تحقيق مناط الأدلة الشرعية في الأحداث الجارية في سورية
بسم الله الرحمن الرحيم ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ثم أما بعد فلا ريب عند أهل الفضل والعلم ممن تأصل على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة أن النوازل والوقائع والمستجدات لا بد للكلام فيها كما قال ابن القيم من نوعين للفهم
الأول :معرفة حالة الفتوى
الثاني :أن يعلم حكم الله الذي حكم به أو حكم رسوله في أشباهه ثم يحقق مناط الحكم العام على الوقائع والنوازل ؛ومن هنا إذا كانت المسألة مما يسوغ الخلاف فيه فأخطأ المتكلم في إسقاط الحكم على الواقعة لزم للمخالف أن يعذره
قال ابن القيم 2\165 إعلام الموقعين(فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرا)راجع للاستزادة الموافقات للشاطبي وإعلام الموقعين لابن القيم وكتب أصول الفقه
قال شيخنا مشهور حسن في التحقيقات والتنقيحات السلفيات على متن الورقات <561>(وأكثر ما يلزم تحقيق المناط المفتي الذي يتكلم عن واقعة بعينها أو القاضي بخلاف الفقيه وقد فصل ذلك بعض معاصرينا بقوله بعد كلام إذاً هناك في أصول الفقه علاقة بالواقع........ إلى أن قال لتوضيح ذلك اضرب مثلا بما حدث أيام الليث بن سعد في قضية قبرص وهل خلع أهلها الذمة أم لا ولقد أفتى في هذه القضية سبعة من المجتهدين العظام واختلفت فتاويهم بناءً على تقويم الواقع؛ فالواقع هو الظاهرة الاجتماعية؛ ومن هنا تساءلوا أهل قبرص على أية صفة هم هل هم متمردون هل هم مظلومون هل الواقعة التي حدثت لا أصل لها وأن ما نسب إليهم من أقوال وأفعال لم تحدث أصلا كل فقيه تكلم عن المسألة بما قد وصل إليه علمه بالواقع ولو تأملت في الفتاوى ستجد أنها لم تختلف من ناحية إدراك حكم الله ولكنها اختلفت في إيقاع تلك الأحكام على الواقع).
لاحظ كيف حصل الاختلاف في مسألة كبيرة ولم ينف هذا أن المختلفين كلهم عظام ومن هنا جاز لنا أن نقرر أن ما يجري في سورية اليوم لا بد فيه من معرفة الأسباب التي أدت إليه ؛والواقع الحالي والنتائج المتوقعة قبل إصدار الفتوى مع التأكيد على أن الخلاف في هذه النازلة هو بين الأجر والأجرين كما نقلنا عن ابن القيم لأنه كما نقلنا أن الخلاف ليس من ناحية إدراك حكم الله ولكن في إيقاع تلك الأحكام على الواقع ؛ومعلوم أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ؛فكلنا بفضل الله علينا بما تربينا عليه من الكتاب والسنة متبعون في فهومنا فهوم سلف الأمة فنحن متفقون في تحريم الخروج على ولي الأمر المسلم وإن جار وظلم وفسق.
ولكن هل حاكم سورية مسلم!!!!!!! ثم هل ما جرى في سورية خروج !!!!!! على فرض وتقدير كون الذي جرى في سورية خروج فهل يعامل المنهي عنه شرعا معاملة المعدوم حساً !!!!! هل يحكم على من أيد ما يجري في سورية <واقعا><على ضوء ما سيذكر من الإجابة على التساؤلات السابقة>أنه خارجي ثوري يرى رأي الخوارج!!!!!!!! أو هو صاحب شهوة أو عاطفة.
وفي الإجابة عن هذا أقول مستعينا بالله تبارك وتعالى :
هل ما جرى في سورية خروج الجواب قطعا لا فقد تواترت الأخبار في ذكر أسباب هذا الأمر خاصة من رجال من أهل درعا <مكان الواقعة> ومنهم من سمعت منه بنفسي حيث قالوا: أن تأثير الأحداث الجارية في العالم العربي على عقول الصغار وما حملته من شعارات مثل الشعب يريد إسقاط النظام أنهم صاروا يرددون هذه العبارات دون فهم لمضامينها فالطفل غير مكلف لضعف الإدراك روى علي عن الحبيب النبي (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل)أخرجه ابوداود وابن ماجه وصححه الألباني ؛ إذا فالطفل يلهو ويلعب ويتسلى ويدندن بهذه العبارات فكتب أحد أطفال درعا على جدار مدرسته الشعب يريد إسقاط النظام فكان وقعها على نظام قمعي حكم بالحديد والنار من عشرات السنين لا يميز بين طفل ولا رجل ولا امرأة ولا شيخ كانت عليه صاعقة وسابقة تنذر بخطر جارف فسارع مطالبا المدرسة بتسليم هذا الطفل المجرم الذي اعتدى على هيبة الدولة وقام هذا النظام بالقبض على مدير المدرسة ومعلمة أو معلمتين وتحت شدة التعذيب والإهانة وانتهاك الحرمات وألوان العذاب التي لا تخفى على من عاش في سوريا أو له من الأقارب أو المعارف من ينقل له الحال؛ فهنا اضطر المعتقلون ومن بينهم نساء أن يعترفوا بأن الذي فعل الفعل هو طالب صغير لم يبلغ الحلم من صف معين لكنهم لا يعرفونه على التعيين ليجنبوا الطفل وأهله الويلات لأنهم يعرفون نظامهم عن قرب كيف سيتعامل مع الطفل وأهله فسارع الأبطال من النظام السوري!!! بمداهمة المدرسة واعتقال الأولاد الموجودين في الصف المذكور واختفوا بهم عن أهلهم أياما فهل قامت الثورات!!! الجواب لا بل بعثت الوفود ووجهاء العشائر ومندوبون عن أهالي الأطفال المعتقلين ليطالبوا بأولادهم وأن تغفر الدولة وترحم هؤلاء الأطفال الذين قاموا بهذا الجرم الرهيب ولكن لا فائدة حيث إن التحقيقات قد قادت الأجهزة الأمنية إلى الطفل المطلوب بعد التعذيب للأطفال فقتل دوساً بالأقدام فكيف سيسلم لأهله وللناس وكيف سيسلم الأطفال وهم في حالة يرثى لها من التعذيب فقالوا للوفود انسوا أمر الأطفال!!!!والعجب كيف سينسى الناس أولادهم الصغار؛ ثم مع المفاوضات قالوا الطفل قد مات صرح بهذا المسئول الأمني في درعا؛ فقال الأهالي أين الباقون فبدأت المماطلة من جديد لعل الأظافر التي قلعت أن تطلع من جديد وتزول آثار التعذيب عنهم وكان من المفاوضات أن عرض المسئولون على وجهاء درعا عرض مغري!!! ألا وهو أعطونا نسائكم مقابل الأطفال!!!!وهنا زاد تشفع الناس وتوسطهم لإخراج الأولاد فأخرج الأولاد بحالة مزرية وكانت الشرارة نعم فما جرى اعتداء سافر وصيالة ظالمة من دولة بقوتها على أطفال أبرياء ونساء عفيفات شريفات بلا ذنب فكان لا بد من دفع هذه الصولة، والمواصلة لآخر جولة، حيث يكون للباطل صولة وجولة وللحق بإذن الله صولات وجولات ؛تناهى الخبر إلى آذان السوريين في مدنهم فهبوا نصرة لإخوانهم في درعا التي كانت قد حوصرت وذلك لتخفيف الوطأة عنهم وعونهم في دفع هذا الصائل؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى4\465(أما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعا فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شئ أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان )
وقال28\541-544من مجموع الفتاوى(ودفع ضرر العدو المفسد للدين والدنيا الذي لا يندفع إلا بذلك أولى وإذا كانت السنة والإجماع متفقين على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قتل وإن كان المال الذي يأخذه قيراطا من دينار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم <من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون حرمه فهو شهيد>فكيف بقتال هؤلاء الخارجين عن شرائع الإسلام المحاربين لله ورسوله الذين صولهم وبغيهم أقل ما فيهم فإن قتال المعتدين الصائلين ثابت بالسنة والإجماع وهؤلاء معتدون صائلون على المسلمين في أنفسهم وأموالهم وحرمهم ودينهم وكل من هذه يبيح قتال الصائل عليها ومن قتل دونها فهو شهيد فكيف بمن قاتل عليها كلها)
وقال في 28\494(هؤلاء الطوائف المحاربين لجماعة المسلمين من الرافضة ونحوهم شر من الخوارج الذين نص النبي على قتالهم ورغب فيه وهذا متفق عليه بين علماء الإسلام العارفين بحقيقته) وقال في موضع آخر( حيث إن جهاد هؤلاء حفظ لما فتح من بلاد المسلمين التي يريد هؤلاء أن تكون مرتدة عن الإسلام ويجب على كل مسلم أن يقوم بذلك حسب ما يقدر عليه من الواجب)
وهنا نأتي إلى السؤال الثاني هل حاكم سورية مسلم كما يقول بعض الناس اليوم الجواب :لا يخفى أن بشار وزمرته ينتمون إلى النصيرية العلوية وهؤلاء من طوائف الشيعة يؤلهون علياً وقد كفرهم سائر الشيعة!!!.
ثم هذا النظام ينتمي إلى حزب البعث حيث يقول أتباعه آمنت بالبعث ربا لا شريك له وبالعروبة دينا ما له ثاني وقد شاهد كل الناس كيف يسجد المؤيدون لبشار على صورته وكيف قال أحدهم أنه يعبده ويأمرون المعتقلين أن يقولوا لا إله إلا بشار.
ثم لا يخفى أن النظام السوري هو الذراع الطولى والأولى بل هي الذراع الوحيدة للدولة الصفوية الفارسية في العالم العربي كما أنه الداعم الأساس لحزب اللات اللبناني الشيعي الصفوي وأن هذا النظام مع شدة عدائه لأهل السنة وتشريدهم وتقتيلهم وحبسهم ونفيهم فهو يقتل دينهم بممارسات تجهيلية وحرب فكرية من منع للعلم الشرعي الصحيح بوسائله وأدواته وملاحقة العلماء والدعاة فإنه نشيط في بناء الحسينيات والحوزات الشيعية وإقامة الندوات والمحاضرات لعلماء الشيعة في محاولة سافرة لتشييع الشعب السوري السني بل إن من أكبر التهم التي قد يتهم فيها إنسان في سورية أن ينسب لأتباع الكتاب والسنة بفهم القرون الثلاثة الفاضلة؛ أو أنه يرد على الشيعة في قولهم بتحريف القرآن أو اتهام أم المؤمنين عائشة بالزنا أو لعنهم الصحابة وتكفيرهم لهم إلى غير ذلك من شنائع القوم فمن عرف عنه ذلك عوقب أشد العقوبات على مجابهته التشيع .
وإن تعجب فمن قول البعض< مدافعا> سورية لا تدعم التشيع بل هي علمانية لا تؤمن بدين< أكرر مدافعا >فنقول أمران أحلاهما مر وخيرهما شر فمن أين لهذا النظام الإسلام إلا إن كان إسلام العبيديين والصفويين؛ قال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى 7\341 ( وكان الفاطميون قد بلغوا في سوء السيرة إلى الحد المعروف وأفتى علماء الإسلام بإباحة دمائهم ووجوب قتالهم لما هم عليه من الزندقة والإلحاد إلى أن قال وقبض صلاح الدين على الفاطميين بأسرهم واستولى على القصر وخزائنه)
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي في شرح كشف الشبهات في الجواب الخامس أن المسلمين اتفقوا على قتال العبيديين الروافض الذين حكموا مصر والمغرب لأنهم يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام )
وقال الشيخ سليمان بن سحمان في الضياء الشارق 2\54 (وبعض العلماء يرى أن هذا والجهاد عليه ركن لا يتم الإسلام بدونه وقد سلك سبيلهم الأئمة الأربعة المقلدون وأتباعهم في كل عصر ومصر وكفروا طوائف أهل الإحداث كالقرامطة والباطنية وكفروا العبيديين ملوك مصر وقاتلوهم وهم يبنون المساجد ويصلون ويؤذنون ويدعون نصر أهل البيت<قلت حكومة سورية تبني الحوزات والحسينيات فقارن>وصنف ابن الجوزي كتابا سماه النصر على مصر ذكر فيه وجوب قتالهم وردتهم وأن دارهم دار حرب)
وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب في الرسائل الشخصية القسم الخامس والدرر السنية 12\438( ولو ذهبنا نعدد من كفره العلماء مع ادعائه الإسلام وأفتوا بردته وقتله لطال الكلام ولكن من آخر ما جرى قصة بني عبيد ملوك مصر وطائفتهم وهم يدعون أنهم من أهل البيت ويصلون الجمعة والجماعة ونصبوا القضاة والمفتين أجمع العلماء على كفرهم وردتهم وقتالهم وأن بلادهم بلاد حرب يجب قتالهم ولو كانوا مكرهين ومبغضين لهم)<يعني الدار دار حرب بحكم المتولين شؤونها ولو كان الناس فيها مبغضين لحكامها >
وقال الشيخ الإمام في الجواهر المضية (ومثل بني عبيد الذين ملكوا مصر والشام وغيرها<لاحظ الكلام عن الشام ونحن الآن في بحث عن الشام> مع تظاهرهم بالإسلام وصلاة الجمعة والجماعة ونصب القضاة والمفتين<قارن ما أظهروا من عمل وكيف أنه أفضل من حكام الشام اليوم> لما أظهروا من الأقوال والأفعال ما أظهروا لم يتوقف أحد من أهل العلم والدين عن قتالهم مع ادعائهم الملة ومع قولهم لا إله إلا الله أو لأجل إظهار شئ من أركان الإسلام إلا ما سمعنا من هؤلاء الملاعين في هذه الأزمان <أي من عدم تكفيرهم> إلى أن قال وهذا لم يسمع قط إلا من هؤلاء الملحدين الجاهلين الظالمين فإن ظفروا بحرف واحد عن أهل العلم أو أحد منهم يستدلون به على قولهم الفاحش الأحمق فليذكروه) يعني من الحكم بإسلامهم
وقال ابن تيمية (وكان بنو عبيد الله القداح الملاحدة يسمون بهذا الاسم<أمير المؤمنين> لكن هؤلاء كانوا في الباطن ملاحدة زنادقة منافقين وكان نسبهم باطلاً كدينهم <قارن وتأمل إعمال القرائن الواضحات>إلى أن قال وجرت فصول كثيرة إلى أن أخذت مصر من بني عبيد أخذها صلاح الدين يوسف بن سادي وخطب بها لبني العباس فمن حينئذ ظهر الإسلام بمصر بعد أن مكثت بأيدي المنافقين المرتدين عن دين الإسلام مائة سنة فكان الإيمان بالرسول والجهاد عن دينه سببا لخير الدنيا والآخرة <تنبه>وبالعكس البدع والإلحاد ومخالفة ما جاء به سبب لشر الدنيا والآخرة فلما ظهر في الشام ومصر والجزيرة الإلحاد والبدع سلط عليهم الكفار ولما أقاموا ما أقاموه من الإسلام وقهر الملحدين والمبتدعين نصرهم الله على الكفار )
وقال في مجموع الفتاوى 35\138 عن صلاح الدين( فأزال عنها دعوة العبيدين من القرامطة الباطنية وأظهر فيها شرائع الإسلام حتى أسكنها من حينئذ من أظهر بها دين الإسلام )<تأمل حفظك الله>
وفي مجلة المنار للشيخ محمد رشيد رضا نقل رسالة ابن تيمية في رحمة أهل البدع والمعاصي 31\281 ( قال لما قدم أبو عمرو عثمان ابن مرزوق إلى ديار مصر وكان ملوكها في ذلك الزمن مظهرين للتشيع وكانوا باطنية ملاحدة وكان بسبب ذلك قد كثرت البدع وظهرت بالديار المصرية أمر أصحابه أن لا يصلوا إلا خلف من يعرفونه لأجل ذلك)
قال أبو عبد الله محمد بن عمار الكلاعي الميورقي في نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 2\60 ( وطاعة من إليه الأمر فالزم وإن جاروا وكانوا مسلمين فإن كفروا ككفر بني عبيد فلا تسكن ديار الكافرينا)
قال الذهبي في السير 29\142 ( وقد أجمع علماء المغرب على محاربة بني عبيد لما شهروه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه وعوتب بعض العلماء في الخروج مع أبي يزيد الخارجي فقال وكيف لا أخرج وقد سمعت الكفر بأذني وتسارع الفقهاء والعباد في أهبة كاملة بالطبول والبنود [لأن بعض العلماء يرى مشروعيتها في الحرب خاصة لئلا يشنع عليهم جاهل] وخطبهم في الجمعة أحمد بن أبي الوليد وحرضهم وقال جهدوا من كفر بالله وزعم أنه رب من دون الله وغير أحكام الله وسب نبيه وأصحاب نبيه فبكى الناس بكاء شديدا وقال اللهم إن هذا القرمطي الكافر المعروف بابن عبيد الله المدعي الربوبية جاحد لنعمتك كافر بربوبيتك طاعن على رسلك مكذب بمحمد نبيك سافك للدماء فالعنه لعنا وبيلا واخزه خزيا طويلا واغضب عليه بكرة وأصيلا ) بتصرف يسير.
وفي مرآة الجنان؛ وترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض؛ وسير أعلام النبلاء 16\148؛وشذرات الذهب ؛والأعلام للزركلي 5\311 في ترجمة (الشهيد الإمام القدوة محمد بن أحمد بن سهل الرملي أبو بكر المعروف بابن النابلسي كان يكثر الذم لمعد بن إسماعيل المعز الفاطمي فحبس في قفص من خشب وحمل إلى مصر فلما وصل إليها قيل أنت الذي تقول لو كانت معي عشرة أسهم لرميت تسعة منها فيكم وواحد في الروم فأقر وقال فإنكم غيرتم الملة وقتلتم الصالحين وقد أغلظ لهم وكان عابدا صالحا زاهداً قوالا بالحق فأمر الفاطمي يهوديا فسلخه قال أبو ذر الحافظ سجنه بنو عبيد وصلبوه على السنة سمعت الدارقطني يذكره ويبكي ويقول كان يقول وهو يسلخ <كان ذلك في الكتاب مسطورا> قال الذهبي لا يوصف ما قلب هؤلاء العبيدية الدين ظهرا لبطن واستولوا على المغرب ثم على مصر والشام وسبوا الصحابة )بتصرف .
وعلى النقيض ففي السير 16\ 150في ترجمة (النعمان العلامة المارق قاضي الدولة العبيدية أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور المغربي كان مالكيا فارتد إلى مذهب الباطنية ونبذ الدين وراء ظهره ورد على أئمة الدين وانسلخ من الإسلام فسحقا له وبعدا ونافق الدولة بل وافقهم وانتقل إلى غير رضوان الله بالقاهرة ) .
اقرأوا التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر
ومن هنا نقول إننا نحرم الخروج على ولاة الأمر المسلمين وإن جاروا و فسقوا وظلموا وفجروا ولكن لا ننسى قول النبي عليه الصلاة والسلام في البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ( وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان) قال ابن حجر في الفتح13\7 وإذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته في ذلك لمن قدر عليها كما في الحديث إلا أن تروا كفرا بواحا)
وقال في 13\123من الفتح( إنه <الحاكم>ينعزل بالكفر إجماعا فيجب على كل مسلم القيام في ذلك فمن قوي على ذلك فله الثواب ومن داهن فعليه الإثم ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض)
قال ابن المنذر(أجمع كل من يحفظ عنه أهل العلم أن الكافر لا ولاية له على مسلم بحال)أحكام أهل الذمة ابن القيم 1\465
( قال الله يا أيها اللذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) يعني من المؤمنين؛ يقول القاضي عياض كما في شرح النووي على مسلم12\433( أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل )
وقال محمد رشيد رضا في المنار 5\841(أما الثورات التي يخافها الناصح على الحكومات الإسلامية إذا بقيت على شريعتها فهي أجدر بالوقوع إذا خرجت الحكومات عن الشريعة لأن الخروج على السلطان لا يجوز في الإسلام إلا إذا خرج السلطان من الإسلام بترك الشريعة)
وفي التحذير من فتنة التكفير 71 (قال الشيخ ابن عثيمين: لو أن الإنسان عنده قوة ومقدرة يستطيع أن يقصي كل حاكم كافر له ولاية على المسلمين كان هذا مما نرحب به إذا كان كفرا بواحا عندنا فيه من الله برهان )
وفي سؤال1222 لقاءات الباب المفتوح 3\126(قال ابن عثيمين إن كنا قادرين على إزالته فحينئذ نخرج وإذا كنا غير قادرين فلا نخرج لأن جميع الواجبات الشرعية مشروطة بالقدرة والاستطاعة ثم إذا خرجنا فقد يترتب على خروجنا مفسدة أكبر وأعظم مما لو بقي هذا الرجل على ما هو عليه لأننا خرجنا ثم ظهرت العزة له صرنا أذلة أكثر وتمادى في طغيانه وكفره أكثر ).
وهنا أقول لا يعامل المنهي عنه شرعا معاملة المعدوم حسا فكل ما حذر منه الشيخ ولأجله نهى عن الخروج على الكافر فهو قبل حصول الأمر أما الآن وقد وقع الأمر فهل يرجع أهل سورية لبيوتهم ويكفوا عن مقاومتهم تأملوا في كلام ابن عثيمين فستجدون أن ما خافه وخشيه من عواقب ستحصل كلها وزيادة إن رجع الناس فأصل الخروج على الكافر جائز ومنع لمفسدة غالبة وأما في سورية <الآن واقعة عين>الرجوع فيه المفاسد أكبر فقارن كيف ستظهر العزة للنظام البعثي ويعلن انتصاره ثم يذل أهل السنة أكثر فأكثر ويتمادى في طغيانه وكفره <الذي كان منذ أكثر من أربعين سنة ولم يأت نتيجة للأوضاع الراهنة فتنبه>نعم سيبدأ بحملات تعسفية ليلقي القبض دون رقيب أو حسيب <خصيصا وأن بشار الأسد قال مشكلتنا مع الذين يصورون ويبثون لأنهم فضحوا جرائمه >على كل من حمل فكرة معارضة لإيران وحزب اللات اللبناني وحزب البعث والشيعة لكل من يتكلم بالكتاب والسنة ومن يدعوا إليهما تحسباً من هذا النظام الدموي الذي لا يفهم إلا بالقمع والوحشية تحسبا منه أن تقوم أحداث أخرى مماثلة فإذا رجعوا إلى بيوتهم لا بد من القضاء عليهم حتى لا تقوم لهم قائمة مرة أخرى<مقارنة بالقمع عبر السنين ومع ذلك ثار الناس فلابد من زيادة الضغط> ولتصبح سورية بين عشية وضحاها صفوية فارسية<وأهل مكة أدرى بشعابها> ولا يستبعد نزول عناصر الباسيج وحزب اللات الذي< يئن> أمينه العام مدافعا عن بشار إلى سورية
للقيام بعمليات التصفية <لأهل السنة >بعد أن تطفأ الكاميرات وتنسى وسائل الإعلام فأين الرقيب.
أما الاستمرار فها هي نتائجه قد بدت من تخبط في النظام وتقديم التنازلات التي لم يكن يحلم بها من في سورية ولا في أحلامهم <قارن مواقفه اليوم بمواقفه لما صال على الأطفال في درعا تعلم أن القدرة من الناس على الدفع موجودة والحمد لله> ها هو النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة داخليا ودوليا وإرهاصات سقوطه لاحت في الآفاق وتركيا تهدده بتدخل عسكري لإنقاذ العزل ولو لم يكن مصلحة في الخلاص منه إلا أن تفتح سورية للدعوة إلى الله من جديد على منهج الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة بالحكمة والموعظة الحسنة لكفى ؛ثم إن من أهم ما يحرم لأجله الخروج الدماء؛ وقد سفكت ببغي وصيالة فعلام التراجع؛ قارن بين المصالح والمفاسد الآن بعد الذي جرى وما زال يجري على أرض الواقع دينيا ودنيويا
كل هذا مع عدم إغفال أننا نبحث الآن المسألة بعد نزول الناس وحدوث الأمر لا قبل نزولهم فلو كان الأمر لنا من البداية ما تركناهم لينزلوا وذلك حقنا لدمائهم ولكن لا ينبغي أن نتجاهل الواقع الآن ونبقى نقول لا يجوز أن تنزلوا إلى الشارع وقد فرغ من هذا الأمر؛ فالسؤال الآن هل يرجعون إلى بيوتهم أم يبقوا ويستمروا
ومع عدم إغفال أن البحث في المصالح والمفاسد والخروج مرجوح إذ الأصل أن البغي كان من الكافر<الأصلي فلا تنزل عليه شروط تكفير المسلم وضوابطه فتنبه> بالبداية ولم يجدّ صلح .
وهنا موقف يعين على فهم كيف يفكر النظام السوري ليتيسر النظر في المفاسد والمصالح وترجيحها؛لقد نقل من كان مسجونا في سجن <صيدنايا> حقيقة ما جرى في السجن من أحداث<منذ أربع سنوات تقريبا> أسمتها الدولة السورية أحداث شغب من السجناء لاحتلال السجن وأكد أن هذا كذب وإنما الذي جرى هو اعتداء على القرآن بالرمي والتمزيق والدوس ثار لأجله أحد المسجونين فقتل بعد قتله الحارس الذي فعل هذا الفعل فدخل الحرس لينتقموا من السجناء وتطور الموقف وسقط السجن بأيدي السجناء فاضطر النظام للمفاوضات وتقديم التنازلات <كذبا>لاستعادة السيطرة على السجن .
قال الراوي <السجين الذي أطلق> فاستجبنا وظننا أنهم سيلتزمون بالشروط من السماح لنا بالحرية في الصلاة وتلاوة القرآن إلى غير ذلك ورفضت طائفة الاستجابة فقتلوا <وهم من تبث قناة وصال صورهم مقتولين في ساحة السجن> وأما نحن فخدعنا ولم نحصل على شيء من الوعود والعهود.
فكيف ينتظر من النظام الآن الاستجابة للمطالب والوفاء بالشروط والعهود الكبيرة إن هدأ الناس هذه الوعود التي ينوء النظام النصيري بحملها والوفاء بها.
ورحم الله الإمام الألباني لما ذكر استشارة الشيخ محمد عيد عباسي في العودة لسوريا لأنهم عفوا عنه فقال إياك أن تفعل فهؤلاء لا عهد لهم ولا ميثاق ولا أمان وصدق والله فقد عايشهم في سورية وما راء كمن سمعا.
وأقول عن الطائفية التي يحذر منها النظام السوري إنه هو من يفتعلها لإرهاب الأقليات في سوريه أقول له لم لم تظهر هذه الطائفية إلا لما كان عهدكم وحكمكم وأزمانكم وعند أشياعكم فأنتم وإيران وحزب اللات من اضطهد أهل السنة وقتلتموهم وقصفتموهم بالقذائف المدفعية والدبابات والطائرات
ومجزرة حماة في الثمانينيات بنسائها وأطفالها وشيوخها تشهد على ذلك فأنتم أصحاب الطائفية وسفك الدماء ؛أشياعكم في لبنان ذبحوا الفلسطينين في لبنان بتغطية من جيشكم ؛وحلفاؤكم في إيران من ساموا عرب الأحواز السنة سوء العذاب يقتلون علماءهم ويهدمون مساجدهم ويشنقون شبابهم ونساءهم؛ أما نحن فتاريخنا يشهد أنا إذا حكمنا عدلنا ولم نجر ولم نظلم ونبغي نعم لقد قاتل النصارى في بيت المقدس والشام مع صلاح الدين الصليبين القادمين من الكنيسة الغربية لما علموا من عدل المسلمين .
وهنا بشرى من كلام المصطفى عليه الصلاة والسلام لأهل الشام (ستجندون أجنادا جندا بالشام وجندا بالعراق وجندا باليمن قال عبد الله فقمت فقلت خر لي يا رسول الله فقال عليكم بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه وليستق من غدره فان الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله) رواه أبو داود بسند صححه الألباني.
لسنا تكفيريين ولا خوارج ولا نرى الثورة ولا عاطفيين لكننا من كتاب ربنا ومن سنة نبينا نصدر فإن خالفنا علماء كبار نعرف لهم قدرهم وفضلهم ولكن نحسب أننا عشنا في سورية ودعونا إلى الله فيها فعلمنا واقعها أكثر من غيرنا ولنا اتصال دائم مع أهلها ؛لا نخذّل عن علمائنا ولا ننتقصهم ولا ننفر منهم ولكن الحق الذي بدا لنا أحب إلينا هذا ما تلقيناه منهم تأصيلا فيما يجوز الخلاف فيه؛ لكن ما لا نرضاه ولا نظن أن المشايخ الأفاضل يرضوه؛ أن يتكلم بلسانهم منتسبا إليهم من يقول إن الحكم في سورية مسلم؛ وما يجري هو خروج عليه؛ ولا رحم الله من مات من الأهالي والعزل والنسوان والصبيان!!! وأن ما يصيبهم حكم عادل ولو كان<أي المتكلم> مكان النظام لقتلهم وقتل آبائهم !!!هذا ما لا أظن أن الخلاف يسعه ولا يحتمله ولا أن علمائنا يسكتون عليه.
ورحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي.
هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ أو سهو فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه برآء والحمد لله رب العالمين .
بقلم الشيخ أبو عمر / الأردن