آ - الدعوة إلى الإكثار من ذكر الله جل وعلا، حيث فاقت آيات الدعوة إلى ذكره تعالى كلّ الآيات الداعية إلى إقامة شعائر الإسلام، ونذكر من هذه الآيات على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} سورة آل عمران: [الآيتان: 190-191].
وقوله عز من قائل: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} سورة البقرة: [الآية: 200].
وقوله: {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم} سورة النساء: [الآية: 103].
وقوله: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} سورة الجمعة: [الآية: 10].
كما جعل إقامة شعائر الإسلام الأخرى من أجل ذكر الله، فقال عز من قائل: {وأقم الصلاة لذكري}سورة طه: [الآية: 14].
وقال {قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى} سورة الأعلى: [الآيتان: 14-15].
وحذر سبحانه من التهاون في هذه الفريضة، فقال عز من قائل: {ومن يَعْشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين* وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين} سورة الأعلى: [الآيتان: 14-15].
ولم يكتف القرآن بالتحذير من التهاون بذكر الله، بل لقد هدد وأوعد، فقال سبحانه: {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين} سورة الزمر: [الآية: 22].
وجعل من يقلل من ذكره جل وعلا في عداد المنافقين فقال: {يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا}سورة النساء: [الآية: 142].
ب- الدعوة إلى التفكر والتأمل، فتفكر ساعة يعدل عبادة سنة، لذلك طالب القرآن الناس أن يتفكروا، فقال عز من قائل: {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا مثنى وفرادى ثم تتفكروا}سورة سبأ: [الآية: 46].
وقال: {قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} سورة يونس: [الآية: 10].
وقال أيضاً: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق..} سورة فصلت: [الآية: 52].
وَعَدَّ سبحانه المتفكرين من خلقه من أولي الألباب فقال: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب *.... ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار} سورة آل عمران: [الآيتان: 190-191].
ولاشيء يسعد الروح ويشعرها بالنشوة والطرب مثل الذكر والفكر، ولله در من قال:
وليُّ الله ليس له أنيس
فيذكره ويذكره فيبكي
سوى الرحمن فهو له جليس
وحيد الدهر جوهره نفيس
لكن القرآن في الوقت نفسه حارب الروحية البحتة المنقطعة عن الحياة؛ لأن فيها تعطيلاً لقوى الإرادة، وإهمالاً لطاقات العقل، وقد أكد هذا المعنى النبي صلى الله عليه وسلم (وهو الشارح للقرآن) في أحاديث عدة، فقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (( جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا، كأنهم تقالُّوها، قالوا: فأين نحن من رسول الله، وقد غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟، قال أحدهم: أما أنا فأصلّي الليل أبداً، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء، ولا أتزوج أبداً، فجاء رسول اللهصلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله، إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) أخرجه البخاري عن أنس.
وعندما أراد عبد الله بن عمرو بن العاص أن يتبتّل وينقطع عن الدنيا إلى عبادة خالقه قال له صلى الله عليه وسلم: ((صم وأفطر، ونم وقم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينيك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقا)) وفي رواية أخرى: ((فأعط كُلَّ ذي حق حقه)) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود عن ابن عمرو رضي الله عنه.
والتوازن بين مطالب الجسد والروح، فضلاً عن أنه انسجام مع الفطرة الإنسانية، ضرورة واقعية، فيه خير للأمة والمجتمع، حيث تتكون الأسرة، ويتعاون أفرادها في تحقيق مطالب الحياة، وهذا هو مبدأ الوسطية في الإسلام الذي صَرّح به القرآن الكريم في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} سورة البقرة: [الآية: 143].
أي جعلناكم أمة عدولاً، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((خير الأمور أوساطها)) أخرجه رزين عن أبي هريرة ( جامع الأصول 1/223 ).
4- اهتمام القرآن بالعقل والعلم
تردد ذكر العقل في القرآن زهاء خمسين مرة، وذُكِرَ أولو الألباب بضع عشرة مرة، وأولو النهى مرتين، والأمثلة على ذلك كثيرة، فمنها قوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون} سورة البقرة: [الآية: 164].
وقوله عز من قائل: {إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين * وفي خلقكم وما يبث من دابة آياتٌ لقوم يوقنون * واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون} سورة الجاثية: [الآيات: من 3-5].
وقوله جلّ وعلا: {وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} سورة الرعد: [الآية: 4].
وهذه الآيات وأمثالها دعوة قوية لإعمال العقل في هذا الكون وما أودع فيه من أسرار ومنافع، وذلك من أجل الاستفادة من طاقاته في بناء الحياة المزدهرة للفرد والأسرة والمجتمع على حد سواء.
وقد ذم القرآن التقليد الأعمى في آيات كثيرة، لأنه يعمي العقل عن رؤية الحق، ويجعله منقاداً للأهواء والشهوات، ومن هذه الآيات قوله سبحانه: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون} سورة البقرة: [الآية: 30].
وحيث إن العقل لا ينمو إلا بالعلم، فقد اهتم الإسلام بالعلم اهتماماً كبيراً، فأوَّل ما نزل من القرآن: {اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علّم بالقلم * علّم الإنسان ما لم يعلم} سورة العلق: [الآيات: من 1-5].
ثم نزل بعد ذلك قوله عز وجل: {ن * والقلم وما يسطرون}، ثم نزلت الآيات تترى تُبيّن فضل العلم والعلماء، فقال سبحانه: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}
وقال أيضاً: {إنما يخشى اللـهَ من عباده العلماءُ}
وجعل سبحانه العلماء في المرتبة الثالثة بعد الله والملائكة فقال سبحانه: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}سورة آل عمران: [الآية: 18].
وما من شيء أمر الله فيه نبيه والمؤمنين أن يزدادوا منه مثل العلم، فقال سبحانه: {وقل رب زدني علماً}( سورة طه: [الآية: 114].
هذا وقد بلغت الآيات الدالة على العلم ومشتقاته في القرآن (870) آية.
وأما الأحاديث الورادة في فضل العلم والعلماء فهي أكثر من أن تحصى، ولكن سنقتصر على ذكر أهم حديثين في هذا الباب وهما:
آ - ما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة)) رواه الترمذي عن أبي هريرة.
ب- ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما تكلم عن الجود فقال: ((ألا أخبركم عن الأجود؟ الله الأجود الأجود وأنا أجود ولد آدم، وأجودهم من بعدي رجل علم علماً فنشر علمه، يبعث يوم القيامة أمة وحده..)) رواه أبو يعلى والبيهقي عن أنس بن مالك.
وأما كتمان العلم فهو جريمة في نظر القرآن، يستحق صاحبها اللعن والطرد من رحمة الله،وهذا ما أكده سبحانه بقوله: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعدما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم} سورة البقرة: [الآيتان: 159-160].
وورد هذا التهديد أيضاً على لسان صاحب الرسالة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((من كتم علماً ألجم يوم القيامة لجاماً من نار)) رواه ابن عدي عن ابن مسعود ( الجامع الصغير، حديث رقم 8988 ).
وهذا الأمر له طرف آخر يشاركه فيه، ألا وهو التقصير في طلب العلم، كما هو حال كثير من المسلمين اليوم، فالتقصير في تعلم العلوم خيانة في نظر الشارع الحكيم، ولقد هدد رسول الله صلى الله عليه وسلم أقواماً قصّروا في طلب العلم فقال: ((ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يعظونهم، وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتفطنون، والله ليعلمن أقوام جيرانهم وليفقهنهم وليبصرُنَّهم وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتفقهون أو لأعاجلنهم العقوبة في دار الدنيا)) أخرجه ابن راهويه وابن منده والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم وابن عساكر عن أبزي الخزاعي [كنز العمال: 3/684].
وليس كل علم نافعاً في ميزان الشرع، وإنما العلم علمان: علم نافع وعلم ضار، فالنافع هو الذي يفيد في تكوين الفكر، ويخشع به القلب والجوارح، والضار هو الذي لا نفع له في الحياة، أو هو القراءة القولية دون العمل والتطبيق، والذي سيكون يوم القيامة حجة على ابن آدم لا حجة له، ولذلك فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من علم لا ينفع رواه أحمد وابن حبان والحاكم عن أنس.
ولا يظنن ظان أن العلم في ميزان الشرع مقصود به العلم الشرعي فقط، لا، بل هو كل علم يخدم الإنسانية جمعاء، وليس أدل على ذلك من تنكير كلمة علم في حديث المصطفى السابق: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علما))، إذ إن هذا التنكير جاء ليشمل كافة العلوم النافعة للبشرية، دون أن يخصص به علماً معيناً.
وفي الختام نقول: إن الإسلام رسالة بناء ومجد، وعزة وكرامة، وهذا لا يقوم إلا بسلطان العلم والعقل، لذلك ومن هذا المنطلق، فقد حث القرآن على العلم لبناء صرح الحضارة الذي لا يأفل، ونجم السعادة الذي لا يخبو، والعز الدائم الذي لا ينقطع.
5- التضامن والتكافل الاجتماعي في مظلة القرآن الكريم
يعتبر التضامن الاجتماعي بين المؤمنين من أهم مقتضيات الأخُوّة الإيمانية، والذي عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} سورة التوبة: [الآية: 71].، وبقوله: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض} سورة الأنفال: [الآية: 72].
وعَبَّرَ عنه النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: ((الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله)) رواه أبو يعلى والبزار عن أنس، والطبراني عن ابن مسعود. وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته...))أخرجه مسلم عن ابن عمر.
ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً رائعاً لتبيين مضمون التكافل الاجتماعي فقال: ((مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء، مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)) أخرجه البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير.
وما أصوب بيان النبي صلى الله عليه وسلم في وضع الشعار الواحد للمجتمع المسلم بقوله: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي عن أبي موسى الأشعري.
وبقوله: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) أخرجه أحمد ومسلم عن النعمان بن بشير.
وليس أمر صلة الآخرين والإنفاق عليهم أمراً مرغوباً فيه وحسب، وإنما هو واجب رباني، ودليل على الإيمان الصحيح، وما أروع البلاغ النبوي الذي قرّر هذا المبدأ بقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به)) أخرجه البزار والطبراني عن أنس بن مالك.
وبقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله يحاسبهم حساباً شديداً ويعذبهم عذاباً أليما)) أخرجه الطبراني عن علي بن أبي طالب.
وأخيراً، فقد سبق القرآن غيره من التشريعات الحضارية التي دعت إلى التكافل الاجتماعي وربط هذا الأمر بسياج عظيم من التقوى والإيمان، فحقق ما عجزت عنه كل النظريات الداعية إلى كرامة الإنسان وعزته.
6- القرآن الكريم دعوة حقيقية إلى التقدم والحضارة
أكد القرآن المعنى الإيجابي البَنَّاء لتقدم الحياة بقوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليـبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} سورة النور: [الآية: 55].
ولقد قامت دعوة القرآن القوية إلى الحياة الصحيحة الواقعية المتفوقة، على أساس النظرة الشاملة للإنسان والحياة والكون، وذلك بالربط الوثيق بين الأرض والسماء وبين الجسد والروح، بين مطالب الدنيا والآخرة، فعمدت إلى الجمع والتوازن بين المادية والروحية الإنسانية، منطلقة من قوله جل وعلا: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} سورة البقرة: [الآية: 201].
هذا وإن تقدم أي مجتمع مرهون باستقرار أوضاعه الداخلية ( السياسية والاقتصادية والاجتماعية ) والقرآن دعا إلى تحقيق هذا الاستقرار من حيث جوانبُه الثلاث:
فلتحقيق الاستقرار السياسي أمر القرآن بطاعة أولي الأمر، فقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} سورة النساء: [الآية: 59].
كما أمر بالوحدة ونبذ الفرقة والاختلاف، فقال عز من قائل: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} سورة آل عمران: [الآية: 103].
وقال: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} سورة الأنفال: [الآية: 46].
ودعا إلى التشاور في الأمر فقال: {وأمرهم شورى بينهم} سورة الشورى: [الآية: 38].
ولتحقيق التقدم الاقتصادي دعا سبحانه إلى إعمار الكون فقال: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} سورة الملك: [الآية: 15].
وعلمنا القرآن الاهتمام بالزراعة والسدود من خلال قصة سد سبأ، وكأنه يقول لنا: ابنوا السدود لتحصلوا على زراعة وفيرة وغَلاّت خيّرة.
وفي مجال الاهتمام بالصناعة قصّ علينا سبحانه قصة داود ( صاحب الصناعة الحربية ) بقوله: {وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون}سورة الأنبياء: [الآية: 80].
كما قصّ علينا عن سليمان (صاحب الصناعة المدنية) بقوله: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات} سورة سبأ: [الآية: 13].
وسَمَّى سورة كاملة في القرآن باسم سورة الحديد بياناً لفضل هذا المعدن وأهميته في الصناعتين الحربية والمدنيّة على حد سواء، حيث قال الله فيها عن الحديد: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} سورة الحديد: [الآية: 25].
ولتحقيق الاستقرار الاجتماعي دعا القرآن إلى الأخلاق الحميدة والأُخُوّةِ والتآلف بين الناس، وبيّن أن الهدف من جعلهم شعوباً وقبائل هو للتعارف فيما بينهم، فقال عز من قائل: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا} سورة الحجرات: [الآية: 13].
وأمر بالإحسان للآخرين، ووصف البار الحقيقي بأنه من جمع خصال الإيمان والإحسان إلى الخلق، فقال عز من قائل: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} سورة البقرة: [الآية: 177].
وأخيراً فمن ميزات الحضارة الإسلامية التي دعا إليها القرآن أنها لاتعرف الانزواء والانغلاق و العصبية والعرقية والإقليمية، وإنما هي حضارة زاهية متفتحة تدعو لخير الإنسان والإنسانية جمعاء، حيث أكد القرآن هذا المبدأ بقوله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} سورة الأنبياء: [الآية: 107].
7- القرآن والإخاء الإنساني
(ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب)
كلمة قالها ذات يوم (غوستاف لوبون)، عندما تحدث عن الفتوحات العربية الإسلامية، وذلك بعد أن أجرى دراسات معمقة على كافة الحروب التي جرت بين المسلمين وأعدائهم وما تعقبها من فتوحات إسلامية أدت إلى نشر العلم والإيمان والمعرفة والثقافة في تلك الأصقاع المفتوحة.
ولكن لو تساءلنا ما هو سر هذه الرحمة عند المسلمين؟ لكان الجواب: إنه نزعة الإخاء الإنساني الموجود في الكتاب الخالد - القرآن الكريم.