أو

الدخول بواسطة حسابك بمواقع التواصل

#1

افتراضي علاج الهموم


علاج الهموم



الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ،

وبعد:

فقد تكلمنا في مقال سابق عن بعض أسباب الهموم، وفي مقالنا هذا نتكلم عن أهم العلاجات للهموم التي تصيب العباد،ولا شك أن أول ما يُذكر في العلاج أهمية العقيدة والإيمان وأثرهما في المعالجة، فترى كثيراً من الكفار وكذلك ضعفاء الإيمان يُصابون بالانهيار أو يُقدمون على الانتحار للتخلص من الكآبة والحبوط واليأس إذا ماوقعوا في ورطة، أو أصابتهم مصيبة.

وكم مُلأت المستشفيات من مرضى الانهيارات العصبيةوالصدمات النفسية وكم أثرت هذه الأمور على كثير من الأقوياء ، فضلاً عن الضعفاء ،وكم أدت إلى العجز التام أو فقدان العقل والجنون.
أما من اهتدى بهدي الإسلام وكان صحيح العقيدة قوي الإيمان فإنه يجد العلاج فيما أتى من لدن العليم الخبير الذي خلق الخلق وهو أعلم بما يصلحهم {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}[المُلك:14]. فهلمّ إلى استعراض شيء من أنواع العلاجات التي جاءت في هذه الشريعة:

أولاً : التسلّح بالإيمان المقرون بالعمل الصالح
قال الله تعالى{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون}[النحل:97].وسبب ذلك واضح، فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح، المثمر للعملالصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتعاملون بها معكلّ ما يرد عليهم من أنواع المسرات والأحزان، فيتلقون النّعم والمسارّ بقبول لها،وشكر عليها، ويستعملونها فيما ينفع، فإذا فعلوا ذلك أحسوا ببهجتها وطمعوا في بقائهاوبركتها ورجاء ثواب شكرها وغير ذلك من الأمور العظيمة التي تفوق بخيراتها وبركاتهاتلك المسرات.
ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لِما يمكنهم مقاومته وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم عنه بد ، فيحصّلون منافع كثيرة من جراء حصول المكاره، ومن ذلك: المقاومات النافعة ،والتجارب المفيدة ،وقوة النفس ،وأيضا الصبر واحتساب الأجر والثواب وغير ذلك من الفوائد العظيمة التي تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه،كما عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المعنى في الحديث الصحيح بقوله : "عَجَباًلأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلالِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْأَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ"

وهكذا يكون النظر الإيجابي إلى الابتلاء ، ومن ذلك :
ثانياً: النظرفيما يحصل للمسلم من تكفير الذنوب وتمحيص القلب ورفع الدرجة ، إذا أصابته غم ومالدنيا وهمومها :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَمِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّىالشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ " وفي رواية مسلم : "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلا نَصَبٍوَلا سَقَمٍ وَلا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ".
فليعلم المهموم أن ما يصيبه من الأذى النفسي نتيجة للهمّ لا يذهب سدى بل هو مفيد في تكثير حسناته وتكفير سيئاته، وأن يعلمالمسلم أنه لولا المصائب لوردنا يوم القيامة مفاليس كما ذكر بعض السلف، ولذلك كانأحدهم يفرح بالبلاء كما يفرح أحدنا بالرخاء.
وإذا علم العبد أن ما يصيبه من المصائب يكفّر عنه سيئاته فرح واستبشر، وخصوصاً إذا عوجل بشيء بعد الذنب مباشرة كما وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم فيما رواه عَبْد اللَّهِ بْن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا لَقِيَ امْرَأَةً كَانَتْ بَغِيًّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَ يُلاعِبُهَا حَتَّى بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ مَهْ فَإِنَّا للَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ ذَهَبَ بِالشِّرْكِ وَقَالَ عَفَّانُ مَرَّةً ذَهَبَ بِالْجَاهِلِيَّةِ وَجَاءَنَا بِالإِسْلامِ فَوَلَّى الرَّجُلُ فَأَصَابَ وَجْهَهُ الْحَائِطُ فَشَجَّهُ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا، إِذَا أَرَادَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْراً عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ وَإِذَاأَرَادَ بِعَبْدٍ شَرّاً أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ عَيْرٌ "
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الله إذا أراد بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبد شراً أمسك عنه حتى يوافى يوم القيامة بذنبه"
ثالثاً:معرفة حقيقة الدنيا
يعلم المؤمن أن الدنيا فانية، ومتاعها قليل، وما فيها من لذة فهي مكدّرة ولا تصفو لأحد. إن أضحكت قليلاً أبكت طويلاً، وإن أعطت يسيراً منعت كثيراً، والمؤمن فيها محبوس كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِوَسَلَّمَ : "الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ".وهي كذلك نصب وأذى وشقاء وعناء ولذلك يستريح المؤمن إذا فارقها كما جاء عن أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ "مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاالْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ:"الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُيَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ".
وموت المؤمن راحة له من غموم دار الدنيا وهمومها وآلامها كمافي الحديث : "إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍبَيْضَاءَ فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيّاً عَنْكِ إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ فَيَقُولُونَ مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنَ الأَرْضِ، فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحاً بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ، فَيَسْأَلُونَهُ مَاذَا فَعَلَفُلانٌ؟ مَاذَا فَعَلَ فُلانٌ؟ فَيَقُولُونَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا..."الحديث.
إن هذا المعنى الذي يدركه المؤمن لحقيقة الدنيا يهوّن عليه كثيراًمن وقع المصاب وألم الغمّ ونكد الهمّ لأنه يعلم أنه أمر لا بدّ منه فهو من طبيعةهذه الحياة الدني
رابعاً: ابتغاء الأسوة بالرسل والصالحين واتخاذهم مثلاً وقدوة
وهم أشد الناس بلاءً في الدنيا ، والمرء يبتلى على قدر دينه ، والله إذاأحب عبداً ابتلاه وقد سأل سعد رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقَالَ:يَارَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: "الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَدِينُهُ صُلْباً اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ
".
خامساً: أن يجعل العبد الآخرة همه
فهموم الدنيا تشتت النفس وتفرّق شملها، فإذا جعل العبد الآخرة همه جمع الله له شمله وقويت عزيمته، كما روى أنسرضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُهَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ".
قال ابن القيم رحمه الله: إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمّل الله عنه سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كلّ ما أهمّه، وفرّغ قلبهلمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمّله اللههمومها وغمومها وأنكادها ووكَلَه إلى نفسه، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحوش في خدمةغيره ... فكلّ من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بُلِيَ بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته. قال تعالى : {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِين}[الزُّخرُف:36].
سادساً: علاج مفيد ومدهش وهو ذكر الموت
لقوله صلى الله عليه وسلم : "أكثروا ذكر هادم اللذات: الموت، فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسّعه عليه ولا ذكره في سعة إلا ضيَّقها عليه
".
سابعاً: دعاء الله تعالى
وهذا نافع جداً ومنه ما هو وقاية، ومنه ما هوعلاج، فأما الوقاية فإن على المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى ويدعوه متضرعاً إليه بأنيعيذه من الهموم ويباعد بينه وبينها ، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخبرنا خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه عن حاله معه بقوله: كنت أخدم رسول الله صلىالله عليه وسلم إذا نزل فكنت أسمعه كثيراً يقول :" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ".
وهذاالدعاء مفيد لدفع الهم قبل وقوعه والدفع أسهل من الرفع
.
ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوبه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي،وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ ".

فإذا وقع الهم وألمّ بالمرء، فباب الدعاء مفتوح غير مغلق، والكريم عز وجل إن طُرق لديه الباب وسُئل أعطي وأجاب.. يقول جلّ وعلا :{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}[البقرة:186]ومن أعظم الأدعية في إذهاب الهمّ والغم والإتيان بعده بالفرج: الدعاء العظيم المشهور الذي حثّ النبي صلى الله عليه وسلم كلّ من سمعه أن يتعلّمه ويحفظه :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ:اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدك،مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ،عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ،أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجا"قَالَ: فَقِيلَ :يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: "بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ".

هذا الحديث العظيم الذي يتضمن اعتراف العبد أنه مملوك لله وأنه لا غنى له عنه وليس له سيد سواه، والتزام بعبوديته وإعلان الخضوع والامتثال لأمره ونهيه ، وأن الله يصرّفه ويتحكّم فيه كيف يشاء وإذعان لحكم الله،ورضى بقضائه وتوسل إلى الله بجميع أسمائه قاطبة ، ثم سؤال المطلوب ونشدان المرغوب.وقد ورد في السنّة النبوية أدعية أخرى بشأن الغم والهم والكرب ومنها :
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: "لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاإِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ".
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر قال : "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث".وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"أَلا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَالْكَرْبِ أَوْ فِي الْكَرْبِ، اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا".
ومن الأدعية النافعة في هذا الباب أيضا ما علَّمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ...".فإذا لهج العبد بهذه الأدعية بقلب حاضر، ونية صادقة، مع اجتهاده في تحصيل أسباب الإجابة، حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له ، وانقلب همه فرحاً وسروراً.
والدعاء إذا كان من قلب معمور بالإيمان أزال الهم وجلب الفرج بإذن الله تعالى.
وقد ذكر أهل العلم قصصا كثيرة لأناس دعوا الله في محن وكُرب فأجاب الله دعاءهم فخلّصهم من عدو أو من غرق أو من جوع ومهلكة ومن ذلك ما وقع للصحابي الجليل العلاء الحضرمي وكان من سادات العلماء العباد ومن أولياء الله مجابي الدعوة حدث له في غزوة المرتدين من أهل البحرين أنه نزل منزلا فلم يستقر الناس على الأرض حتى نفرت الإبل بما عليها من زاد الجيش وخيامهم وشرابهم، وبقوا على الأرض ليس معهم شيء سوى ثيابهم-وذلك ليلا-ولم يقدروا منها على بعير واحد، فركب الناسَ من الهم والغم ما لا يُحدُّ ولا يوصف، وجعل بعضهم يوصي إلى بعض ( لقرب شعورهم بالموت )، فنادى منادي العلاء فاجتمع الناس إليه، فقال: أيها الناس ألستم المسلمين؟ ألستم في سبيل الله؟ ألستم أنصار الله؟ قالوا: بلى، قال: فأبشروا فوالله لا يخذل الله من كان في مثل حالكم، و نودي بصلاة الصبح حين طلع الفجر فصلى بالناس، فلما قضى الصلاة جثا على ركبتيه وجثا الناس، ونصب في الدعاء ورفع يديه وفعل الناس مثله حتى طلعت الشمس، وجعل الناس ينظرون إلى سراب المشمس يلمع مرة بعد أخرى وهو يجتهد في الدعاء فلما بلغ الثالثة إذا قد خلق الله إلى جانبهم غديرا عظيما من الماء القراح، فمشى ومشى الناس إليه فشربوا واغتسلوا، فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل من كل فج بما عليها لم يفقد الناس من أمتعتهم سلكا، فسقوا الإبل عللا بعد نهل. فكان هذا مما عاين الناس من آيات الله بهذه السرية. (البداية و النهاية : ذكر ردة أهل البحرين وعودتهم).






يتبع



إظهار التوقيع
توقيع : اماني 2011
#2

افتراضي رد: علاج الهموم

علاج الهموم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه سيدنا محمد بن عبد الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فقد تكلمنا في مقال سابق عن سبعة أسباب لعلاج الهموم والغموم ، وفي مقالنا هذا نكمل الحديث عن مزيد من العلاجات النافعة بإذن الله تعالى لطرد الهموم ومعالجتها إن وقعت وهي:

ثامناً: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
وهي من أعظم ما يفرج الله به الهموم،روى الطُّفَيْلُ بْنُ أُبَيِّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَااللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوااللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَافِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ". قَالَ أُبَيٌّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه،ِإِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟ فَقَالَ: "مَاشِئْتَ: قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ:"مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قَالَ: قُلْتُ:فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ:أَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَذَنْبُكَ ".
تاسعاً: التوكل على الله عز وجل وتفويض الأمر إليه
)فمن علم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالاختياروالتدبير. وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وأنه أعلم بمصلحة العبد منالعبد، وأقدر على جلبها وتحصيلها منه، وأنصح للعبد منه لنفسه وأرحم به منه بنفسه، وأبرّبه منه بنفسه. وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة ولايتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم له بين يدي قضائه وقدره ولا متأخر، فألقىنفسه بين يديه وسلم الأمر كله إليه، وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعيف بين يديملك عزيز قاهر، له التصرف في عبده بما شاء ، وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه، فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات. وحمل كل حوائجه ومصالحه منلا يبالي بحملها ولا يثقله ولا يكترث بها. فتولاها دونه وأراه لطفه وبره ورحمتهوإحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب ، ولا اهتمام منه، لأنه قد صرف اهتمامهكله إليه وجعله وحده همه. فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه ، وفرغ قلبه منها، فما أطيب عيشه وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه.
وأما من أبى إلا تدبيره لنفسهواختياره لها واهتمامه بحظه دون حق ربه، خلّاه وما اختاره وولاه ما تولى، فحضره الهموالغم والحزن والنكد والخوف والتعب، وكسف البال وسوء الحال ، فلا قلب يصفو، ولا عمليزكو، ولا أمل يحصل ، ولا راحة يفوز بها ، ولا لذة يتهنى بها، بل قد حيل بينه وبينمسرته وفرحه وقرة عينه . فهو يكدح في الدنيا كدح الوحش ولا يظفر منها بأمل ولايتزود منها لمعاد)

(ومتى اعتمد القلب على الله ،وتوكل عليه ، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة ، ووثق بالله وطمع فيفضله ، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم ، وزالت عنه كثير من الأسقام القلبيةوالبدنية ، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه ،والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب ،الدافعة لقلقه ، قال تعالى: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } أي كافيه جميع ما يهمهمن أمر دينه ودنياه، فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام ، ولاتزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له ،ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئنلوعده ، فيزول همه وقلقه ، ويتبدل عسره يسرا ، وترحه فرحا، وخوفه أمنا فنسأله تعالىالعافية وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته بالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهلهبكل خير،ودفع كل مكروه وضير).
عاشراً : ومما يدفع الهم والقلق الحرص على ما ينفع واجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر ، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل ، وعن الحزن علىالوقت الماضي،ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن، فالحزن علىالأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها والهم الذي يحدث بسببه الخوف منالمستقبل ، فيكون العبد ابن يومه ، يجمع جِدّه واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر ،فإن جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن والنبيصلى الله عليه وسلم إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء فهو يحث مع الاستعانةبالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو لدفعه لأن الدعاءمقارن للعمل ، فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا ، ويسأل ربه نجاح مقصده. ويستعينه على ذلك كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَايَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاتَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ".
فجمع صلى الله عليه وسلم بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال والاستعانةبالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار وبين الاستسلام للأمور الماضيةالنافذة ، ومشاهدة قضاء الله وقدره وجعل الأمور قسمين : قسم يمكن للعبد السعي فيتحصيله أو تحصيل ما يمكن منه ، أو دفعه أو تخفيفه فهذا يبدي فيه العبد مجهودهويستعين بمعبوده. وقسم لا يمكن فيه ذلك ، فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويسلم ، ولاريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم.
والحديث المذكور يدلّ على السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التيلا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال ، وأن ذلك حمقوجنون ، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله ، ممايتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته . فيعلمأن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر وآمال وآلام ، وأنها بيد العزيزالحكيم ، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها ويعلمالعبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره ، واتكل على ربه في إصلاحه ،واطمأن إليه في ذلك صلحت أحواله ، وزال عنه همه وقلقه.
الحادي عشر : الإكثار من ذكر الله
فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته ، وزوالهمه وغمه ، قال الله تعالى: { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب}[الرعد:28].
وأعظم الأذكارلعلاج الهمّ العظيم الحاصل عند نزول الموت : لا إله إلا الله، وذلك لما حدّث به طلحة عمر رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كَلِمَةٌ لا يَقُولُهَا عَبْدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَتَهُ وَأَشْرَقَ لَوْنُهُ". فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا إِلا الْقُدْرَة عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي لأَعْلَمُهَا، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: هَلْ تَعْلَمُ كَلِمَةً هِيَ أَعْظَمَ مِنْ كَلِمَةٍأَمَرَ بِهَا عَمَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ هِيَ وَاللَّهِ هِيَ.
الثاني عشر: اللجوء إلى الصلاة
قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ }[البقرة:45].
وعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى". ولما بلغ ابن عباس رضي الله عنه وفاة أخيه نزل على جانب الطريق يصلي –وكان في سفر- امتثالا لأمر الله.
الثالث عشر : ومما يفرج الهم أيضا الجهاد في سبيل الله
كما قال صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ الْهَمَّ وَالْغَمَّ".
الرابع عشر : التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة
فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الهم والغم ، ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها حتى ولوكان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا . فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه التي لا تحصى ولا تعدّ وبين ما أصابه من مكروه ، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة، بل المكروه والمصائب إذا ابتلى الله بها العبد ، وأدى فيها وظيفة الصبر والرضى والتسليم ، هانت وطأتها ، وخفت مؤنتها ، وكان تأميل العبد لأجرهاوثوابها والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر والرضا، يدع الأشياء المرة حلوة فتنسيهحلاوة أجرها مرارة صبرها.
ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَأَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَجْدَرُأَنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ".

فإن العبد إذا نصب بينعينيه هذا الملحظ الجليل، رأى نفسه يفوق ـ قطعاً ـ كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال ، فيزول قلقه وهمه وغمه ، ويزداد سرورهواغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها، وكلما طال تأمل العبدفي نِعم الله الظاهرة والباطنة ، الدينية والدنيوية ، رأى ربه قد أعطاه خيراًكثيراً ودفع عنه شروراً متعددة ، ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم ، ويوجب الفرح والسرور.
الخامس عشر : الانشغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة
فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمرالذي أقلقه. وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم ، ففرحت نفسه ،وازداد نشاطه ، وهذا السبب أيضا مشترك بين المؤمن وغيره . ولكن المؤمن يمتازبإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه، ويعملالخير الذي يعمله ، إن كان عبادة فهو عبادة وإن كان شغله دنيوياً أو عادة دنيوية أصحبها النية الصالحة ، وقصد الاستعانة بذلك على طاعة الله ، فلذلك أثره الفعّال فيدفع الهموم والغموم والأحزان ، فكم من إنسان ابتلي بالقلق وملازمة الأكدار ، فحلتبه الأمراض المتنوعة فصار دواءه الناجح: نسيانه السبب الذي كدره وأقلقه، واشتغاله بعمل من مهماته.وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه؛ فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع والله أعلم.
السادس عشر: النظر إلى الجوانب الإيجابية للأحداث التي يظهرمنها بعض ما يكره
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَر".ومن فوائد هذا الحديث: زوال الهم والقلق وبقاء الصفاء ، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة وحصول الراحة بين الطرفين ، ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بل عكس القضية فلحظ المساوىء ، وعمي عن المحاسن ، فلا بد أن يقلق ، ولابد أن يتكدر مابينه وبين من يتصل به من المحبة ، ويخلّ بكثير من الحقوق التي على كل منهماالمحافظة عليها.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

يتبع


إظهار التوقيع
توقيع : اماني 2011
#3

افتراضي رد: علاج الهموم


علاج الهموم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير ولد آدم أجمعين،وبعد:
تكلمنا في مقالين سابقين عن بعض علاجات الهموم، وهذا المقال الأخير الذي نكمل فيه الحديث عما تيسر من أسباب علاجها وهي:
السابع عشر : معرفة القيمة الحقيقية للحياة وأنها قصيرة وأنّ الوقت أغلى من أن يذهب في الهمّ والغمّ.
فالعاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة وأنها قصيرة جداً ، فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة ، فيشح بحياته أن يذهب كثير منها نهباً للهموم والأكدار ولا فرق في هذا بين البر والفاجر ، ولكن المؤمن له من التحقق بهذا الوصف الحظ الأوفر ، والنصيب النافع العاجل والآجل . وينبغي أيضا إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية . وبين ما أصابه من مكروه فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم ، واضمحلال ما أصابه من المكاره وكذلك يقارن بين ما يخافه من حدوث ضرر عليه ، وبين الاحتمالات الكثيرة في السلامة منها فلا يدع الاحتمال الضعيف يغلب الاحتمالات الكثيرة القوية وبذلك يزول همه وخوفه ، ويقدر أعظم ما يكون من الاحتمالات التي يمكن أن تصيبه ، فيوطن نفسه لحدوثها إن حدثت ، ويسعى في دفع ما لم يقع منها وفي رفع ما وقع أو تخفيفه.
الثامن عشر : ومن الأمور النافعة عدم السماح بتراكم الأعمال والواجبات.
وذلك بحسمها في الحال والتفرغ للمستقبل ، لأن الأعمال إذا لم تُحسم اجتمع عليك بقية الأعمال السابقة ، وانضافت إليها الأعمال اللاحقة ، فتشتد وطأتها ، فإذا حسمت كل شيء في وقته تفرغت للأمور المستقبلة بقوة تفكير وقوة عمل.
وينبغي أن تتخير من الأعمال النافعة الأهم، فالأهم وميز بين ما تميل نفسك إليه وتشتد رغبتك فيه، فإن ضده يحدث السآمة والملل والكدر ، واستعن على ذلك بالفكر الصحيح والمشاورة ، فما ندم من استشار ، وادرس ما تريد فعله درساً دقيقاً ، فإذا تحققت المصلحة وعزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين.

التاسع عشر: التوقع المستمر والاستعداد النفسي لجميع الاحتمالات.
فإن الإنسان إذا استحضر في نفسه فقد عزيز أو مرض قريب أو وقوعاً في دين أو قهر عدو أو أي احتمال سيئ مما لم يحدث بعد - مع استعاذته بالله من ذلك ورجاء السلامة - فإنه لو وقع له شيء من ذلك حقيقة سيكون أهون عليه وأخف وطأة لتوقعه المسبق.
ومما ينبغي التنبّه له أن كثيراً من الناس من ذوي الهمم العالية يوطنون أنفسهم عند وقوع الكوارث والمزعجات على الصبر والطمأنينة . لكن عند الأمور التافهة البسيطة يقلقون ، ويتكدر الصفاء ، والسبب في هذا أنهم وطنوا نفوسهم على الأمور الكبار ، وتركوها عند الأمور الصغار فضرتهم وأثرت في راحتهم فالحازم يوطن نفسه على الأمور الصغيرة والكبيرة ويسأل الله الإعانة عليها ، وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين فعند ذلك يسهل عليه الصغير ، كما سهل عليه الكبير ويبقى مطمئن النفس ساكن القلب مستريحاً.
العشرون: الشكوى إلى أهل العلم والدين وطلب النصح والمشورة منهم.
فإن نصائحهم وآراءهم من أعظم المثبتات في المصائب. وقد شكى الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يلقون من تعذيب...
فهذا خَبَّاب بْن الأَرَتِّ رضي الله عنه يقول: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".
وكذلك شكا التابعون إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول الزبير بن عدي : أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ: اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فيسمع المسلم من أهل العلم والقدوة ما يسليه ويخفف عنه آلام غمومه وهمومه.



ومن هذا الباب أيضا: اللجوء إلى إخوان الصدق والأقرباء العقلاء والأزواج والزوجات الأوفياء والوفيات، فهذه فاطمة رضي الله عنها لمّا أصابها الهمّ شكت إلى زوجها عليٍّ رضي الله عنه كما روى القصة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا فَوَجَدَ عَلَى بَابِهَا سِتْراً فَلَمْ يَدْخُلْ ، قَالَ: وَقَلَّمَا كَانَ يَدْخُلُ إِلا بَدَأَ بِهَا، فَجَاءَ عَلِيٌّ رَضِي اللَّه عَنْه فَرَآهَا مُهْتَمَّةً فَقَالَ: مَا لَكِ؟ قَالَتْ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ فَلَمْ يَدْخُلْ! فَأَتَاهُ عَلِيٌّ رَضِي اللَّه عَنْه فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَاطِمَةَ اشْتَدَّ عَلَيْهَا أَنَّكَ جِئْتَهَا فَلَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهَا، قَالَ: "وَمَا أَنَا وَالدُّنْيَا وَمَا أَنَا وَالرَّقْمَ ( أي النقش والرسم ) فَذَهَبَ إِلَى فَاطِمَةَ فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ قُلْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَأْمُرُنِي بِهِ قَالَ قُلْ لَهَا فَلْتُرْسِلْ بِهِ إِلَى بَنِي فُلانٍ". [ وَكَانَ سِتْراً مَوْشِيّاً ] (أي مزخرفاً منقوشاً).



والرجل ذو العقل الراجح والرأي السديد يزيل الهم.
وقد حكي عن المغيرة مولى الوليد قال: دخلت على الوليد فوجدته مهموما فقلت: مالك يا أمير المؤمنين مهموما؟ فقال: إنه قد كثر المسلمون وقد ضاق بهم المسجد، فأحضرت النصارى وبذلت لهم الأموال في بقية هذا الكنيسة لأضيفها إلى المسجد فيتسع على المسلمين فأبوا: فقال المغيرة: يا أمير المؤمنين عندي ما يزيل همك، قال: وما هو ؟ قلت: الصحابة لما أخذوا دمشق دخل خالد بن الوليد من الباب الشرقي بالسيف، فلما سمع أهل البلد بذلك فزعوا إلى أبي عبيدة ( وكان يحاصرها من الباب الآخر ) يطلبون منه الأمان فأمنهم وفتحوا له باب الجابية، فدخل منه أبو عبيدة بالصلح فنحن نماسحهم ( أي نقيس ) إلى أي موضع بلغ السيف ( أي فتح بالقوة ) أخذناه، وما بالصلح تركناه بأيديهم، وأرجو أن تدخل الكنيسة كلها في العنوة فتدخل في المسجد، فقال الوليد: فرجت عني، فتول أنت ذلك بنفسك، فتولاه المغيرة ومسح من الباب الشرقي إلى نحو باب الجابية إلى سوق الريحان فوجد السيف لم يزل عمالا حتى جاوز القنطرة الكبيرة بأربع أذرع وكسر، فدخلت الكنيسة في المسجد، فأرسل الوليد إلى النصارى فأخبرهم وقال: إن هذه الكنيسة كلها دخلت في العنوة فهي لنا دونكم، فقالوا: إنك أولا دفعت إلينا الأموال وأقطعتنا الإقطاعات فأبينا فمن إحسان أمير المؤمنين أن يصالحنا .. ونحن نترك له بقية هذه الكنيسة، فصالحهم ... ( البداية والنهاية في سيرة الوليد ).

الحادي والعشرون: أن يعلم المهموم والمغموم أن بعد العسر يسراً ، وأن بعدالضيق فرجاً
فليحسن الظن بالله فإنه جاعل له فرجاً ومخرجا، وكلما استحكم الضيق وازدادت الكربة قرب الفرج والمخرج .
وقد قال الله تعالى في سورة الشرح: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشَّرح:5-6]، فذكر عسراً واحداً ويسرين فالعسر المقترن بأل في الآية الأولى هو العسر في الآية الثانية أما اليسر في الآية الثانية فهو يسر آخر غير الذي في الآية الأولى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما: "واعلم أن النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً".

الثاني والعشرون: ومن علاجات الهموم ما يكون بالأطعمة.
فقد روى البخاري رحمه الله عن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ".
وروى رحمه الله أيضا عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ كُلْنَ مِنْهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ".
والتلبينة: هي حساء يعمل من دقيق أو نخالة ويجعل فيه عسل، وسُمّيت تلبينة لشبهها باللبن ، وهي تطبخ من الشعير مطحوناً .
ومعنى مُجِمَّة : أي تريح وتنشط وتزيل الهمّ.
وروى أحمد رحمه الله عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قِيلَ لَهُ: إِنَّ فُلانًا وَجِعٌ لا يَطْعَمُ الطَّعَامَ، قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالتَّلْبِينَةِ فَحَسُّوهُ إِيَّاهَا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَغْسِلُ بَطْنَ أَحَدِكُمْ كَمَا يَغْسِلُ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ مِنَ الْوَسَخِ".
ورواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ أَهْلَهُ الْوَعَكُ أَمَرَ بِالْحِسَاءِ فَصُنِعَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَحَسَوْا مِنْهُ وَكَانَ يَقُولُ:"إِنَّهُ لَيَرْتُقُ ( وفي رواية أحمد وابن ماجة : ليرتو ) فُؤَادَ الْحَزِينِ وَيَسْرُو عَنْ فُؤَادِ السَّقِيمِ كَمَا تَسْرُو إِحْدَاكُنَّ الْوَسَخَ بِالْمَاءِ عَنْ وَجْهِهَا"
ويرتو أو يرتق : أي يشدّ ويقوي، ويسرو: أي يكشف.
وهذا الأمر - وإن استغربه بعض الناس - هو حق وصدق ما دام قد ثبت من طريق الوحي عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ، والله خلق الأطعمة وهو أعلم بخصائصها وبالتالي فإن حساء الشعير المذكور هو من الأغذية المفرحة ، والله أعلم.
أما عن طريقة طبخه لمريض الجسد ومحزون القلب فيقول ابن حجر رحمه الله : ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طبخ صحيحاً وبالحزين ماؤه إذا طبخ مطحوناً والله أعلم.
وبعد هذه الجولة في العلاجات نتوقف عند تلخيص ابن القيم رحمه الله ذكر فيه خمسة عشر نوعا من الدواء يذهب الله بها الهم والغم والحزن وهي:
الأول: توحيد الربوبية.
الثاني: توحيد الإلهية.
الثالث: التوحيد العلمي الاعتقادي ( وهو توحيد الأسماء والصفات).
الرابع: تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده ، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك .
الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.
السادس: التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء ، وهو أسماؤه وصفاته ، ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات: الحي القيوم.
السابع: الاستعانة به وحده .
الثامن: إقرار العبد له بالرجاء .
التاسع: تحقيق التوكل عليه ، والتفويض إليه ، والاعتراف له بأن ناصيته في يده ، يصرفه كيف يشاء ، وأنه ماض فيه حكمه ، عدل فيه قضاؤه .
العاشر: أن يرتع قلبه في رياض القرآن ، ويتعزى به عن كل مصيبة ، ويستشفي به من أدواء صدره، فيكون جلاء حزنه ، وشفاء همه وغمه .
الحادي عشر: الاستغفار.
الثاني عشر: التوبة.
الثالث عشر: الجهاد.
الرابع عشر: الصلاة.
الخامس عشر: البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده.


نسأل الله تعالى أن يعافينا من الهموم وأن يفرج عنا الكروب ويزيل عنا الغموم إنه هو
السميع المجيب، وهو الحي القيوم.



منقوووووووووول

إظهار التوقيع
توقيع : اماني 2011
#4

افتراضي رد: علاج الهموم

الف شكر لمجهودك حبيبتى
إظهار التوقيع
توقيع : هبه شلبي
#5

افتراضي رد: علاج الهموم

تسلم ايدك ياعسوووووووله
إظهار التوقيع
توقيع : ريموووو
#6

افتراضي رد: علاج الهموم

رد: علاج الهموم
إظهار التوقيع
توقيع : لولو حبيب روحي
#7

افتراضي رد: علاج الهموم

رد: علاج الهموم

إظهار التوقيع
توقيع : قوت القلوب 2
#8

افتراضي رد: علاج الهموم

شكرا على المرور الجميل

إظهار التوقيع
توقيع : اماني 2011
#9

افتراضي رد: علاج الهموم

نسأل الله تعالى أن يعافينا من الهموم وأن يفرج عنا الكروب ويزيل عنا الغموم إنه هو
السميع المجيب، وهو الحي القيوم

إظهار التوقيع
توقيع : راوناالحديثي
#10

افتراضي رد: علاج الهموم

بارك الله فيكى
#11

افتراضي رد: علاج الهموم

جزاكى الله خيرا

#12

افتراضي رد: علاج الهموم

بارك الله فيكي وجعله في ميزان حسناتك
إظهار التوقيع
توقيع : أم زهير


قد تكوني مهتمة بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى
علاج الهموم والأحزان للشيخ سعيد محمود تائبة الى ربى صوتيات ومرئيات اسلامية
(( حياتنا جميلة ولاتستحق تلك الهموم وتلك الاحزان ,,)) غرام18 منوعات x منوعات - مواضيع مختلفة
رِسَالَة إلى كل من داهمت حياتهام الهموم والغموم زهرة الأوركيدا العقيدة الإسلامية
التعايش مع الهموم هبه شلبي العيادة النفسية والتنمية البشرية
كيف نقضى على الهموم للشيخ مسعد أنور بجودة عالية احمر شفايف صوتيات ومرئيات اسلامية


الساعة الآن 09:18 AM


جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع


التسجيل بواسطة حسابك بمواقع التواصل