الفصل الثاني
الشمس تجود على الشارع بدفعات متدفقة من النور، الجو رقيق يداعب الصبا في أعينهن العابثة، أربع فتيات، فلنستخدم الزوووم لنراهن بطريقة أفضل
منى، أجرأهن و أجملهن، مغرورة تظن أنها مركز الكون و حولها تدور الكواكب، لها نمط غريب في لباسها تحاول به تقليد كل ما في عالم المانڭا، تنانير قصيرة و جوارب تصل إلى الركبتين و ضفيرتين طويلتين تضفيان على ملامحها براءة خيالية.
إيمان، ذكاء خارق و أفكار جهنمية، العقل المدبر، تقليدية الشكل جدا، لا تستغني عن حاسوبها النقال و نظاراتها الطبية المستديرة.
أحلام، رياضية القوام، هوايتها الرياضة، تمارس كل أنواع الرياضات المتاحة لها في وسطها الصغير، تعودت على زي رياضي يجعلها خفيفة و مستعدة للإشتباك في أي لحظة، شعرها قصير كالصبيان، لا تستغني عن الكاسكيت لأي سبب من الأسباب.
هبة، متوسطة الطول، هشة الفؤاد، مترددة في كل شيء، لا تستطيع الإعتماد على نفسها، تسيرالفتيات حياتها، لا يؤخذ برأيها، عاطفية و رومانسية إلى أقصي درجة لها جمال هادئ يدخل إلى القلوب دون استئذان.
أربع بنات، تركن حصة الفيزياء و خرجن في مهمة محددة، كن يمشين معا في صف واحد، يراقبن المارة، يغمزن بعضهن البعض كلما مررن قرب زوج من العشاق، وصلن إلى وكالة بريدية لتحويل الأموال، دخلت منى برفقة إيمان و ظلت هبة و أحلام أمام باب الوكالة تنتظران، كان هناك صف صغير من الناس ينتظرون دورهم، تنهدت منى في ملل و قالت لإيمان
منى: هل نحن مضطرات للإنتظار؟
إيمان: اصبري منى
تأففت منى بحركة مدللة و قالت:
منى: لا يمكن أن نبقى هكذا، أنا أكره الإنتظار
نظرت إلى الطابور بملل ثم ما لبثت عيناها أن لمعتا بخبث و قالت
منى: لن أنتظر، أموت لو بقيت ثانية واحدة في صف الإنتظار هذا
تقدمت منى إلى المقدمة حيث كان هناك شاب أمام الشباك يكمل إجراءاته و خلفه رجل في منتصف العمر ينتظر دوره، خاطبت منى الرجل الثاني بصوت رقيق
منى: سيدي هل تسمح لي أن أسبقك، المال الذي أنتظره تتوقف عليه روح والدي، علي شراء دواء نادر و إعطاءه إياه في أسرع وقت
كانت نظرتها تسحر العقول و صوتها يمزق نياط القلوب لفرط رقته و الألم الذي زرعته ببراعة بين ثناياه، نظر إليها الرجل مشفقا و أعطاها مكانه، غالبت منى ابتسامة منتصرة و أخرجت من محفظتها البطاقة القومية لأمها، شعرت بالتوتر من الإجراءات، هل سيقبل الموظف ببطاقة والدتها؟
جاء دورها فأعطت الموظف رقم الحوالة و بطاقة والدتها، نظر إلى البطاقة ثم قال لها
الموظف: آسف آنستي يجب ان تحضر المعنية بالأمر بنفسها لتسلم المبلغ
جرى الغضب بقوة في عروق منى لكنها كبحته و رسمت على ملامحها نظرة حزينة و ارتجفت شفتها السفلى
منى: أرجوك سيدي، امي لا تستطيع الحضور بنفسها فهي امرأة مقعدة و ليس لها سواي
و هنا تدخل الرجل الذي سمح لها بأخذ دوره و قد بلغ منه الحزن لحالها مبلغا كبيرا
الرجل: أرجو أن تحكم هنا جانب الإنسانية فالفتاة على عجلة من أمرها و هذا المال تتوقف عليه حياة شخص مريض و إذا لم يصله الوقت المناسب يكن ذنبه في رقبتك
تأثر الموظف بكلام الرجل و بملامح منى البريئة فأنجز الإجراءات بسرعة و سجل بيانات والدتها في دفتر الوكالة ثم ناولها المبلغ المالي.
أخذت سلوى المال و وضعته في حقيبتها و نظرت إلى الموظف ثم إلى الرجل بامتنان و دمعتين لامعتين تترقرقان في عينيها الواسعتين
منى: أنا شاكرة لكما، مازالت الدنيا بخير ما دام فيها أشخاص مثلكم
انسحبت منى بسرعة من أمامهم بسرعة لأنها كانت ستنفجر من الضحك لنظرتهما المتعاطفة.
كانت إيمان تجلس على أحد مقاعد الإنتظار، قامت بسرعة عندما رأت منى قادمة و خرجتا معا، ابتعدتا بصمت عن الوكالة فتبعتهما أحلام و هبة
أحلام: ماذا فعلت؟؟؟ هل مر الأمر بسلام؟؟؟
لم تجب منى و واصلت سيرها
هبة: ألا ترين ملامحها؟ لم تنجح في أخد المال هذا واضح
كانت منى تمشي بسرعة إلى أن استوقفتها يد أحلام القوية التي أمسكت ذراعها
أحلام: ما الأمر؟
نظرت منى إليهن بنظرة حزينة ذابلة ثم قالت بصوت خافت
منى: لن أخبركم شيئا قبل أن تمنحوني جائزة الأوسكار
انطلقت منى هاربة من قبضة الفتيات اللواتي لحقن بها في الشارع و ضحكاتهن تكاد تصم الآذان.