استفادت منطقة شمال أفريقيا، وخاصة نوميديا، من الوضع السياسي المتأزم بين الرومان والقرطاجيين حيث تحالفت بعض الممالك الأمازيغية إما مع الطرف الأول (الرومان) أو الطرف الثاني (القرطاجيين). في الأول، حارب ماسينيسا إلى جانب القائد القرطاجني هسدروبل الذي مناه بمصاهرته وانتصرا معا على ملك المازاسيلي النوميدي سيفاكس (Sephax). بعد ذلك هاجر مسينيسا إلى إسبانيا لمساندة الجنرال هنيبعل المحاصر آنذاك للجنرال الروماني شيبون الملقب بالأرشد لما حازه من علم وثقافة واسعين. خلال هذه الفترة من العام 219 قبل الميلاد، بدأ هنيبعل بعبوره جبال الألب، في حملة عسكرية نقل خلالها 37 فيلاً قتالياً. ولكن الفيلة ماتت، وكذلك مات الكثير من رجاله، وبقي هنيبعل ينتظر وصول الإمدادات العسكرية من قرطاجة، لكنها لم تصله. لذا فقد باءت حملته هذه بالفشل وعاد أدراجه إلى قرطاج.
خلال هذا الغياب، جمع الملك النوميدي المهزوم سيفاكس قواه وتوجه محاصرا قرطاجة. أمام ضرب الحصار، قرر القرطاجيون الصلح مع سيفاكس وزوجوه بخطيبة مسينيسا، الجميلة صوفونيسبا.
ما أن وصلت أخبار تزويج خطيبته صوفونيسبا لعدوه اللدود سيفاكس، حتى ثارت ثائرة مسينيسا. تجهم وحزن أمام نكران الجميل وانتقل انتقاما من حليف للقرطاجيين إلى حليف للرومان، وإن لم يبق معه من الأتباع سوى خمسة من المخلصين. أمام قلة عدد جنوده، التجأ مسينيسا إلى الحيلة مستحضرا استراتيجيات الحرب التي تعلمها من قبل. اختبأ في كهوف المغرب إلى أن حان وقت ضرب النوميدي سيفاكس والقرطاجيين على حد السواء. بدأ بحرق معسكراتهم ليلا. وبعد أن أصبحوا عزلا من دون مطيات، هاجمهم صحبة الجنرال الروماني شيبون الأرشد عدو الأمس، وكان لهما النصر. قتلا خلال الهجوم آلافا مؤلفة من جند القرطاجيين والنوميديين الغربيين وغنموا آلاف الخيول وعددا من الفيلة كانت تستعمل في الحروب.
لكن صوفونيسبا حبيبة قلب مسينيسا أصبحت، ويا أسفاه، في عداد أسرى الرومان. طار مسينيسا لنجدتها والزواج منها بعد أن لم يرها مدة أربعة أعوام. لكن الرومان أصروا على أخذها أسيرة إلى روما عوض التنازل عنها لحليفهم الأمازيغي. هان على صوفونيسبا الموت في بلادها بإفريقيا عوض العيش في ذل الأسر وهوانه وأخبرت مسينيسا بما عقدت العزم عليه. وأمام هذا الإصرار واتساع الجرح في قلب الحبيبين، أرسل مسينيسا أحد أتباعه بشراب فيه سم. تجرعت صوفونيسبا السم لتموت ويظل حبها وخزا دائما في قلب القائد مسينيسا.
في نهاية القرن 2 ق . م، تمكن ماسينيسا من توحيد القبائل الأمازيغية ووسع حدود مملكته وجعلها تمتد من وادي مولوتسا (ملوية) غربا إلى أراضي طرابلس الحالية شرقا، ولم يفلت من يده إلا مملكة موريتانيا الطنجية غرب الملوية وما بقي بيد الفينيقيين داخل قطر قرطاج. أصبح إذن مسينيسا ملكا على بلاد النوميديين بمباركة الجنيرال الروماني شيبون الأرشد. وضع بذلك مسنيسا أسس الدولة الأمازيغية الموحدة وفيها عيّن عاصمة لحكمه مدينة “سيرطا” وأصدر عملة وبنى مجموعة من المرافق ذات الصبغة الدينية والإدارية، واتخذ الأمازيغية شعارا لإفريقيا.
كان ماسينيسا يحافظ على تماسك أطراف مملكته بالوسائل السياسية التقليدية، أي بالمصاهرات والتعاهد مع زعماء القبائل، وإيقاظ المشاعر الدينية والعرقية، وبالحرب عند الضرورة، فاستطاع بذلك أن يجبي الجبايات وأن يفرض على رعاياه نوعا من الخدمة العسكرية، على غرار ما هو مألوف عند جميع الأمم ذات البنى الاجتماعية القبلية. ثم أنشأ أسطولا حربيا وأسطولا تجاريا، وفتح أبواب مملكته للتجار اليونانيين.
كرس مسينيسا مجهوداته المعنوية والمادية لتحقيق أحلامه لإنشاء مملكة كبيرة تمتد من الغرب حتى حدود برقة على أن تكون قرطاجة عاصمتها. لكن استمرار ما تبقى من حكم الفينيقيين بقرطاجة كان عائقا لتحقيق ما يرمي إليه، فشرع في القيام بمناوشات عدائية على الأراضي التي أبقتها معاهدة الصلح بين روما وقرطاجة في أيدي الفنيقيين.
وقد انتهز ماسينسا الفرصة في محاولة للاستيلاء على مدن طرابلس، وذلك بحجة مطاردة أحد الثوار الفارين إلى إقليم برقة؛ فطلب من قرطاجة السماح له بعبور طرابلس للقضاء على الثائر الهارب، إلا أن طلبه أجيب بالرفض. لذلك، أعلن ماسينسا الحربَ على قرطاجة واستطاع احتلال منطقة الجفارة، إلا أنه فشل في احتلال مدن طرابلس الأخرى. وأمام اعتداء الزعيم الأفريقي على أملاكها في ليبيا، قدمت قرطاجة احتجاجا إلى روما. اقتنع مجلس الشيوخ الروماني بهذا الاحتجاج، وأرسلت لجنة للتحقيق في الأمر، إلا أن روما عادت وأيدت حليفها ماسينسا مرة أخرى، وأمرت قرطاجة بأن تتنازل عن مدن طرابلس، وأن تدفع ضريبة مقدارها 500 تالنت بسبب تأخيرها عن تنفيذ ما أمرت به.
عاش مسينيسا ستين سنة في مملكته. وقد حاول أن ينظم مملكته على النمط الإغريقي المقدوني، فلبس التاج وحمل الصولجان، حسبما يظهر في النقود التي ضربت له. وفي عهده قدم إلى العاصمة سيرطا عدد من الأدباء والفنانين اليونان، وجعلوا منها مدينة راقية في حياتها المادية والفكرية.
كان الملك نفسه معجبا بالحضارة اليونانية، وكان يعمل بتقاليد الملوك اليونانيين، فأكل في الآنية الفضية والذهبية، واتخذ جوقة من الموسيقيين الإغريق. ولاشك أن التجار اليونانيين كانوا يروجون بضاعتهم ببلاد البربر بفضل ولوع ملكهم بكل ما هو يوناني. ازدهرت المملكة وعم الرخاء وانتشرت الثقافة.
وعندما تقدمت السن بمسينيسا وبلغ ثماني وثمانين سنة، كان الملك لازال فيه من الصلابة والقوة ما جعله يقوم بآخر هجوم على أعدائه القرطاجيين.
استطاع ماسينسا السيطرة على بلدان الشمال الإفريقي بما فيها مدن طرابلس، التي كانت تحت حكم قرطاجة. لكن مسينيسا أصبح الزعيم الإفريقي الأكثر خطرا بتهديده مصالح روما نفسها، وذلك بسبب مطامعه التي ليس لها حدود. لذا رأى الرومان ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لصد سياسته التوسعية. مات ماسينسا، الذي استطاع أن يوسع حدود مملكته على حساب قرطاجة. وقد كان رجلا عظيما وضع للسكان الوطنيين حكومتهم، وأنشأ اقتصادهم. تولى بعد ماسينسا خليفته (Micipsa) مسيبسا، الذي تخلى عن سياسته التوسعية تحت تهديد الرومان. ومع ذلك تمتعت مدن طرابلس أثناء حكمه بقسط وافر من الحرية واستمرت في دفع الضريبة. لكن في هذه الفترة بدأ نفوذ روما تقوى في شمال إفريقيا. مات ميسيبسا سنة 118 ق.م بعد أن عاش ستين سنة.