كلود برنارد سيرة كلود برنارد

العالم "كلود برنارد" (Claude Bernard) ربما يكون من الأسماء التي لم تحظ بالقدر الكافي من الاهتمام والشهرة خارج الأوساط العلمية، لكنه أحد أكثر العلماء تميزاً في العلم في التاريخ. لهذا نلقي قليلاً من الضوء على حياة العالم الفرنسي الكبير "كلود برنارد".
ولد "برنارد" الفرنسي في 12 يوليو من عام 1813 في قرية الفرنسية الصغيرة "سانت جوليان" (Saint-Julien) ودرس في مدارس "الجيزويت" (Jesuit) ثم واصل دراسته في مدينة "ليون" . عمل "برنارد" في بداية حياته مساعداً في متجر صيدلي وكان يحب كتابة الأعمال الكوميدية والدرامية من بينها عمل درامى من خمس مشاهد بعنوان "Arthur de Bretagne".
في عام 1834 وكان عمره واحد وعشرون عاماً انتقل "برنارد" إلى العاصمة باريس مصوباً هدفه للعمل بالأدب والتأليف المسرحي لكن الانتقادات اللاذعة أثنته عن استكمال مشواره في العمل بالأدب ولكن رب ضارة نافعة فكان عدول "برنارد" على احتراف الكتابة دافعاً لدراسة الطب الذي نبغ فيه لاحقاً.

خلال دراسته للطب تعرف "برنارد" على عالم الفسيولوجي الكبير "فرانسواز ميجاندى" (François Magendie) والذي كان يعمل في مستشفى (Hôtel-Dieu de Paris). واصل "برنارد" اجتهاده العلمى حتى عُين نائب بروفيسور في عام 1847 ثم بروفيسور في عام 1855. في هذا الوقت كان علم الفسيولوجي وهو علم وظائف الأعضاء من أفرع العلم التي لم تكن شائعة آنذاك بل كان يعتبر أدنى منزلة عن أفرع العلوم الأخرى لكن على الرغم من هذا استطاع "كلود برنارد" أن يثبت تفوقه ونبوغه العلمي حتى تم اختياره كأول أستاذ كرسي في معهد "السوربون" (Sorbonne) في علم الفسيولوجي.
وقد قام القائد الفرنسي "لويس نابليون" بتوفير مكان خاص للعالم "برنارد" كمعمل للاختبارات العلمية بمتحف التاريخ الطبيعى. وقد تم انتخاب "برنارد" في عام 1868 ليكون عضواً أجنبي في الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم (Royal Swedish Academy of Sciences).
اعتمد "برنارد" في عمله على طرق البحث العلمي والتي تتركز على إجراء التجارب والمشاهدة والاستنتاج. وكانت له انجازات علمية كبيرة في مجال فهم وظائف الأعضاء البشرية والتي بنيت على أساسها نظريات علمية وساهمت بشكل كبير في فهم طبيعة بعض الأمراض من أجل محاربتها بالشكل الصحيح.
ومن أهم انجازاته العلمية فهم وظائف غدة البنكرياس والدور المهم الذي تلعبه في عملية الهضم. ونال عن هذا العمل جائزة علم وظائف الأعضاء التجريبية من الأكاديمية الفرنسية للعلوم. كما كرس "برنارد" جزءاً طويلا من دراساته في التعرف على وظائف الكبد وقد أفضت أبحاثه إلى استنتاج أسباب مرض السكر والمرتبطة بالكبد. كما ساهم "برنارد" في كشف نظرية النظام الحركي (vaso-motor system). وكان له دور أيضاً في كشف تأثير درجة حرارة الأعضاء على النشاط العصبي للجسم.
كما كان لبرنارد دور كبير ورئيس في إخراج مصطلح الوسط الداخلي أو كما يطلق عليه بالفرنسية (Milieu interieur) والذي تم تطويره بعد ذلك على يد "والتر كانون" (Walter Bradford Cannon) إلى مصطلح التوازن (homeostasis). يرمز هذا المصطلح إلى البيئة الداخلية لأعضاء الجسم.
كتب "برنارد" من ضمن ما كتب أن عالم الفسيولوجي ليس رجلاً عادياً، إنه رجل متعلم متشبع بالفكرة العلمية. كان لبرنارد فضلا كبيراً في اكتشاف التشريح وكان يؤمن بأن التشريح هو خطوة إيجابية في اتجاه تخلص الإنسان من معاناته مع المرض حتى لو كان على حساب معاناة الحيوان. لكن هذا الاعتقاد الراسخ في ذهن "برنارد" لم يرق لزوجته حتى أن الأمر قاد إلى انفصالهما مع تبنيها لحملة ضد ممارسات التشريح. وقد أوضح أسس علم التشريح من وجهة نظره في كتابه مقدمة في دراسة الطب التجريبى الذي صدر في عام 1865.
هذه لمحة بسيطة عن حياة "كلود برنارد" عالم الفسيولوجيا الفرنسي الذي أسهم بشكل واضح في تعزيز أهمية علم وظائف الأعضاء ومنحه المكانة اللائقة به بين العلوم الأخرى. وقد حظى "كلود برنارد" باحترام وتقدير في الأوساط العلمية والشعبية على حد سواء في فرنسا وربما كانت تسمية الساعات الفرنسية الأنيقة على اسمه نوعاً من التقدير أو التبارك به. ويعتبر أول فرنسى يحظى بجنازة شعبية هائلة في 10 فبراير عام 1878 عن عمر يناهز 64 عاماً.