انطلقت المركب فى احد الايام الى رحلتها ... رحلة عمل ... عمل فى المحيط ... والمحيط ثائر ... ثائر من العواصف العاتية .. ارتجفت فرائص اهل المركب رعبا ... فالأمواج شديدة البطش .... ولا تأبه لخوفهم .... فتزيد من رعبهم ... وكأنها تتلذذ بعذابهم ... حتى جائت الموجة الفاصلة .. جاءت بالضربة القاسمة ... واذا بالمركب تتحول الى .... يال العجب ...
المركب لم تتأثر بهذه اللطمة الباطشة .. فالركاب هم اللذين تأثروا
... فقد تناثروا فى الهواء كالريش الذى تتقاذفه الريح بل أخف .. واستقر كل راكب منهم فى قلب المياه .. ولكن دون أن يشعر اى فرد بالآخر .. فقد تقاذفتهم الأمواج بعيدا عن بعضهم البعض .. وبدأ كل شخص يحاول الوصول مرة اخرى لسطح المركب .. بينما الأمواج كانت اقوى منهم جميعا .. وبدأ كل منهم يبتعد عن المركب رويدا رويدا بسبب قوة الموج وشدة الرياح العاتية ... حتى اختفى المركب عن عين أقربهم اليه .. فتباعدت فى عيونهم خطوت الأمل بقدر إبتعاد خطوات المركب .. وشرد المركب بعيدا مستسلما بدوره لغياهب البحر وقسوته حين غضبه .. إلى أن إستقر فى مكان بعيد وسط الأمواج وحيدا خاليا من الركاب وكأنه ملقى من السماء !!
ماهو حال الركاب إذن ؟؟ أين ذهب كل منهم وحده ؟
.... وكيف سيعود ؟ .... وهل سيعيش لكى يعود ؟ ... كلها اسئلة بدون اجابات !
مرت الايام والشهور والسنين دون معرفة أى أخبار تدل على مصير هؤلاء الناس
... الى ان ظهروا جميعهم فجأة فى يوم من الايام مجتمعين على احد افخم السفن مرتدين افخم الثياب معطرين بأفخر انواع العطور ... وما أن شاهدهم اهل المدينة حتى تعجبوا وبدلا من ان يجدوا فيهم اجابات لأسئلتهم القديمة ... فلم يجدوا الا اسئلة جديدة تزيد على الاسئلة القديمة ... فكيف عاد هؤلاء الناس بعد هذه المدة الطويلة ... وما الذى حدث لهم كى ينقلب بهم الحال من رجال يائسين من الحياة الى رجال اصحاب وقار !!
حددت هذه المجموعة ميعاد مع اهل المدينة للمقابلة على احدى شواطىء المدينة
... ليتحدثوا عن قصصهم العجيبة ... ويفسروا ماجرى لهم .... ويعرّفوا الناس ماذا حدث لهم .... ومر الوقت وحان ميعاد الاجتماع بأهل المدينة للأجابة على الاسئلة العديدة ....
بدأت المقابلة بأن تحدث احدهم وقال
.. سيحكى كل منا قصته اولا ... وبعدها نجيب على اى اسئلة ... فأومأ اغلب الناس برؤسهم فى اشارة الى الموافقة ....
فتحدث الاول ويدعى "زويل"
.. عندما وجدت التجاهل التام من أصحاب الميناء ( نظام مبارك ) .. ويأست من إهتمامهم بنداءاتى المتكررة وأنا فى قلب البحر .. قررت ان اشق طريقى بنفسى وبأقل الامكانيات لأصل الى هدفى .. وقد كان , فقد سبحت من بحر الى آخر حتى رسى بى الحال على بلد يقولون أنها تقدر أمثالى .. فوصلت فيها الى ضالتى فى النهاية ( المركز الأول بين أعظم مائة عالِم فى العالم )
وتحدث الثانى ويدعى "إبراهيم درويش" ... عندما وجدت التجاهل التام ايضا من أصحاب الميناء بدأت فى الاعتماد على نفسى حتى وصلت لما فيه انا الآن .. فقد أصبحت أطلب بالإسم فى معظم دول العالم لأعطيهم خبرتى فى كتابة دساتيرهم !
وتحدث الثالث ويدعى "ثروت بدوى" لم اختلف عمن سبقونى كثيرا بعد ان وجدت ما وجدوه من تجاهل تام من أصحاب الميناء .. فقررت ألا أستسلم للغرق مثلما إستسلم الكثيرون غيرى , شققت طريقى ووصلت لضالتى اخيرا وأصبحت من أهم فقهاء كتابة الدستور فى العالم !
وتحدث الرابع ويدعى "الباز" ( صاحب مشروع ممر التنمية ) بنفس الحديث
... وكذلك الخامس ويدعى "حجى" ( عالم الفضاء المصرى بوكالة ناسا ) ... ومثلهم السادس ويدعى المهندس "هانى عازر" ... وعلى شاكلتهم "مصطفى السيد" ثم السابع فالثامن فالتاسع فهم كانوا كثر !!!
وفجأة تحولت أنظار الجماهير الجالسة على الشاطىء الى الجانب الآخر عندما لاحظوا رجلا يتقدم إليهم من بعيد ذو لحية ممسكا بمسبحة من "الذهب" الخالص , محاطا بمجموعة من الرجال الذين يتناوبون على تقبيل يداه الواحد تلو الآخر .. فزعم بعض الحضور أن القادم من بعيد هذا هو مدير الميناء الجديد .. وهو شخص ينادى بــ"مرشد" الميناء .. يلقب فى المدينة بالرجل المدلل .. وبدأ يسلم عليهم واحد تلو الآخر ثم جلس بجوارهم ..
وبعد ان أنهى كل فرد من هؤلاء الابطال قصة نجاحة
... قال احدهم بصوت عال ... ها قد انتهينا الآن ... فهل من اسئلة لا يوجد لها اجابات ؟؟
هنا صاح احد الناس بصوت عال .. نريد أن نعرف منكم شيئا واحدا فقط .. لماذ عدتم إذن رغم كل هذا النعيم الذى تعيشون فيه بالخارج ؟!
فرد أحد الأبطال بصوت واثق أجش .. جائتنا معلومات بأن الميناء قامت بها ثورة على النظام القديم وأنكم أتيتم بربان جديد ليقود الميناء وأن هذا الربان يريد كتابة دستور جديد للميناء فجئنا ليقدم كل منا خبرته فى مجاله للمساعدة فى بناء هذ الدستور .. هل من سؤال آخر ؟؟
هنا نهض أحد الجماهير مقاطعا : لانريد ان نسألكم أنتم .. بل نريد ان نسأل مدير الميناء الجديد .. هنا تحولت الأنظار الى الرجل الجالس وسط رجاله .. والذى أومأ برأسه فى إشارة الى الإستعداد لسماع السؤال ... فسأله الرجل .. بم انك أصبحت الآن مدير الميناء الجديد بمساعدة ثورتنا التى قمنا بها نحن ... وتوفرت لك كل ظروف الحياة الكريمة ... وحصلت على كل الدعم منّا ... فها نحن الآن نطالبك بالإستعانة بهذه الخبرات العائدة الينا من جديد لإصلاح ما أتلفه نظام الميناء القديم ؟!!! ... هنا توجمت ملامح الزعيم المدلل وإنقلبت الى علامات عضب جم .. ووقف مشاورا ناحية الرجل قائلا بصوت جهورى هز أركان المكان .. نحن لا نتلقى أوامر من أحد .. وطالما فوضتونى فى تولى أموركم فليس لكم إلا أن "تسمعونى" و"تطيعونى" لا غير , وأقولها لك ولغيرك من الآن .. لن أستعن إلا بمن يحقق مصالحى ومصالح جماعتى .. هنا هاجت الجماهير وماجت وانتشرت حالة من الثورة والغضب لما رأوه من خيبة أمل مع رجلهم المدلل ونظامه الجديد !!
وفجأة اقتحم خفر السواحل ( البرلمان ) الشاطىء
.... وسط حالة من الفرح والتهليل من الجماهير _ التى رأت فيهم الملجأ والأمل الأخير _ مطالبين خفر السواحل ان يكرم الابطال العائدون وأن يمسكوا بتلابيب هذا المرشد المدلل وجماعته الذين ظهروا على حقيقتهم .. لكن كانت المفاجأة المدوية بأن دخل خفر السواحل ليحموا الزعيم المدلل ويحاولون القبض على مجموعة الابطال العائدة هذه بتهمة إثارة الجماهير !!
ليكتشف الجميع أن خفر السواحل هؤلاء ماهم إلا صدى صوت لهذا الزعيم "المرشد" وجماعته !!
فما كان من هؤلاء الأبطال العائدون من الخارج إلا أن قفزوا جميعهم مرة أخرى فى مركب كان موجودا على الشاطىء لكى يهربوا من هذا الجحيم .. وبدأوا فى التجديف بالمركب الى ان اختفوا عن الانظار وإبتعدوا عن الشاطىء للمرة الثانية فى تاريخ الميناء !
هنا امسك احد الخفر بالاسلكى الخاص به قائلا
: خفر السواحل .. خفر السواحل .. هل تسمعنى .. تم هروب المجموعة على ظهر مركب تحمل اسم "مركب النسيان"
هنا جاءه الرد على الاسلكى برسالة مسجلة تقول : خفر السواحل خارج نطاق الخدمة !!!
نداء ..
الى أصحاب البلاد الجدد .. لا تدفعونا الى حافة الهاوية !
الى أصحاب الميناء الجدد .. لا تدفعونا الى مركب النسيان !