منذ ولادة وليدك الصغير وتتمنين اليوم الذي ينطق فيه لأول مرة.. تتذكرين أول كلمة رددها.. وتحتفلين بأول جملة كاملة يصدرها.. تتعقبين تلك الحروف المتلعثمة التي ينطقها إلى أن يخرج -أخيرا- بأول كلمة له ومن ثم تعتبرين وليدك قد صار طفلا وتبدأين في التحدث إليه.. ولكن للأسف لم تعلمي بعد أنك قد أضعت وقتا كبيرا في انتظار أول كلمة تخرج منه مع أنه يتحدث إليك منذ ولادته.. أفلا تودّين فهم لغته أولاً؟!!
ثورة في عالم الإتصالات أحدثتها امرأة كانت كل مؤهلاتها حسن الإستماع.. تلك الصفة التي نفتقدها بشدة في كل مواقفنا.."بريسيلا دانستن" هي إمرأة تحمل الجنسية الاسترالية وهي بطلة هذا الموضوع بلاشك.. حين كانت بريسيلا في الرابعة من عمرها اكتشف أبويها أن لديها موهبة خاصة وهي ذاكرة فوتوغرافية للصوت.. بحيث كانت تستطيع إعادة عزف مقطوعة لموزارت من مجرد سماع المقطوعة ورؤيتها لأصابع والدتها وهي تعزف على البيانو.. وكان تطورها في حسن الإنصات هو تمييزها لنبرة كلام المتحدث فكانت تستطيع معرفة الحالة النفسية للمتحدث من خلال نبرة الحديث
تقول بريسيلا "أكتفيت بالاستفادة من تلك الهبة في معرفة الناس معرفة وثيقة.. ولكن حين ولدت رضيعي "توم" بدأت أكتشف ميزة جديدة فيما لدي من موهبة في الإنصات أني أستطيع تمييز عدة أصوات متكررة للرضيع.. ثم طبقت تلك الأصوات على أطفال آخرين فوجدتها متطابقة.. حينها عرفت أني قد توصلت للغة الأطفال الرضع وأنهم جميعا يتحدثون نفس اللغة".
كثيرا من الأبحاث أجراها عديد من العلماء في الجامعات الكبرى والتي تعمدت تحليل نبرات بكاء الأطفال لعلهم يصلون إلى لغة مشتركة بينهم ولكن دون جدوى، وتعلل "بريسيلا" ذلك في أن الطفل يبدأ بكاءه بأصوات هادئة وحين لا يستجيب إليه أحد يبدأ في بكاءه الهيستيري والذي لا يمكن لأحد أن يميزه عن أي بكاء آخر للطفل فهو جميعا يدرج تحت بند الصراخ.
وكان العلماء يحللون ذلك الصراخ؛ لذا لم يتوصل أحد منهم إلى شيء.. أما "بريسيلا" فكانت تركز على تلك الأصوات الهادئة –الهمهمات- قبل البكاء الهيستيري ومن ثم إستطاعت التوصل إلى نغمات ثابته يصدرها الطفل بالإضافة إلى أنه كلما أستجبت إلى الطفل عند إصداره تلك الأصوات كلما اعتاد عليها أكثر ومن ثم أصبحت لغة تناغم بينك وبين طفلك تمنع الصراخ الهيستيري ومايترتب عليه من ضرر للطفل وصداع للمنزل ككل.
توصلت بريسيلا إلى أن الاطفال منذ الولادة وحتى سن ثلاثة شهور يستخدمون جميعا خمس كلمات للتعبير عن كافة إحتياجهم.. فهم في البداية لا يصدرون أيا من الاصوات منتظرين تلبية رغباتهم من جوع أو تجشأ أو دخول الحمام.. ولمّا لا يُلبّى رغباتهم فيبدأون في إصدار تلك الأصوات بهدوء في إرتفاع تدريجي ثم الهيستيريا.. في مرحلة الأصوات الهادئة قبل البكاء والصراخ يصدرون خمس أصوات وكما تقول "بريسيلا" فالأصوات هي كالآتي:
"Neh" "نيه" ومعناها أن الطفل جائع.
"owh" "اوه" ومعناها أن الطفل يحتاج إلى أن ينام وفي الأغلب تشبه التثاؤب نسبيا.
"Heh" "هيه" ومعناها أن وضعية الطفل غير مريحة بالنسبة له فيستحسن أن تغيرين من جلسته أو مسكتك له.
"Eh" "ايه" ومعناها أن الطفل يحتاج إلى أن يتجشأ.
"Eair" "ايررر" ومعناها أن الطفل يحتاج لدخول الحمام.. أو أن هناك تقلصات في معدته.
المذهل أن بريسيلا قد أجرت بحوثها على جنسيات مختلفة وأعراق مختلفة من الأطفال الرضّع ووجدتهم جميعا يستخدمون نفس الكلمات.. وتكرر "بريسيلا" أنه كلما كانت هناك إستجابة لتلك الأصوات كلما زاد الطفل من استخدامه للكلمات الخمس وكلما قلت الإستجابة كلما توقف الطفل عن إستخدام تلك الكلمات ولجأ الى أساليب أخرى مجهولة.
ظهرت بريسيلا في عديد من البرامج الحوارية وغيرها لتنشر ما توصلت إليه.. وقدمت تجارب أمام المشاهدين في كيفية تهدئة الأطفال والإستجابة لأصواتهم ولغتهم قبل البكاء الهيستيري وكان ذهول الناس في تجاوب الأطفال بالفعل معها.. هو شيء يستحق التجربة دون أدنى شك.
ببساطة هو كتالوج لغوي سهل للغاية قدمته لنا "بريسيلا دانستن" يقتل نسبة كبيرة من خوف الأمهات من الإنجاب.. فكثير من الأمهات يخشين الإنجاب خوفا من عجزهن عن فهم أطفالهن أو الجهل بكيفية التعامل معهم.. ألم تتمني يوما أن يصبح لديك كتالوج للتعامل والتواصل مع طفلك قبل أن يولد؟!