الجزء الثلاثون
1. ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾ [النبأ: 10-11]: آية توصيك ألا تقلب ليلك إلى نهار، ولا نهارك إلى ليل، بل اجعل الليل للنوم، والنهار للسعي، وتمتَّع ببركة البكور.
2. ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا﴾ [النبأ: 17]: ميقاتٌ للكفرة والظلمة والمفسدين، ولا مفرَّ لهم منه، وهو كذلك ميقاتٌ للمؤمنين للقصاص من المجرمين، وإن غدا لناظره قريب.
3. ﴿إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً﴾ [النبأ: 25]: والحميم هو الماء الذي بلغ الغاية في الحرارة، والغساق: هو ما يسيل من جلودهم من القيح والدماء والصديد.
4. ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً﴾ [النبأ: 30]: قال عبد الله بن عمرو: «لم ينزل في شأن أهل النار آية أشد من هذه الآية: ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً﴾ قال: فهم في مزيد من العذاب أبدا ».
5. ﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾ [النبأ: 40]: عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أن الله تعالى يقتص يوم البعث للبهائم بعضها من بعض ثم يقول لها: كوني تراباً فتكون، فيتمنى الكافر مثل ذلك.
6. ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى﴾ [النازعات: 36]: قال الشوكاني: «والظاهر أن تبرز لكل راء، فأما المؤمن فيعرف برؤيتها قدر نعمة الله عليه بالسلامة منها، وأما الكافر فيزداد غما إلى غمه، وحسرة إلى حسرته».
7. ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى﴾ [النازعات: 36]: في حديث مسلم عن ابن مسعود مرفوعا: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها».
8. ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى﴾ [النازعات: 18]: إذا كان شأن مخاطبة أعدى أعداء الله ومن ادعى الألوهية بالرِّفق واللين، فكيف بخطاب أخيك المسلم؟!
9. ( وإذا العشار عطلت﴾ [التكوير: 4]: قال السعدي: «أي: عطّل الناس حينئذ نفائس أموالهم التي كانوا يهتمون لها ويراعونها في جميع الأوقات، فجاءهم ما يذهلهم عنها، فنبَّه بالعشار، وهي النوق التي تتبعها أولادها، وهي أنفس أموال العرب إذ ذاك عندهم، على ما هو في معناها من كل نفيس».
10. ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ﴾ [التكوير: 14]: هذا جواب الشرط,، وقد ذُكِر بعد ثلاثة عشر جملة من قوله : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) إلى قوله : ( وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ )، وهو علم يقين لا يقبل الشك، ولا ينفع معه تبرير ولا إنكار!
11. ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾ [الانفطار: 13]: قال السعدي: «المراد بالأبرار، القائمون بحقوق الله وحقوق عباده، الملازمون للبر، في أعمال القلوب وأعمال الجوارح، فهؤلاء جزاؤهم النعيم في القلب والروح والبدن، في دار الدنيا، وفي دار البرزخ، وفي دار القرار.
12. ﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 14]: جحيم كذلك في الدور الثلاثة: في دار الدنيا، ودار البرزخ، وفي دار القرار.
13. ﴿ويل لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين: 1]: تهديد شديد من رب العالمين لمن يبخس الناس أموالهم ويغشّهم، فحقوق العباد ذات شأن عظيم عند رب العالمين.
14. ﴿ويل لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين: 1]: قال سلمان الفارسي: «الصلاة مكيال، فمن وفَّى مكياله وُفِّي له، ومن طفَّف فقد علمتم ما قال الله تعالى في المطففين».
15. ﴿أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ﴾ [المطففين: 4]: قال عمر بن عبد العزيز يوما لرجل شتمه: لولا يوم القيامة لأجبتُك!
16. ﴿أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [المطففين: 4-5]: هذا سر انتشار العدوان بين الناس، العدوان على الأموال والأعراض والأبدان والإنسان والحيوان.
17. ﴿كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]: عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺقال: (إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر الله وتاب، صقل قلبه، فإن عاد زيد فيها، حتى تعلو على قلبه ، وهو (الران) الذي ذكر الله في كتابه: ﴿كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
18. ﴿كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: 14]: قال المفسِّرون: هو الذنب على الذنب حتى يسودَّ القلب، وقال مجاهد: «هو الرجل يذنب الذنب، فيحيط الذنب بقلبه، ثم يذنب الذنب فيحيط الذنب بقلبه، حتى تغشى الذنوب قلبه».
19. ﴿كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ﴾ [المطففين: 15-16]: تأمل كيف قدَّم الله عدم رؤيته على عقوبة النار، ولعله دليل على أن العذاب النفسي في النار أشد من العذاب البدني.
20. ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ﴾ [الانشقاق: 10]: قال الآلوسي: «وتمييز الكفرة بكون الإعطاء من وراء ظهورهم، ولعل ذلك لأن مؤتي الكتب (من الملائكة) لا يتحملون مشاهدة وجوههم لكمال بشاعتها، أو لغاية بغضهم إياهم، أو لأنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم».
21. ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ [الطارق: 10]: قال ابن القيم: «وفي التعبير عن الأعمال بالسر لطيفة، وهو أن الأعمال نتائج السرائر الباطنة، فمن كانت سريرته صالحة كان عمله صالحاً، فتبدو سريرته على وجهه نوراً وإشراقاً وحياء، ومن كانت سريرته فاسدة كان عمله تابعاً لسريرته لا اعتبار بصورته، فتبدو سريرته على وجهه سوادا وظلمة وشينا».
22. ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى﴾ [الأعلى: 9]: قال ابن كثير: «ذكِّر حيث تنفع التّذكرة، ومن هنا يؤخَذ الأدب في نشر العلم، فلا يضعه عند غير أهله».
23. ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى﴾ [الأعلى: 9]: للتذكير شروط! قال الشيخ السعدي: «مفهوم الآية أنه إذا ترتب على التذكير مضرة أرجح ترك التذكير؛ خوف وقوع المنكر».
24. ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ ﴾ [الغاشية: 2]: والمراد بخاشعة ذليلة، لماذا لم يصفها بالذل ابتداء؟ قيل: إشارة إلى التهكم، وأنها خشعت في وقت لا ينفعها فيه الخشوع.
25. ﴿بل تؤثرون الحياة الدنيا ﴾ [الأعلى: 16]: قرأ ابن مسعود هذه الآية، فقال: «أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة؟ لأن الدنيا حضرت وعجلت لنا طيباتها وطعامها وشرابها، ولذاتها وبهجتها، والآخرة غُيِّبت عنا، فأخذنا العاجل، وتركنا الآجِل».
26. ﴿والآخرة خير وأبقى﴾ [الأعلى: 17]: أي الجنة خير وأدوم من الدنيا. وقال النبي ﷺ: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يضع أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع».
27. ﴿و الفجر ﴾ [الفجر: 1]: إن إدبار الليل وإقبال النهار آية من الآيات اليومية الباهرة الدالة على كمال قدرة الله، وأنه وحده المدبر لكل الأمور، فتفاءل بربٍّ قدير كريم.
28. ﴿فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾ [الفجر: 12-13]: كثرة الفساد والإفساد مؤذِن بقرب زواله وانهياره.
29. ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾ [الفجر:13]: قال صاحب الكشاف: «وذِكْرُ السوط إشارة إلى أن ما أحلَّه الله بهم في الدنيا من العذاب العظيم بالقياس إلى ما أعِدَّ لهم في الآخرة، كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يُعذَّب به».
30. ﴿فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾ [الفجر: 12-13]: أيها المفسدون..استلمتُم من الله رسالة: لا تغتروا .. إمهالي ليس بالإهمال.
31. ﴿يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي ﴾ [الفجر:24]: اكتشف عند الموت أن حياته الحقيقية لم تبدأ بعد! وأن كل ما عاشه كان أضغاث أحلام وبضعة أوهام! للأسف .. اكتشاف متأخِّر!
32. ﴿يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي ﴾ [الفجر:24]: كل حياة تنتهي بالموت ليست حياة، الحياة الحقيقية هي التي لا موت فيها.
33. ﴿يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي ﴾ [الفجر:24]: تعريف الاغترار بالدنيا! قال سعيد بن جبير: «الغرة في الحياة الدنيا أن يغتر بها وتشغله عن الآخرة، أن يمهِّد لها ويعمل لها، كقول العبد إذا أفضى إلى الآخرة: ﴿ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي ﴾».
34. ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾ [الفجر:29]: قال الآلوسي: «وكأن الأمر بالدخول في جملة عباد الله تعالى الصالحين إشارة إلى السعادة الروحانية؛ لكمال استئناس النفس بالجليس الصالح، والأمر بدخول الجنة إشارة إلى السعادة الجسمانية».
35. ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَد﴾ [البلد:4]: الدنيا لا تصفو لأحد، ولذا سئل الإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة، فقال: عند أول قدم يضعها في الجنة.
36. ﴿يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ﴾ [البلد:15]: في الحديث النبوي: «الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة». صحيح الجامع رقم: 3858
37. ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس:9]: أقسم الله سبع مرات متوالية، دلالة على أهمية ما يقسِم عليه، وجواب القسم هو: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾.
38. ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس:10]: معنى دَسَّاها: حال بينها وبين فِعْل الخير وأخفاها بالمعاصي، يقال: دسَّ فلان الشيء إذا أخفاه وكتمه، وأصل فعل دسّى: دسَّس، فلما اجتمع فيه ثلاث سينات، قُلِبت السين الثالثة ياء.
39. ﴿إِذِ انبَعَثَ أَشقاها﴾ [الشمس:12]: المبادِر إلى الظلم والفساد والشر هو أكثر الخلق شقاوة وخسرانا دنيا وآخرة.
40. ﴿فَعَقَرُوهَا﴾ [الشمس:14]: عقرها واحد، ورضي البقية، فنسب الله الجريمة لهم جميعا! وأهلكهم كلهم..ما أخطر عمل القلب!
41. ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل:7]: قال الزمخشري: «سمَّى طريقة الخير باليسرى لأن عاقبتها اليسر، كما سمَّى طريقة الشر العُسرى لأن عاقبتها العسر».
42. ﴿وَالضُّحَى﴾[الضحى:1]: أقسم الله بنور الضحى الذى يأتي بعد ظلمة الليل، وهو مناسب لنور الوحي الذي أتى بعد احتباسه عنه، فأقسم الله بضوء النهار بعد ظلمة الليل، على ضوء الوحي الذي أتى بعد ظلمة انقطاعه.
43. ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ [الضحى:3]: هذا جواب القسَم، ونفى الله التوديع الذي لا يكون إلا بين المتحابين، ونفى الله القَلْي أو القِلَى، وهو البغض الشديد، ولا يكون إلا بين المتخاصمين، أي ما تركك ربك منذ اختارك، وما أبغضك منذ أحبك.
44. ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ [الضحى:3]: استعمل ضمير المخاطب في الأمر المحبوب، فقال: (ما ودعك)، وفيه تكريم للنبي ﷺ وتودُّدٌ له بذكر حرف المخاطب، ولم يقل (وما قلاك)، إكراما لنبيه وتنزيها له أن يكون من المبغوضين، فلا يليق استخدام فعل قلى مع النبي ﷺ.
45. ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى﴾ (الضحي: 4): قال الآلوسي: «وقال بعضهم: يحتمل أن يراد بهما نهاية أمره ﷺ وبدايته، أي لنهاية أمرك خير من بدايته، فأنت لا تزال تتزايد قوة، وتتصاعد رفعة» .
46. ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ﴾ (الضحى:5) ولم يقل: ما ترضى! فالخير في عطاء الله ولو خالف ما نتمناه.
47. ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى:11]: في الحديث النبوي: «إذا آتاك الله مالا، فليَرَ أثر نعمة الله عليك وكرامته». صحيح الجامع رقم: 254
48. ﴿ووضعنا عنك وزرك * الذي أنقض ظهرك﴾ [الضحى:11]: قال الإمام محمد عبده: «الكلام على التمثيل، فإن ما كان يحمله عليه السلام من ثقل الإهتمام بشأن قومه، وضيق المذاهب بين يديه قبل تواتر الوحي عليه بالإرشاد، لم يكن ثقلا حسيا ينقض منه الظهر، ولكنه كان هما نفسياً يفوق ألمه ألم ذلك الثقل الحسي الممثل به، فعبَّر عن الهم الذي تبخع له النفوس بالحمل الذي تقصم له الظهور».
49. ﴿كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق:6]: اللقاء المرتقب! عملك هو شخص في انتظارك غدا، فما شكل هذا الشخص..أقصد العمل؟.
50. ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾ [البروج:10]: قال الحسن: «انظروا إلى هذا الكرم والجود ،هم قتلوا أولياءه وأهل طاعته، وهو يدعوهم إلى التوبة».
51. ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ [البروج:11]: أمة كاملة نالها الإحراق، ومع ذلك سمّاه الله الفوزالكبير! فالثبات على الحق ولو صاحَبَه الموت يؤدي إلى الجنة، وهي الفوز الكبير وأي فوز!
52. ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ [البروج:11]: الثبات على الحق هو الانتصار الإيماني، وهو مقدَّم على الانتصار العسكري.
53. ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ [البروج:11]: الفوز غير النصر، والفوز في القرآن لمن ثبت على الحق حتى فاز بالجنة، ولو مات حرقا كأصحاب الأخدود، ولذا قال حرام بن ملحان بعد طعنه: فزت ورب الكعبة.
54. ﴿كَلا إن الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى & أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾[العلق:6-7] : يبدأ الطغيان باستغناء العبد عن فضل ربه واعتماده على نفسه.
55. (كلا لا تطعه واسجد واقترب﴾[العلق:19] : مما يستفاد من هذه الآية أن مما يُدفع به أذى الأعداء وبطش الظالمين: عبادة الله وخاصة الصلاة وكثرة السجود.
56. ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[القدر:1] : قال ابن عباس: «يُكتَب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت وحياة ورزق ومطر حتى الحج، يقال: يحج فلان ويحج فلان».
57. وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴾[القدر:2] : قال الفرَّاء: «كُلُّ ما في القرآن من قوله تعالى: ﴿وَما أَدْراكَ﴾ فقد أدراه، وما كان من قوله: ﴿وَما يُدْرِيكَ﴾ [الأحزاب: 63] فلم يُدْرِه».
58. إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾[النصر:1]: قال عبد الله بن عمر: «نزلتْ هذه السُّورةُ بِمِنًى في حِجَّة الوداع، ثُمَّ نزلت: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾، فعاش بعدهما النَّبِيُّ ﷺ ثمانين يوما، ثُمَّ انتقل إلى الرَّفيق الأعلى».
59. ﴿إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة﴾ [البينة:7]: قال أبو هريرة: «أتعجبون من منزلة الملائكة من الله، والَّذي نفسي بِيَده..لمنزلة العَبْد المؤمن عِنْد الله يوم القيامة أعظم من منزلة مَلَك، واقراءوا إِن شِئْتُم: ﴿إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة﴾».
60. {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾[الزلزلة: 4]: أي: تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير وشر، فالأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد، ذلك {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لها أي أمرها أن تخبر بما عمل عليها، فلا تعصي أمره.
61. ﴿أَشْتاتاً﴾[الزلزلة: 6]: أي متفرقين، وهذا أدعى للحيرة والخوف والرهبة، إذ مع الجماعة يكون الأُنس والإلف، وهذا لا يتاح مع التشتت والتفرق، ولا سيما في يوم الفزع الأكبر.
62. ﴿إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ [العاديات:6]: وفي هذا تسلية للعبد إن وجد قلة الوفاء من الخلق، فإذا كان الإنسان كنودا جحودا لربه؛ وهو الذي خلقه وأكرمه، فكيف لا يكون فيه شيء من الجحود مع سائر الخلق؟!
63. ﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [العاديات:10]: لم تأت مادة ﴿حُصِّل﴾ إلا في سورة العاديات، والتحصيل في اللغة: الجمع والتمييز، وأصله من الحوصل والحوصلة، وهي من الطير كالمعدة للإنسان، ولهذا دلالة، فكل ما يعمله الإنسان مستقر في أعماقه، ومجموع في صدره، حتى يحين ميعاد كشفه يوم القيامة.
64. أقسم الله بثلاثة أشياء ﴿وَالْعَادِيات﴾ ﴿فالموريات﴾ ﴿فالمغيرات﴾، وجعل جواب القسم أيضا ثلاثة أشياء: ﴿إِن الْإِنْسَان لرَبه لكنود﴾ ﴿وَإنَّهُ على ذَلِك لشهيد﴾ ﴿وَإنَّهُ لحب الْخَيْر لشديد﴾.
65. ﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾ [العاديات:10]: قال الرازي: «وإنما خصَّ أعمال القلوب بالتحصيل دون أعمال الجوارح، لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب، فإنه لولا البواعث والإرادات في القلوب، لما حصلت أفعال الجوارح».
66. ﴿وما أدراك ما القارعة﴾ [القارعة:3]: لا علم لك بكُنهِها، لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها عقل أحد ولا فهمه، وكأنه الله تعالى يقول: قوارع الدنيا في جنب تلك القارعة ليست بقوارع.
67. ﴿نار حامية﴾ [القارعة: 11]: نار الدنيا في جنب نار الآخرة ليست حامية، وبذلك صار آخر السورة مطابقا لأولها، فالقارعة ليس كأي قارعة، ونار الآخرة ليست كأي نار.
68. ﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ﴾[قريش:1]: اللام متعلِّقة بقوله: {فَلْيَعْبُدُوا}، أي: ليعبدوا الله، لأجل نعمته عليهم بالإيلاف، أو اللام متعلِّقة بفعل تعجُّب محذوف، والتقدير: اعجبوا لإيلاف قريشٍ رحلةَ الشتاء والصيف، وتركهم عبادةَ ربِّ هذا البيت، الذي أطعَمهم من جوعٍ وآمنَهم من خوف.
69. ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾[التكاثر: 1]: قال رسول الله ﷺ: «لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب»، وقال أُبيُّ: «كنا نرى هذا من القرآن، حتى نزلت: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾[التكاثر: 1]».
70. ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ [التكاثر:1-2]: عن ميمون بن مهران قال: قرأ عمر بن عبد العزيز ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ [التكاثر: 1]، فبكى، ثم قال: ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ [التكاثر: 2]: «ما أرى المقابر إلا زيارة، ولا بد لمن يزورها أن يرجع إلى الجنة، أو إلى النار».
71. ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾ [التكاثر:1-2]: قال قتادة: «كانوا يقولون: نحن أكثر من بني فلان، ونحن أعدُّ من بني فلان، وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم».
72. وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3): قال الشافعي: «لو فكَّر الناس فى سورة العصر لكفتهم».
73. ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر:3]: : قال الإمام الرازي: «ودلَّت الآية على أن الحق ثقيل، وأن المحن تلازمه، فلذلك قرن به التواصي بالصبر».
74. ﴿تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾ [الهمزة:7]: أي تشرف على الأفئدة، وخص الأفئدة، لأن الألم إذا وصل إلى الفؤاد، مات صاحبه، فأخبرسبحانه أنهم في حال من يموت، لكنهم لا يموتون.
75. ﴿تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾ [الهمزة:7]: تعلم مقدار ما يستحقه كل واحد من أهل النار من العذاب، وكذلك بعلامة أطلعها الله عليها في كل عبد دخل النار.
76. ﴿ومن شر حاسد إذا حسد﴾: قال الحسين بن الفضل: «إن الله جمع الشرور في هذه السورة وختمها بالحسد ؛ ليُعلم أنه أخس الطبائع».
77. ﴿قل أعوذ برب الناس﴾ [الناس: 1]: بدأ برب الناس، وقدَّم الربوبية على غيرها لعمومها وشمولها لكل الخلق، وأخَّر صفة الألوهية لاختصاصها بمن عبده ووحَّده فحسب.
78. ﴿قل أعوذ برب الناس﴾ [الناس: 1] :
قال القرطبي: «وإنما ذكر أنه رب الناس، وإن كان ربا لجميع الخلق لأمرين: أحدهما: لأن الناس معظَّمون، فأعلم بذكرهم أنه رب لهم وإن عظموا. الثاني: لأنه أمر بالاستعاذة من شرِّهم، فأعلم بذكرهم أنه هو الذي يعيذ منهم».
79. «رب الناس، ملك الناس، إله الناس»: مناسبة هذه الإضافات الثلاثة للاستعاذة هي تقوية قلب العبد في مواجهة أعدى أعدائه، وأشدهم ضررا، وأبلغهم كيدا، وهو الشيطان الرجيم.
80. ﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴾ [الناس: 4] : قال ابن عباس: «ما من مولود إلاَّ على قلبه الوَسواس، فإذا عقلَ، فذكر الله، خَنَسَ، وإذا غفلَ، وَسْوَسَ، قال: فذلك الوَسْواس الخنَّاس».
81. ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ﴾ [الناس: 5] : قال ابن تيمية: «فالذي يوسوس في صدور الناس نفوسهم وشياطين الجن وشياطين الإنس، والوسواس الخناس يتناول وسوسة الجنة ووسوسة الإنس، وإلا أي معنى للاستعاذة من وسوسة الجن فقط، مع أن وسوسة نفسه وشياطين الإنس هي مما تضره، وقد تكون أضر عليه من وسوسة الجن».
82. ﴿من الجنة والناس﴾ [الناس: 6] : : قال الحسن: «هما شيطانان، أما شيطان الجن فيوسوس في صدور الناس، وأما شيطان الإنس فيأتي علانية».
يتبع