﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 54]:
سُنَّة الاستدراج! قال ابن عباس: «كلما أحدثوا خطيئة جدَّدْنا لهم نعمة».
﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 54]:
مكر الله بإلقاء شبه عيسى على غيره، ورفْع عيسى إليه، وذلك أن اليهود لما اجتمعوا على قتل عيسى دخل البيت هاربا منهم، فرفعه الله من كوة البيت إلى السماء، فقالوا لرجل منهم خبيث يقال له يهوذا: ادخل عليه فاقتله، فدخل البيت، فلم يجد هناك عيسى، وألقى الله عليه شبه عيسى، فلما خرج رأوه على شبه عيسى، فأخذوه وقتلوه وصلبوه.
﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عمران: 55]:
ليس من الوفاة وهي الموت، بل من التوفي وهو أخذ الشيء تاما وافيا، فالآية بمعنى: قابضك من الأرض ورافعك إلى السماء بجسدك وروحك، وهذا قول جمهور العلماء. قال القرطبي: «قال الحسن وابن جريج: معنى متوفيك: قابضك ورافعك إلى السماء من غير موت، مثل توفيت مالي من فلان أي قبضته».
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ [آل عمران: 57]:
توفية الأجور جاءت بصيغة المضارع، وليس المستقبل (سيُوفيهم)؛ لإفادة أنها حالية ومستقبلية، فالحالية العاجلة مثل رضا الله عنهم، وبركته معهم، والحياة الطيبة، وحسن الذكر، والقبول عند الخلق، والمستقبلية ما يكون في الآخرة.
﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: 57]:
تغيَّر رئيسه نحوه فاضطرب وخشي العواقب، وأما الله فلا يخطر ببال الظالم، ولا يأبه إن كان لا يحبه أو لا.
﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59]:
هذا دليلٌ على صحة القياس، فالشبه بينهما أنهما خُلِقا من غير أب.
معجزة في آدم أقوى من معجزة عيسى عليه السلام، فعيسى قد امتنع عنصر الأبوة فيه، وآدم امتنع فيه عنصر الأبوة والأمومة.
قال ابن عباس: «إذا استصعبت دابة أحدكم أو كانت شموسا، فليقرأ في أذنها هذه الآية:
«﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾».
﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾[آل عمران: 83]:
المؤمنون مستسلمون له اختيارا، والكافرون مستسلمون لقضائه وقدره إجبارا.
قال مجاهد: «سجود المؤمن طائعا، وسجود ظل الكافر كرها».
﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 84]:
خاصية انفرد بها المسلمون عن كل من ادعي له دينا، وهي أننا نؤمن بجميع الرسل، أما اليهود والنصارى فيؤمنون برسلهم، ويكفرون بغيرهم، فيفرِّقون بين الرسل، ويفرقون كذلك بين الرسل والكتب، فيؤمنون بكتابهم ويكفرون بغيره من الكتب التي أنزلها الله، مع أن رسولهم الذي زعموا أنهم آمنوا به، قد صدَّق سائر الرسل، وخاصة محمد ﷺ، فإذا كذَّبوا محمدا، فقد كذبوا رسولهم.
﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾[آل عمران: 86]:
من عرف الحق ثم تركه، وعرف الباطل فآثره، عاقبه الله بالانتكاس وانقلاب القلب وحرمان الهداية، جزاء وفاقا.
﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[آل عمران: 89]:
قال مجاهد: جاء الحارث بن سُوَيد، فأسلم مع النبي ﷺ، ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه، فأنزل الله عز وجل فيه القرآن: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ إلى ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ، قال: فحملها إليه رجل من قومه، فقرأها عليه، فقال الحارث: إنك والله ما علمتُ لصَدُوقٌ، وإنّ رسول الله ﷺ لأصدقُ منك، وإنّ الله عز وجل لأصدق الثلاثة. قال: فرجع الحارث ، فأسلم ، فحسن إسلامه.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ﴾[آل عمران: 90]:
كيف لا تُقبل توبتهم وباب التوبة مفتوح؟!
والجواب ثلاثي:
- كناية عن أنهم لا يتوبون، فيقبل الله توبتهم.
- أو الإخبار بأن الكفر قد رسخ في قلوبهم، فصار سجية لا يتحولون عنها، فإذا أظهروا التوبة كانوا كاذبين.
- أو المراد من ارتدوا عن الإسلام وماتوا على الكفر، فالمراد بالازدياد الاستمرار وعدم الإقلاع.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾[آل عمران: 91]:
قال النبي ﷺ: «ويؤتى بالرجل من أهل النار، فيقول له: كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب! شر منزل، فيقول له: أتفتدي منه بطلاع الأرض ذهبا؟ فيقول: أي رب .. نعم، فيقول: كذبت! قد سألتك أقل من ذلك وأيسر، فلم تفعل، فيُردُّ إلى النار» صحيح الجامع رقم:7996