فتح حمص من روائع الاسلام , من روائع الاسلام فتح حمص
بسم الله الرحمن الرحيم ..!!
خطر لي أن أُرسل موضوعاً عن تاريخ بلاد الشام قبل الاسلام كما فعلت بتاريخ مصر .. ولكنني وجدت أنني قد أُطيل كما أطلت في الموضوع عن مصر .. لذلك آثرت أن أكتب عن قصّة محددة حدثت خلال الفتح الاسلامي لبلاد الشام .. تختصر الموضوع كلّه .. وتلخّص ما أريد إيصاله في موضوعي ..
القصة هي .. فتح حمص ..!!
لكن قبل الدخول في الموضوع اكتب مقدمة مما ورد عن حمص في بعض كتب التاريخ ..
يقول عنها ” الاصطخري ” في كتابه ( الممالك والمسالك ) : ” من أصح بلاد الشام تربة، في أهلها جمال مفرط( حتى اليوم يتصف أهلها بالجمال ويسميهم السوريون ملائكة حمص) وليس بها عقارب ولا حيات، ولها مياه وأشجار وزروع كثيرة” .
ويقول عنها القزويني :” مدينة حصينة بأرض الشام، أصح بلاد الشام هواءً وتربة، وهي كثيرة المياه والأشجار، وأهلها موصوفون بالجمال المفرط”، ويذكر ابن بطوطة في (تحـفـة النـظـار) أنها: “مدينة مليحة، أرجاؤها مونقة، وأشجارها مورقة، وأنهارها متدفقة، وأسواقها فسيحة، وأهل حمص عرب، لهم فضلٌ وكرم”.
فتح المسلمون دمشق .. واتجه الجيش الاسلامي بعد أن أتم فتح الدمشق باتجاه بعلبك ففتحها .. ثم توجه الجيش بقيادة القائد خالد بن الوليد نحو حمص ..وكانت فيها حامية رومية كبيرة .. وخرجت تلك الحامية للقاء المسلمين على أبواب حمص .. ولكن المسلمين تمكنوا من هزيمتها .. وفر من بقي من الحامية إلى داخل الأسوار الحصينة .. فرض المسلمون الحصار على حمص .. وبعد 18 يوماً استسلمت المدينة وقبلت بالجزية ..وتم ابرام المعاهدة بين المسلمين واهل حمص ..
لكن هرقل ملك الروم ما كان له أن يبقى متفرجاً وهو يشاهد مدن بلاد الشام تسقط الواحدة تلو الأخرى .. فقام بعمل يحسب فيه أنه سيقضي على المسلمين نهائياً .. فجمع كل الحاميات والجيوش المنتشرة وحشدهم في جيش واحد هائل .. تقول بعض الروايات أن عدده وصل إلى 400 ألف مقاتل وفي أصح الروايات 200 ألف ..!!
وصل نبأ ذلك الحشد الضخم إلى المسلمين .. فعقدوا مجلس حرب يتشاورون فيه ماذا هم فاعلون .. واستقر الرأي أن ينسحب المسلمون إلى أطراف بلاد الشام من جهة الجزيرة العربية .. حتى اذا حدث وخسروا الحرب يكون انسحابهم في الصحراء مانعاً للروم من اللحاق بهم .. وفي الوقت نفسه يكونون على مقربة من الامدادات التي تصلهم من المدينة ..!! ..وبالفعل .. بدأ المسلمون بالانسحاب من حمص .. ولكنهم قبل أن ينسحبوا قاموا بامر عجيب هو مربط الفرس في هذه القصة ..!!
لقد أعاد المسلمون إلى اهل حمص الأموال التي أخذوها منهم كجزية ..!!!
استغرب أهل حمص من تصرف المسلمين كثيراً .. إذ لم يكن يخطر ببالهم أن جيشاً منتصراً فاتحاً قد يتصرف كما تصرف المسلمون …!!
أمر أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه صاحب الجزية حبيب بن مسلمة أن يرد على أهل حمص كل ما أخذه من أموال كجزية ..لأن المسلمين لن يستطيعوا أن يدافعوا عنهم بعد الانسحاب ..وطلب منه أن يقول لهم ( نحن على ما كنا عليه فيما بيننا وبينكم من الصلح، لا نرجع فيه إلا أن ترجعوا عنه ) ..
إذ ذاك .. وامام صنيع المسلمين هذا .. لم يكن أمام اهل حمص إلا أن يقولوا للمسلمين : ( رَدَّكُمُ اللهُ إلينا، ولَعَنَ اللهُ الذين كانوا يملكوننا من الروم، ولكن والله لو كانوا هم علينا ما ردُّوا علينا، ولكن غصبونا، وأخذوا ما قدَرُوا عليه من أموالنا، لَوِلايتُكُم وعدلُكم أحبُّ إلينا مما كنا فيه من الظلم والغُشْم ) ..
هذه القصة تلخص لنا الموضوع برمته .. وتُبين لنا كيف كان الروم يفعلون في بلاد الشام .. وهذا واضح من قول اهل حمص عندما قالوا ( ولكن غصبونا ، وأخذوا ما قدروا عليه من أموالنا ) ..فالروم كان ينهجون في بلاد الشام النهج نفسه الذي رأيناه في مصر .. سلب للأموال .. وانتهاك للحقوق ..وظلم للرعية ..!!
وتوضح لنا عدل المسلمين وتسامحهم ورحمتهم وذلك أيضاً نراه بوضوح في قول اهل حمص ( لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم ) .. فهم قد فضّلوا المسلمين واختاروهم لعدلهم ورحمتهم كما قالوا ..!!
وهذه القصة ترد على كل من يقول أن المسلمين فتحوا البلدان ليسرقوا أهلها ولينهبوا خيراتها .. إذ لو كان الأمر كذلك لما رد المسلمون تلك الأموال ولسرقوها … وخاصة أنهم ذاهبون إلى حرب وهم بحاجة للمال ..لكن المسلمين لم يكن هدفهم المال ولا الثروات … فقد عرض عليهم قادة الروم وفارس الأموال الطائلة مقابل تركهم وعودتهم من حيث أتوا ولكنهم رفضوا .. لأن هدفهم أسمى وأرقى من المال والثروة .. هدفهم أن يوصلوا هذا الدين إلى تلك الشعوب المسحوقة المظلومة .. والتي ما إن وجدت الاسلام وعرفته .. حتى فزعت إليه وتعلقت به ودخلت فيه طواعية ..!!!
والسؤال : لماذا بقي المسلمون في تلك البلدان بعد أن حرروا أهلها من الطواغيت والظلّام …؟؟ ..
كان لابد لتلك الشعوب أن تعرف الاسلام تمام المعرفة .. وذلك لن يتأتّى إلا بمخالطة المسلمين زمناً .. ليروا الاسلام على حقيقته .. وتظهر لنا عظمة الاسلام .. الذي استطاع أن يكسب قلوب تلك الشعوب .. فدخلت فيه .. واستوطن الاسلام تلك الدول لا غصباً ولا قهراً .. بل رضى وطواعية من تلك الشعوب .. إذ من المستحيل أن يبقى مستعمر في أرض .. أهلها كارهون له ..!! وهذا التاريخ أمامنا …!!
فالحمدلله على نعمة الاسلام العظيم وكفى بها نعمّة ..!!