عرش بلقيس ومملكة سبأ وقصر رغدان
قالوا قديماً ان الحكمة يمانية... ففي صنعاء
التي تعني التاريخ الاول للحضارات الانسانية تختلط روائح البخور والتوابل
والحبوب بروائح التاريخ العبقة التي تفوح من اركانها ممثلة في القصص
والحكايات، ولا غرابة في ذلك اذا ما فتحنا سجلات الماضي التي تقول بانها
اقدم مدينة مأهولة في
شبة الجزيزة العربية واول من قام ببنائها سام بن نوح عليه السلام، وعاش
فيها النبي سليمان، وعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه، والعديد من الصحابة
والرواة واحتضنت مملكة سبأ وعرش بلقيس، وعلى ارضها كان الطوفان وسفينة نوح وقوم عاد وثمود ومن تربتها خرج يعقوب وقحطان. وفي صنعاء يرقد تاريخ الحضارات الفارسية واليونانية والرومانية والبيزنطية والفنيقية والاسلامية.
تعني صنعاء
"المدينة المحصنة" وهي اقدم مدن العالم المأهولة بالسكان وتبدو المنازل
والشوارع الضيقة وكأننا نعيش في القرون الوسطى الحياة البدائية، وكانت على
مدى قرون عديدة العاصمة الاقتصادية والسياسية والدينية لليمن.
وتقول
الكتب التاريخية ان لها الكثير من الاسماء والالقاب منها على سبيل المثال
لا الحصر "مدينة سام بن نوح، أزل وهو الاسم الذي يقال انه جاء ذكره في
التوارة، اما صنعاء
وهو الاكثر شهرة حديثا فإنه يعني المدينة المحصنة" بل ان الوثائق
التاريخية تقول بان هذا الاسم ظهر ضمن المخطوطات والاعمال المنقوشة القديمة
ومنها خلال القرن الاول الميلادي حيث كان "ذو نواس "هو اخر ملوك الدولة
الحميرية القديمة وهو اول من اعتبرها وجعلها العاصمة والمركز الرئيسي
لسلطته وحكومته في بداية القرن السادس الهجري وفي الوقت نفسه قام الاحباش
بتخصيص تلك المدينة عاصمة لهم في عام 525.
عرش بلقيس اختلفت الاراء حول العهد الاول للمدينة فاتجاه يرى انها كانت توجد في ظل حكم بلقيس
بنت اليشرح ملكة سبأ في القرن العاشر قبل الميلاد كما ان اول ذكر لصنعاء
في نقش من عهد "كرب ال وتار يهنعم ملك سبأ وابنه هلك امر" فيما قال رأي اخر
ان اول من خطط المدينة هو ملك سبأ وذلك قبل حكم الملكة بلقيس.
ويقول
ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان (لما دخلت الحبشة اليمن قالوا نعم
نعم، فسمى الجبل نعم، ان انظر، فلما رأوا مدينتها وجدوها مبنية بالحجارة
حصينة فقالوا: هذه صنعة ومعناه "حصينة" فسميت صنعاء بذلك، ولم يكن باليمن اكبر ولا اكثر مرافق واهلا من صنعاء
وهي من الاعتدال من الهواء بحيث لا يتحول المرء من مكان طول عمره صيفا
وشتاء" ويقال ان اسمها أزال وهو اسم ورد في التوراة على اسم احد ابناء يقطن
بن عامر بن شامخ ارفخشد بن سام بن نوح.
وهناك من يقول ان اسم صنعاء
جاء اعتمادا على وجود خاصية "جودة الصنعة" في تلك المنطقة وكان اسمها في
الجاهلية ازال حتى دخلها الاحباش حينما كانت مشيدة بالحجارة الحصينة فقالوا
هذه "صنعة" ومعناها "حصينة" ومنذ ذلك الوقت اطلقوا عليها هذه الاسم. بل
واتجاه اخر يرى في تفسير اخر لاسم صنعاء وذلك لان "ازل " تعني باللغة الحبشية "صنع" اي القوة والصلابة.
وتقع صنعاء وسط الهضبة اليمنية في قاع صنعاء بين جبلي نقم وعيبان وعلى ارتفاع نحو2200 متر فوق سطح البحر وتسمى مدينة
سام عند اهل الاخبار ومدينة أزال في قصائد الشعراء، اما تسميتها بصنعاء
فنسبة الى جودة الصنعة في ذاتها .. و قد سيطرت على طرق التجارة المختلفة في
ظل ما قبل الاسلام وبعده ايضا. وبحلول عام 115 - 109 قبل الميلاد اتسعت
دولة سبأ وتحولت الى مركز مرموق في القرن الثاني الميلادي حتى بناء قصر
غمدان في القرن الثالث الذي كان مقرا للملك ولما تسلم السلطلة الملك سيف بن
ذي يزن استقبل فيه وفدا من اعيان قريش بقيادة عبد المطلب لتهنئته
بالانتصار على الاحباش.
وهناك قرية "شبام
الغراس او شبام سخيم" وما يميزها عن غيرها انها تضم تراث وبناء وتاريخ
ملموس يعود الى ما قبل الاسلام وما بعده ايضا ومن ذلك المقابر الصخرية -
تتكون من غرفة منحوتة داخل الصخر وترتفع بنحو 4 أمتار عن سطح الجبل - التي
كانت مخصصة للملوك والحكام الذين تعاقبوا على حكم المنطقة خلال القرن
الثاني بعد الميلاد، بل اثبتت الشواهد وعمليات الحفريات اليمنية وجود بعد
الموميات المحنطة التي لا يزال بعض منها في المتاحف اليمنية.
وجاء
في كتاب "الاكليل" للمؤرخ اليمني ابو محمد الحسن الهمداني "ان سام بن نوح
فكر في السكن في ارض الشمال فاقبل طالعا من الجنوب يرتاد اطيب البلاد حتى
صار الى الاقليم الاول فوجد اليمن اطيبه مسكنا وارتاد اليمن فوجد حقل صنعاء
اطيبها فوضع مقرانه - وهو الخيط الرفيع الذي يقدر به البناء اذا مد بموضع
الاساس - في ناحية "فج عضدان" في غربي الحقل مما يلي جبل عيبان، فبنى
الركن الذي يوضع عليه الاساس فلما ارتفع الركن بعث الله طائرا اختطف
المقرانة وطار بها وسام يتبعه لينظر اين يسقطه، فتوجه الطائر الى جيوب
النعيم، ما ارتفع من الارض ودون الهضبة، من سفح جبل نقم، فوقع بها، فلما
اقترب منه طار بها وطرحها على حرة غمدان ـ الحرة بلهجة اهل اليمن هي الارض
المدرجة في المرتفعات ـ فلما استقرت المقرانة على حرة غمدان علم سام انه قد
امر بالبناء هناك فاقام قصر غمدان وحفر بئره".
وبعد دخول الاسلام اصبحت صنعاء ضمن 6 ولايات كما قسمها الرسول صلى الله عليه وسلم حيث سكنها علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، وفي عهد الخلفاء الراشدين عم السلام صنعاء
وعندما نشب خلاف بين علي ومعاوية قررت الوقوف الى جانب علي الامر الذي
دفع بمعاوية الى ارسال حملة لتوطيد مركزه وتعزيز الدولة الاموية في اليمن،
ثم جاءت فترة حكم الدولة اليعفرية 294 هـ - 897 م وبعدها الدولة الايوبية،
ثم الدولة الرسولية التي استمرت 223 عاما توحدت خلالها اليمن حتى جاء عهد
الأئمة الذي شهد خلافات وصراعات طويلة انتهت بولاية الامام يحيى العثماني
في عام 1918
ويقال انه قد دخلها ايضا
عدد من الصحابة ومنهم ثمامة وعلي بن ابي طالب التي لا يزال مسجده حتى
الان، ومولى عثمان بن عفان ووهب بن منبه التابعي وطاووس اليماني التابعي
الكبير وعبد الله بن كثير احد القراء السبعة والامام محمد بن اسماعيل
الصنعاني صاحب سبل السلام.
وقيل فيها: صنعاء لا ارتضي عن اهلها بدلا اكرم بها وبسكان بها نزلوا لم انس طيبا لاوقاتي بساحتها والسحب باقية والبرق مبتسم