بعد عشر سنوات على آخر حروب العراق، دخلت قناة "العربية" واحدة من المناطق الأخطر في العالم.
الخطورة هنا من نوع آخر، فهي حاضرة رغم الهدوء التام الذي تعيشه هذه المنطقة. وتحت ستار هذا الهدوء، تتسلل بينها "جرف الملح" مسرح الوثائقي الذي ستعرضه "العربية" والقرية التي يقول الفيلم إنها تمشي على عكاز وتتعايش مع الموت وكأنه جزء مألوف من حياة صعبة ومؤلمة.
يبدأ الفيلم بتتبّع الحرب الصامتة التي تشنّها الألغام وبقايا الحروب من أسلحة ومعدات على العراقيين من سكان المناطق التي شهدت كثافة في العمليات الحربية خلال نحو ربع قرن.
لكن المفاجأة التي يقول كاتب الفيلم ومعده نوفل الجنابي إنه واجهها بعد الدخول إلى جرف الملح، هي أن أهل هذه القرية روّضوا الموت وحوّلوه إلى مهنة، بعد أن تركتهم الحكومات المتعاقبة منذ سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، يواجهون مصائرهم دون أن تكلف نفسها بمساعدتهم على دفن موتاهم أو حتى منحهم مقاعد متحركة لمقعديهم من مبتوري الأطراف الذين تتفجر بهم الألغام في تقليد شبه يومي حتى أصبح العثور على من يعيش بكامل جسمه مهمة ليست بالسهلة.
تحويل الموت إلى مهنة
تحويل الموت الى مهنة، ابتدأت مع سكان "جرف الملح" مع الحرب العراقية الإيرانية ولم تنته حتى اليوم. أهل الجرف يتاجرون ببقايا الأسلحة المشعة وبأجزاء التفجير في الألغام المتروكة، وأيضاً بجثث الإيرانيين. هذه القرية الصغيرة المنسية، أو المتروكة بتعبير أصح، قد تصلح عنواناً لقصة حرب مستمرة على عراقيي الهامش الذين تصوروا أن حياتهم ستنقلب بسقوط نظام الحروب المستمرة.
الواقع الأخطر الذي يعرضه الفيلم يقول إن القمع الذي ذهب مع النظام حل محله الاستفراد. فأهل جرف الملح يواجهون الموت بأيديهم العارية لأن السلطة التي انتخبوها قررت أن ترسل كل ما لديها من آلات حديثة وحساسة للكشف عن الألغام ومخلفات الأسلحة الى حقول النفط حيث الفرق المدربة والأساليب الحديثة وعشرات ملايين الدولارات من أجل إزالة الألغام من أراض شاسعة بلا ناس.
الكاميرا وصلت الى تلك المناطق تترك للمشاهد أن يصنع أحكامه الخاصة على ما يجري في ذلك الجانب القصي من الجنوب العراقي. (جرف الملح) تفصيل صغير في فيلم عراقي طويل يبدو أنه لا يريد ان ينتهي ولو في المستقبل المنظور على الأقل.
العربية