البديلة..
كنت على قدر ضئيل من الجمال ولم أحظ بفرص تكفي لأن يتردد اسمي في مجالس النساء كعروس محتملة، ومع ذلك لا أحمل عقداً نفسية ولا أتطلع إلى أشياء وخيالات وهمية؛ لذا انصب اهتمامي على تطوير ذاتي ودعم شخصيتي وتنمية مواهبي ومهاراتي في كل ما تميل إليه نفسي.. لذلك كنت أنقد على والدتي –في نفسي- عندما أمر من أمامها وأسمع دعاءً صادقاً وعبارات حارقة تخرج من قلب ملهوف عليّ يفهم منه أني أشبه الفتاة المسكينة التي لن يكون لها حظ في الدنيا، في حين أني أرى نفسي –بعيداً عن جمال جسدي- أراني جميلة بما يحويه قلبي من حب، وعقلي من فكر.. أراني حرة أبية قادرة على تحمل مسؤولياتي تجاه نفسي والآخرين، وقادرة على النجاح في حال خضت أياً من تجارب الحياة.
وذات أصيل.. قابلتني أمي وفي عيونها فرح لو وُزّع على الكون لكفاه.. واحتضنتني حتى كادت أضلعي تختلف مع أضلعها.. وهمست في أذني: مبروك.. جاء العريس.. لقد استجاب الله دعائي.. فرحت أمي، ولكنها ليست فرحة الأم لخطبة ابنتها.. أحسست أنها فرحة تشبه فرحة النجاة لمن تقلب بين الحياة والموت، وكان للموت أقرب!!.. لذا لم أرتح لفرح أمي الشديد وغير المبرر، وذلك من زاوية تقديري لذاتي..
كان الشاب المثالي لارتباط مثالي.. انتهت الاستعدادات سريعاً، وتم الاتفاق على أن يكون الحفل بسيطاً.. حيث تقام وليمة صغيرة، ويأتي العريس، ويأخذني من بيت أهلي إلى بيتنا الجديد.. لقد تم كل شيء بسرعة على أن أمراً ما بعث في نفسي الارتياح، ذلك أنه لم يطلب من والدي أن يراني عند الخطبة، والذي فهمته أنه لا يريد مواصفات معينة وجمالاً خاصاً لذلك زالت من نفسي كل الشكوك والوساوس من اللقاء للمرة الأولى.
وفي الليلة المحددة انتقلت إلى بيتنا الجديد ونزعت غطائي وعباءتي.. وإذا به يصرخ بصوت عال: لست أنت.. خدعتموني.. لست أنت؟!!
عبارة واحدة وعرفت بها مصيري، واتضحت بها الأمور أمامي..
قلت: فمن إذن؟ قال: تلك بيضاء طويلة جمالها ظاهر في الحجاب فكيف بدون حجاب؟ قلت: من هي؟؟ قال: تلك التي تخرج وتدخل بيتكم كل يوم، ومضى لي شهر وأنا أرقبها لكي أراها تنزل من حافلة المدرسة أحببتها، ورغبت فيها زوجة لي..
لقد تجلى الصبر أمامي في تلك الليلة والتزمت الهدوء واستجمعت كل قواي!!
لأقول له: تلك أختي التي تصغرني.. ولست أنا..!! وحينما خطبت منا لم تقل فلانة أو فلانة وإنما طلبت بنتاً من هذا البيت المسكون بالعفة والطهر.. وليتك قلت فلانة لنعرف.. أما وقد اتضح الأمر.. ليس لي في الأمر شيء.. وأنت في حل أمام استمرار هذا الزواج.. وسأمضي غداً إلى بيت أهلي..
خيم الصمت على المكان.. استلقى على السرير بملابس الزفاف، وبقيت على الكرسي بملابس الزفاف.. حتى لاحت خيوط الفجر الأولى، لم أتحرك منه لدرجة أنني لم أحس بجسدي أيهما الجسد وأيهما الكرسي.. نام متأخراً ولما صحا رآني كما كنت منذ أكثر من أربع ساعات.. وفي موقف تغلب فيه شعوره الإنساني دعاني إلى أن أرتاح وأتمدد، ولو قليلاً على السرير.. لكني كما قلت كنت كالكرسي الذي أجلس عليه.. ولما لم أستجب قام، وأمسك يدي يساعدني على النهوض.. كانت لمسة يده ليدي هي لمسة عمره وعمري.. أما لماذا..؟! فكما عبر لي لاحقاً.. يقول: أقسم بالله عندما لمست يدك سرى حبك في يدي، وامتد إلى قلبي واستقر.. لقد رآني كما كنت أرى نفسي.. أصبحت حب حياته، وكما يقول مفاخراً: تاج راسه.. وأصبح لي الحلم الذي ليس بعده حلم.. لكني كنت أعلم أنه تدبير رب العالمين، ألم يقل جل شأنه: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الروم 21.
**
انتقاء من مجلة بنات اليوم العدد (13)