يبدأ نقاش طريقة تربية الأبناء في مرحلة مبكرة، مرحلة تحديد التوقعات من الزواج، ودراسة كل طرف لطريقة ومعتقدات الشريك المرتقب عن الحياة الزوجية، بل وطريقة تفكيره في الحياة كلها، وممارسته لها، فهي تنعكس بالضرورة على التربية، وتعتبر طريقة الشخص في التربية، والتعامل مع مشكلات الأطفال وحلها من أهم ما يجب بحثه في فترة الخطوبة وما قبل الزواج. وما يحدث في كثير من الحالات أن الانشغال العاطفي يمنع الشخص من رؤية الكثير مما ينقص الطرف الآخر، ويوافق على الكثير من قناعاته حتى إن كانت لا تعجبه، وهذا بدافع العاطفة التي لا ترى سوى الحب والإعجاب، أو اعتقاد الشريك بأنّ بإمكانه تغيير قناعات هذا الشخص بعد الزواج، أو في أسوأ الأحوال من قناعة الطرفين أن لا داعي لنقاش هذا الأمر فالتربية أمر ميسور!.
يؤثر التباين في الرسائل الموجهة إلى الأطفال وطرق تدريبهم على مهارات الحياة، وضبط سلوكهم، بشكل سلبي على الأطفال بالدرجة الأولى، وإن كانت المشكلة في اختلاف الزوجين لا تبدأ منها، وإنما تظهر أخطر نتائجها هنا، أي في طريقة التربية.
ويأتي هذا التباين نتيجة لأسباب عدة منها:
- اختلاف توقعات الزوجين وأفكارهما عن الحياة، ومحدودية المساحات المشتركة في التفكير والتعامل مع الأمور. حيث تشير الدراسات إلى أنّ التباين في طرق التربية بين الزوجين مرتبط بمستويات من عدم الاتفاق والانسجام في ممارسات حياتية وزواجية أخرى، وينعكس على كل حياتهما، أو أغلبها، بما في ذلك التربية.
- محاولة أحد الطرفين أو كلاهما فرض نظامه وطريقته في الحياة على البيت، معتقدا أنها وحدها الطريقة الصحيحة، والتي يمكنها تحقيق أهدافه في الحياة الأسرية، بغض النظر عن أهداف الطرف الآخر.
- خوف أحد الطرفين على الأطفال من عدم الانضباط، أو التساهل في التربية، ونتائج ذلك على حياتهم ومستقبلهم، أو خوفه عليهم من تشدد الطرف الآخر وقسوته وسيطرته.
- اختلاف البيئة التي ينحدر منها الزوجان، كأن يكون أحدهما من بيئة مغلقة محافظة، أو من نمط تربية متشدد، والآخر من نمط وبيئة أكثر انفتاحا وتقبلا.
- تصفية الوالدين لمشكلات أو خلافات شخصية من خلال رسائل متناقضة، أو محاولة كل منهما فرض سيطرته على الأطفال، أو استمالتهم إلى جانبه.
تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يعيشون في أسر لا يتفق فيها الزوجان على أسلوب التربية، يعانون من مشكلات واضطرابات في المزاج والسلوك، والحكم على الخطأ والصواب، ومشاعر غير مستقرة تجاه الوالدين أو أحدهما، نتيجة تناقض الرسائل التربوية. وفي أغلب الأحيان يختار الأطفال الرسائل التي تتوافق ومزاجهم ورغباتهم، كما أنهم يطورون مشاعر من الخوف والرهبة والشعور بالرفض من الطرف الذي لا تعجبهم رسائله، وأنهم محسوبون على طرف دون آخر في العلاقة الوالدية.
كيف يمكن التعامل مع الاختلاف في طريقة التربية بين الزوجين:
- يمثل النقاش السابق للزواج وإنجاب الأطفال، وتوحيد التوقعات والأهداف، وتصور الشريكين لطريقة التربية، أهم الخطوات وأسهل الطرق لتربية متوازنة.
- لا ينبغي أن ينطلق أحد الزوجين من أن طريقته في التربية وحدها الصحيحة وبقية الأساليب خاطئة، ففرض نظام وتدريب الأطفال عليه أمر هام جدا وضروري، إلا أن طريقة وضع هذا النظام ومساعدة الأطفال على الالتزام به، والتكيف معه، أمر أهم من النظام نفسه أحيانا، لأنه المدخل لنقبل الأطفال أو رفضهم لهذا النظام.
- يجب أن يكون هناك اتفاق مسبق بين الزوجين أساليب التعزيز والعقاب، وطريقة التعامل مع المواقف والأخطاء السلوكية التي تصدر عن الأطفال، مثل: رفض الطفل النوم في الموعد المحدد، أو رفضه أداء واجباته المنزلية أو الدراسية، أو تشاجره مع أشقائه.
- على الأبوين بناء رسائلهم وطلباتهم إلى الأطفال على الحب والاهتمام الحقيقي، وتوضيح هذا للأطفال، فهم قادرون من خلال علاقتهم بذويهم على تمييز الحب والاهتمام، فحرص الأبوين على نوم الأطفال في وقت محدد مثلا يجب أن يكون مبنيا على ضرورة حصولهم على قدر كافٍ من الراحة، وبيان انعكاس ذلك على حياتهم ودراستهم ومزاجهم، وقناعة الأطفال بهذا مرتبطة بالتعبير الدائم عن الحب والثناء من قبل الأبوين، ومحاولتهما مساعدة الأطفال على تقبل النظام، من خلال قضاء وقت بجانبهم في السرير بقراءة القصص أو القرب الجسدي، الذي يمنحهم الأمان والاستقرار النفسي، لا أن يكون منطلقا من رغبة الأم أو الأب في الحصول على قسط أكبر من الراحة، وعدم الاستماع لضجيج الأطفال، فيُغلَق باب الغرفة على الأطفال بغض النظر عن نومهم، وبالتالي نكون علمناهم إغلاق الباب فقط، لا نظاما للنوم والاستيقاظ، وأوصلنا لهم رسالة بأنهم مزعجون، وأن الوالدين يريدان الخلاص من إزعاجهم فقط.
- في حال فرض أحد الطرفين عقوبة أو وجّه رسالة تربوية لا يؤمن بها الطرف الآخر، يجب مناقشة قناعاتهما في مكان بعيدا عن الأطفال، والتوصل إلى حل وسط يتم توجيه الطفل للتصرف بناء عليه، لأن نشوب خلاف كهذا أمامهم، يولد لديهم إحساساً بأن الخطأ قابل لأن يكون صواباً، وأن الصواب قابل لأن يكون خطأ، في حال غياب أحد الأبوين.
..
في امان الله