هل بإمكانك أن تستشعر أن الذي يحتاج إليه كل الناس سبحانه قد يختارك أنت من بين كثيرٍ من عباده فيحبك؟ إنه سبحــانه لا يحب جميع الناس، وعلى الرغم من ذلك قد أحبك .. إنه أمرٌ أعظم من أن تدركه العقول ..
يقول الله تعالى {.. فسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ..} [المائدة: 54]
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإيـاكم منهم ..
ليس العجب عندما قال تعالى {يُحِبُّونَهُ} .. لكن عندما قال سبحانه {يُحِبُّهُمْ}
هو الذي خلقهم ورزقهم وإلى الآن يحميهم ويعطيهم، ثمَّ في النهاية هو الذي يحبهم؟!
يا من إذا قلت يا مولاي لبَّاني .. يا واحدًا ما له في ملكهِ ثاني
أعصي وتسترني .. أنسى وتذكرني
فكيــف أنسـاك يـــــــا من لست تنساني؟!
إنه سبحانه يحب عباده المؤمنين، وهم أيضًا يحبونه .. بل لا يوجد شيئًا في قلوبهم أحب إليهم منه .. وأكثر ما يشتاقون إليه هو لقاؤه سبحـانه ..
يقول ابن القيم - رحمه الله - "ليس العجب من مملوكٍ يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه، إنما العجب من مالكٍ يتحبب إلى مملوكٍ بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه" [الفوائد (1:38)]
فإذا أحب الملك أحد عباده، فهذا والله هو الفوز المبين ..
كيف تعرف إذا كان الله عزَّ وجلَّ قد أحبك أم لا؟
الأمر بسيط .. إذا كنت تفعل الطاعات وتترك المحرمات، فالله جلَّ وعلا يحبك ..
ومن علامة محبة الله تعالى لك: أن يحبـك النـاس ..
فإن سأل سائل: هل يحبني كل الناس؟ ..
الجواب: لا، محبة كل الناس ما نالها أحد ولا حتى الرسل والأنبياء ..
إنما إذا أحبك أهل الخير والصلاح، فهذا دليلٌ على أن الله يحبك وأن جميع أهل السماء من الملائكة وحملة العرش يحبونك أيضًا .. أما محبة أهل المعصية فلا وزن لها ..
بل حتى الجمادات ستحبك، إذا أحبك الله عزَّ وجلَّ .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحدٌ جبل يحبنا ونحبه" [رواه البخاري]
كيــف تتعامل مع الله إذا أحبك؟
أولاً: إذا أحبك الله، فأحببه كما إنه أحبـك .. {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60]
وكلما كانت محبة العبد لربِّه أقوى، كانت محبة الله لهذا العبد أكمل وأتم .. فلا أحد أحبَّ إلى الله من الذي يحب ربَّه ..
فإذا أحبك الله، مِمَ تخــاف؟! .. فإنه لن يعذبك .. ولن يعاقبك؛ لإنه يحبك ..
ولا يمكن لأحدٍ أن يتعرَّف على صفات الله وعلى أفعاله جلَّ وعلا، ثم لا يحبه ..
ولا يخلو مؤمنٍ من حب الله تعالى، إلا أن قوة الحب تتفاوت من شخصٍ إلى آخر .. أما نهاية المحبة، فلا توجد نهايةٌ لمحبة العبد لربِّه ..
كما أنه لا توجد نهايةٌ لجمال الله تعالى .. والقلوب مفطورةٌ على حب الجمال، وربُّنا الذي نعبده جميـل بل أجملُ شيءٍ في هذا الكون هو الله .. ولا يوجد شيءٌ أجمل منه سبحـانه؛ ولهذا سمى الله تعالى نفسه الجميـل .. قال صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى جميلٌ يحب الجمال" [صحيح مسلم]
ثانيًا: أن تُكثِر من طلبـاتِك له .. فهذا من فقه تعاملك مع الله إذا أحبك .. اطلب وأكثِر من السؤال والدعاء؛ فإنه سبحـانه يحب كثرة السؤال بعكس البشر تمامًا ..
ولأن الله تعالى يقول عن من أحبه "وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ" [صحيح البخاري] .. فحينها إن أزعجك أي إنسان، فاستعذ بالله منه ولن يستطيع أن يضرك ..
أما إذا عاداك أحدٌ، فمصيره الدمار .. كما يقول تعالى في الحديث القدسي "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ" [صحيح البخاري]
ثالثًا: حــاول أن تحـافظ على هذه المحبة؛ لكي لا تذهب منك ..
فكونك تصل إلى درجة أن يحبك الله، فهذه مرحلة .. ثمَّ أن تستمر محبة الله لك، فهذه مرحلةٌ أخرى ..
فإن أشد عذابٍ على النفس، أن تخلو من محبة الله .. لأن محبة الله بالنسبة للإنسان، كالروح للجسد بل هي أهم من الروح ..
فالجسد إذا فارقته الروح، فأقصى ما يمكن أن يحدث له هو الموت .. أما من فقد محبة الله، فسيتعذب نفسيًا في الحيــاة الدنيــا .. ما دامت محبة الله بعيدة عنه سيتألم ..
لأن من المعلوم أن أشد عذابٍ على المحبوب هو أن يفارق حبيبه .. فإذا فقدت النفس محبة الله في الدنيـا، فإنها ستتعذب أشد أنواع العذاب إلى أن يحبها الله مرةً أخرى ..
قال تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]
ولهذا ستجد كل من كان على طاعة ثم انتكس، يحس بوحشةٍ في صدره لن تذهب عنه حتى يرجع إلى الله ..
وكذلك أشد عذابٍ على العبد يوم القيامة، هو عدم رؤيته لله عزَّ وجلَّ في الآخرة .. قال تعالى {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (*) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} [المطففين: 15,16]
فعذاب الحجب عن الله أشد من عذاب الحجيم كله ..
كما أن نعيم رؤية الله تعالى يوم القيامة، أعظم من نعيم الجنة كلها .. لأنك سترى أجمل ما في هذا الكون .. الله ..
يــا سعادة من حافظ على محبة الله ..
تنقضي الدنيا وتفنى .. والفتى فيها مُعَنَّى
ليس في الدنـيا نعيمٌ .. لا ولاعـيشٌ مُهنــاّ
يــــاغنيـًا بالدنانـيـر ... محـبُ الله أغــنـى
إذًا، كيــف تحــافظ على محبة الله؟
إذا أردت أن تدوم لك محبة الله، فاتبع حبيــبَ الله صلى الله عليه وسلم ..
فالذي يدَّعي محبة الله ولا يطيع النبي صلى الله عليه وسلم، من المستحيل أن يكون صادقًا في محبته ..
يقول تعالى {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [آل عمران: 31]
أحلى حبٍ في الوجود هو حب الله ..
فحب المال له طعم، وحب الأم له طعمٌ آخر، حتى الأبناء حبهم له طعمٌ مختلف ..
إلا أن طعم محبة الله، يفوق أي حبٍ آخر ويفوق أي طعمٍ آخر ..
والله، لا يوجد شيء ألذ ولا أجمل في صدر الإنسان من تذوق طعم محبة الله ..
يقول الله تعالى {.. وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ ..} [ البقرة: 165]
والعجيب في هذا الشعور بمحبة الله، أن تأثيره سريـعٌ على قلبك .. مجرد أن تتذكر قدر الله في قلبك وأنك لا تحب أحدًا أكثر منه وأنك تفديه بمالك وولدك ونفسك، بمجرد تركيزك في هذه الأفكار ستجد القلب قد أستجـاب سريعًا .. وسيشعر القلب بإحساسٍ جميـــل، يشعر به كل من استحضر محبة الله تعالى ..
وهذا الإحساس هو نوعٌ مميزٌ من أنواع السعادة، لكن لا نعرف له اسمًا .. بل يعرفه كل من تذوق هذا الإحساس فقط ..
إنه نوعٌ راقيٌ من أنواع المشاعر .. نحب لكل إنسان أن يذوقه، وأن يكون لكم إخوتي الكرام أوفر الحظ من هذا الشعور ..
نسأل الله تعالى أن يُذيقنا هذا الشعور في الدنيـا وفي الآخرة ..
وأن يجمعنا على محبته، وأن يرينا وجهه الكريــم يوم القيامة،،