أتكلّم عن هذا، تعلمون جيدًا ماذا حصل في تلك الأيام من عدم توازن اقتصادي، من تعلّقات ظهرت ، يقومون الليل ويقولون: يا رب الأسهم ترتفع! وكأن الدنيا هذه نهاية كل شيء!!
بل لما أتت الأحداث أحداث إخواننا في غزة
أين نحن عن سورة البروج وعن حسن الظن بالله..
يخبر الله في سورة البروج
{وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ} أصحاب الأخدود كفار ألقوا المؤمنين في النار، ثم يأتي سبحانه وتعالى يصف نفسه بوصفين لابد أن تكون بكل عمق، المفروض أننا نعيش تحت هذان الاسمان
{و َمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}
عزيز قادر على عزّهم، حميد على ما يجريه من أقدار، لابد أن يبقى في قلبك حميد محمود على فعله، لا تتكلم عن الله بلسان حالك، الناس لا يتكلمون بلسان مقالهم لكن بلسان حالهم كأنهم يقولون: أين أنت يا رب لا تنصرهم؟!! أين أنت لا تعزّهم؟!!
ثم قال تعالى:
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} ولا تتصور أنه غائب {
وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
ثم يلفت نظرك، ليس كل شيء في الدنيا، من قال أن الدنيا دار الجزاء؟! في نفس السياق يقول الله عز وجل:
{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} كيف تستهين بعذاب جهنم وعذاب الحريق؟! كل التفكير هنا في الدنيا؟! يأتي بأنعم أهل الدنيا ثم يغمس فيها غمسة واحدة ثم يقال له: هل ذقت نعيما قط؟! يقول لا والله!!
ثم تأتي الآية التالية:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} هذا هو الفوز الكبير، الدنيا ليست بشيء.
ثم يعود مرة أخرى السياق يفهمك معنى العزيز الحميد:
{ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} يعني أنت لا تؤمن إلا هنا؟!
{
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} أم أنك لا تؤمن بالغيب؟! أو تقول يا رب لو لم تعزنا هنا فلن تعزنا؟!!
إذًا لما تأتي المواقف تكشف ماذا نظن في الله
{فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} .
من أجل هذا الضعف الشديد لا يوجد قوة استعانة، لا يوجد إحساس أني المفروض أن لا يقف إلا عند باب الله، قوة الاستعانة لا تأتي بسهولة!
لما تجد نفسك طوال وقتك تفزع إلى الله أكيد أن عندك علم عظيم عن الله، فكلما أتى إليك الصغير والكبير، فزعت إليه، لكن من هذا الذي يفزع إليه؟
انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب الغلام ويقول له:
((إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ))
كم شخص قال: أين الأمة؟!
الأمة هذه لا تسوى شيء إذا لم يجعلها الله تكون، الأمة كلها لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك.
ألم تسمع
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} أين كل هذه المفاهيم؟!
{
و َمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى} كل هذا لا يعني ترك الأسباب لكن لابد أن تفهم من يأتي بالأسباب! لا يأتي بها إلا الله.
إذًا اطرق باب رب الأسباب، الأول الذي ليس قبله شيء، اطرق بابه وقل يا رب هات الأسباب.
حالنا مع أبناءنا أعجز ما نكون! لما أحد يقول خذي الأسباب وربيهم، جوابي بكل سهولة: من أين لي بالأسباب؟!!
أحضروا لي الأسباب لأفعلها، ليس لدي حتى أسباب لأربّي بها!
إذًا اعلم أن رب الأسباب هو الذي يأتي بالأسباب فتوسل إليه أن يأتي بالأسباب، لذلك أهم كلام في الاستعانة الإيمان باسم
الأول والآخر.
إذًا الطريق إلى العلم عن الله هو معرفة أسماءه وصفاته في كتابه، ثم بعد ذلك تأتي بقية الطرق، لكن هذا أظهر ما يكون.
ولابد أن نتوب إلى الله من حالة طويلة مرت علينا تاركين ومهملين أن نتعلم عن الله!
أسأل الله أن يفتح علي وعليكم في العلم عنه؛
لأن الثبات ليس له طريق إلا أن تتمسك بحبل الله، وعلى قدر ما أعطانا الله من قدرات وقوة عقلية وقدرة على الفهم.. نحن نتكلم عن أناس يعرفون مكانتهم في المجتمع ويعرفون ما هي قدراتهم، ويعرفون كيف يستطيعوا أن يحصلوا العلم، فليس من المنطق تفاصيل تافهة تكون في عقلي ثم أهمل وأترك الشيء العظيم!
نتوسل إلى الله أن تنكشف غمة الجهل عنه وأن يفتح علينا في العلم عنه سبحانه وتعالى..
منقول من محاضرة لأناهيد السميري ( نقلتها لأنها أثرت في )
ياترى هل استفدتم مثلي؟