الحج الصحيح حج رسول الله صلي الله عليه وسلم
حج رسول الله
كان النبيان إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام هما اللذان أقاما نظام الحج ، وتعرض هذا النظام لفساد كبير عبر العصور إلا أن العرب ظلوا يمارسون شعائره بصورة دورية كل سنة. وكان الحج حيا قائما مع الزيف والفساد الذي طرأ عليه في ظل الجاهلية حين ولد محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة . كم عدد حجات الرسول؟ ينقسم هذا السؤال إلى شقين من الناحية التاريخية. فيتعلق الشق الأول بالحج قبل الهجرة بينما يتعلق الشق الثاني بالحج في أعقاب الهجرة. ولدينا معلومات كاملة فيما يتعلق بالشق الثاني. أما ما يتعلق بالشق الأول فلا توجد لدينا معلومات قطعية.
وقد حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة واحدة بعد الهجرة ويعرف هذا الحج عموما بحجة الوداع. وتقول بعض الروايات : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدى فريضة الحج بمكة قبل الهجرة. ولكن لا تتوفر لدينا معلومات قطعية حول هذا الجانب. فنجد في سنن الترمذي وابن ماجة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدى فريضة الحج مرتين قبل الهجرة بينما لا يذكر صحيح مسلم إلا حجة واحدة ويقول بعض المحدثين : إن رسول الله كان يحج كل عام وفق عادة أهل مكة. ونجد من رواية طبقات ابن سعد أن رسول الله لم يحج إلا مرة واحدة بعد النبوة. ونحن نجد هذا النقص الشديد في المعلومات حول حجه - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة بينما نجد الكم الوافر من الروايات حول حجة الوداع لدرجة أنه يمكن وضع يوميات كاملة من بدء مسيرته للحج إلى نهايتها. فما هو الفرق بين هاتين الحالتين؟ الفرق يكمن في الفارق الزمني.. فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان شخصية مغمورة بمكة قبل الهجرة، فلم تكن له من أهمية خاصة تذكر في عيون عامة الناس.. أما حجة الوداع فوقعت في أواخر حياته حين كان قد أصبح فاتحا وحاكما على الجزيرة العربية. وهذا هو الفارق بين مرحلتي حياته المكية والمدنية. فنجد أن التاريخ لم يسجل وقائع حجاته الأولى بينما سجل حجته الأخيرة بتفصيل كبير، فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. وقد حاول بعض المؤلفين جمع الروايات المتناثرة حول حجة الوداع، وفيما يلي بعض الكتب التي نجد فيها جمعا لهذه الروايات :
حجة الوداع
السيرة النبوية
زاد المعاد
شرح المواهب اللدنية
حجة الوداع وجزء عمرات النبي لابن حزم الأندلسي
لابن كثير
لابن قيم الجوزية
للزرقاني
للشيخ محمد زكريا الكاندهلوي ونذكر فيما يلي بيانا مختصرا لوقائع هذه الحجة :
لقد أدى النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع سنة 10 هـ. وانتقل إلى الرفيق الأعلى بعد ذلك بشهرين بالمدينة المنورة. ويسمى هذا الحج بحجة الوداع لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودّع المؤمنين في منى وعرفة وقال لهم : إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا .
ولهذه الحجة أهمية خاصة من نواح متعددة، ولذلك أطلق الناس عليها أسماء متعددة مثل حجة الوداع وحجة الإسلام وحجة البلاغ وحجة الكمال وحجة التمام..
وكانت مكة قد افتتحت في رمضان سنة 8 هـ، ولم يحج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك العام أو في العام التالي، بل توجهت جماعة من ثلاثمائة من المسلمين من المدينة للحج سنة 9 هـ بأمر منه. وكان أبو بكر الصديق هو قائد هذه الجماعة. وقد اشترك في هذا الحج مشركو الجزيرة العربية ولكن أعلن خلال هذا الحج (9 هـ) أنه لن يسمح لمشرك بالحج بعد هذا العام.. وقد قام بهذا الإعلان عليّ رضي الله عنه.
وقرر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحج في العام التالي فأرسل إلى القبائل يخبرها بنيته هذه لكي يشارك في هذا الحج أكبر عدد ممكن من المسلمين. وكانت عبادة الحج مستمرة بلا انقطاع منذ سنـّها إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، ولكن شابها الكثير من الطقوس الجاهلية.. ولذلك كان ضروريا أن يشاهد الرسول أكبرُ عدد من الناس وهو يؤدي أركان الحج وأن يقلـِّدوه في الحج بعد ذلك. ومثل هذا الأعمال لا يمكن فهمها وإدراكها جيدا إلا بمشاهدتها، وقليلا ما يمكن فهمها بالكلام فقط.
ويقول جابر بن عبد الله : إنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على مطيته يرمي الجمرات فخاطب الناس يقول : أيها الناس خذوا عني مناسك الحج فقد لا أحج بعد هذا العام .
وحين انتشر خبر عزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أداء الحج في أطراف الجزيرة بدأ الناس يتقاطرون على المدينة، فاجتمع فيها نحو مائة ألف من المسلمين. وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة في 25 من ذي القعدة سنة 10 هـ.. وأخذ الناس ينضمون إلى موكبه في الطريق.. ويقول جابر : إنه كان يرى البشر أينما جال ببصره.. وارتفع عدد الذين رافقوا موكب الرسول إلى 125 ألفا حين وصل إلى مكة وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمتطي ناقته المعروفة بالقصواء. وكانت ناقة معروفة بسرعتها ولكن كان عليها زاد لا يساوي أربعة دراهم. وبكلمة أخرى : كان الرسول يلجأ إلى أعلى المعايير عند الحاجة بينما كان يفضل البساطة عندما تنتهي حدود الحاجة.
وكان رسول الله قد صلى صلاة الظهر مع الناس قبل مغادرة المدينة، فخطب في الناس يشرح لهم فرائض الإحرام وآدابه ثم انطلق من المدينة وبات بذي الحليفة التي هي ميقات أهل المدينة وتبعد عنها خمسة أميال. وفي اليوم الثاني اغتسل وصلى صلاة الظهر من ركعتين وأحرم بنية الحج والعمرة (القران) ثم انطلق يلبي : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك .
وهكذا كان النبي يسير مع أصحابه من المدينة إلى مكة. وكلما وجد مرتفعا في الطريق علاه الرسول مكبرا ربـَّه وكأنه يعلن عظمة الرب من تلك الربوة ليسمعه العالم أجمع. ووصل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مكة في الرابع من ذي الحجة.. وقطع هذا السفر من المدينة إلى مكة في تسعة أيام. وكان الوقت عصرا، وظل الرسول يسير حتى دخل الحرم، وعندما وقع بصره على بيت الله قال : اللهم زد بيتك هذا تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة ، ثم أخذ يرفع يده مكبرا يقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام، حـّينا ربنا بالسلام .
ولم يصل الرسول ركعتي تحية المسجد عندما دخل الحرم بل بدأ بطواف القدوم فدنا من الحجر الأسود واستلمه قائلا : باسم الله الله أكبر.، ثم طاف حول الكعبة سبع مرات بادئا من يمينه جاعلا الكعبة على يساره. وترمل - أي طاف بخطى سريعة - في الأشواط الثلاثة الأولى ثم تابع الطواف بالخطى العادية في الأشواط الباقية. وكان رداء الإحرام على كتفه الأيسر بينما كان كتفه الأيمن عاريا. ويطلق على هذا الأسلوب وصف الاضطباع . وكلما مرّ الرسول أمام الحجر الأسود خلال الطواف أشار إليه واستلمه بعصاه.
والدعاء الآتي مأثور بين الحجر الأسود والركن اليماني : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .. وهناك أدعية أخرى مأثورة عن النبي للطواف.
وبعد الانتهاء من الطواف تقدم الرسول إلى مقام إبراهيم وتلا الآية القرآنية الآتية : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وأدى الرسول صلاة ركعتين عند مقام إبراهيم ثم تقدم إلى الحجر الأسود وقبله ثم توجه إلى الصفا وحين وصلها قال : إن الصفا والمروة من شعائر الإسلام، أبدأ بما بدأ الله به . ثم علا جبل الصفا حتى تراءت له الكعبة فتوجه إليها وقال : لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ..
ثم نزل من الصفا متوجها إلى المروة وسعى بين الجبلين وأخذ يجري حين وصل إلى المنخفض بينهما - الذي تدل عليه علامة الميلين الأخضرين الآن - وحين انتهى المنخفض أخذ يمشي بالسرعة العادية.. وحين وصل المروة اعتلاها حتى تراءت له الكعبة وهنا أيضا كبـّر وهلـّل ودعا ربـّه.. وهكذا سعى بين الصفا والمروة سبع مرات. وتقول بعض الروايات : إنه سعى في الأشواط الأولى على قدميه ثم أكملها على راحلته. ولعله فعلها لكي تشاهد عمله الجماهيرُ الغفيرة بصورة جيدة. وأنهى الرسول شوطه السابع عند المروة.
وكان الرسول الكريم قد نزل بمكان يقال له : الأبطح حين وصل مكة في الرابع من ذي الحجة ومكث بهذا المكان حتى الثامن من ذي الحجة وأخذ يصلي قصرا مع صحابته بهذا المكان ثم توجه مع أصحابه إلى منى في الثامن من ذي الحجة، ولم يقم بطواف الكعبة عند الذهاب إلى منى. وصلى صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء بمنى في ذلك اليوم وبات بها تلك الليلة. وانطلق إلى عرفات في التاسع من ذي الحجة قبل طلوع الشمس ونزل بخيمة بنمرة بوادي عرفة. وكان من الصحابة من يلبي ومن يكبر، ولم يكن هناك أحد يعترض على الآخر.
لما حان الزوال ركب الرسول الكريم ناقته وتوقف في بطن عرفة. وهنا في موقع مسجد نمرة الحالي خطب خطبته المعروفة بخطبة حجة الوداع. وقد وردت أجزاء متفرقة من هذه الخطبة، وكذلك الخطبة الأخرى التي ألقاها الرسول الكريم في منى، في كتب الأحاديث وسننقل مجموعها في الصفحات القادمة.
وكان هذا يوم الجمعة (9 ذو الحجة).. وحين انتهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من خطبته، أمر (بلالا) بالأذان، فأذّن، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاتي الظهر والعصر جمعا، ركعتين ركعتين، بأذان واحد وإقامتين. ولم تكن هذه صلاة جمعة بل صلاة الظهر لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يجهر بالقرآن، كما أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصلّ سنـّة أو نافلة بعد أداء الفرض.
وبعد أداء الصلاة جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك الموضع من عرفات الذي يسمى الآن بالموقف، وظل يدعو ربه وهو على ناقته إلى أن أدركه الغروب. وقال رسول الله : إن الدعاء في هذا اليوم أفضل الأدعية... ويمكننا أن نستشعر شيئا من الأحاسيس الربانية التي كانت تملؤه آنذاك من بعض الكلمات التي قالها حينذاك وهو يدعو ربه :
اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، لا يخفى عليك شيء من أمري ، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجـِل المشفق المقر المعترف بذنوبي، أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته وفاضت لك عيناه وذل جسده ورغم أنفه لك اللهم! لا تجعلنى بدعائك رب شقيا وكن لي رءوفا رحيما، يا خير المسئولين ويا خير المعطين ..
كان الناس يأتون إليه يستفسرونه عن مسائل الحج. وأتاه ناس من أهل نجد، فقالوا : يا رسول الله ! كيف الحج ؟ قال : الحج عرفة. فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه . ونزلت الآية القرآنية : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا هنا بعرفة بعد خطبة حجة الوداع. وتوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المزدلفة بعد غروب الشمس. وأجلس أسامة بن زيد خلفه على راحلته، وظل يكبر طول الطريق إلى أن وصل المزدلفة. ومنع رسول الله الناس من الإسراع فقال لهم : أيها الناس، عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل . وفي المزدلفة أمر رسول الله بلالا بالأذان، وقام بعد الأذان فصلى المغرب قبل أن تبرك الجمال وتنقل منها الأمتعة. وصلى ركعتي العشاء حين نقل الناس أمتعتهم. وقد صلى المغرب والعشاء بأذان وإقامتين، ولم يصل شيئا غير الفرض، ثم استراح ونام ليلته حتى الفجر. وصلى الفجر مبكرا في الصباح. وكان هذا هو اليوم العاشر من ذي الحجة. وبعد الفجر ركب رسول الله م50 راحلته وذهب إلى المشعر الحرام حيث ظل يدعو ربه متوجها إلى القبلة، إلى أن تبدد الظلام. وغادر المزدلفة قبل طلوع الشمس، وظل يكبـِّر دون انقطاع وكان الفضل بن عباس جالسا خلفه على راحلته فأمره أن ينتقي له سبع جمرات لرمي الجمار. وحين وصل رسول الله إلى وادي محسر أمر الناس بأن يجاوزوه بسرعة، وكذلك دفع بناقته للإسراع.. ووادي محسر هو الموقع الذي نزل فيه العذاب الإلهي على أصحاب الفيل. واستمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسيرته إلى أن وصل منى ، ثم جاء إلى جمرة العقبة ووقف هنا بحيث كانت مكة على شماله ومنى على يمينه ورمى رسول الله وهو على راحلته سبع جمار، جمرة بعد جمرة، وهو يكبر عند رمي كل جمرة. وهذا هو العمل الذي يقال له : رمي الجمرات . وأوقف رسول الله التلبية بعد رمي الجمرات، وعاد إلى منى. وبيـّن رسول الله خلاصة الدين بالكلمات الآتية : اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأطيعوا إذا أمرتم : تدخلوا جنة ربكم .
وألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة بمنى وكانت هذه الخطبة مشابهة لخطبته بعرفة.. ولعل هذا التكرار يعود إلى رغبته في أن يسمعه من لم يسمعه من قبل وليعي عدد كبير من الناس مضامين الخطبة بصورة جيدة. ومما أعلنه رسول الله هنا : لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى . وكذلك قال رسول الله : ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا أبدا ولكن رضي عما دون ذلك مما سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم ، ثم توجه رسول الله إلى مقام النحر بمنى فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده يوم النحر. ومن باب الصدف أن رسول الله كان قد بلغ ثلاثا وستين سنة من عمره أيضا حينذاك، ثم توقف وأمر عليا بأن ينحر مزيدا من الجمال فأكمل عليّ المائة. وبعد الفراغ من النحر طلب رسول الله معمر بن عبد الله، وكان حلاقا، فحلق شعره وقلم أظفاره. وأمر رسول الله النساء بتقصير الشعر ومنعهن من الحلق، ثم امتطى راحلته متوجها إلى مكة وقال للناس : إنه يمكنهم نحر الأضاحي في أمكنة أخرى من الحرم إلى جانب مقام النحر بمنى. وأمر بطبخ قليل من لحم الأضاحي فأكل منه ووزع الباقي بين الناس. وأمر الناس أن يأكلوا ويطعموا الآخرين من لحم الأضاحي ويتزودوا (أي : أن يجففوه ليحتفظوا منه بما شاءوا). ووصل رسول الله مكة في العاشر من ذي الحجة وأدى طواف الإفاضة قبل الظهر، وهو الطواف الذي يطلق عليه اسم طواف الزيارة أيضا. ولم يكن رسول الله يقوم بالرمل أو الاضطباع أو السعي خلال هذا الطواف، ثم جاء إلى بئر زمزم وشرب من مائه وهو واقف.. وكان أناس من بني عبد المطلب يسقون الناس على ما جرت عليه العادة. ورجع رسول الله إلى منى في اليوم نفسه وبات بها.
وفي اليوم التالي - 11 ذي الحجة - انتظر الرسول زوال الشمس وعندما حان وقت الزوال نزل عن راحلته وتوجه لرمي الجمرات فرمى بالجمرة الأولى سبع جمرات، واحدة بعد الأخرى.. وأخذ يدعو لبعض الوقت، ثم رمى الجمرات بالطريقة نفسها على الجمرة الوسطى ووقف يدعو ربه لبعض الوقت، وكان يكبر عند رمي كل جمرة، ثم ذهب إلى جمرة العقبة فرماها. بسبع جمرات، ثم تنحى عن المكان.
وأقام رسول الله بمنى يومي 12 أو 13 ذي الحجة أي : طوال أيام التشريق الثلاثة. واستمر يصلي الصلوات قصرا دون جمع. وخرج رسول الله متوجها إلى مكة بعد زوال الشمس في الثالث عشر من ذي الحجة. وأقام في الطريق بوادي المحصّب (بالأبطح)، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء هنا وبات به ليلته، وقام قبل الفجر وذهب إلى الحرم، وطاف طواف الوداع، وأدى صلاة الفجر بالكعبة. ومن ثم أمر الحجيج بالمسير فتوجه الكل إلى مناطقهم، أما رسول الله فسار بالمهاجرين والأنصار إلى المدينة.. وكان قد أقام بمكة - منذ قدومه إلى أن خرج منها - عشرة أيام.
وعندما وصل رسول الله إلى ذي الحليفة بالقرب من المدينة توقف وبات به، وتوجه في الصباح قبل طلوع الشمس إلى المدينة. وحين وقع بصره على سواد المدينة كبـّر ثلاثا : الله أكبر لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. آيبون تائبون، عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده.
ويقول أسامة بن شريك : خرجت مع رسول الله حاجا فكان الناس يأتونه فمن قال : يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو قدّمتُ شيئا أو أخّـرت شيئا فكان يقول : لا حرج إلا على رجل افترض عرض رجل مسلم وهو ظالم فذلك الذي حرج وهلك