أسبابه ومراحل الإصابة به:
لا توجد أسباب مؤكدة معروفة للمرض حتى الآن وإن كان هناك نظريات وفرضيات لم تثبت صحتها بشكل مؤكد منها:
الأستعداد الوراثي، حيث وجد أن السيدات اللاتي ينتمين الى أم أو أخت تعاني من المرض يكونون أكثر عرضة له عن غيرهم ممن لا يوجد لهم التاريخ المرضي في العائلة
الخلل الهرموني الذي قد يؤدي الى تحويل بعض أنواع الخلايا على المبيض أو في الحوض الى ما يشبه خلايا البطانة الرحمية.
ولكن أكثر الآراء تميل الى نظرية الهجرة الفعلية للبطانة سواء عن طريق ما يسمى بالحيض المرتد أو الرجعي (حيث يعتقد برجوع دم الحيض في الأنبوبين الى الحوض بدلا من خروجه من فتحة عنق الرحم) أو عن طريق انتقال البطانة من مكانها الى المكان الأخر أثناء عمليات فتح البطن أو حتى اشعة الصبغة أو المنظار الرحمي فتتحرك خلايا بطانة الرحم إلى مناطق آخرى في الجسم وتلتصق بأجزاء أخرى مثل المبايض، المثانة، الأمعاء.
مرض البطانة المهاجرة من الأمراض التي تقلق كثير من السيدات من كثرة ما يتناقلن بينهن عنه وعن مضاعفاته وتبعاته. ولكن قبل الحديث عن مضاعفاته يجب بداية توضيح ماهية المرض
صفاته وأماكن الإصابة به:
مرض البطانة المهاجرة أو بالانجليزية Endometriosis هو مرض حميد يصيب حوالي 5-10% من السيدات في مرحلة الخصوبة أي من سن حوالي 15 الى 45 سنة ولكن يبقى متوسط السن الذي يتم تشخيص المرض فيه بين 25 الى 30 سنة. ولا يصيب هذا المرض البنات قبل سن البلوغ أو السيدات بعد سن اليأس. ويمثل المرض أكثر من 50% من النساء اللواتي يعانين من ألام شديدة ومزمنة في منطقة الحوض، في حين تكون نسبته بين 20-45% من السيدات اللواتي يعانين من تأخر الحمل.
ويتصف هذا المرض بوجود أنسجة شبيهة ببطانة الرحم في غير مكانها (ومن هنا يأتي مسمى البطانة المهاجرة). وقد توجد هذه البطانة المهاجرة في عدة مناطق كثيرة ولكن أكثرها شيوعا داخل تجويف البطن على جانبي الرحم وحول قناة فالوب والمبيضين أو عنق الرحم وقليلا ما قد توجد هذه الأنسجة على جدران الأمعاء الخارجية أو حول السرة أوحتى أحيانا على الأعضاء التناسلية الخارجية، وفي بعض الحالات النادرة جدا وجدت أنسجة البطانة المهاجرة على الحجاب الحاجز أو داخل الرئتين.
*أعراضه:
تتمثل المشكلة الأولى من أعراض المرض في الآلام المصاحبة له حيث أن الأنسجة المهاجرة تسلك نفس سلوك الغشاء المبطن للرحم من حيث استجابته لهرمونات التبويض المسئولة عند زيادة سماكة بطانة الرحم ما قبل وبعد فترة التبويض، ومع أنخفاض معدل الهرمونات في الجسم قرب نزول الدورة في حالة عدم حدوث الحمل فأن البطانة تضعف بالتدريج حتى تخرج على هيئة دم الدورة، لذا فما يحدث في الأنسجة المهاجرة هو زيادة في نمو هذه الخلايا مع التبويض، ثم حدوث ما يشبه ادماء الدورة مع نزول الدورة الفعلية.
ويتميز الألم المصاحب للبطانة المهاجرة في معظم الحالات بآلام تبدأ مع بداية الدورة وتزيد بزيادة كمية الدم في الأيام التالية من الدورة، عكس ماهو شائع في حالات آالام الحيض التقلصي أو الأحتقاني الأكثر شيوعا التي تبدأ قبل أو مع نزول الدورة وتكون أشد ما يكون في أول يوم وتقل بالتدريج مع أستمرار نزول الدم في الأيام التالية. وبشكل عام فإن كثير من الحالات تعاني من أضطراب في الدورة وأحيانا غزارة في كمية الدم.
أيضا من الآلام التي قد تصاحب البطانة المهاجرة آلام أثناء العلاقة الزوجية في حالة تواجد خلايا البطانة المهاجرة حول عنق الرحم أو المهبل أو آلام أثناء التبرز مع نزول دم في البرازأذا كانت تحيط بالمستقيم أو قناة مجرى الشرج أو حتى آلام ونزول دم مع البول اذا كانت الأنسجة حول أو داخل المثانة، بشكل عام يكون سبب الآللام هو حدوث أحتقان داخل الحوض وحدوث ما يشبه النزيف داخل الأنسجة مع نزول دم الدورة.
من الأعراض الأخرى التي تصاحب المرض تأخر الحمل حيث يمثل حوالي 70% من حالات الأصابة بالمرض ويختلف سبب التأخير حيث يعتمد مكان وجود الأنسجة على التبعات، فاذا كانت على المبيض تسبب ما يسمى الأكياس الدموية أو ما يسمى (أكياس الشوكولاتة) وقد تؤثر هذه الأكياس على التبويض وتضعف المبيض أو قد يزيد حجم الكيس ويؤدي الى سدد في الأنابيب ، واذا ما كانت أنسجة البطانة حول الرحم والأنابيب فهي تسبب التصاقات داخل الحوض.
أيضا قد تسبب الأصابة بالمرض الى بعض الإكتئاب النفسي الذي قد يرجع الى أضطرابات الهرمونات أوالشعور المستمر بالألم أو تأخر الحمل أو حتى عدم التوفيق في العلاقة الزوجية نتيجة إرتباطها بالآلام. يبقى أن نقول أن حوالي 15% ممن يصبن بالمرض لا يعانين من أي أعراض.
ينقسم مرض البطانة الرحمية المهاجرة على حسب مراحل تدرجه الى أربع درجات، ولكن يجدر أن نشير أن التقسيم هنا مبني على التشخيص العيني المبني على تقييم مكان وعدد وعمق الأنسجة المنزرعة (المهاجرة) وعلى درجة الإلتصاقات إن وجدت، ويكون ذلك عن طريق منظار البطن وبالإستعانة بتحليل الأنسجة في بعض الحالات.
وعموما فإن تأثير البطانة المهاجرة على الحمل في حالات الدرجة الأولى والثانية محل جدل، ففي حين يدعى البعض أنهم لا يؤثروا على عملية التبويض أو التقاط البويضة بواسطة الأنابيب حيث لا يوجد التصاقات في هاتين الدرجتين ولكن بعض الأبحاث أشارت الى إحتمالية تأثيرهم بشكل غير مباشر على حدوث الحمل عن طريق تغير الوسط ال
محيط بالبويضة بشكل لا يساعد عملية التلقيح أو إنغراز الأجنة وإستدلت هذه الدراسات على ذلك بزيادة م
عدلات الحمل في العديد من حالات الدرجة الأولى والثانية بعد علاجهم بواسطة كي هذه الخلايا المهاجرة بالليزر أو الكي الحراري عن طريق منظار البطن، ولكن يقتصر ذلك على الحالات التي لم يستدل بها على وجود سبب آخر لتأخر الحمل.
أما بالنسبة لحالات الدرجة الثالثة والرابعة فتأثيرها على الحمل أوضح سواء عن طريق تأثيرها على التبويض في المبيض بشكل مباشر أو على خروج البويضة أو التقاطها عن طريق الأنابيب نتيجة الإلتصاقات الشديدة حول المبيض والأنابيب، أو حتى عن طريق تغيير المناخ ال
محيط بالبويضة من حيث حدوث التلقيح أو الإنغراز.
*تشخيص المرض:
يعتمد تشخيص مرض البطانة المهاجرة على عدة أشياء، تبدأ من التاريخ المرضي للمريضة الذي يرجحه شكل الآلام التي قد تعاني منها أثناء الدورة أو العلاقة الزوجية أو حتى أحيانا ما نسميه آلام الحوض المزمنة.
الشق الثاني للتشخيص هو فحص المريضة إكلينيكيا أو بالموجات الفوق صوتية للحوض، حيث يلاحظ إما وجود أكياس دموية على المبيضين أو وجود حبيبات أو تكتلات داخل الحوض وتكون مؤلمة أثناء الكشف، وأحيانا ما يستخدم الرنين المغناطيسي للتأكد من وجود الأكياس الدموية على المبيضين.
أيضا من الأشياء التي يمكن الإستعانة بها في التشخيص بعض التحاليل المعملية التي قد تشير الى إرتفاع في بعض دلالات الأورام مثل بروتين CA125 ولكن مثل هذا التحليل لا يعطي مدلولات مباشرة عن المرض وقد يتشابه مع أمراض أخرى للمبيض.
يبقى أن نقول أن التشخيص المؤكد للمرض يكون كما قلنا سابقاعن طريق رؤية ألأنسجة المهاجرة مباشرة بالمنظار وأخذ عينة من خلاياها وتحليلها ميكروسكوبيا للتأكد من أنها خلايا للبطانة المهاجرة.
*طرق العلاج المختلفة:
تتوقف طريقة علاج مرض البطانة المهاجرة على أعراض المرض وسن المريضة ودرجة تقدمه وكذلك رغبة المريضة في الحمل من عدمه. وبشكل عام فكما أن سبب المرض غير معروف بشكل قطعي فكذلك فإن علاجه يكون عن طريق محاولة تفادي أعراضه حيث لا يوجد علاج جذري له.
ولكي نتفهم الطرق التي قد نسلكها فإن القاعدة في علاج المرض هي محاولة الحد من نشاط خلايا البطانة المهاجرة سواء عن طريق العلاج الهرموني أو أستئصال الخلايا بالجراحة سواء المنظار أو فتح البطن.
ويعتير أحد الحلول المثالية للبطانة المهاجرة هو محاولة المساعدة لحدوث الحمل، حيث تعتبر فترة التسعة أشهر للحمل وماقد يليها من فترة توقف الدورة أثناء الرضاعة فترة جيدة لحدوث ضمور في أنسجة البطانة المهاجرة، ولكن هذا الحل نفسه قد يكون أصعب من علاج المرض ذاته وقد لا يتوافق مع كل الحالات، وكثيرا ما نلجأ في التحفيز على حدوث الحمل إستخدام تقنية أطفال الأنابيب لتفادي مشكلات الإلتصاقات وضعف التبويض المصاحبين للبطانة المهاجرة.
ومن الأمثلة الأخرى للعلاج؛ العلاج الهرموني الذي يعتمد على إعطاء هرمونات تضعف بطانة الرحم وتحد من نشاطها بشكل مباشر مثل أقراص منع الحمل بشكل متصل لمدد تصل الى ستة أشهر أو أكثر لإيقاف الدورة وتقليل الأعراض المتصلة بنزولها ولكن هذه الطريقة نتائجها محدودة. أيضا الأدوية التي تحتوي على هرمون البروجيستيرون التي تُدخل الجسم في حالة مشابهة للحمل وما يصحبه من ضمور في البطانة.
كذلك من العلاجات الهرمونيه الشائعة بعض أنواع الحقن التي تثبط نشاط هرمونات الغدة النخامية في المخ المسئولة عن تحفيز التبويض في المبيض، مما يتبعه من تثبيط للتبويض ووضع الرحم والمبيضين في حالة خمول تشابه ما يحدث في مرحلة سن اليأس لفترة مؤقتة. ولنفس السبب فقد يعطى عقار الدانازول وهو أحد مشتقات هرمون الذكورة التي تضعف البطانة سواء بشكل مباشر او عن طريق تثبيط هرمونات الغدة النخامية.
وتتميز العلاجات الهرمونية في كونها بسيطة في الأستخدام ولكنها تحتاج لفترات طويلة لتعطي تأثير ملحوظ ومن عيوبها أنها تكون مصحوبة بأعراض جانبية تختلف من حالة الى أخرى وتتفاوت من تغيرات في المزاج أو زيادة في الوزن وأنتفاخات في البطن أو إضطرابات في الجهاز الهضمي وفي أحيان أخرى ظهور حب الشباب أو زيادة الشعر الغير مرغوب فيه في الجسم أو أعراض تشابه تلك التي تصاحب أنقطاع الطمث كإحساس بالسخونة في الوجة والجسم وجفاف المهبل.
أما الخيار الجراحي في حالات البطانة المهاجرة فيتمثل في مناظير البطن التي تستخدم لكي الأنسجة المنزرعة من البطانة المهاجرة سواء عن طريق الليزر كما سبق ووضحنا أو عن طريق الكي الحراري، أيضا تستخدم المناظير لإستصال الأكياس الدموية من على المبيضين وأحيانا في فك الإلتصاقات البسيطة للحالات التي ترغب في الحمل. أما فتح البطن فيبقى كخيار جراحي أخير في الحالات التي لا يصلح لها المناظير ويستخدم في حالات الأكياس الدموية الكبيرة التي يتعذر معها إستئصالها بالمنظار.
أخيرا يبقى الا نهمل دور تعديل نمط الحياة من ممارسة الرياضة التي قد يكون لها دور في تقليل إحتقان الحوض والشعور بالآلام المصاحبة للبطانة المهاجرة، كذلك نوعية الغذاء مثل الإهتمام ببعض أنواع العناصر الطبيعية والفيتامينات التي قد تساعد الجسم في السيطرة على المرض ومنها الأحماض الدهنية الأساسية وفيتامينات (هـ) و (ب) و(ج)، كذلك الزنك والكالسيوم والماغنسيوم.