السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هاهو لؤي السعداوي يطل علينا للمرة الثاني بابداع جديد ،،
آلمني موضوع قصته حين قرأتها ،،
لكنها الحياة لا تستقر على حال ،
ولا تصفو دائما ..
بلاسم لؤي السعداوي
وإذا رغبتم في قراءة نبذة عن الكاتب فاضغطوا على
تفضلوا هنا
وِلِدَ لحظة استشهاد أبيه وهو يدافعُ عن وطَنٍ أخذَ منا الكثيرَ وبخلَ علينا بالنزرِ اليسيرِ .
ولدَ وأمهُ الثكلى تنتظرُ عودةَ الأبِ ليختارَ له اسماً ،
وأنّى لهُ ذلكَ وهوَ اشلاءٌ متبعثرةً في ساحةِ المعركةِ ولم يصلها منهُ سوى خبرُ استشهادهِ ،
فلم تُسِمه .
وبعدَ طولِ انتظارِ لمن ذهبَ ولن يرجعْ ، أصبحَ في شهادةِ الميلادِ بلاسم .
أمٌ ثكلى وطفلٌ رضيعٌ لابدَ لهم من معيلٍ في تلكَ الظروفُ الصعبةِ .
قررت بعدَ عامٍ أن تتزوج لِتؤَمّنَ العيشَ الكريمِ لها ولطفلها .
وبالفعلِ تزوجت من شخصٍ كانَ لهم الملاذُ الآمنِ والحصنُ الحصينِ .
عاشت في قمةِ السعادةِ وأنجبت أخوين لبلاسم ،
ولم تتصورْ ولو للحظةٍ أن القدرَ والحروبَ الطائشةَ لتجارِ الدماءِ ستفقدها زوجها
بعدَ أن ذهبَ ضحيتً لعمل إرهابي استهدفَ عمالَ بناءٍ كانَ أحدهم .
حملَ بلاسمُ على عاتقهِ عبءَ تلك العائلة وهو ابنُ ست سنين .
وكانَ يستفيقُ قبلَ طلوع الشمسِ ويطوفُ أزقةَ المدينةِ باحثاً في أماكنِ جمع القمامةِ عما تجودُ به تلك الأكياسُ البلاستيكيةِ ،
جامعاً ما تمكنَ من جمعهِ من العلبِ المعدنيةِ الفارغةِويبيعها عائداً بثمنها البخس في نهايةِ اليوم ليسدَ بها رمقَ عائلتهِ .
كان يمرُ على الأطفالِ الذين هم في عمرهِ وهم يلعبون ،
فيهمُ باللعبِ معهم ،
لكنه سرعان ما يتذكر جوعَ إخوته الصغار فينسحبُ .
ذات يومٍ ، وبينما هو منهمكُ في البحثِ عن العلبِ المعدنيةِ ،
إذ ناداهُ أحدُ الأشخاصِ: :
- بلاسم لما لا تتركَ هذا العملَ وتعملُ معي ؟
توقفَ عن البحثِ وتساءلَ بلهفةٍ :
- أين ؟؟
أجابهُ :
- في المقهى .
رمى بلاسمُ ما لديهِ من علبٍ وذهبَ مع ذلك الشخص ليعملَ ،
ولكن تبينَ فيما بعد بأن هذا الشخص كان أقذر من تلك القمامة ،
حيث بدءَ بمضايقةِ بلاسم محاولاً ممارسةَ هوايته المفضلة وهي التحرِش بالأطفال ...
تركَ بلاسمُ العملَ مرفوعَ الرأسِ وعادَ ليجمعَ العلبَ من جديدٍ
ليعودَ في المساءِ حاملاً معهُ القليلَ من النقودِ وهوَ يحمدُ اللهَ ويشكرهُ .
تلقى بلاسمُ الكثيرَ من العروضِ للعملِ ،
ولكنه كان يرفضها؛ لأنها تخالفُ ما تربى عليهِ من اخلاقٍ .
وكان هناك مجموعةٌ من صغارِ السراق (النشالة) يحاولونَ بشتى الطرقِ أن يغروه بالعملِ معهم ،
إلا إنه يرفضُ ذلك باستمرارٍ .
ها هو شهرُ رمضان أوشكَ على النهايةِ وكل الأطفالِ استعدت لاستقبالِ العيد بأبها الملابسِ إلا بلاسم ،
فهو يعملُ إلى ساعتٍ متأخرةٍ من الليل ليجمعَ المالَ ويشتري لأخوتهِ ثيابَ العيدِ .
ولم يبقَ سوى القليل على ثمنِ تلك الثياب .
عادَ بلاسم ليصطحبَ أمه وإخوتهِ للسوقِ بعدَ أن تمكنَ من جمعِ المبلغ المطلوب .
وبالفعلِ ، ذهبوا جميعاً ليشتروا الثيابَ وهم مسرورين .
وكيف لا وغداً هو يومُ العيدِ ،
غداً سيلبسونَ تلك الثياب الجديدة كباقي أطفال المدينةِ ويلعبوا بالأراجيح .
يا لها من سعادةٍ لم تكتمل وأمنياتٍ صغيرةٍ تناثرت كتناثرِ اشلاءَ الأبِ ؛
لأن أحدَ صغارَ السراقِ قد أخذَ النقود من بين يدي بلاسم وهربَ .
وقفَ بلاسم مصدوماً ومتحيراً ماذا يفعل ؟؟
وهنا ثمة أسئلةٍ تخطرُ على البالِ وتشغلُ التفكير :
هل سيعيد اللصُ المبلغَ لبلاسم ويدخل السرور على هذه العائلة البائسة ؟
خصوصاً إن ذلك اللص يعلمُ بظروفه حقَ المعرفةِ ،
فطالما كان يساعدُ بلاسم بجمعِ العلب .
أم إنه لن يعيدَ ما سرقهُ ؛
لأنه بحاجةٍ ماّسة لذلك المبلغِ ؟
أم إن كبارَ السراقِ من الذين يحكمونَ البلد سينظرونَ بعينِ الرحمةِ لتلكَ العائلةِ وأمثالها ؟؟؟
هذا ما لا يعلمهُ سوى اللهُ وكبار السراق .
ما زالَ بلاسم بالانتظارِ ولكم أن تتصوروا ....
تمت
الرجولة ليست حكرا على مرحلة عمرية معينة ،،
هي تحمُّل المسؤولية ، الشهامة ، النضج قبل الاوان .
هي قصة من واقع مُر يرزح تحت وطأته شعبٌ كامل ...
فيا سماسرة الحروب ويا أدوات الشيطان ، ويا سراق الفرح ،،،
رفقا بقلوب غضة ، رفقا بنفوس تهفو للانطلاق ،
رفقا بالكادحين ، بالصابرين على البلاء ..
عمق البحر