الفصل الثالث عشر
النظرات كانت كالسيوف تطعنها طعنا و هي مازالت لا تدري السبب، ماذا جرى حتى أصبحت تلفت الأنظار إلى هذه الدرجة؟ نعم هي تحب أن تكون محط أنظار الجميع لكن ليس بهذه الطريقة، فالكل كان ينظر إليها بمزيج غريب من الإحتقار و التشفي، أحست منى بغضب شديد تضاعف عندما تذكرت الموقف المهين الذي تعرضت له في حصة الأستاذ لطفي، ستكتشف الفتيات كذبتها عن الأستاذ لطفي لا محالة، زادت نسبة الغضب و ما عادت تحتمل البقاء داخل جدران الثانوية، خرجت تتسكع وحدها، الشوارع مكتظة بالناس، كل يمشي في طريقه، لكل حياته تمنت لو كانت يدها تستطيع أن تطال حياتهم لتضع بصمتها عليها و تمحو بسمة الرضا من فوق شفاه كل الراضين أو تكسر قلوب العاشقين أو تبدد مال المترفين، حقدها اللامبرر كان يكبر كل يوم حتى أعماها فلم تعد ترى إلا نفسها، إنها أكثر صديقاتها جمالا و أنوثة فكيف لا يحبها الرجال، ما الذي تملكه هبة حتى يهتم بها كمال؟ و ما الذي تملكه سلمى حتى أضحى وليد مجنونا لما هددته بالطلاق؟ و ماذا جعل قلب سليم ابن التاجر يلهث خلف أحلام التي تشبه الصبيان بشكلها؟ كمال أهان أنوثتها عندما تجاهلها و وليد أهان كرامتها عندما أجبرها على الإعتراف بفعلتها في المصعد و سليم داس على شوقها إليه عندما فضل أحلام عليها، ما الذي ينفر الرجال منها؟ جمالها طاغ و عنيف و لا أحد يستطيع الإنكار لماذا إذا لا أحد يحبها؟ لماذا لم تحظ بموعد غرامي؟ لماذا لم تحظ بلفتة حب و لو بسيطة كعلبة حلوى النعناع التي حصلت عليها هبة؟ بدأ الحسد يغلي بداخلها و يأكل أي إحساس بالآخر فيجعلها لا ترى إلا نفسها و لا تعشق إلا نفسها.
لم تدر لماذا احتلت صورته خيالها و جعلتها تتوقف عن التفكير في أي شيء آخر، لطفي بشفته السفلى الممطوطة في ازدراء، و نظرته التي لا تحط عليها إلا غضبا، هل يحبها يوما؟ شعرت بيأس كبير جعل الدموع تجاهد لفك الوثاق الذي طال و تتحرر على خديها و تتساقط متكسرة تبحث عن يد تلثمها فلا تجدها.
ازداد غضب منى حينما أحست بدموعها تتساقط على خديها، شعرت بأنها مقهورة و مظلومة و بأنه لا أحد في هذا الكون كله يفهمها، كانت تمشي بلا هدف حتى وجدت نفسها أمام بيتها، دخلت و هي تجر قدميها جرا، ستدعي المرض عندما تأتي والدتها و تسألها عن حضورها المبكر، لم تكن تقلق أبدا من ردات فعل والدتها فهي بارعة في تلفيق الحجججججججججججج، وقفت أمام المصعد لكن ذكرى وليد جعلتها ترتعش خوفا و حنقا، اتجهت نحو السلم و جسدها المنهك يلتهم درجاته بسرعة فائقة، وقفت أمام شقتها و دست المفتاح في الباب عندما سمعت صوتا رقيقا لكنه لا يخلو من الصرامة
سلمى: منى؟!؟؟؟
استدارت منى فرأت سلمى تنظر إليها بنظرة غريبة لم تتبين معناها، تقدمت سلمى نحوها في صمت مريب ثم رفعت يدها لتصفع منى على خدها الذي لم يزل دمعها مرابطا فيه، تكلمت سلمى بصوت بارد جعل منى تشعر بهول ما فعلته
سلمى: هذه من أجل دمعي و سهري و نبذي لزوجي البريء منك و من ادعاءاتك الكاذبة.
أخرجت سلمى من جيبها هاتف زوجها و وضعته أمام أنف منى و هي تقول بصوتها المتهدج تأثرا و غضبا سلمى: هل تعلمين ما هذا؟؟؟
هذا هاتف زوجي الذي عبثت به يداك عندما ضايفتك في بيتي و هذا الهاتف الذي كان سببا في عذابي هو نفسه الذي أثبت لي براءة زوجي فهو يحتوي على مسجل للصوت سجل كل شيء من دخولك إلى المصعد و حتى وقوفك أمام باب شقتي، فغرت منى فاها و هي عاجزة عن تفسير تصرفها، بماذا تبرر فعلتها؟ صمتت و عينيها على الأرض، فتابعت سلمى كلامها
سلمى: على كل حال انا شاكرة لك فعلتك هذه التي أثبتت لي كم يعشقني زوجي
نظرت سلمى إلى منى باحتقار جعلها ترتجف ألما ثم أضافت
سلمى: أشفق على كريمة مما ستلاقيه معك، لو لم تكن صديقتي و لو لم أكن أعرف رقتها و ضعفها لكنت فضحت شرك أمامها لكن سكوتي يا منى لا يعني بأنني سأعتقك، لقد عرفت بأنك أفعى سمها من أخطر ما خلق الإله و لن أتركك تلذغين شخصا آخر، أنا و زوجي لك بالمرصاد.
فتحت منى فاها لتتكلم لكن سلمى قاطعتها
سلمى: لا أريد أن أسمع صوتك، ادخلي و إن عرفت أنك تصرفت أي تصرف مشين فأعلمني أن التقرير كاملا سيصل إلى كريمة
قلصت سلمى وجهها بعد أن أتمت كلامها و قالت في اشمئزاز
سلمى: سأدخل بيتي فالرائحة هنا كريهة افففف
و غادرت بخطى متثاقلة و هي تربت على بطنها كعادة الحوامل.
الفصل الرابع عشر
دخلت منى و قلبها مرتعش بين ضلوعها، لماذا يحدث معها كل هذا؟؟؟ إنها في ورطة كبيرة، سلمى أبانت لها عن وجه تجهل وجوده، كانت تظنها هشة ضعيفة كوالدتها كريمة لكنها صدمت عندما رأت مخالبها.
انقطع حبل أفكارها عندما سمعت صوت نحيب آت من غرفة والدتها، جرت إليها لتجدها منكفئة على وجهها فوق السرير و هي تنتحب، ارتعبت منى من حال والدتها و جرت إليها و حطت يدها على كتفها و قالت بصوت مرعوب
منى: ماما؟!؟!! ما بك؟؟ ما الذي جرى؟؟
التفتت إليها كريمة بوجهها الرقيق الذي بلله الدمع و عينيها اللتين تسبحان في بركة مالحة، و قالت لابنتها بصوت مختنق
كريمة: لا تصدقيهم يا منى، أنا لم أفعل شيئا، لقد كنت دائماً أمينة مع الله ومع طلابي و مع نفسي
زاد رعب منى عندما سمعت كلام والدتها الذي ضاعف حيرتها و قالت بصوت خافت و يدها تمسح الدموع التي ماتزال تتدحرج حارة على خد كريمة
منى: لا أفهم شيئا، التقطي أنفاسك ماما و أخبريني عن كل ما حدث بالتفصيل
شهقت كريمة شهقات صغيرة متتالية كالأطفال و حاولت أن تستجمع قواها أمام ابنتها ثم قالت بصوت متهدج
كريمة: لقد تم وقفي عن العمل و إحالتي إلى التحقيق، سأطرد في أي لحظة و ربما أسجن أيضاً
عادت كريمة للنحيب و هي تغطي وجهها بيديها فسارعت منى لاحتضانها و عقلها يفكر فيما قد يكون سببا لإحالة والدتها إلى التحقيق و هي التي لم تمس أحدا بسوء من قبل، طيبتها المفرطة كانت دائماً سبب تفكه طلابها بها و استغلالهم لها، ما الذي حدث؟؟ ربما تغيرت نظرة الكل إليها بسبب ما جرى لوالدتها، عادت منى تكلم والدتها بصوت رقيق كما لو كانت تكلم طفلة صغيرة
منى: أمي، أرجوك كفي عن البكاء سنجد حلا لكل هذا، أخبريني عما حدث فأنا مازلت لا أفهم
شهقت كريمة مرة أخرى و قالت
كريمة: هناك طالب قدم ضدي شكوى لإدارة المدرسة، يقول بأنني أرغمته على إرسال المال لي كي أمنحه أسئلة الإمتحانات الجهوية لمادتي، و هددته بالرسوب إن لم يحول لي المال، الفتى لديه كل الدلائل، اسم وكالة البريد و بياناتي في سجلاتهم و ...
ضاعت كلمات كريمة وسط سيل آخر من الدموع بينما ارتسم الرعب على ملامح منى و قد عرفت سبب هذا المشكل، إنه فتى الأنترنت الذي هددها بالإنتقام منها بأبشع الطرق، لكنها لم تتوقع أن يصل الأمر إلى هذه الدرجة.
الإدارة لا يمكن أن تتساهل مع من تخول له نفسه بيع أسئلة الإمتحانات أو تسريبها، لكن والدتها بريئة، هي و صديقاتها على علم ببراءتها، أخذت منى والدتها بين ذراعيها تهدهدها كطفل صغير و هي تهمس لها بصوت خافت
منى: لا تخافي ماما كل شيء سيكون على ما يرام، هذه شدة ستزول بأسرع وقت
كانت كريمة تتمتم و وجهها مضغوط على صدر منى، صوتها المتقطع كان يصل إلى مسامع منى ضئيلا
كريمة: آسفة إن أنا شوهت صورتك أمام زملائك، لكنني بريئة، الله وحده يعلم أنني بريئة
ظلتا على تلك الحال إلى أن انتظم تنفس كريمة و استسلمت منهكة للنوم.
أرقدتها منى بلطف في فراشها و خرجت من غرفتها و دمها يغلي غضبا.
كيف تجرأ على فعل هذا بها؟؟
بدأت ترتعش و تذرع غرفتها جيئة و ذهابا و هي تعتصر عقلها علها تجد وسيلة تخرج بها نفسها من هذه الورطة.
توقفت عن الحركة تماما عندما اكتشفت أن الطريقة الوحيدة التي ستنقذ والدتها هي اعترافها بما كانت تفعل، شعرت بالرعب مما وصل إليه تفكيرها، إنها لم تعد قادرة على التفكير، تحتاج إلى المساعدة، ظهرت أمامها صورة صديقاتها الثلاث، تحتاج إلى تواجدهن قربها، تذكرت كيف كانت نظراتهن إليها هذا الصباح، لقد كن يعرفن، الثانوية كلها تعرف بأنها ابنة الأستاذة التي حاولت بيع أسئلة الإمتحان، الكل يحتقرها، أحست منى بأنها أتعس مخلوقة على وجه الأرض، بدأت تتراءى لها كل زلاتها الواحدة تلو الأخرى، إن لها بصمة سلبية على حياة كل الناس بدءا بوالدتها و انتهاءا بصديقاتها الثلاث، أحست بأن الأوكسجين نفسه صار يحتقرها فيأبى الوصول إلى رئتيها، كانت تجاهد عبثا لالتقاط أنفاسها، انعدمت الرؤية، سواد، تمسكت بأحد أعمدة السرير، يد عملاقة تعتصر رئتيها في قسوة، لم تظن يوما أن ألما كهذا الذي تشعر موجود على وجه الأرض، أبت الآه أن تغادر حلقها، لم تشعر بنفسها حين هوت على الأرض كلوح خشبي.
لاتنسوا التقييم