وقد يدفع أحد المشرفين بمستمع للوقوف على خشبة المسرح ثم يقوم بتأنيبه و توبيخه أمام جميع الحاضرين.
و قد بينت الإستفتاءات العامة أن أكثر ما يخشاه أغلبية الناس هو الوقوف و التحدث أمام جمهور من المستمعين.
فيمكنك أن تتخيل حالة الرعب التى يمر بها الشخص عند وقوفه على المسرح و التى تؤدى فى بعض الأحيان إلى فقدان الوعى عند البعض و لكن الأغلبية تلجأ إلى حالة من "الغياب الذهنى" ***- *لة لمواجهة (أو الهروب من) هذا الموقف و هم ينتقلون بهذه الوسيلة إلى حالة "الفا" العقلية مما يجعلهم أكثر إستعدادا لتقبل الإيحاء و يسهل عملية التحويل.
المؤشر الخامس الذى يدل على أن عملية "التحويل" تسير قدما هو إستعمال فيض من الإصطلاحات ألتى لا يفهمها إلا العالمين ببواطن الأمور من الحاضرين. أحيانا يكون المحاضر سليط اللسان و يستخدم لغة خبيثة (أو حتى شريرة) ليسود شعور عام بعدم الإرتياح بين الحاضرين.
و المؤشر السادس و الأخير هو إنعدام الدعابة (أو خفة الدم) و يمنع الضحك أثناء الندوة على الأقل حتى تتم عملية "التحويل". أما بعدها فتكون البهجة و المرح من الأشياء المستحبة لتعرب عن التغيير الذى حدث و تكون رمزا للبهجة و السرور و السعادة "الجديدة" (أو المفقودة) التى تم التحول إليها (أو العثور عليها).
و أنا لا أقول هنا أن هذه الإجتماعات لا يأتى من ورائها خير على الإطلاق. فى الواقع قد يكون فيها بعض الفائدة. و لكنى أريد أن يكون الجميع على يقين بما يحدث لهم (أو حولهم) و يأخذوا حذرهم و يعلموا أن إستمرارهم فى التورط فى مثل هذه الإجتماعات قد يؤدى إلى أضرار يصعب علاجها.
و قد قمت على مدى السنين بتقديم ندوات متخصصة لتعليم التنويم المغنطيسى لأخصائيين فى علم النفس و للمعالجين. و قدقال لى بعضهم: "إننى أقوم بهذا العمل لأننى أعلم أنه يأتى بنتائج و لكنى لم أكن أعرف كيف تتحقق هذه النتائج". و بعد أ ن بينت لهم كيف تعمل هذه الطرق قرر بعضهم الإمتناع عن الإستمرار فى هذا الطريق و اللجوء إلى وسائل أخرى أكثر ودية.
لقد أصبح العديد من هؤلاء المعالجين أصدقاء لى و أصبحنا نتبادل المعلومات و الخبرة و التجارب بيننا. و أكثر ما يزعجنا فى هذا الموضوع من تجاربنا الشخصية هو يقيننا بالقدرة الهائلة التى يستطيع بها شخص واحد و معه ميكوفون أن يسيطر على صالة مملوءة بالمستمعين و يتحكم فيهم. أضف إلى ذلك قليل من الموهبة القيادية أو الجاذبية الشخصية (charisma) و يمكنك أن تضمن عدد كبير من "المحولين" أو كما يسميهم البعض "المهتدين".
و من المؤسف أنه توجد نسبة مرتفعة من الناس على إستعداد تام لتسليم إرادتهم و الإستسلام الكامل لجماعة معينة أو حتى لشخص واحد ليقوم بالتحكم فيهم.
إجتماعات التنظيمات الدينية و المنظمات السياسية (و خاصة المنظمات التى يكون أغلب أعضاؤها من الشباب و المراهقين) تعتبر أنسب مكان لمشاهدة ما يطلق عليه "Stockholm Syndrome" حيث يبدأ الضحايا بإظهار علامات الحب و الإعجاب بل و أحيانا الرغبة فى إقامة علاقة جنسية مع آسريهم او معتقليهم أو الذين يقومون بتعذيبهم.
(أنظر فى هذه الوصلة للتعريف Stockholm syndrome - Wikipedia, the free encyclopedia)
و يتحتم على هنا أن أوجه كلمة تحذير: إذا كنت تعتقد أنه فى إمكانك أن تشارك فى هذه الإجتماعات دون أن تتأثر بها فأنت غالبا مخطئ. و الدليل المثالى على ذلك هو قصة إمرأة توجهت إلى هاييتى (فى أمريكا الجنوبية) فى بعثة بغرض دراسة وسائل السحر و الشعوذة التى تشتهر بها هذه الدولة.
و فى تقريرها ذكرت أن الموسيقى دفعتها للقيام بالرقص رغم إرادتها و أنها فقدت السيطرة تماما على حركة جسدها و إنتقلت إلى "حالة عقلية بديلة". فبالرغم من أنها كانت على علم تام بالطريقة و إعتقادها بأن علمها هذا سيحصنها فقد شعرت أنها مهددة بالسقوط ضحية للموسيقى و شرعت فى مقاومتها فغادرت البيت.
و بعد لحظات قليلة تقمصتها الموسيقى مرة أخرى و بدأت تدور حول البيت و تمارس الرقص وحدها و هى فى شبه غيبوبة.
لقد ولدت الموسيقى فيها حالة عقلية و أثارتها على غير ما كانت تتوقع. و بعد أن أفاقت شعرت وكأنها قد "ولدت من جديد". و قد أكدت هذه التجربة أن الغضب و محاولة المقاومة يؤديان حتما إلى "التحول".
و الأمل الوحيد فى عدم "التحول" فى هذه الإجتماعات هو أن يكون الشخص "بوذا" نفسه فلا يسمح لأى عواطف –سواء إيجابية أو سلبية بأن تتمكن منه.
ويندر وجود من عنده هذه المقدرة.
و قبل أن استرسل – أريد أن أعود الى "الإشارة السادسة" لعملية التحويل. أريد أن أذكر حكومة الولايات المتحدة و معسكرات التدريب العسكرية. ففى فيلق المارينز يتحدث المدربين عن "كسر الرجال" قبل إعادة بناؤهم كرجال جدد – أى رجال المارينز.
فما الذى يفعلوه بالتحديد؟
إنهم يقومون باتباع نفس الطرق التى يتبعها رجال التنظيمات الذين يقومون ب"كسر" ضحاياهم ثم إعادة بناؤهم كبائعى زهور سعداء أو مروجين مخلصين لأفكار التنظيم فى محاولة لجذب المزيد من الضحايا ليتم "هدايتهم".
و يتم إستخدام الوسائل الست جميعها فى معسكرات المارينز.
و بأخذ طبيعة المهنة فى الإعتبار فأنا لا أستطيع أن أحكم عن مدى الفائدة أو الضرر الناتجة من إستخدام هذه الوسائل. و لكنها حقيقة ثابتة أن هؤلاء الرجال قد تم غسيل مخهم. و الذين يتعذرتحويلهم يتم تسريحهم أو يقضوا معظم مدة خدمتهم فى الحبس.
تتميز الحركات الجماعية عادة برئيس أو زعيم يتمتع بقدر واف من ال"كاريزما".
و يبذل الأتباع جهدا كبيرا للتأثير على معارفهم فى محاولات لضمهم إلى جماعتهم و تحويلهم أو فرض طريقتهم عليهم و ذلك عن طريق سن القوانين ومحاولة إجبار الآخرين على الخضوع لها و لو حتى بالقوة – باستخدام السلاح وتوقيع العقوبات. و هى وسائل تطبيق القانون.
و يشترط لنجاح هذه الجماعات أن يتم "خلق" عدو أو شيطان أو فئة مكروهه لأعضائها. فعدو جماعات "المسيحيون المولودون من جديد"( born again Christians) هو الشيطان نفسه – و لكن هذا لم يكن كافيا لهم فأضافوا له القوى الخفية (Occult) و السحر و أتباع "العهد الجديد" (New Age) و كل من يعترض على إندماج الكنيسة و الدولة كما هو واضح فى برامجهم الإنتخابية الموجهة ضد كل من يعارض أفكارهم و وجهة نظرهم.
و فى حالة الثورات يكون الشيطان عادة هو الطبقة الحاكمة أو الأرستقراطية. و تعتبر بعض التنظيمات الدينية كل من لم يحضر دورتهم التدريبية شيطانا يجب معاداته. و للإنصاف يجب أن أذكر أنه توجد تنظيمات ليس لها عدو و لكن هذه التنظيمات سرعان ما تبوء بالفشل أو فى أحسن الحالات تظل نكرة.
"المؤمن الحقيقى" (و المقصود هنا هو المؤمن بتنظيم أو جماعة معينة) يكون عادة إما مختل عقليا أو غير أمن (متزعزع) نفسيا أو ليس له أصدقاء أو أمل فى الحياة. فالشخص الذى إمتلأ قلبه بالحب لا يبحث عن حلفاء و لكنه يلجأ لهذه الوسيلة عندما يمتلئ قلبه بالكراهية و الحقد و ينفر الناس من حوله نتيجة لتصرفاته الشاذة التى تعكس تسلط أفكار جماعته و استحواذها عليه .
وسائل الإقناع
الإقناع –من الناحية التقنية – لا يعتبر "غسيل مخ" و لكن غسيل المخ هو التلاعب بعقل شخص آخر بدون أن يكون هذا الشخص على يقين بالأسباب التى جعلته يغير رأيه.
و فى هذه الندوة – ربما يسمح لى الوقت أن أقدم لكم عدد قليل من آلاف من وسائل الإقناع المتبعة اليوم بالرغم من أنها كلها مبنية على أساس الوصول إلى نصف المخ الأيمن و مناشدته. فالنصف الأيسر من المخ منطقى و يتصف بالرشد و العقلانية. أما النصف الأيمن فهو خلاق و خيالى. هذا الشرح مبسط للغاية و لكنه يفى بالغرض حيث أنه يشرح الفكرة العامة.
فالهدف هنا هو الهاء النصف الأيسر من المخ و صرف إنتباهه عن عملية الغزو الجارية للنصف الأيمن. و الطريقة المثلى هى أن يقوم الشخص المتحكم بتوليد حالة وعى بديلة تؤدى إلى نقلك من حالة الوعى الكامل (beta) إلى حالة alpha. و هذه الحالة يمكن قياسها بواسطة أجهزة رسام العقل EEG.
دعونى أولا أعطيكم مثل عن طريقة إلهاء النصف الأيسر. هناك وسائل متقدمة يستخدمها السياسيون و بعض المحامين و قد قيل لى أنهم يطلقون عليها إسم "شد الوثاق" (tightening the noose).
فلننظر إلى سياسى أثناء حملته الإنتخابية فهو يبدأ بما يسمى ب "مجموعة نعم" أى مجموعة من الأسئلة التى يكون رد المستمعين عليها بالإيجاب و بالتالى فهم يوافقون على هذه التصريحات و قد تراهم أحيانا يومئون رؤوسهم ليؤكدوا موافقتهم. ثم تأتى بعد ذلك مجموعة البديهيات.
و هى تصريحات قد تحتمل صحتها بعض الشك. و لكن حيث أن المتحدث قد سبقها بما وافقوا عليه فمن المرجح أن يستمروا فى الموافقة. و أخيرا تأتى مرحلة الإيحاء.
و هذا هو ما يريد السياسى منك أن تقوم بعمله و حيث أنك كنت على موافقة معه على طول الخط فمن السهل أن تقبل هذه الإيحاءات. و الآن إستمع بانتباه إلى خطبتى السياسية و ستجد أن التصريحات الثلاثة الأولى هى "مجموعة نعم" و الثلاثة الذين يتبعونهم هم "البديهيات" و أخيرا الإيحاءات:
"سيداتى و سادتى: هل أنتم غاضبون بسبب أسعار الطعام المرتفعة؟
هل تعبتم من أسعار الوقود الخيالية؟
هل سقمتم التضخم الذى لم يعد من الإمكان التحكم فيه؟
أنتم تعلمون أن الحزب الحاكم قد سمح للتضخم أن يرتفع إلى 18 فى المائة فى العام الماضى.
و إزدادت الجرائم ب نسبة 50 فى المائة فى الإثنى عشرة شهر الماضية.
و أنتم تعلمون أن مرتباتكم لا تكاد تكفيكم من شهر لآخر.
أيها السيدات و السادة: الحل الوحيد لمشاكلكم هو أن تنتخبونى أنا – "فلان الفلانى" لأمثلكم فى مجلس الشيوخ."
أعتقد أنكم سمعتم الخطبة السابقة من قبل. و لكنى أريد أن ألفت نظركم إلى ما يطلق علية "الأوامر المطمورة" (أو الدفينة). على سبيل المثال: أثناء النطق بكلمات معينة يقوم الخطيب بعمل أيماءة أو لفتة بيده اليسرى و ذلك لأن الأبحاث بينت أنها مناسبة لمخاطبة نصف المخ الأيمن.
ويتم تدريب سياسى العصر الحديث و الخطباء بواسطة جيل جديد من الخبراء الذين برعوا فى إستعمال جميع الوسائل و الحيل و الخدع القديم منها و الحديث ليتلاعبوا بعقلك حتى تقبل مرشحهم أو برنامجهم.
إن فكرة "البرمجة اللغوية العصبية" Neuro-Linguistic programming و تقنياتها قد تم حمايتهم و إحاطتهم بالسرية لدرجة أننى إكتشفت أن المحاضرة عنهم سواء بالكلام إو عن طريق النشر يؤدى إلى المحاسبة القانونية. و بالرغم من هذا فإن التدريب على هذه البرمجة متاح لأى شخص يكون على إستعداد لأستثمار وقته و دفع مصاريف التعليم.
إنها واحدة من أقوى و أنجح وسائل الخداع و التلاعب بالعقل التى تعرضت لها. و قد التحقت صديقة لى بدورة تدريبية عن البرمجة اللغوية العصبية و ذكرت أن معظم الحاضرين كانوا من رجال الحكومة.
و هناك طريقة جديدة –ما زلت أتعلمها- يطلق عليها Interspersal technique و هى أن يتكلم الخطيب عن شئ معين و لكنه يزرع فى عقل المستمع إنطباع أو شئ غير الذى تعنيه كلماته.
على سبيل المثال إفترض أنك تشاهد برنامج تليفزيونى حيث يقول فيه المعلق:
"قام السناتور جونز بمجهود ضخم لتبرئة التصرف الأحمق لبعض المصانع التى ساهمت فى مشكلة النفايات النووية"
ففى الظاهر يبدو أنه يتكلم عن حقائق و لكن إذا أبرز (أو فخم) كلمات معينة -و خاصة إذا لوح بيده أثناء نطق هذه الكلمات فقد يترك عند المشاهدين إنطباعا بأن السناتور جونز هو الأحمق. فهذه هى الرسالة الضمنية التى يرغب المعلق فى توصيلها إليك و فى نفس الوقت لا يمكن محاسبته لأنه لم يخطئ صراحة فى حق أى شخص.
تستخدم وسائل الإقناع على مستوى أقل من المذكور سابقا ولكن بنفس الفاعلية. فمندوب شركة التأمين يعلم أنه سيسهل إقناعك إذا تمكن من رسم صورة معينة فى خيالك لشئ يشغل تفكيرك. و هذا هو التواصل مع النصف الأيمن من مخك. فقد يتوقف عن الكلام أثناء محاولته لبيع التأمين لك و ينظر حوله فى منزلك ثم يقول:
"هل يمكنك أن تتخيل منزلك الجميل و قد التهمته النار فلم تبق لك منه شيئا؟"
لا شك أنك يمكنك أن تتخيل هذه الكارثة! فهى واحدة من الصور المرعبة المدفونة فى عقلك الباطن و قد أخرجها هو الآن و أصبحت واعيا بها و أصبح أيضا من المرجح أن تشترى منه التأمين.
هناك جماعة دينية تسمى "هاركريشنا" تعمل فى جميع المطارات الكبيرة فى الولايات المتحدة و هم يستعملون الطريقة التى أطلق عليها "الصدمة و البلبلة" و هى تعتمد على إلهاء النصف الأيسر من المخ (و هو النصف المنطقى) و مخاطبة النصف الأيمن مباشرة.
و بينما كنت فى صالة الإنتظار فى أحد المطارات كنت أراقب طريقة عمل أحدهم. فهو يقف بجوار الحائط ثم يقفز فجأة أمام أحد العابرين ثم يشرع فى الكلام. و فى البداية يتكلم بصوت مرتفع (يكاد يكون صراخا) ثم يخفت الصوت تدريجيا و هو يسلمك نسخة كتابه و يطلب منك أن تتبرع بأى مبلغ يدعم قضيته.
عندما يصدم الشخص فهو عادة "ينسحب نفسيا" على الفور – وفى هذه الحالة فقد جاءت الصدمة من الظهور المفاجئ لهذا البائع من أتباع هاركريشنا و صوته المرتفع. أو بعبارة أخرى فقد إنتقل المستمع الى حالة "ألفا" لأنه لا يرغب فى مواجهة الواقع الذى فرض نفسه أمامه فجأة. و كما ذكرت من قبل – فى حالة ألفا يكون من السهل على الشخص أن ينصاع للإيحاء فيمد يده لأخذ الكتاب.
و بمجرد إستلام الكتاب قهو يشعر بنوع من "الذنب" و يكون على إستعداد لإعطاء شئ فى مقابل ما أخذ. و مما لا شك فيه أن معظمنا "مبرمج" على فكرة العطاء فى مقابل الأخذ. و فى هذه الحالة يكون العطاء هو المال.يتبع..