فين يابنات التفاعل
اليوم نتابع الجزء التانى من سيرة الرسول صلى الله
عليه وسلم
ولما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة - قيل: وشهرين وعشرة أيام - ارتحل به أبو طالب تاجراً إلى الشام، حتى وصل إلى بصرى - وهي معدودة من الشام وقصبة لحوران، وكانت في ذلك الوقت قصبة للبلاد العربية التي كانت تحت حكم الرومان - وكان في هذا البلد راهب عرف ببحيرا واسمه جرجيس فلما نزل الركب خرج إليهم، وأكرمهم بالضيافة، وكان لا يخرج إليهم قبل ذلك وعرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بصفته، فقال وهو آخذ بيده هذا سيد العالمين، هذا يبعثه اللَّه رحمة للعالمين. فقال أبو طالب وما علمك بذلك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا وخرّ ساجداً، ولا تسجد إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة، وإنا نجده في كتبنا، وسأل أبا طالب أن يرده، ولا يقدم به إلى الشام، خوفاً عليه من اليهود فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة.
حرب الفجار:
ولخمس عشرة من عمره صلى الله عليه وسلم كانت حرب الفجار بين قريش ومن معهم من كنانة وبين قيس عيلان. وكان قائد قريش وكنانة كلها حرب بن أمية لمكانته فيهم سناً وشرفاً، وكان الظفر في أول النهار لقيس على كنانة، حتى إذا كان في وسط النهار كان الظفر لكنانة على قيس. وسميت بحرب الفجار لانتهاك حرمات الحرم والأشهر الحرم فيها، وقد حضر هذه الحرب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وكان ينبل على عمومته، أي يجهز لهم النبل للرمي.
حلف الفضول:
وعلى أثر هذه الحرب وقع حلف الفضول في ذي القعدة في شهر حرام، تداعت إليه قبائل من قريش بنو هاشم، وبنو المطلب، وأسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرة، فاجتمعوا في دار عبد اللَّه بن جدعان التيمي لسنه وشرفه، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، وشهد هذا الحلف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . وقال بعد أن أكرمه اللَّه بالرسالة لقد شهدت في دار عبد اللَّه بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت.
وهذا الحلفروحه تنافي الحمية الجاهلية التي كانت العصبية تثيرها، ويقال في سبب هذا الحلف إن رجلاً من زبيد قدم مكة ببضاعة، واشتراها منه العاص بن وائل السهمي، وحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الأحلاف عبد الدار ومخزوماً، وجمحا وسهما وعديا فلم يكترثوا له، فعلا جبل أبي قبيس، ونادى بأشعار يصف فيها ظلامته رافعاً صوته، فمشى في ذلك الزبير بن عبد المطلب، وقال: ما لهذا مترك؟ حتى اجتمع الذين مضى ذكرهم في حلف الفضول فقاموا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه حق الزبيدي بعد ما أبرموا الحلف.
حياة الكدح:
ولم يكن له صلى الله عليه وسلم عمل معين في أول شبابه إلا أن الروايات توالت أنه كان يرعى غنماً، رعاهافي بني سعد، وفي مكة لأهلها على قراريط وفي الخامسة والعشرين من سنه خرج تاجراً إلى الشام في مال خديجة رضي اللَّه عنها، قال ابن إسحاق كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم، وكانت قريش قوماً تجاراً فلما بلغها عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجراً وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام.
زواجه خديجة:
ولما رجع إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأى فيه صلى الله عليه وسلم من خلال عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين، وجدت ضالتها المنشودة - وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها فتأبى عليهم ذلك - فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منية، وهذه ذهبت إليه صلى الله عليه وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضي بذلك، وكلم أعمامه، فذهبوا إلى عم خديجة، وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بكرة. وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة، وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسباً وثروة وعقلاً، وهي أول امرأة تزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
وكل أولاده صلى الله عليه وسلم منها سوى إبراهيم، ولدت له أولاً القاسم - وبه كان يكنى - ثم زينب ورقية، وأم كلثوم وفاطمة وعبد اللَّه، وكان عبد اللَّه يلقب بالطيب والطاهر، ومات بنوه كلهم في صغرهم، أما البنات فكلهن أدر كن الإسلام فأسلمن وهاجرن، إلا أنهن أدركتهن الوفاة في حياته صلى الله عليه وسلم سوى فاطمة رضي اللَّه عنها فقد تأخرت بعده ستة أشهر ثم لحقت به.
حديث اليوم
عَن عُمَر رضي اللهُ عنه أَيْضاً قال: " بَيْنَما نَحْنُ جُلْوسٌ عِنْدَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَياضِ الثِّيَاِب شَديدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عليه أَثَرُ السَّفَرِ ولا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتى جَلَسَ إلى النَّبِّي صلى الله عليه وسلم، فأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ ووَضَعَ كَفَّيْهِ على فَخِذَيْهِ، وقال: يا محمَّدُ أَخْبرني عَن الإسلامِ، فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: الإسلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأَنَّ محمِّداً رسولُ الله، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤتيَ الزَّكاةَ، وتَصُومَ رَمَضان، وتَحُجَّ الْبَيْتَ إن اسْتَطَعتَ إليه سَبيلاً. قالَ صَدَقْتَ. فَعَجِبْنا لهُ يَسْأَلُهُ ويُصَدِّقُهُ، قال : فَأَخْبرني عن الإِيمان. قال: أَن تُؤمِنَ باللهِ، وملائِكَتِهِ وكُتُبِهِ، ورسُلِهِ، واليَوْمِ الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالْقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ. قال صدقت. قال : فأخْبرني عَنِ الإحْسانِ. قال: أنْ تَعْبُدَ الله كَأَنَّكَ تَرَاهُ فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاك. قال: فأَخبرني عَنِ السَّاعةِ، قال:ما المَسْؤولُ عنها بأَعْلَمَ من السَّائِلِ . قال: فأخبرني عَنْ أَمَارَتِها، قال: أن تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَها، وأَنْ تَرَى الحُفاةَ العَُراةَ العالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُون في الْبُنْيانِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبثْتُ مَلِيّاً، ثُمَّ قال : يا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللهُ ورسُولُهُ أَعلَمُ . قال: فإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ". رواه مسلم.
أهمية الحديث:
قال ابن دقيق العيد: هذا حديث عظيم اشتمل على جميع وظائف الأعمال الظاهرة والباطنة، وعلوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه؛ لما تضمنه من جمعه علم السنة، فهو كالأم للسُّنة؛ كما سميت الفاتحة " أم القرآن "؛ لما تضمنه من جمعها معاني القرآن.
مفردات الحديث:
"ووضع كفيه على فخذيه": أي فخذي نفسه كهيئة المتأدب. وفيرواية النسائي: "فوضع يديه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ". والرواية الأولى أصح وأشهر.
"فعجبنا له يسأله ويصدقه": أي أصابنا العجب من حاله، وهو يسأل سؤال العارف المحقق المصدق. أو عجبنا لأن سؤاله يدل على جهله بالمسؤول عنه، وتصديقه يدل على علمه به.
"أن تؤمن بالله..": الإيمان لغة التصديق والجزم في القلب، وشرعاً: التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
"أماراتها": بفتح الهمزة جمع أمارة: وهي العلامة. والمراد علاماتها التي تسبق قيامها.
"أن تلد الأمة ربتها": أي سيدتها. وفي رواية "ربها" أي: سيدها. والمعنى أن من علامات الساعة كثرة اتخاذ الإماء ووطئهن بملك اليمين، فيأتين بأولادٍ هم أحرار كآبائهم، فإنَّ ولدها من سيدها بمنزلة سيدها، لأن ملك الوالد صائر إلى ولده،فهو ربها من هذه الجهة.
"العالة": جمع عائل، وهو الفقير.
"فلبثتُ ملياً": انتظرتُ وقتاً طويلاً؛ أي: غبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث ليالٍ كما في رواية، ثم لقيته.
المعنى العام:
1- تحسين الثياب والهيئة: يستحسن ارتداء الثياب النظيفة، والتطيب بالرائحة الزكية لدخول المسجد وحضور مجالس العلم، والتأدب في مجالس العلم ومع العلماء، فإن جبريل عليه الصلاة والسلام أتى معلماً للناس بحالة ومقاله.
2- ما هو الإسلام: الإسلام لغة: الانقياد والاستسلام لله تعالى. وهو شرعاً: قائم على أسس خمس: شهادة أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة في أوقاتها كاملة الشروط والأركان، مستوفاة السنن والآداب، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت الحرام مرة في العمر على من قدر عليه وتوفر له مؤونة السفر من الزاد والراحلة ونفقة الأهل والعيال.
3- ما هو الإيمان ؟: الإيمان لغة: التصديق، وشرعاً : التصديق الجازم بوجود الله الخالق وأنه سبحانه واحد لا شريك له.
والتصديق بوجود خلق لله هم الملائكة، وهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، خلقهم الله من نور، لا يأكلون ولا يتصفون بذكورة ولا أنوثة ولا يتناسلون، ولا يعلم عددهم إلا الله تعالى.
والتصديق بالكتب السماوية المنزلة من عند الله تعالى، وأنها شرع الله قبل أن تنالها أيدي الناس بالتحريف والتبديل.
والتصديق بجميع الرسل الذين اختارهم الله لهداية خلقه، وأنزل عليهم الكتب السماوية، والاعتقاد أن الرسل بشر معصومون.
والتصديق بيوم آخر، يبعث الله فيه الناس من قبورهم، ويحاسبهم على أعمالهم ويجزيهم عليها إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
والتصديق بأن كل ما يجري في هذا الكون هو بتقدير الله تعالى وإرادته،لحكمة يعلمها الله تعالى. هذه هي أركان الإيمان، من اعتقد بها نجا وفاز، ومن جحدها ضل وخاب.
4-ما هو الإحسان ؟:أن تعبد الله كأنك تراه ، أي تخلص في عبادة الله وحده مع تمام الإتقان ،كأنك تراه وقت عبادته، فإن لم تقدر على ذلك فتذكر أن الله يشاهدك ويرى منك كل صغير وكبير. وفي رواية للإمام مسلم : " أن تخشى الله كأنك تراه ".
5- الساعة وأماراتها: علم وقت قيام القيامة، مما اختص الله بعلمه، ولم يُطلع عليه أحداً من خلقه ملكاً كان أو رسولاً، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل". ولكنه أجابه عن بعض أماراتها التي تسبقها وتدل على قربها:
أ- فساد الزمن، وضعف الأخلاق، حيث يكثر عقوق الأولاد ومخالفتهم لآبائهم فيعاملونهم معاملة السيد لعبيده.
ب- انعكاس الأمور واختلاطها، حتى يصبح أسافل الناس ملوك الأمة ورؤساءها، وتسند الأمور لغير أهلها، ويكثر المال في أيدي الناس، ويكثر البذخ والسرف، ويتباهى الناس بعلو البنيان، وكثرة المتاع والأثاث، ويُتعالى على الخلق ويملك أمرهم من كانوا في فقر وبؤس، يعيشون على إحسان الغير من البدو والرعاة وأشباههم.
6- السؤال عن العلم: المسلم إنما يسأل عما ينفعه في دنياه أو آخرته، ويترك السؤال عما لا فائدة فيه . كما ينبغي لمن حضر مجلس علم، ولمس أن الحاضرين بحاجة إلى مسألة ما، ولم يسأل عنها أحد، أن يسأل هو عنها وإن كان هو يعلمها، لينتفع أهل المجلس بالجواب. ومن سئل عن شيء لا يعلمه وجب عليه أن يقول: لا أعلم، وذلك دليل ورعه وتقواه وعلمه الصحيح.
7- من أساليب التربية: طريقة السؤال والجواب، من الأساليب التربوية الناجحة قديماً وحديثاً، وقد تكررت في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في كثير من الأحاديث النبوية؛ لما فيها من لفت انتباه السامعين وإعداد أذهانهم لتلقي الجواب الصحيح.
يلا يابنات ورونا الهمه وعاوزين نحفظ الاحديث