المنظر من هذا العلو رائع، المدينة الصاخبة تبدو وديعة تحت ضوء الشمس، كان فريق البنات قد أخذ مكانه في مقهى فاخر في أحد البنايات الزجاجية المليئة بالشركات الضخمة، كان المقهى يعج برجال الأعمال المنشغلين بأحاديثهم الجادة، وحدها مائدة الفتيات تعج بالضحك و النكت، كن قد قررن قضاء اليوم في التسكع.
لمحت منى مجموعة من الشباب تأخذ مكانا قرب الجدار الزجاجي الذي يطل على المدينة، يبدو عليهم النشاط و الأناقة، البدلات المكوية و ربطات العنق الفاخرة، فغرت منى فاها و هي تنظر إلى من يبدو رئيسهم ثم التفتت إلى صديقاتها قائلة
منى: سأفقد الوعي يا بنات، ففي المائدة المقابلة رأيت أجمل رجل على وجه الأرض.
انفجرت الفتيات ضحكا و هن يتلفتن إلى حيث يجلس الشباب الواحدة تلو الأخرى، كان صخبهم يلفت انتباه كل رواد المقهى، قامت منى من مكانها و غمزت البنات و قالت
منى: سأذهب إلى الحمام و أراهنكن أنه سيلحق بي و يحاول أن يتعرف إلي
أحلام: لا تكوني واثقة جداً منى فالرجل لم يرفع رأسه عن أوراقه منذ دخل، يبدو أنه اجتماع عمل و لا أظنه سيترك عمله ليلحق بك.
منى: سترين أحلام
تركت منى صديقاتها و تمشت ببطء في اتجاه الحمام، تلكأت عندما مرت قربه و تعمدت إسقاط هاتفها النقال و انحنت بالعرض البطيء لتأخذه و سمحت حركتها هذه للشباب بتأمل ساقيها العاريتين و قوامها الفتي الذي تفصح عنه تنورتها القصيرة، قامت منى و واصلت طريقها نحو الحمام.
تأملت وجهها في المرآة، ابتسمت لنفسها بفخر، إنها لم تقابل من هي أجمل منها أبدا، بدأت ترتب غرتها الناعمة و تصلح من هندامها، إنها واثقة بأنها ستجده أمامها عندما تخرج، قرصت خديها لتدفع بالدم إليهما، تنفست بعمق ثم خرجت، كانت خيبتها كبيرة جداً عندما لاحظت بأنه مازال منكفئا على أوراقه، عادت إلى مكانها و الغضب يحتل ملامحها البريئة، أخذت مكانها بين صديقاتها، دفعت أحلام بلسان كاسكيتها إلى اليمين و اقتربت بوجهها من منى و هي تقول بابتسامة خبيثة
أحلام: لقد رأيناه عندما جثى على ركبتيه طالبا ودك، لماذا رفضت منى؟
ضحكت الفتيات و أضافت إيمان
إيمان: لقد بكى المسكين قهرا عندما رفضت تقربه إليك هههههههه أشفق لحاله
نظرت إليهن منى بغضب ثم التفتت إلى هبة و قالت
منى: و أنت هبة؟؟ ألست تملكين تعقيبا؟؟؟
هبة: لا منى، تعرفين بأنني بعيدة كل البعد عن هذه الأشياء، أنا حقاً لا أفهم ما يجري و لا أفهم كيف تقول إيمان و أحلام بأنه جثى على ركبتيه و بكى و هو لم يفارق قط مكانه؟؟؟!!
ضحكت الفتيات حتى دمعت أعينهن، كانت سذاجة هبة مادة دسمة للتفكه و التسلية.
عادت منى للنظر إلى الرجل الوسيم و هي مغتاظة للامبالاته، لماذا لا ينظر إليها، يكفيها أن تلتقط عينيه في نظرة واحدة لتجعله يقع في هوة الإفتتان بها لكنه أبدا لا يرفع رأسه عن أوراقه، ماذا يا ترى في هذه الأوراق يجعله عازفا عن كل ما يحيط به إلى هذه الدرجة.
لم ترد منى شيئا في حياتها بقدر ما أرادت أن يلتفت إليها هذا الرجل، اختلطت عليها مشاعرها فلم تعد تدري إن كانت تريده لترضي غرورها أو لتسكت سخرية صديقاتها اللاذعة أو لتسكت هذا الخفقان الرهيب في قلبها.
وصلها صوت أحلام و هي توقظها من أحلامها
أحلام: منى، أين شردت؟ انسي أمره لأن مثله له نوع خاص من النساء
عقدت منى حاجبيها في غضب و نظرت إلى صديقتها بنظرات نارية كادت تحرق المكان بما فيه
منى: ماذا تعنين؟؟؟؟ لن يجد من هي أجمل مني و لو بحث عنها بالمجهر الإلكتروني، عن أي نوع تتحدثين؟ ثم ماذا تعرفين أنت عن أمثاله و أنت كل طموحك أن يحبك ابن بقال الحي.
صعقت أحلام من كلام صديقتها الجارح و ردت على منى بالهدوء الذي يسبق العاصفة
أحلام: إذا أصبحت تعيرينني بحبي لسليم؟؟ لكن ما لا تعلمينه أنني لا أستغرب ما تقولينه فأنت لا تفرقين بين السوبرماركت و محل البقالة فكيف أنتظر منك التمدن؟
وقفت منى و هي تشد قبضتيها في غيض و تدخلت إيمان و هبة لإصلاح الوضع قبل أن تصل الفتاتان إلى مرحلة الإشتباك بالأيدي خاصة أنهما عنيدتين و لا تتنازلان.
عادت منى للجلوس و هي نادمة لوصولها إلى هذه الدرجة في الكلام مع أحلام لكنها لم تكن على استعداد للإعتذار.
منى: ما رأيكن بأكواب ضخمة من أغلى و أفخر أنواع الآيس كريم؟
كانت تعرف أن أحلام تعشق الآيس كريم و كانت هذه طريقتها في الإعتذار، وافقت الفتيات بفرح لهذا الإقتراح الجليدي
كن يتمتعن بالنكهات المختلفة عندما جاء النادل وقف النادل أمامهن، أرادت منى إخراج المال من حقيبتها لتدفع لكن النادل قاطع حركتها عندما قال
النادل: الحساب مدفوع آنستي
ثم أشار إلى الرجل المتوجه نحو الباب، كان الفارس الذي سلب منى لبها هو من دفع حسابهن، ابتسمت منى و أشرقت ملامحها بانتصار و هي تنظر بفخر منقطع النظير إلى صديقاتها.
ابتسم الرجل لهن و غادر المقهى بينما استطرد النادل و هو يمسك بيده بطاقة من التي يستعملها رجال الاعمال في التعريف بأنفسهم، مدت منى يدها لتأخذ البطاقة لكن النادل تجاهل يدها الممدودة و دس البطاقة بين يدي هبة و هو يقول لها أمام دهشة الفتيات العارمة
النادل: السيد كمال أراد أن يكلمك لكنه لم يرد إحراجك في مكان عام يتمنى أن تتكرمي عليه باتصال أو رسالة إلكترونية، ستجدين كل عناوينه هنا.