الفصل الثامن
كانت منى تمشي كما تمشي الأشباح، مذهولة، تنظر إلى الأشياء و لا تراها، استقبلتها الفتيات و كلهن شوق لمعرفة ما حدث فأحطن بها إحاطة السوار بالمعصم و أسئلتهن تهطل عليها في غزارة، أشارت لهن بالسكوت و اتكأت على أقرب جدار و أغمضت عينيها و كلمة واحدة تتردد في ذهنها "لن ابكِ"
أحلام: منى، ماذا بك؟ انزلي من فوق السحاب و احك لنا ما حصل
إيمان: الدم يكاد ينفجر من خديك يا خبيثة، اعترفي ماذا حدث؟
استجمعت منى شتات نفسها و فتحت عينيها لتنظر إليهن نظرتها المعتادة و قالت في غرور
منى: لن أحكي شيئا إلا في المقهى القريب من الثانوية، أريد شايا ساخنا تفوح منه رائحة النعناع الطري و كرواسان ذهبية اللون محشوة بالشوكولا
نظرت الفتيات إلى بعضهن في غضب
أحلام: هذا ابتزاز
إيمان: أنت استغلالية منى
هبة: ماذا عن حصة التاريخ؟؟
حلت لحظة مقتضبة من الصمت قبل ان تقول أحلام في حزم
أحلام: هيا بنا يا بنات، أنا أدعوكن
تحركن بعيدا عن قاعات الدرس و خرجن إلى الشارع يمشين في صف واحد كعادتهن، كادت أحلام تشتبك في عراك مستميت مع أكثر من شاب فهي من النوع الذي لا يتحمل تحرشات الشارع المقيتة، كانت الفتيات يمنعنها بصعوبة من استعمال قبضتيها لتأديب كل من تسول له نفسه بأن يلقي عبارة غزل ضالة قد تجد طريقها إلى مسامعهن.
أخذن مكانا منزويا في مقهاهن المعتاد و بادرت إيمان منى
إيمان: إحك لنا الآن
نظرت منى إلى السقف بعينيها الواسعتين و قالت في دلال
منى: آكل أولا
نفخت أحلام في وجهها كثور هائج و قد بدأ ينفذ صبرها، فقامت من مكانها و وضعت سبابتيها في فمها و صفرت بقوة لتلفت انتباه النادل الذي هرع إليهن بسرعة و أخذ طلباتهن
إيمان: هل رأيتن هذا النادل؟ هل عينيه زرقاوين أم أنني أهذي؟
ضحكت الفتيات لملاحظتها
أحلام: نادل يا إيمان؟؟ هذا ما انتهيت إليه؟؟
منى: ههههه أخيرا أعجبها شخص ما
عدلت إيمان من وضع نظاراتها و قالت
إيمان: هذا لا يجيب عن سؤالي، ما لون عينيه؟
أحلام: فوشيا هههههههههههه
منى: لا بل سومون هههههههههههه
تنهدت إيمان في صمت عندما حضر النادل ليضع الطلبات على الطاولة فخاطبته إيمان
إيمان: جديد أنت هنا أليس كذلك؟
النادل: هذا لا يدخل ضمن نطاق الخدمات يا آنسة
كان رده صارما انصرف بعده رافعا أنفه للسماء
أحلام: ما به؟
منى: قليل الأدب
إيمان: دعكن منه، هيا احك لنا يا منى ما حدث
ارتشفت منى جرعة من فنجانها و نظرت إلى لا مكان ثم قالت بصوت عذب
وقفت أمامه في شموخ كعادتي، فنظر إلي في هيام و قال لي
لطفي: اسمك منى أليس كذلك؟
منى: نعم
لطفي: اعذريني منى لأنني صرخت في وجهك فأنا لم أكن أقصدك أنت بل كان كلامي موجها للأخريات
كانت صديقاتها فاغرات أفواههن، تكلمن في صوت واحد عندما سمعن كلام منى
"الأستاذ لطفي؟؟؟؟!!!"
أجابتهن منى في غرور
منى: نعم، الأستاذ لطفي
تابعت منى سردها و هي تحاول جعل كلماتها أكثر منطقية و إقناعا
منى: لا بأس يا أستاذ لطفي
وضع سبابته على شفتي و قال بصوت خافت
لطفي: لطفي، نادني لطفي فقط
منى: حسنا أست..حسنا لطفي
أمسك الأستاذ لطفي بيدي بين يديه الإثنتين، و رفعها ببطء إلى شفتيه، قبل برقة ظهرها و بطنها.
عادت الفتيات للصراخ في صوت واحد "الأستاذ لطفي؟؟؟؟!!!"
أومأت منى برأسها إيجابا و هي تعض على شفتها السفلى بشدة
إيمان: ماذا بعد؟
أحلام: طلب رقم هاتفك؟
إيمان: أعطاك موعدا؟
أحلام: يريدك؟
إيمان: زواج أم تمضية وقت؟
أوقفت منى سيل الأسئلة بإشارة مغرورة من يدها و قالت في كبرياء
منى: لم يخلق بعد من يمضي الوقت بي أو يتسلى على حسابي، سيقوم بخطبتي في أسرع وقت
انهالت عليها التهنئات و هي تفكر في سرها كيف تعبر بقصتها هذه البوابة التي تفصل الخيال عن الواقع لكنها سرعان ما هزت كتفيها في استهتار لتنفض عنها هذه الأفكار و هي مقتنعة في سرها بأنه لا شيء يصعب عليها.
و بينما الفتيات منسجمات في الضحك و الدعابات وقف على طاولتهن فتي نحيل طويل القامة كان يبتسم مفصحا عن أسنان ثائرة يمنعها من الإنحراف سلك تقويم اعوجاج الأسنان، نظر الفتى إلي منى في عينيها مباشرة و هو يقول:
الفتى: همس الليل؟؟؟؟
حل صمت رهيب ععلى الفتيات و قد تعرفن على هوية فتى السكايب الذي يهيم بمنى عشقا و الذي تقيمه و تقعده إشارة من سبابتها، فتحت منى فاها لتتكلم لكنه قاطعها
الفتى: همس الليل، هل لي بلحظة من وقتك؟ أريد أن أكلمك وحدك
تنهدت منى و قامت بتثاقل من طاولة الفتيات لترافقه إلى طاولته، التفتت إلى صديقاتها فأشارت لها إيمان و أحلام بإبهاميهين إلى الأسفل و هي إشارة تعرف منى معناها بالضبط إذ يستعملها جمهور حلبات المصارعة ليحثوا الفائز على كسر عنق الخاسر، أجابتهن منى بغمزة حلوة لعوب و واصلت سيرها لتجلس أمام الفتى
الفتى: أنت همس الليل!! لا يمكن أن أخطأ هذا الصوت، لماذا لم تسمحي لي برؤيتك؟ لماذا حرمت فؤادي من كل هذا الجمال؟ أنت أجمل مما كنت أتخيل يا همس الليل
قلبت منى شفتيها في امتعاض من كلماته الغبية و قالت بصوت متأن
منى: اسمع يا صبي، انس أنك عرفتني، لقد كنت بالنسبة لي "ڤيديو كليپ" أتفرج عليه في ساعات الملل، الآن و قد تعرفت على هويتي فلا بد لي من وضع نقطة نهاية لهذه القصة السخيفة
نظر إليها الفتى فاتحا فمه مفصح عن شبكة المعدن التي تحيط بأسنانه، معالم الصدمة كانت بادية على وجهه، أهذه هي همس الليل الرقيقة؟؟ همس الليل التي كان كلامها بلسما لروحه؟؟ لم يصدق الفتى ما سمعه منها، لا بد أن هناك خطأ ما
الفتى: همس الليل أرجوك، ماذا تقولين؟
وقفت منى منهية الحديث و قالت
منى: كف عن مناداتي بهذا الإسم الغبي، و لو رأيتني في أي مكان فلا تكلمني لأنك إن فعلت سأجعلك أضحوكة الثانوية بتسجيلات الرقص التي أحتفظ بها في حاسوبي، فهمت يا...ماذا كان اسمك؟ الذئب الوحيد؟؟؟
حركت رأسها يمينا و شمالا في استهزاء و قالت
منى: ما أتفهك
استدارت مني تهم بالرحيل عندما وصلها صوته الخافت
الفتى: و المال الذي بعثته إليك؟
ابتسمت منى و أجابته
منى: هذا يا صغيري ثمن وقتي الذي ضيعته في الإنصات إلى تفاهاتك
انصرفت منى لكنها سمعته يقول بغضب مضحك
الفتى: ستسمعين عني قريبا جدا، الأمر لن يمر بهذه البساطة
جلست منى بين رفيقاتها و كلها فخر بما أنجزت
أحلام: لقد انكمش الفتى
إيمان: ماذا فعلت به؟
انفجرت منى ضاحكة و قالت
منى: علمته الأدب
غرقت الفتيات في ضحكات رقيعة جلجلت المكان قاطعها صوت هبة الخافت
هبة: منى، أخبريني ماذا أفعل؟؟ لو كنت مكاني كيف ستتصرفين؟ هل تضيفينه إلى المسنجر أم ترسلين رسالة قصيرة على الهاتف؟؟
نظرت إليها منى و ضيقت عينيها و قالت لها بصوت رقيق
منى: هبة، أرني الكارت
أخرجت هبة الكارت من جيبها و مدته لمنى التي أخذته و تفحصته في صمت ثم مزقته ببطء إلى قطع صغيرة رمتها على رأس هبة و قالت لها بنفس الرقة
منى: الآن سترتاحين من هذه الحيرة
و عادت الضحكات العابثة تملأ المكان