إنه ليوم سعيد بل ربما من اسعد أيام الأم , فمنذ أن حملته رضيعا على يديها وهي تنظر له , يكبر لحظة بلحظة أمام عينيها , وكلما مرت عليه لحظة زادت سعادتها به , وتكتمل فرحتها به حين يأتي أمه ليلح عليها برغبته في الصيام , صيام شهر رمضان كما رأى صيام أسرته الصغيرة والكبيرة ليشارك فرحة المسلمين بهذا الشهر .
فياله من شعور مفعم بالأمل والاطمئنان على حسن ثمرة التربية حينما يطالب الطفل من تلقاء نفسه بأن يؤدي فريضة الصوم على ما فيها من مشقة للكبار فضلا عن الصغار وخاصة في أجواء حارة مثل أجواء معظم عالمنا العربي .
ولهذا فقد اعتنى الإسلام عناية كبيرة بالنشء الذي يعد من أهم دعائم الدولة الإسلامية الناهضة القوية , وحرصت الشريعة السمحاء على حقوق وواجبات الطفل , واهتمت به بداية من اختيار الزوج لزوجته الصالحة التي تقوم بعبء التنشئة الإسلامية الصحيحة لطفلهما عقيدة وعبادة وعلما وعملا وسلوكا وصحة.
ومن رحمة الله بعباده المؤمنين أن جعل لهم شرائع الإسلام ميسرة ومدرجة حتى يسهل التزامها والتمسك بها دائما .
والصيام من العبادات الشاقة على النفوس ، كونها لا تمنع المحرم فقط بل تمنع المباح - في غير وقتها - من أمور ألفها الإنسان , فهي امتناعٌ عن أمور طبيعية وضروريَّة للجسد ,
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : " أي رب ، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن : " منعته النوم بالليل فشفعني فيه ،فيشفعان " رواه أحمد.
والفطرة البشرية ترفض الإجبار على المنع فكل ممنوع دائما مرغوب , لذا جاء النهج الرباني الحكيم في التدرج التشريعي لعملية الصيام , وساق الله عز وجل فريضة الصيام على أمة الإسلام بطريقة ميسرة مدرجة تخبرنا أن الصيام ليس جديدا بل سبقنا إليه الكثير من الأمم , وبدقة الحكيم جاءت بألفاظ ابتعدت عن الإجبار الذي ينفر النفوس ، وبينت يسر الدين في حال المرض أو السفر ,
قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ " , ثم بعد ذلك تبعتها آية الفرض " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ " (البقرة: من الآية185)
ومن هذا المنطلق التربوي واتباعا للنهج الرباني , تبدأ الأسر المسلمة في التدرج الإيجابي مع أطفالها في فريضة الصيام , وتتخذ جميع الوسائل المحببة للطفل في تعويده على الصيام شيئا فشيئا , وتقدمه له بصورة تجعله يحبه ويشتاق إلى رمضان كي يصوم مع الأسرة كفرد لا يقل إيمانا عن بقية أفرادها الذين يحرصون على الصيام وتحمل المشاق رغبة في الأجر وحبا منهم لهذا الشهر المعظم , من خلال السلوكيات التي تتبعها الأم مع أطفالها لغرس تلك العبادة في قلوبهم إلى الأبد .