إذا ذبلت رياحين القلب
فحتمًا ستجده تواقًا للعودة إلى الحياة
وإذا سئمت من الخلق جفاءهم ؟
وتراكمت عليك الهموم والأحزان
لا تتردد في أن تستعيد البهجة؟
فالطريق إلى السعادة يبدأ
بكلام الله !
تأمل حديث رسول الله [IMG]https://www.**- /vb/images/smilies/mohmad1.gif[/IMG]
الذي يسأل فيه ربه مستغيثًا بأسمائه الحسنى
وصفات العلى: (اللهم إني أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك
أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به
في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا،
ونور أبصارنا، وجلاء همومنا وأحزاننا...).
فمن المؤكد أن تستشعر في آهات دعاء النبي أن القرآن الكريم
هو نور الأبصار، وربيع النفوس، وكاشف الهم والغم،
وشفاء لما في الصدور، ورحمة للمؤمنين، وفرقان للحيارى،
وإرشاد للمهتدين، وإنذار للأحياء،
فائده جميله~
ويحق الله به القول على الكافرين.
وللتعبد بالقرآن، قراءة وسماعًا وتدبرًا، نور وحلاوة،
ويُعَدّ سماع القرآن الكريم عبادة صامتة يغفل عنها الكثيرون؛ !!
ويقول الله عز وجل:
{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}...
(الأعراف: 204).
\
سحر الأبدان أم القلوب؟
ولسماع القرآن سحر للقلوب وسلطان عليها،
ولذة لا تقاوم؛ حتى حذَّر الكفار أتباعهم من سماع القرآن
لما يعلمون من صدقه وسلطانه على القلوب،
حيث حكى القرآن عنهم فقال:
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}..
(فصلت: 12).
وقد جاء حكيم العرب -كما وصفوه-
يساوم النبي [IMG]https://www.**- /vb/images/smilies/mohmad1.gif[/IMG]؛ مقلبًا له الأمور
على كل وجوه الاسترضاء التي يقبلها البشر.
وهنا يقول له النبي [IMG]https://www.**- /vb/images/smilies/mohmad1.gif[/IMG]:
(أفرغت أبا الوليد)، يقول نعم فيقول له: (فاسمع مني)،
ثم تلا عليه سورة فصلت حتى وصل إلى قوله تعالى:
{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}...
(فصلت: 13).
فوضع يده على فم النبي [IMG]https://www.**- /vb/images/smilies/mohmad1.gif[/IMG]
وناشده الله والرحم ألا يكمل.
وعاد لقومه بوجه غير الذي ذهب به. ولما سئل قال: "
سمعت منه كلامًا ليس من كلام الجن ولا من كلام الإنس،
والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر،
وان أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه".
فما بال المؤمنين؟ وهم أتقى عباده وأحرصهم
على الامتثال له والتقرب إليه؛ فللسماع مذاق لا يعرفه إلا من ذاقه؛
لأن الصمت وسكون الجوارح أدعى لعمل القلب.
حتى إن رسول الله [IMG]https://www.**- /vb/images/smilies/mohmad1.gif[/IMG] لم يطق
أن يحرم لذة سماع القرآن؛ رغم أنه عليه أنزل.
فعن عبد الله بن مسعود [IMG]https://www.**- /vb/images/smilies/rada1.gif[/IMG] قال:
قال لي النبي صلي الله عليه وسلم: (اقرأ عليَّ القرآن)
فقلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟
، قال: (إني أحب أن أسمعه من غيري)،
فقرأت عليه سورة النساء، حتى جئت إلى هذه الآية:
{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا}...
(النساء: 41). قال: (حسبك الآن)،
فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان.. (متفق عليه).
ويقول ابن بطال تعليقًا على هذا الحديث،
كما ورد في فتح الباري: يحتمل أن يكون الرسول قد أحب أن يسمعه
من غيره ليكون عرضا، أو أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه،
وذلك أن المستمع أقوى على التدبر، ونفسه أنشط
من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها.
روائع
فمن صفات المؤمنين سماع القرآن بتدبر وطاعة؛
فقد يكون تدبره جزءا من اتصال العلاقة الإيمانية بينه وبين ربه.
فيقول تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ
وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}... (البقرة: 285).
ولم يقتصر تأثير القرآن على بني آدم فقط؛
ولكن كان له تأثير على الجن أيضًا؛
{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا *
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدً}...
(الجن:1-2)؛
وقوله عز من قائل: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّ
فَلاَ يَخَافُ بَخْسًا وَلاَ رَهَقًا} (الجن: 13).
وقد تعدى تأثير القرآن إلى الحيوانات.
الميت من لا يتدبر ويبدو أن عدم التدبر من صفات أعمى القلب؛
فلقد نعى الله تعالى على الكفار عدم استجابتهم للسماع؛
فقال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَ
وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ
بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}... (الأعراف: 179).
نسمع القرآن ممن نستشعر منه القرآن،
فعن طاووس [IMG]https://www.**- /vb/images/smilies/rada1.gif[/IMG]، قال:
سئل رسول الله [IMG]https://www.**- /vb/images/smilies/mohmad1.gif[/IMG]:
أي الناس أحسن صوتًا للقرآن وأحسن قراءة؟
قال: من إذا سمعته رأيت أنه يخشى الله…
(رواه مسلم).
\
ولكن قد يتساءل سائل:
كيف أسمع القرآن وأنا في ضيق؟
فنقول:
أولاً: إذا كانت هذه العبادة راحة للأبدان والعقول وإشباع للنفوس؛
أفلا تستحق أن تضحي من أجلها. أما إذا ذقت لذتها فستعرف أنت الجواب.
ثانيًا: السماع من أيسر العبادات فتستطيع أن تسمع في البيت،
وفي العمل، وفي السيارة، وعلى كل الأحوال.
ما دمت حاضر القلب كيفما تكون قائمًا أو جالسًا أو مضجعًا.
وتميل النفوس إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنم؛
لأن للتطريب تأثيرا في رقة القلب وإجراء الدمع.
لطائف~
ويقول الإمام النووي رحمه الله:
البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين وشعار الصالحين.
ونختتم بما قاله الغزالي في ذلك:
يستحب البكاء مع القراءة وعندها، وطريق تحصيله أن يحضر قلبه الحزن
والخوف بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والوثائق والعهود،
ثم ينظر تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن فليبكِ
على فقْد ذلك وإنه من أعظم المصائب.
.